الاستراتيجية الروسية لإحباط المساعي السعودية لسحب سوريا إلى معسكر السلفيين

12-06-2013

الاستراتيجية الروسية لإحباط المساعي السعودية لسحب سوريا إلى معسكر السلفيين

جولة (الجمل) على الصحافة الإيرانية:

السلفية السورية تهدد منطقة "الخارج القريب" الروسية:
مع بداية اندلاع الاضطرابات في سوريا دعمت روسيا النظام الحكم في دمشق وأطلقت على السفليين والحركات الإسلامية المتطرفة اسم إرهابيين، لكن لماذا كل هذا الدعم الروسي؟

طرح الخبراء الروس والغربيين عدة أسباب توجب الدعم الروسي لسوريا وحتى البعض منها يتعارض مع المصالح الروسية في الشرق الأوسط العربي كان أهمها:
وجود القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس السوري، بيع أسلحة للجيش السوري، منطقة الشرق الأوسط وسوريا خاصةً منطقة نفوذ وتنافس في المصالح ومنطقة مواجهة بين الشرق والغرب. إلا أنه لم يتم التطرق كثيراً إلى قضية قلق روسيا من استيلاء السلفيين في سوريا على السلطة.
في الواقع أهم الأسباب لدعم روسيا للرئيس بشار الأسد تعود جذوره إلى القلق الروسي العميق من انتشار الإسلام السلفي –الوهابي ووصوله إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة والقوقاز وآسيا المركزية والجمهوريات المسلمة في روسيا. روسيا لا تعتبر نفسها متحدة مع سوريا بل تنظر إليها باعتبارها هدف كما أن استقرارها وأمنها مثل سوريا يتهدده خطر الإرهابيين السلفيين المدعومين من قبل الغرب.

يتصاعد بشدة التخوف الروسي من السلفيين مع كل مذبحة تحدث في سوريا ومع كل عملية إرهابية تقوم بها الحركات الإسلامية المتطرفة في هذا البلد. وبشكل واضح تصبح مواقف المسؤولين الروس أكثر تشدداً ضد داعمي السلفيين وخاصةً الدول العربية كالسعودية. تؤكد موسكو على الدوام أن تصاعد إراقة الدماء سيعقد التوصل إلى حل للأزمة. سنبحث تأثيرات سقوط الرئيس بشار الأسد على سوريا وسنجيب بشكل واضح عن التساؤل المطروح حول ما الذي يهدد روسيا من استيلاء الإسلام السلفي-الوهابي على السلطة في سوريا..
برأيي إن القلق الروسي من الإسلام السلفي-الوهابي ونفوذ السعودية في آسيا المركزية والقوقاز والجمهوريات الروسية المسلمة يرسم شكل التعاطي الروسي مع تحولات المنطقة خاصةً الأزمة السورية.
اتساع الإسلام الوهابي-السلفي في حدود روسيا الأمنية:
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتشار الفوضى والاضطرابات في الجمهوريات المستقلة حديثاً، تهيأت الأجواء لتغلغل القوى الدولية والإقليمية مثل إيران وتركيا والسعودية في هذه المناطق. وتحرك المجاهدون المتطرفون من أفغانستان والوهابيين السعوديين والمجموعات الإسلامية الأخرى من باكستان وتركيا والدول الأخرى باتجاه المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الاتحاد السوفيتي السابق، من بين هذه المجموعات حركة "فتح اله كولن" الحركة التركية المنظمة وأكثر الجماعات الإسلامية تنظيماً.
لهذه الحركة تأثير واضح على سياسات أردوغان، وبسبب تنظيمها ووضعها لأهداف محددة استطاعت النجاح أكثر من بقية الجماعات الإسلامية الأخرى في الجمهوريات السوفيتية السابقة.

