التنافس السعودي - القطري على سوريا
الجمل- بيتر لي- ترجمة: مالك سلمان:
على الرغم من كل التقارير الصحفية حول سوريا, أنا متفاجىء لقلة ما يُكتب, باللغة الإنكليزية على الأقل, عن تمايز الأهداف القطرية والسعودية.
فقطر تدعم "الإخوان المسلمين" ويبدو أنها لا تمانع عقد صفقة تنهي التمرد المسلح وتسمح للإخوان المسلمين بدس أنفهم في اللعبة السياسية, ومن ثم تضرب ضربتها في السيطرة على الحكومة عبر تركيبة من الضغط الأجنبي والتجييش الداخلي والانتخابات.
بالمقابل, لا يبدو أن المملكة السعودية مغرمة بالإخوان المسلمين وهي سعيدة لفكرة إزاحة الأسد عبر تمرد مسلح دموي يخوض غمارَه جهاديون أجانب بهدف تجريد إيران من حليفها الإقليمي, وإحراز نصر آخر للمَد السني الأصولي, وزيادة الضغط على حكومة إيران الشيعية من خلال إضافة عامل نظام سوري سني عدائي وموالٍ للسعودية إلى السنة في غرب العراق الذين يشعرون بالاستياء والقوة الآن (حيث يشارك البعض منهم في الحرب السورية).
عندما أمرت وزيرة الخارجية الأمريكية بإعادة التنظيم الفوري للمعارضة السورية الخارجية في تشرين الثاني/نوفمبر, بحجة توسيع طيفها التمثيلي (وربما لتفادي ظهورها كدريئة يختفي خلفها الإخوان المسلمون), استجابت قطر على الفور.
استضافت قطر إطلاق الائتلاف السوري – الذي شمل أيضاً مكوناً مهيمناً من الإخوان المسلمين – تحت مسمى "الائتلاف الوطني السوري للمعارضة والقوى الثورية".
كتبتُ حينها أن السعودية كانت الروحَ القدس في هذه الوليمة (أي أن المملكة السعودية لم تحضر لكنها كانت تشكل حضوراً هاماً ومقلقاً, وهذا توضيح لمن لم يلتقط الإشارة إلى مسرحية "مَكبث"), وأشرت إلى أن الأجندة السعودية العدوانية التي تتمثل في انهيار النظام عبر التمرد المسلح المدعوم من الجهاديين سوف تقود الأطراف الأخرى المعنية إلى التفكير في التكيف, عاجلاً أم آجلاً, مع هذه الأصول المسلحة الخطيرة المدمرة المناهضة للديمقراطية والغرب معاً.
كانت هناك سابقة لهذا في ما سمي "يقظة الأنبار" في العراق سنة 2006, عندما شعرت النخب السنية, المحافظة اجتماعياً وغير الأصولية, في غرب العراق بالقلق من الدور المتزايد للقاعدة في مقاومتها للولايات المتحدة (وتحدي القاعدة لسلطتها المحلية وسلامتها الشخصية), وانتقلت إلى التعاون مع الولايات المتحدة, وشاركت في فرق موت تعمل على تطهير البلاد من الجهاديين.
لا مصلحة للمملكة السعودية في استهداف ثورة مضادة سنية معتدلة لثورتها المضادة السنية الأصولية في سوريا, ولذلك أعتقد فهي ليست مهتمة بتسوية سياسية تتعاون فيها النخب السنية المحلية التي عانت طويلاً مع نظام سوري جديد و ‘معتدل’ للقضاء على الجهاديين الممولين و/أو المدعومين من السعودية وإحلال نوع من الاستقرار والسيطرة السياسية في البلد المنكوب.
ولذلك تمكنت كتلة راديكالية, في غداء "الائتلاف", من تعطيل الدعوة إلى مفاوضات تهدف إلى التسوية.
في هذا الأسبوع رفض وزير الخارجية السعودي, الأمير سعود, بشكل واضح أية تسوية قائمة على المفاوضات – وهو موقف يصب في المصلحة السعودية, لكنه قوبلَ بخيبة أمل من السوريين المتعبين من الحرب بكافة ألوانهم السياسية والقوى الغربية المتعَبة من العرض السوري والتي ترغب في التخلص من المشكلة عبر انتقال للسلطة يحاكي النموذج اليمني.
