الإخوان: خلل السياسة وتحـوّل العـقـيـدة

15-02-2013

الإخوان: خلل السياسة وتحـوّل العـقـيـدة

أينما سيطر الإخوان المسلمون أسرعوا بالتأسيس على الهوية لا على السياسة. أدى ذلك إلى إضاعة الفرص في بناء الدولة ونقاش المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؛ كما أدى إلى تحوّل في العقيدة الدينية لديهم.
تتعلق السياسة بالحوار مع الآخر في سبيل الوصول إلى تسويات لتمكين المجتمع من العيش سوية. تُعنى السياسة بالأمور الدنيوية حكماً. كما قال الماوردي في مطلع الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعة لسياسة الدنيا وحراسة الدين. الدين مكمّل منذ خطبة الوداع: اليوم أكملت لكم دينكم. السياسة خطاب إلى الآخر، اعتراف بالآخر وبرأيه. رأي الآخر يؤخذ في التسوية وإلا كانت هذه غير ممكنة.
تتعلق الهوية بالخطاب مع الذات. يحاول أصحاب الخطاب معرفة ذاتهم، تحديدها، تعريف ماهيتها. في الأمور الدينية هناك المحرم والمكروه والمستحب والمباح والحلال. تركز الهوية الدينية على الحرام والحلال. ما بينهما من مكروه ومستباح ومستحب بشكل عام أمور دنيوية ليس لها الأولوية أمام الحلال والحرام. ينتهي أصحاب الحرام والحلال إلى البحث عن الحرام لمنعه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). ينتهون إلى العيش في هاجس الحرام. الحرام هو المحرك الأساسي لهم.
يعتبر أصحاب الإسلام السياسي وحلفاؤهم السلفيون (أي اليمين الديني) أن مهمتهم الأولى هي أسلمة المجتمع (ثانية) رغم أن أكثريته إسلامية ومن أهل السنة والجماعة، لكن القيادة القطبية لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي تعتبر المجتمع الإسلامي جاهلية جديدة، وعلى الإخوان وحلفائهم تحويل المجتمع قبل تطويره وتمكينه اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً. لذلك كانت أولى المعارك التي خاضوها هي معركة القانون والدستور والقضاء. بالنسبة لهم تبدأ أخونة الدولة بهذه القطاعات. أخونة الدولة ضرورة من أجل أخونة المجتمع.
لكن ذلك أحدث انقسامات اجتماعية حادة. يعتبر الإخوان أنفسهم من أهل السنة والجماعة. نسوا كلمة «الجماعة»، أو اعتبروها تقتصر عليهم وحدهم، وركزوا على السنة والقرآن من أجل تقرير الحرام. واعتبروا أن في ذلك استقامة الجماعة. لم تعد مخاطبة الجماعة تهمهم باعتبار أنهم هم الجماعة وحدهم وعلى الآخرين اتباعهم، حتى بالقسر والإكراه. لا يهمهم أن هناك تعدداً فقهياً في المجتمع. فقههم هم هو الذي يُحسب له حساب. لا يأخذون المجتمع كما هو، يختصرون المجتمع بجماعتهم. وفي ذلك تحول في العقيدة التي ترتكز على حق الاختلاف؛ «اختلاف أمتي رحمة»؛ وعلى العذر بالجهل (من يجهل دينه من العامة أو الخاصة يكفر) ويقتربون من مبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» باليد؛ هذه المرة عن طريق السلطة التي يسيطرون عليها. من الضروري استخدام وزارة الداخلية للقمع، ووزارة العدل لإعطاء الأحكام، ودار الفتوى من أجل إصدار التعليمات. من الضروري أيضاً السيطرة على الأزهر من أجل تدعيم موقفهم. يختصرون السنة بالحرام والجماعة بأنفسهم ويستخدمون جهاز الدولة ويسخرون التنظيمات السرية من أجل ذلك. ويتحولون مع استلام السلطة إلى فرقة تكفيرية، حتى وإن لم يقولوها صراحة. بالتالي ينقسم المجتمع؛ يفقد تسامحه الذي تعوّد عليه خلال التاريخ، وذلك بحكم الاضطرار للدفاع عن نفسه في وجه التكفير ولا أحد يعلم إلى أين تنتهي الأمور.