نمو التيارات الإسلامية المتطرفة في روسيا وفي منطقة "الخارج القريب" الروسي كلف موسكو نفقات ضخمة وكان هذا الأمر على الدوام يسبب قلقاً جدياً للمسؤولين الروس. يعتقد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن تهديد الإسلام المتطرف للحدود الروسية وللجمهوريات السوفيتية السابقة من أهم التحديات الأمنية التي تواجه بلاده. حيث يشّكل المسلمون غالبية سكان الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تعتبرها روسيا ما تصطلح عليه اسم "الخارج القريب" أو الفناء الخلفي لها. تُدار جميع هذه الدول من قبل أنظمة ديكتاتورية تنتظر قيام تحركات شعبية ضدها. لذلك الروس قلقون من نشوب اضطرابات وحدوث تغيرات في هذه الدول توصل السلفيين إلى السلطة، عندها ستصبح روسيا محاصرة من قبل أنظمة متطرفة.
السلفية ومشروع زعزعة الاستقرار في روسيا:
لا قدرة للتعاليم الوهابية-السلفية السرية على تحمل باقي الأديان كالمسيحية واليهودية وحتى باقي المذاهب الإسلامية الأخرى مثل المذهب الشيعي، لا يعتقد السلفيون بالتغير السياسي الهادئ والمتدرج ويبررون استخدام العنف كأداة مشروعة لمواجهة ما يعتبرونه أعداء الإسلام.
استغل الناشطون السلفيون من مؤيدي استخدام العنف حالة عدم الاستقرار والفوضى المنتشرة في بعض الدول العربية مثل سوريا وسعوا لنشر معتقداتهم والترويج لها بأتباع طرقهم المعروفة عبر التظاهر بالقيام بنشاطات اجتماعية محافظة.
طوال نصف قرن كانت مفاهيم الوهابية-السلفية عن الإسلام أهم صادرات السعوديين للعالم الإسلامي، درس الكثير من السلفيين المتطرفين في جامعات الإمام محمد في السعودية، ومنذ السبعينات يجري الترويج والتبليغ للوهابية والسلفية في جميع أنحاء العالم حيث أنشئت مؤسسات غير حكومية لهذا الغرض مدعومة مالياً من السعودية. على سبيل المثال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمنظمة الإسلامية الدولية للإغاثة، المؤسسة العالمية للشباب المسلم ومنظمة الحرمين.
تسعى السعودية على الدوام لنشر التعاليم الوهابية بين مسلمي العالم، ووقوفها إلى جانب الغرب وأمريكا لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد ودعم معارضيه ليس إلا مؤشر على مساعي الرياض لسحب سوريا إلى معسكر السلفيين وهذا ما يشكل كابوساً مخيفاً لروسيا أكثر من أي شيء أخر.
وفي هذا السياق بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أرسلت السعودية عدد كبير من الدعاة والمروجين للأفكار السلفية والوهابية إلى الجمهوريات الروسية السابقة للسيطرة على المسلمين في روسيا. بعد عدة سنوات من تفكك الاتحاد السوفيتي لاحظ الروس ظهور وانتشار الوهابية ليس فقط في روسيا بل في كافة دول المنطقة.
أدان الروس الدول العربية وخاصة قطر والسعودية لتدخلها في شؤونهم الداخلية وشكل لهم هذا الأمر قلق كبير جداً وهو السبب الرئيسي في تدني حجم العلاقات التجارية بين روسيا والدول العربية الخليجية.