قال وزير الخارجية السعودية يوم الثلاثاء إن حجم العنف الذي تستخدمه الحكومة السورية في محاربتها للمتمردين المسلحين يعني أن تسوية الأزمة السورية خارج نطاق التفكير.
قال الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحفي: "دمشق ... المدينة الأقدم في التاريخ, تتعرض للقصف الشامل. كيف يمكننا التفكير بالتسوية والتفاوض مع أحد يفعل ذلك ببلده, بتاريخه, وبشعبه؟ هذا غير ممكن من وجهة نظرنا."
يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءَها الأوروبيين سوف يرحبون بنوع من التسوية القائمة على المفاوضات شريطة أن يحفظ الغرب ماء وجهه من خلال تنحي الأسد. وربما توافق تركيا, التي تواجه مشكلة كردية متنامية والتي شبعت ربما من مغامرتها السورية. كما أن لدى قطر أجندة انتخابية بعد الأسد مبنية على أصولها من الإخوان المسلمين, كما أشرنا سابقاً.
لكن الأمير سعود قد رسمَ خطاً في الرمال, مما يشير إلى أن السعودية متفائلة حول سيناريو الانهيار الشامل للنظام, وبالتالي نهاية اللعبة السياسية التي يحتل فيها حلفاء السعودية موقعاً محمياً ومتميزاً في بنية السلطة الجديدة بدلاً من التعرض للقتل على يد المواطنين السنة المهددين والجيش السوري "الديمقراطي" الجديد.
في حال شعرت تركيا والقوى الغربية أنها مجبرة على التدخل لضبط الأمور في حال سقوط النظام السوري, فإن السعودية لن تعارضَ إرسال هذه القوى لجيش احتلال لكنها لن تساهمَ فيه بالتأكيد. وهذا شيء لا تحبذ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا التعاطي معه لأسباب أبعد من القلق المفهوم لفكرة أن "آخر شيء نحتاجه هو مستنقع عسكري آخر في الشرق الأوسط".
إن عدم رغبة الائتلاف المناهض للأسد في تشجيع وتمكين وتأييد الإستراتيجية السعودية وعدم التعبير عن أي نية في إرسال قوات لحفظ النظام وبناء البلد بعد سقوط النظام – بالإضافة إلى الخوف من إمكانية تشكل المستنقع السوري – ريما تفسر عدم جدية الغرب في التهديد بتدخل عسكري مسلح يتجاوز اللغة المجردة.
لكن تصريح الأمير سعود يشير إلى أن الأزمة الحادة التي يمكن أن تنشأ من جراء انهيار الدولة بعد سقوط الأسد – حيث يتمكن المقاتلون الجهاديون والأصوليون المحليون المنضبطون من لعب دور هام على الرغم من قلة أعدادهم – لن تردع المملكة السعودية من المضي قدماً في إستراتيجيتها الهادفة إلى إسقاط النظام.
وبعد سنوات من التشنيع العلني بالأسد – والرغبة القوية عند بعض الأقطاب السياسية في إدارة أوباما في تدمير سوريا بهدف إضعاف إيران, على الرغم من العواقب الوخيمة على الشعب السوري – تفتقد الولايات المتحدة إلى الإرادة السياسية لمطالبة الأسد بتسوية قائمة على المفاوضات أو حلفائها في الائتلاف المناهض للأسد.
إن المملكة السعودية, عبر عنادها – وربما من خلال الدعم المتواصل والسري للمقاتلين المتدينين الأصوليين الأجانب والمحليين داخل سوريا – تحمل بطاقة " ڤيتو", بحكم الأمر الواقع, ضد الموقف السياسي للقوى المناهضة للأسد ومستقبل سوريا نفسها.
("كاونتربنتش", 24 كانون الثاني/يناير 2013)
الجمل: قسم الترجمة
التعليقات
تفوه عليك يازمن
إضافة تعليق جديد