أما الدولة فهي وسيلة لا غاية. تكون الدولة غاية عندما تعتبر إطاراً ناظماً للمجتمع، إطاراً جغرافياً بشرياً تتواصل ضمنه الأطراف الاجتماعية وتصل إلى تسويات من أجل العيش سوية.
العيش سوية هو كما يراه الإخوان المسلمون وحسب. تفقد الدولة معناها في أن تكون إطاراً جامعاً للاختلاف وتصير وسيلة للقمع والإكراه وفرض الانتظام ضمن الإطار الفكري الذي يفرضونه. لا يهم ماذا يحدث للديموقراطية، المهم أن تمتلئ الصناديق بأوراق ينبئ تعدادها عن فوزهم. الديموقراطية ليست شكلاً من أشكال تنظيم الحوار، بل وسيلة للوصول إلى السلطة تماشياً مع الموضة الدارجة في العالم: وهي إيقاع كل بلد تحدث فيه ثورة تحت سحر الصندوق، فكأن الانتخابات نوع من التنويم المغنطيسي الذي لا يفيق منه أحد إلا وقد وقع في قبضة نظام الإخوان المسلمين. أما إذا استمرت النساء والشباب في الثورة، فهناك فرق الاغتصاب لكسر إرادة الشعب وإسكات المعارضين. المفارقة هي أن هؤلاء لم يسكتوا كما كان مقدراً لهم بحسب علوم الأنثروبولوجيا وغيرها من بحوث المختبرات التي تحاول استحداث وسائل وأساليب كسر إرادة الشعوب.
جاء الإخوان المسلمون إلى السلطة وهم لا يحملون برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً لبلد فيه 420 «مدينة» أو ضاحية عشوائية يسكنها أكثر من ثلث الشعب المصري ويعيشون بمعدل دون حد الفقر الأدنى (دولارين يومياً)؛ ولم نسمع عن اقتراحاتهم الاقتصادية سوى تشجيع الاستثمارات الخارجية والسياحة؛ كما في كل بلد تسوده نيوليبرالية متوحشة. ليس الاقتصاد والاجتماع مهمين لمن يعتبر أن الأحوال السيئة على الأرض يعوض عنها في السماء لمن تكون له هوية تقررها عقيدة سوية.
ليس التركيز على الهوية غريباً على جماعة نشأت في الأصل، واستمرت، تسير على درب محاربة الشيوعية الكافرة. ربما كانوا يعتبرون شيوعية كل أنواع تدخل الدولة في الاقتصاد، أو كل تعاون بشري في نشاطات الإنتاج والتوزيع. ليس تشجيع الإنتاج، من بناء المصانع وتوسعة الزراعة، أولوية لديهم. نَقَصَ القمح؛ إذن فليكن تحديد ثلاثة أرغفة لكل مواطن يومياً. نَقَصَ الغذاء، إذن فليعصب المواطنون بطونهم. المهم سداد الدين العام ولو أدى ذلك إلى رفع الضرائب والأسعار والمزيد من الإفقار وتفكيك الروابط الاجتماعية. أليست هذه سياسة صندوق النقد الدولي؟ بل سياسة النيوليبرالية بكل أبعادها؟ السياسة لديهم ليست إدارة الاقتصاد بل هي تطبيق وصفات جاهزة. السياسة أمر مهمل وتحل مكانها الوصفات الجاهزة.
يهمل أمر كل شيء في سبيل الهوية؛ الأولوية لها على كل شيء آخر. خطاب داخلي ليس للآخرين فيه مكان. خطاب واحد لا تُسمع فيه الأصوات المعارضة أو المختلفة. تتطلب السياسة حواراً شاملاً، ويتطلب الحوار سماع المختلف، ويتطلب سماع المختلف تعديل معطيات أو معتقدات الذات في سبيل التسوية. لا تكون التسوية ولا السياسة إلا لمن كان على استعداد للتنازل عما يعتبره حقيقة مطلقة، وعما يعتبره هوية مقدسة. حتى الآن لم نسمع أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم مستعدون لغير حقائقهم المطلقة أو لغير ما يعتبرونه الهوية المقدسة. نتج من كل ذلك انشقاق خطير في المجتمع. الأصوات غير المسموعة هي الأكثرية؛ لكنها لا يؤبه لها.
أدى هذا السلوك الذي يهمل السياسة لمصلحة الهوية، إلى تقديم الجماعة على مذبح الليبرالية الجديدة. أُهمل مفهوم الجماعة في تعبير أهل «السنة والجماعة». جرى تدمير الجماعة على مذبح الهوية ولمصلحة السياسات النيوليبرالية. حصل خلل في العقيدة.العيش سوية هو كما يراه الإخوان المسلمون وحسب. تفقد الدولة معناها في أن تكون إطاراً جامعاً للاختلاف وتصير وسيلة للقمع والإكراه وفرض الانتظام ضمن الإطار الفكري الذي يفرضونه. لا يهم ماذا يحدث للديموقراطية، المهم أن تمتلئ الصناديق بأوراق ينبئ تعدادها عن فوزهم. الديموقراطية ليست شكلاً من أشكال تنظيم الحوار، بل وسيلة للوصول إلى السلطة تماشياً مع الموضة الدارجة في العالم: وهي إيقاع كل بلد تحدث فيه ثورة تحت سحر الصندوق، فكأن الانتخابات نوع من التنويم المغنطيسي الذي لا يفيق منه أحد إلا وقد وقع في قبضة نظام الإخوان المسلمين. أما إذا استمرت النساء والشباب في الثورة، فهناك فرق الاغتصاب لكسر إرادة الشعب وإسكات المعارضين. المفارقة هي أن هؤلاء لم يسكتوا كما كان مقدراً لهم بحسب علوم الأنثروبولوجيا وغيرها من بحوث المختبرات التي تحاول استحداث وسائل وأساليب كسر إرادة الشعوب.
جاء الإخوان المسلمون إلى السلطة وهم لا يحملون برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً لبلد فيه 420 «مدينة» أو ضاحية عشوائية يسكنها أكثر من ثلث الشعب المصري ويعيشون بمعدل دون حد الفقر الأدنى (دولارين يومياً)؛ ولم نسمع عن اقتراحاتهم الاقتصادية سوى تشجيع الاستثمارات الخارجية والسياحة؛ كما في كل بلد تسوده نيوليبرالية متوحشة. ليس الاقتصاد والاجتماع مهمين لمن يعتبر أن الأحوال السيئة على الأرض يعوض عنها في السماء لمن تكون له هوية تقررها عقيدة سوية.
ليس التركيز على الهوية غريباً على جماعة نشأت في الأصل، واستمرت، تسير على درب محاربة الشيوعية الكافرة. ربما كانوا يعتبرون شيوعية كل أنواع تدخل الدولة في الاقتصاد، أو كل تعاون بشري في نشاطات الإنتاج والتوزيع. ليس تشجيع الإنتاج، من بناء المصانع وتوسعة الزراعة، أولوية لديهم. نَقَصَ القمح؛ إذن فليكن تحديد ثلاثة أرغفة لكل مواطن يومياً. نَقَصَ الغذاء، إذن فليعصب المواطنون بطونهم. المهم سداد الدين العام ولو أدى ذلك إلى رفع الضرائب والأسعار والمزيد من الإفقار وتفكيك الروابط الاجتماعية. أليست هذه سياسة صندوق النقد الدولي؟ بل سياسة النيوليبرالية بكل أبعادها؟ السياسة لديهم ليست إدارة الاقتصاد بل هي تطبيق وصفات جاهزة. السياسة أمر مهمل وتحل مكانها الوصفات الجاهزة.
يهمل أمر كل شيء في سبيل الهوية؛ الأولوية لها على كل شيء آخر. خطاب داخلي ليس للآخرين فيه مكان. خطاب واحد لا تُسمع فيه الأصوات المعارضة أو المختلفة. تتطلب السياسة حواراً شاملاً، ويتطلب الحوار سماع المختلف، ويتطلب سماع المختلف تعديل معطيات أو معتقدات الذات في سبيل التسوية. لا تكون التسوية ولا السياسة إلا لمن كان على استعداد للتنازل عما يعتبره حقيقة مطلقة، وعما يعتبره هوية مقدسة. حتى الآن لم نسمع أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم مستعدون لغير حقائقهم المطلقة أو لغير ما يعتبرونه الهوية المقدسة. نتج من كل ذلك انشقاق خطير في المجتمع. الأصوات غير المسموعة هي الأكثرية؛ لكنها لا يؤبه لها.
أدى هذا السلوك الذي يهمل السياسة لمصلحة الهوية، إلى تقديم الجماعة على مذبح الليبرالية الجديدة. أُهمل مفهوم الجماعة في تعبير أهل «السنة والجماعة». جرى تدمير الجماعة على مذبح الهوية ولمصلحة السياسات النيوليبرالية. حصل خلل في العقيدة.

الفضل الشلق

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...