تصاعد تأثير الإسلام المتطرف بين المعارضين السوريين عزز العزيمة الروسية على تقديم كافة أشكال الدعم للرئيس الأسد، لأن دول كالسعودية وقطر تدعم وبقوة السلفيين في سوريا بالمال والسلاح لتعزيز قوة هذه المجموعات السلفية مقابل الإسلام المعتدل والأطياف العلمانية في سوريا، في المقابل انتصار السلفيين في سوريا سيعزز قوة التيارات المتطرفة في آسيا المركزية. وهذا يعني تهيئة المناخ للتدخل الدولي الباحث عن دور بارز في هذه المنطقة. لذلك روسيا عازمة بكامل قوتها على منع انتصار السلفيين في سوريا.
بعد انتهاء الحرب الباردة (1991) كانت الجمهوريات الروسية المسلمة والجمهوريات السوفيتية السابقة كأوزبكستان وقرقيزستان وحتى الولايات المسلمة كولاية "سين كيانغ" في الصين هدفاً للعمليات الاستخباراتية وعمليات التخريب المختلفة التي تقوم بها أمريكا وحلف الناتو.
تخطط واشنطن من خلال التلاعب بالمجموعات المتطرفة وتحريضها على نشر الفوضى في المناطق المسلمة في الصين وآسيا المركزية والجمهوريات الروسية المسلمة تخطط للتحكم بأوضاع هذه المنطقة وإعداد الأجواء للتدخل والتواجد الأمريكي فيها لإخراجها من دائرة السيطرة الروسية باستخدام نشاط المنظمات والمؤسسات غير الحكومية في هذه المناطق. وفي الوقت الراهن يُعمل على هذا الهدف بوضوح في سوريا من خلال مواجهة الحكومة السورية، أدرك المسئولون الروس جيداً الارتباط بين التيارات الإسلامية المتطرفة المتواجدة في آسيا المركزية وسوريا وبين الدعم الأمريكي لهذه التيارات وأيقنوا بأنهم سيشاهدون قريباً هذه التيارات تدخل منازلهم قادمة من القوقاز.
تتحول قضية اغتيال الزعماء البارزين للإسلام المعتدل في كل أنحاء العالم إلى أخطر عمليات أمريكا الاستخباراتية خلال السنوات الأخيرة.
في السابق كان هناك علاقات بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية وحلفاء لها داخل المنظمات الدينية المتطرفة في دول مختلفة، لكن الشيء الذي يجعل من اللعبة الأمريكية في هذه المرحلة لعبة خطرة للغاية هو انتشار هذه التيارات على نطاق واسع وفقدان القدرة على كبح جماحها والتحكم بها.
بدأت اللعبة الأمريكية الجديدة هذه في تونس وانتقلت عدواها إلى ليبيا ومصر وصولاً إلى سوريا ومن المحتمل نقلها إلى القوقاز وآسيا المركزية. وفي هذا السياق تتعاون أمريكا مع تنظيم القاعدة والسلفيين والوهابيين في السعودية وحركة فتح الله كولن في تركيا لتحقيق أهدافها ومصالحها.
التخوف من السلفيين في سوريا أهم الأسباب لدعم روسيا للرئيس بشار الأسد:
حتى الآن طُرح الكثير من الدواعي والأسباب حول دعم روسيا للرئيس الأسد، لكن هناك تصور واضح حول الموقف الروسي من الأزمة السورية وهو أن موقف روسيا تجاه ما يجري في سوريا يعود بمنشئه إلى 30عام من مواجهة موسكو للاعتداءات الإرهابية للجماعات المتطرفة الوهابية-السلفية خلال العقود الثلاثة الماضية. حيث تمتد هذه المواجهات من أفغانستان والقوقاز الشمالي والبلقان والشرق الأوسط العربي وحالياً وصلت إلى سوريا. فرضت هذه المواجهات على روسيا دفع نفقات باهظة لذلك بالرغم من الحديث عن بيع الأسلحة والقاعدة العسكرية، التنافس بين الغرب والشرق، مناطق النفوذ والكثير من القضايا المثيرة للاهتمام حول دعم روسيا لسوريا، إلا أنه أهم دليل على هذا الدعم هو مخاوف موسكو من وصول حكومة إسلامية إلى الحكم في سوريا ذات ايدولوجيا وعقائد سلفية-وهابية. وفي حال حدث هذا الأمر فلن تخسر روسيا مصالحها في سوريا فحسب بل سيشكل النظام الحاكم الجديد تهديداً جدياً على أمن واستقرار المناطق المسلمة في روسيا.
