الاتفاق النووي ينتظر.. لمسات نهائية
سيشعر الصحافيون الأجانب في لوزان بالكثير من الامتنان لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. فبعد خمس ساعات من اجتماع مع نده في مفاوضات النووي الإيراني، الوزير الأميركي جون كيري، سجناء انتظار طويل في كواليس فندق «بوريفاج»، أفرج الوزير الإيراني عنهم بعبارات مختصرة عن مآل المفاوضات: «سنحصل على شيء ما، أخيراً».
تقاسمنا أنفاس الصعداء مع ظريف، بعدما انتزعنا من سيد ديبلوماسية طهران، ما يؤكد صحة ما نذهب إليه منذ أيام، من أن الأميركيين والإيرانيين يقتربون من اتفاق نووي، اجتماعاً تلو اجتماع.
لا وقت لإغداق المزيد من التفاصيل على الإعلاميين الأجانب. لكن ظريف خص قناة إيرانية بتفاصيل أخرى، تعمل على تعزيز الاعتقاد أن المفاوضات تتقدم. رأى ظريف أن «الحلول باتت في متناولنا، لكن لا تزال هناك ثغرات وفواصل في بعض القضايا. لذا فالتفاوض سيستمر، بيد أنه لا نتائج قبل يوم الجمعة».
لا يزال الإيرانيون الأكثر كلاماً، مقارنة بالأميركيين، وأكثر إشاعة للتفاؤل، وجهراً بما يجري في الاجتماعات. رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي قال إن «اجتماعنا الفني مع الجانب الأميركي على مدى يومين شهد تقدماً إلى الأمام وهذا دليل إيجابي، بحثنا القضايا الفنية، والعقوبات».
الجهر بما يجري إيرانياً، قابله بالأمس، تحفظ أميركي عن التحدث إلى الصحافة. بعض الكتمان يخضع لاعتبارات التهدئة مع الكونغرس، بعد تجزئة مشروع رفع العقوبات أمام مجلس الأمن إلى قرارين: أولهما يبارك إبرام الاتفاق على الفور، والآخر يتأخر إلى موعد لم يحدد يرفع العقوبات، ويضمن لطهران انخراط الخمسة، وهم أعضاء مجلس الأمن، في إنهاء الحصار، لا سيما الأوروبيين، لأن من يصوت على قرار مجلس الامن، الأعلى سلطة قانونياً من البرلمانات ومجالس الشيوخ، لن يكون قادراً بعد ذلك سياسياً، على فرض عقوبات أحادية على طهران، التي تحصل على ضمانات قوية أن العقوبات في طريقها إلى الاضمحلال.
وهكذا أشاع الأميركيون جواً متفاوتاً من التحفظ والتشدد يمتص غضب المحتجين على الاتفاق المحتمل، كما يعملون في الوقت نفسه على تأكيد التفاؤل الإيراني.
ففي مجال التشدد المبهم، قال مسؤول أميركي خلال لقاء مغلق مخصص للإعلاميين الأميركيين الذين رافقوا الوفد، إن «على إيران أن تقْدِم على خيارات صعبة، قبل انصرام الشهر الحالي، إذا ما شاءت إبرام اتفاق يستجيب للقلق الكبير الذي لا يزال برنامجها النووي يثيره لدى القوى العظمى».
وفي صنف آخر يكرر شبه الاتفاق الأميركي الإيراني، أكد مسؤول أميركي في الوفد المفاوض ما يقوله الإيرانيون عن قرب الوصول إلى اتفاق قبل نهاية الشهر: «إن الأمور تجري وتتقدم بطريقة أسرع مما كنا ننتظر ونتصور، وقد نصل إلى اتفاق نهاية الأسبوع».
وفيما كان جون كيري، يلهو بدراجته على كورنيش بحيرة ليمان أمام كاميرات القنوات الأميركية، جرى ظريف نحو طائرته إلى بروكسل، ليضم الأوروبيين إلى المفاوضات ولو عن بعد. ذلك أن الأميركيين يملكون قرار الاتفاق، ولكن لا يزال للفرنسيين خصوصاً، القدرة على المشاغبة وعرقلة الحلول، كما جرى في العام الماضي في جنيف. آنذاك كانت المفاوضات تقترب من اتفاق بعد ستة أشهر من لقاءات سرية بين الإيرانيين والأميركيين في مسقط، وجرى إنزال ديبلوماسي فرنسي في فندق «كونتيننتال»، ووُضع تحت الطاولة لغم إغلاق منشأة آراك، وتوقفت المفاوضات عند اتفاق مؤقت.
في عاصمة الاتحاد الأوروبي البلجيكية، انتظر ظريف أمس لقاءً مع فديريكا موغيريني، مفوضة الشؤون الخارجية والأمن. انضم إليه ثلاثي خارجيات الدول الأوروبية أعضاء الـ»5+1» الفرنسي لوارن فابيوس، والألماني فرانك فالتر شتاينماير، والبريطاني فيليب هاموند.