تعود جذور المخاوف الروسية من الإسلاميين المتطرفين إلى سنوات1979-1989 أيام مواجهة المجاهدين في أفغانستان، في ذلك الوقت دخل الاتحاد السوفيتي حرب واسعة النطاق بكل معنى الكلمة كان المجاهدون يتلقون الدعم المالي والسلاح والمعلومات من واشنطن والرياض وإسلام آباد. وكان يستعملون أسلحة أمريكية في هذه الحرب.
يعتقد "علي الأحمد" مدير مؤسسة شؤون الخليج في واشنطن أنه: "بالرغم من أن النظام الأفغاني الحليف لروسيا كان نظام ديكتاتوري إلا أنه كان علمانياً وكان يعترف رسمياً بحق التصويت وبعض الحريات، سقط هذا النظام بمساعدة أمريكا واستبدل بحكومة ذات منشئ ديني مدعومة أمريكياً. في سوريا شاءت أمريكا وحلفائها أم أبو فهم يؤسسون لإعادة تركيب هكذا نموذج. من الممكن أن تؤدي السياسات الأمريكية إلى هزيمة الحكومة السورية وظهور الفوضى وانتشارها وهذا يعني تعزيز قوة السلفيين وتحول سوريا إلى أفغانستان أخرى بالنسبة لأمريكا". يمكن أن يكون مستقبل سوريا إما في ظل حكومة علمانية حقيقية مدعومة من روسيا تدعم وتحفظ حرية المذاهب للمسيحيين والعلويين والتجار السنة أو أن تكون ديكتاتورية متطرفة دينياً مدعومة من أمريكا والعرب لكن بحريات أقل. في الوقت الراهن تكرر أمريكا التاريخ، تعلن أنها تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى تيارات منطقية وعاقلة، إلا أن تطبيق السياسات الأمريكية على أرض الواقع يأتي بعكس ما تعلن حيث تبحث عن ملاجئ وحواضن للإرهابيين والانتحاريين والتيارات المتطرفة".
الأمر المثير للاهتمام هنا تدعم أمريكا باسم الديمقراطية المجموعات المتطرفة التي تسعى لإضعاف مسير الانتقال الديمقراطي للسلطة والإصلاحات السياسية والقانونية في الدول العربية. كما أن هذه التيارات لا تعتقد بالديمقراطية بالشكل المعروف على مستوى العالم لأنهم يعتبرونها من إنتاج البشر وتخالف الحكومة الإلهية.
من المؤكد دليل واحد لا يكفي لتوضيح الدعم الروسي المطلق لسوريا. لكن تهديد السلفيين والوهابيين يقّرب روسيا يوماً بعد يوم من سوريا ليصبح هذا التهديد مبرراً لكافة الجهود الروسية المبذولة لحل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية.
دعم السعودية وقطر لمعارضي الرئيس بشار الأسد وخاصة السلفيين منهم يعد مؤشر على أن الديمقراطية والديكتاتورية لم تكن ضالة السعودية وحلفائها في سوريا بل كان الهدف الوحيد لهذه الدول هو الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وتركيب حكومة سلفية سورية الأمر الذي يعتبر خط أحمر بالنسبة لروسيا. لذلك إن القلق الروسي من الإسلام السياسي وانتشاره في آسيا المركزية والقوقاز الشمالية يشّكل ويحدد التعاطي الروسي مع التحولات في سوريا والمنطقة.
جعفر خاشع
المصدر: برهان

لماذا سقط أردوغان من أعين الأتراك؟
تعتبر الأحداث الأخيرة التي وقعت في تركيا مؤشر على اندلاع انتفاضة شعبية عامة ضد حكومة أردوغان. وعلى ما يبدو بالرغم من أن هذه الانتفاضة اندلعت بذريعة تحويل حديقة إلى مركز تسوق إلا أن لهذا الأمر جذور تمتد إلى قضايا أكثر عمقاً، وعاجلاً أو أجلاً ستؤدي إلى تغير الحكومة التركية الحالية أو على تركيا أن تواجه مشاكل جدية. حول أهم أسباب عدم الرضا والتململ لدى المواطنين الأتراك من حكومة حزب العدالة والتنمية يمكن الإشارة إل النقاط التالية:

1-نمو اقتصادي دون عدالة اجتماعية:
ارتفع معدل النمو الاقتصادي في تركيا خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير. وحققت تركيا عام 2011 معدل نمو اقتصادي اقترب من نسبة بلغت 8.5%. وخلال السنوات الأخيرة احتلت سرعة نمو الاقتصاد التركي المرتبة الثانية في العالم بعد الصين. إلا أن هذا النمو ترافق مع تصاعد في معدلات التضخم الاقتصادي لتقترب من 10% وارتفاع في عجز الميزانية علاوةً على ارتفاع متصاعد لحوادث الازدحام وتدمير المحيط الحيوي. كم أن هناك إمكانية كبيرة في السنوات القادمة لانخفاض معدل النمو بالتدريج لذا يجب انتظار انفجار الفقاعة الاقتصادية التركية.
في ظل هذه الأوضاع ستجد تركيا نفسها في مواجهة مشكلات ناجمة عن التضخم والركود الاقتصادي. حالياً تظهر في تركيا بشكل واضح عوارض النمو الاقتصادي السلبي ذو الاتجاه الواحد، حيث يزداد الفقر والتفاوت الطبقي وفقدان العدالة الاجتماعية، الأمر الذي دفع المواطنين الأتراك لمواجهة هذه الأوضاع ووصل المجتمع التركي إلى أعتاب التهاب كبير. وسيشكل تمرد مدنية اسطنبول بداية لإعلان حالة عدم الرضا وقيام احتجاجات واسعة النطاق ودون شك سيظهر المواطنين غير الراضيين عن النمو الاقتصادي ذو الاتجاه الواحد وما نجم عنه من أثار سلبية كتدمير المحيط البيئي والذي تجلى مثاله بتحويل حديقة إلى مركز تسوق سيظهرون احتجاجاتهم ومعارضتهم بشكل أكبر ليصل الأمر إلى عتبة التمرد الاجتماعي واحتمال حدوث محاولات للانقلاب.
2-فقدان العدالة الاجتماعية:
في وقت يتمتع فيه سكان 14 محافظة تركية بدخل جيد وتنعم محافظاتهم بوضع اقتصادي وصل إلى المستوى المطلوب حيث يمكن مقارنته بالوضع الاقتصادي في مدن متقدمة في العالم هنالك 27 محافظة أخرى تعيش في ظروف اقتصادية سيئة للغاية. وهذا الأمر سيضع تركيا على أعتاب اندلاع احتجاجات واسعة ستهيئ المناخ المساعد لتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية.
3-ردود الفعل على طموحات الإمبراطورية العثمانية:
للشعب التركي ذاكرة تاريخية سلبية جداً من التداعيات المأسوية للطموحات العثمانية. كما أن تدخل حكومة العدالة والتنمية في شؤون دول الشرق الأوسط ومساعيها لإحياء الإمبراطورية العثمانية لشعب يرزح تحت ضغط الفقر واللامساواة أمر مؤلم جداً، لأنهم يشاهدون مصالحهم الاقتصادية تتحول إلى ضحية على طريق إحياء طموحات الإمبراطورية العثمانية الخطيرة وغير المفيدة.

في بداية العقدين الأوليين من القرن العشرين أدت محاولة إحياء الإمبراطورية العثمانية من قبل الشباب الأتراك إلى تدمير هذه الإمبراطورية حيث أصبحت الهوية التركية في معرض الزوال الكامل، فيما استطاعت تركيا في القرن العشرين فقط عرض عضلاتها من خلال سياسة أتاتورك والابتعاد عن الأفكار الإسلامية والقومية التركية.
حالياً تركز الحكومة التركية الحالية مساعيها لتتحول إلى نموذج لدول كمصر وليبيا وسوريا وهذا الأمر يسبب قلقاً كبيراً للشعب التركي ودفع المثقفين الأتراك للتفكير بالمكاسب والمزايا التي ستجنيها بلادهم جراء تحولها إلى نموذج لدول مثل مصر وليبيا أو أن تكون مشجع وداعم لشخصيات مثل "محمد مرسي" أو حركات الإخوان المسلمين؟ ومواكبة هذه الدول والحركات الإسلامية ألن تجر تركيا إلى المستوى الثقافي والاجتماعي السائد في هذه الدول.
4-مخاوف من تحويل تركيا إلى النموذج الباكستاني:
التدخل التركي الفاقع والمتصاعد في الأزمة السورية يجعل الكثير من الخبراء الدوليين يستحضرون التداعيات السلبية والمؤذية التي حصدتها باكستان جراء تدخلها في أفغانستان. حيث تحولت باكستان بنظامها السياسي وجيشها العلماني من خلال التدخل في شؤون أفغانستان إلى ملعب لحركة طالبان وتنظيم القاعدة وأنواع التيارات المذهبية الأخرى، اليوم هناك تهديد مماثل قائم أمام تركيا لتواجه بشكل جدي التهديدات والأضرار التي ستنجم عن دعمها لأجنحة القاعدة في سوريا مثل جبهة النصرة وأخواتها. جاءت حادثة الريحانية كإنذار خطر واضح لأن المجتمع التركي فيه اختلافات مذهبية كبيرة قائمة ويجب أن يقلق العلويين والشيعة والسنة المعتدلون والعلمانيين في هذا البلد لأنه عاجلاً أو أجلاً سيُترجم ما يشاهده الشعب التركي من عنف دائر في سوريا سيُترجم في يوم ما ليس ببعيد في المدن التركية على شكل حروب مذهبية ودينية. للحؤول دون وقوع تلك الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية أمر ضروري ولقد بدأت خلال الأشهر الأخيرة ودون شك في المستقبل، وفي حال عدم القيام بإصلاحات على صعيد السياسة الخارجية التركية ستتصاعد حدة هذه الاحتجاجات.
5-إضعاف القوميين الأتراك:
أداء حكومة أردوغان في مجاملة الأحزاب الكردية والقبول بنوع من الحكم الذاتي المحلي في المناطق الكردية وإحلال السلام مع حزب العمال الكردستاني (PPK) وحتى الوعود بالاعتراف بالقومية الكردية في الدستور التركي كلها قضايا تدق أجراس الخطر الجدي في وجه القوميين والأحزاب التركية القومية. القوميون الأتراك غير راضيين بشدة عن هذه الأوضاع وهم قلقون من تقسيم تركيا. الأسلوب الذي تتبعه حكومة أردوغان لإعادة بناء الإمبراطورية العثمانية من جهة والمجاملة والرضوخ اتجاه الأمر الذي يعتبر خط أحمر بالنسبة لتركيا أتاتورك أي قضية الأكراد جعل من خطر تقسيم تركيا أمراً جدياً. لهذا تحتج الأحزاب والتيارات القومية التركية على هذه الأوضاع ودون شك سيكون لهم الدور الأبرز في تنظيم الاحتجاجات والعصيان ضد حكومة أردوغان.
6-ردود فعل العلمانيين:
يتصاعد قلق العلمانيين الأتراك من سياسة حكومة أردوغان المذهبية. أوجدت الإجراءات التي اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية خلال الأشهر الأخيرة كالتضييق على ارتداء الملابس والمشروب وتغيير شكل وأوصاف الأماكن العامة في تركيا أوجدت قلقاً ومخاوف متصاعدة لدى الأحزاب السياسية العلمانية التركية وداعميها لأن هذه الحكومة تسعى في جنح الظلام لتحويل المجتمع العلماني التركي إلى دولة دينية مذهبية وهذا ما أجج احتجاجات الشعب التركي.
7- الديكتاتورية والاحتناق:
تتحول تركيا إلى دولة ذات نظام سياسي قمعي ويعتبرها المراقبون أكبر سجن للصحفيين في العالم، ويتم تعذيب الأطفال والفتيان في السجون التركية. في ظل هذه الأوضاع لم يعد من الممكن تحمل الاحتناق والكبت لدى الشعب التركي. لذلك للحؤول دون وصول الاحتناق إلى الانفجار بدأت الاحتجاجات التي ستتصاعد دون شك في الأيام القادمة.
8-رفض الوقوف في صف أمريكا:
للقومين الأتراك وقوات اليسار التركي تاريخ طويل من السيادة والاستقلال برأيهم ضد السياسات والإملاءات الأمريكية إلا أن حكومة أردوغان وضعت استقلال الرأي التاريخي هذا تحت قدميها.
تصاعدت مشاركة قوات اليسار والتيارات القومية بشكل كبير في الاحتجاجات التي ستتوسع رقعتها دون شك ونظراً إلى النقاط التي تم الإشارة إليها في المقدمة فإن تمرد اسطنبول لن يكون حادثة عابرة بل سيكون بداية لنهاية أحلام إحياء طموحات العثمانية من جديد.
محمد علي بهمني: خبير في شؤون الشرق الأوسط
المصدر: ديبلماسي إيراني

عقود الأسلحة واندلاع شرارة الحرب الباردة الجديدة:
هل أعطت واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب إيران ببيعها أسلحة جديدة؟ هل خطت الحكومة الروسية خطوات ثابتة لدعم حكومة دمشق من خلال عقود التسليح مع سوريا؟ هل الروس، الصينيون والأمريكيون يصعدون من حدة التوترات الإقليمية في آسيا عن طريق عقود الأسلحة؟ هل سنشاهد بداية لحرب باردة جديدة في العالم تكون أدواتها عقود التسليح؟

يتسبب بيع الأسلحة على الساحة الدولية بنمو سوق العمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم . وبحسب إحصاءات ومعلومات الكونغرس الأمريكي فقد وصل معدل بيع الأسلحة في العالم عام 2011 إلى أكثر من 85 مليار دولار وهي نسبة ارتفعت بمعدل ضعفين عن مبيعات العام الماضي. ويعزى هذا الارتفاع إلى الميزانيات العسكرية المرتفعة التي خصصتها الدول العربية في الشرق الأوسط لشراء أسلحة ثقيلة و طائرات مقاتلة ودبابات وصواريخ حديثة . تستغل الدول الرئيسية المنتجة للسلاح خاصة ً أمريكا وروسيا هذه الاحتياجات للحفاظ على خطوط إنتاجها الداخلية. نتج عن هذا الأمر افتتاح منافسة كبيرة لبيع السلاح بين القوى العظمى تُذكر ببداية الحرب الباردة السابقة، الأسلحة كالبضائع التجارية الثمينة يمكن أن تشكل قضيةً حيوية جداً بالنسبة للشركات المنتجة. باعت الشركات الأمريكية بين أعوام 2008-2011 أنظمة عسكرية إلى الدول الأجنبية بقيمة /146/ مليار دولار. إجراء هكذا صفقات يضمن الربح في خطوط الإنتاج الداخلي في ظل الظروف الاقتصادية السيئة. يشكل موضوع بيع الأسلحة أداة ثمينة بيد السياسة الخارجية لأي دولة لأنها تساعد في تعزيز التحالفات كما تؤدي إلى الحصول على حلفاء جدد. تستخدم الدول القوية الباحثة عن حلفاء مبيعات الأسلحة لكسب دعم الدول الأضعف. خلال الحروب الباردة تستخدم كلا القوتين العظمتين قضية بيع السلاح باعتبارها شكلاً من أشكال المنافسة حيث تقدمان الأسلحة المتطورة إلى القوى الإقليمية لمنعها من الالتحاق بركب القوة المنافسة. على سبيل المثال عندما تلقت مصر في عام1955 أسلحة كان في السابق محظّر عليها امتلاكها قبلت بالالتحاق بالمعسكر السوفيتي. وفي أواخر عقد السبعينات عندما تلقت مصر من واشنطن منظومات سلاح أفضل مما حصلت عليها سابقاً عادت إلى المعسكر الأمريكي.
خلال هذه السنوات استخدم الروس والأمريكان موضوع بيع الأسلحة لكسب حلفاء في المواجهات القائمة في الشرق الأوسط. حيث زودت واشنطن إسرائيل والسعودية وإيران في زمن الشاه بالسلاح لتزود روسيا في المقابل العراق وسوريا بالسلاح. لعبت مبيعات الأسلحة دوراً هاماً في دبلوماسية الحرب الباردة، على سبيل المثال في حرب تشرين 1973 هاجمت قوات الجيش المصري مستخدمةً صواريخ روسية مضادة للدبابات القوات الإسرائيلية المتواجدة في صحراء النقب، وبعد انتهاء الحرب الباردة فكرت أمريكا والاتحاد السوفيتي في كيفية الحفاظ على مكانتهما وربحهما التجاري من خلال بيع الأسلحة، لهذا توجهوا إلى الدول العربية الغنية في الشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتينية وآسيا. بين أعوام 2008-2011 اشترت الدول الست السعودية-الهند-الإمارات-البرازيل-مصر وفنزويلا أسلحة حديثة بمبلغ وصل مجموعه إلى 117 مليار دولار. والآونة الأخيرة لقي سوق الأسلحة والمنافسة في هذا المجال رونقاً جديداً.
شاهدنا خلال الأشهر الأولى من عام 2013 تحركاً جديداً في إطار بيع الأسلحة حيث وُقعت عدة اتفاقيات سلطت الضوء بشكل كبير على هذا الأمر. في أوائل شهر أيار كشفت مصادر استخباراتية غربية أن روسيا زودت الحكومة السورية بعدة بطاريات صواريخ متطورة من طراز كروز مضادة للسفن فيما كانت قد زودتها من قبل بصواريخ "ياخونت". إلا أن الصواريخ التي عرضت مؤخراً مزودة برادارات متطورة تزيد من مستوى أداء هذه المنظومات. وتضع هذه الصواريخ سوريا في موقع أفضل في مواجهة أي هجوم يشن عليها. كما أن صواريخ أس300 الروسية في طريقها إلى سوريا أو وصل جزء منها كما أشيع مؤخراً. وكان قد حذر المسئولون الأمريكيون على لسان وزير الخارجية الأمريكية موسكو بصراحة حول تزويد سوريا بصواريخ أس300. خلال شهر نيسان كشف وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هيغل" من القدس عن صفقة لتزويد إسرائيل بالأسلحة بقيمة مليارات الدولارات وبالرغم من عدم تكشف التفاصيل النهائية لهذه الصفقة لكن من المحتمل أن تشمل طائرات من طراز "اسبري وي22" ورادارات متطورة وصواريخ ضد الأشعة. أثناء إعلان هيغل عن هذه الاتفاقية قال للصحفيين: نحن ملتزمون بتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه للحفاظ على تفوقها.
طبعاً هذا الكلام الأمريكي ليس بجديد والعالم يعرف أن أمريكا تقدم لإسرائيل كل شيء يكفل استمرار تفوقها العسكري في المنطقة. إلا أن الأمر الجديد المثير للدهشة هو ردود فعل المصادر الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية التي أعلنت أن هذه الاتفاقية غير كافية ولا تتضمن المعدات والأشياء التي كان يرغب الإسرائيليون بالحصول عليها. فمن وجهة نظر الإسرائيليين ليس لطائرات اسبري قدرة عسكرية كبيرة بل قدرتها هامشية. والأمر الأخر المثير للدهشة بشكل أكبر هو أنه لم ترفع أي راية حمراء في وسائل الإعلام حول هذه الصفقة العسكرية الضخمة، وتتضمن العقود العسكرية معدات هجومية بشكل كامل.
خلال اللقاء الرسمي الذي جرى بين الرئيس الروسي والصيني في آذار وافقت روسيا على بيع الصين 24 طائرة مقاتلة متعددة المهام من طراز سوخوي35 و4غواصات ديزل من طراز "لادا". بالرغم من أن تفاصيل هذه الصفقة غير نهائية إلا إن المراقبون يقولون أنها أكبر صفقة جرت لبيع الأسلحة الروسية إلى الصين خلال العقد الماضي. المقاتلة "أس يو 35" مقاتلة (ستيلث-شبح) من الجيل الرابع تعتبر أكثر كفاءة وأفضل من جميع الطائرات المقاتلة الموجودة حالياً في الأسطول الصيني كما أن الغواصة "لادا" غواصة متطورة جداً، وجود هاذيين النظامين سيعزز قوة المقدرات الصينية الهجومية. من الصعب أن يعتبر المتابعين للقضايا الأمنية في قارة آسيا خلال السنوات الأخيرة هذه الصفقة سوى رد فعل على الإستراتيجية الجديدة لحكومة أوباما في توجهها الخاص نحو آسيا.
في تشرين الثاني2011 أعلن أوباما في كلمة أمام البرلمان الاسترالي عن إستراتيجية التوجه الخاص نحو آسيا وتعزيز التواجد الجوي والبحري الأمريكي في المحيط الهادئ وبالقرب من مياه الصين وكذلك تعزيز التعاون العسكري مع دول مثل اندونيسيا ، اليابان، الفلبين وكوريا الجنونية. في المقابل ردت الصين على هذه الإستراتيجية بأن عززت مقدراتها البحرية وأعلنت عن برامج جديدة في هذا السياق. من هنا شاهدنا انطلاق شرارة حرب باردة جديدة قي هذه المنطقة. وخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكية "جان كيري" للهند غصت وسائل الإعلام الهندية بالتقارير والشائعات حول بيع أسلحة أمريكية إلى الهند. ونُقل عن "أندرو شابيرو" معاون وزير الخارجية للشؤون العسكرية قوله أنه بالإضافة إلى المواضيع التي جرت مناقشتها حول بيع أسلحة سيتم بيع الهند خلال عدة سنوات قادمة أسلحة أخرى بمليارات الدولارات، وعليه ستتعزز العلاقات العسكرية والدفاعية بين أمريكا والهند وهذا يعني استمرار هذه العلاقات أكثر من السابق.
كانت شركات السلاح الأمريكية تبحث دائماً عن سوق لها في الهند لكن للعقود الجديدة دور أخر وهو محاولة أمريكا سحب الهند إلى معسكر حلفائها بهدف محاصرة الصين وهذا الأمر جزء من الإستراتيجية الجديدة لحكومة أوباما في أسيا وأقيانوسيا. لتحقيق هذا الهدف كما قال "وليم بيرنز" معاون وزير الخارجية الأمريكي في عام2011؛ بدأت أمريكا والهند مباحثات حول آسيا وأقيانوسيا وفي هذا السياق تم توقيع عقود تسليح حيوية وهامة جداً. وهذه الاتفاقيات هي النماذج الوحيدة لعقود التسليح التي عُقدت مؤخراً على المستوى الإقليمي والدولي وتعد مؤشر على رغبة القوى العظمى لاستغلال قضية بيع الأسلحة في منافساتها الجيوسياسية. تكرار هذا السلوك يمكن أن يحيي من جديد المنافسات المزعجة أيام الحرب الباردة. حتى لو قال زعماء هذه الدول أنهم لا يقصدون هذا الأمر لكن من قرأ التاريخ ولو قليلاً يعرف أن الأمر بخلاف ما يعلنون. كل عقد لبيع الأسلحة يتم توقيعه يخطو العالم خطوة باتجاه الاشتباك ونشوب حرب عالمية كبرى قريباً جداً.
المصدر: سياست ما

الجمل: قسم الترجمة

التعليقات

هناك مخاض عسير يحدث الان من التحام مصالح الشرق بالغرب و يجب على القياده السياسيه في سوريه الاستفاده منها امثل الاستفاده حتى تصل سوريه الى بر الامان باذن الله ومستقبل الشرق الاوسط و من بعدهاالعالم مرهون بمدى نجاح سوريه في كسر ظهر الارهاب و التدخل الاجنبي وبلورة السياسيين العالميين تقول ان اوربا لن تنظر الى الاملاءات الامريكيه و الاسرائيليه اذا هزم المشروع السوري لانها اخر نقطة تلاقي المصالح المهدوره بالنسبة لهم و فاتورة الحرب السوريه ستحدد شكل استراتيجيات المصالح الغربيه لعشرون سنه مقبله على الاقل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...