والأرجح أن اللغم الوحيد الذي لا يزال، أوروبياً يعترض الاتفاق الإيراني الأميركي المحتمل، هو من صنع فرنسي. ففي بروكسل، يجد الوزير الإيراني وزيراً بريطانياً مصغياً، وألمانياً مؤيداً لاتفاق إذا أمكن. وقبل وصول ظريف إلى العاصمة البلجيكية، كان شتاينماير يقول إنه «إذا كان هناك إمكانية للتوصل إلى إطار زمني لتنفيذ الاتفاق، يمتد عشرة أعوام، فينبغي أن تُغتنم الفرصة».
ويبعث انخراط موغيريني في المفاوضات مباشرة، للمرة الأولى، من دون ممثلتها كاثرين آشتون، رسالة قوية للديبلوماسية الإيطالية التي تعتقد أنه ينبغي ملاقاة كل تقدم في المفاوضات مع الإيرانيين، بخطوة إيجابية.
مصدر ديبلوماسي أوروبي، متابع للمفاوضات النووية، قال لـ «السفير» إن محطة بروكسل «ضرورية للتذكير أن هناك جانباً أوروبياً مهماً أيضاً في المفاوضات مع إيران برغم أن التركيز غالباً على الجانب الأميركي».
وكشف الديبلوماسي الأوروبي أن الإطار الزمني، لتجميد أو تبطيء نشاط إيران النووي، الذي يجري التفاوض عليه هو «على الأقل عشر سنوات، لكن الأمر لا يزال موضع تفاوض».
ويشعر الفرنسيون أن الأحداث قد تجاوزتهم هذه المرة، وأن الأميركيين مصممون على التقدم نحو اتفاق مع الإيرانيين، والذهاب إلى تسوية مع طهران، لن يشاركوا فيها، لا على مستوى عائداتها الاقتصادية، ولا في الترتيبات الإقليمية التي ستضعهم وقتاً طويلاً في مواجهة مع الديبلوماسية الإيرانية في المنطقة، وتعقِّد حل بعض الملفات السورية، واللبنانية.
والأرجح أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كان قد سمع موقفاً فرنسياً رافضاً للاتفاق مع الإيرانيين، وأن قرار الإدارة الأميركية بالذهاب نحو الاتفاق مع إيران سيتجاوز الاعتراضات الفرنسية، طالما أنها ارتضت مواجهة أقسى وأهم بكثير من الموقف الفرنسي، هي الكتلة الجمهورية في الكونغرس.
ويختلف الأميركيون والفرنسيون على وظيفة أي اتفاق مع إيران وعلى مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية. يعتقد الأميركيون أن أي انفراج سياسي واقتصادي، يلي رفع العقوبات، سيخدم توجهات الكتلة الإصلاحية في النظام الإيراني، وسيعزز إمكانيات الرئيس حسن روحاني على إجراء إصلاحات واسعة، تنهي تدريجياً الأجنحة المحافظة وتجدد إمكانات التغيير النهائي لقلب النظام، واستدرار تنازلات من الإيرانيين.
أما الفرنسيون، فيعتقدون أن أي اتفاق الآن سيمد بعمر النظام الحالي، الذي سيقول إنه انتصر في معركة قومية، وأن التضحيات في الحصار الاقتصادي لم تكن جزافاً، ويقولون إنه ينبغي تركيع الإيرانيين، وليس مساعدة النظام الحالي على البقاء.
ومن دون انتظار اللقاء مع ظريف، أطلق وزير الخارجية الفرنسي النار على أي اتفاق محتمل، وهو موقف كان قد أعلنه خلال لقائه كيري في باريس قبل أسبوع، ولم يفعل سوى تكراره في بروكسل.
وهكذا وجد فابيوس أن «أموراً لا تزال من دون حلول، نحن نؤيد اتفاقاً، ولكن نريده اتفاقاً قوياً، حدث تقدم ولكن لا تزال هناك نقاط مهمة من دون حل».
وقبل هذا اللقاء، عكس مصدر ديبلوماسي فرنسي رفيع المستوى تقييماً يتقارب تماماً مع التقييم الإسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني. قال المسؤول الفرنسي في أحاديث مع مسؤولين عرب، إن الاتفاق الحالي المزمع توقيعه اتفاق سيئ، وقال إن رئيس الورزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصاب عندما أشار إلى أن إيران تحتاج لعام واحد لإنتاج قنبلتها من لحظة اتخاذها قرار تصنيع تلك القنبلة.
ويملك الفرنسيون بدائل عن الاتفاق لإجبار إيران على التخلي عن مشروعها النووي، كائناً ما كانت طبيعته، بتوافق خليجي إسرائيلي «جمهوري أميركي». إذ يقول المسؤول الفرنسي إن البديل عن الاتفاق ليس الحرب، «فأقرب الاحتمالات التي قد تقع إذا لم نتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين هو الذهاب إلى جولة أخرى».
ويراهن الفرنسي على قدرة الكونغرس على عرقلة الاتفاق، فإذا لم يوقع الإيرانيون والأميركيون على الاتفاق السياسي خلال الأيام المقبلة، لن تكون هناك فرصة أخرى للتوصل إليه بعد انقضاء مهلة الاتفاق المرحلي في الرابع والعشرين من هذا الشهر، عندئذ سيكون في وسع الكونغرس، نسف أي فرصة مستقبلية، بفرض عقوبات جديدة على الإيرانيين، تقضي على رغبتهم بالتفاوض.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد