الحريري يطلب تعويضاً لزيارته إلى دمشق
تراجع في عطلة الأسبوع زخم التوقعات الإيجابية بنجاح المشاورات السورية ـ السعودية في التوصل الى اتفاق قريب حول سلة تفاهمات ثنائية، تسهل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتؤمن لها شبكة الأمان الإقليمية, وبدا ان إيقاع التفاؤل بحدوث مفاجآت سريعة قد هدأ، بحيث بات مستبعداً ان تعقد اليوم القمة المنتظرة بين الرئيس بشار الأسد والملك السعودي عبد الله، كما ان الزيارة المفترضة للرئيس المكلف الى دمشق لم تعد «وشيكة» وإن تكن «حتمية».
ويمكن القول في هذا المجال إن «فرصة ذهبية» قد ضاعت الاسبوع الماضي لإنجاز التوافق على مبادئ تشكيل الحكومة برعاية سورية ـ سعودية، بفعل ضغوط داخلية مورست من قبل مسيحيي 14 آذار على الرئيس المكلف سعد الحريري، بموازاة دخول بعض الاطراف الخارجية المتضررة على الخط للعرقلة والتحريض، من دون ان يعني ذلك ان «الفرصة الضائعة» ليست قابلة للتعويض، مع فارق ان التأخير سيرتب على البلد المزيد من الوقت المهدور والمكلف في ظل حكومة تصريف الأعمال العاجزة عن مواجهة التحديات الملحة، وفي طليعتها أزمة الكهرباء الناتجة عن زيادة ساعات التقنين وتوسيع نطاقها الجغرافي.
وما هو مؤكد ان الرئيس المكلف سعد الحريري أبدى استعداداً لزيارة دمشق، مع معرفته بكلفتها العالية، ولكنه يطلب في المقابل نوعاً من التعويض المعنوي الذي يتيح له تبرير او تسويق هذه الخطوة لدى جمهوره، ويتمثل هذا التعويض في حكومة من دون ثلث ضامن، وهو الأمر الذي يُبحث مع حزب الله عبر أقنية الحوار المفتوحة، التي شهدت تقدماً على هذا المستوى بين الجانبين.
ويبدو ان هذا التعويض المعنوي سيفتح الباب امام قيام الملك السعودي بالزيارة التي طال الحديث عنها الى دمشق، واستئناف جهوده التي بدأها في قمة الكويت العربية من اجل المصالحة العربية.
في المقابل، تفيد المعلومات ان «العامل المصري» ليس جاهزاً بعد للانضمام الى المظلة الإقليمية لترتيب الوضع اللبناني، علماً بأن نيات القاهرة ستُختبر خلال قمة عدم الانحياز التي تعقد في شرم الشيخ الأسبوع المقبل، في ظل معطيات تفيد بأن مصر تأخذ على سوريا عدم تسهيل جهودها لإتمام المصالحة الفلسطينية، وهي تعتبر ان الرياض ذهبت بعيداً في اندفاعتها نحو دمشق، وأكثر مما يجب، بما يتجاوز نتائج الانتخابات النيابية في لبنان.
إلى ذلك، قالت اوساط سورية واسعة الاطلاع إن التداول بالأفكار مستمر بين دمشق والرياض، ولكن الأمر لم يرتق بعد الى مستوى تظهير صيغة محددة ومنجزة، مشيرة الى ان البحث مع السعوديين يتناول واقع العلاقة اللبنانية - السورية ومستقبلها الى جانب مسائل إقليمية أخرى، اما ما يتعلق بتركيبة الحكومة فهو شأن داخلي، يجب مناقشته مع المعارضة اللبنانية، ودمشق لن تكون عامل تعطيل او عرقلة لما يمكن أن يتم الاتفاق عليه.
ونفت المصادر السورية أن تكون ثمة ترتيبات لعقد قمة عربية اليوم تجمع الرئيس بشار الأسد مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وذلك من دون أن تستبعد حصول لقاء على مستوى القمة في وقت لاحق، بعد بلورة عوامل ثنائية وإقليمية محددة.
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر موثوقة في المعارضة اللبنانية ان القيادة السورية لا تفاوض الرياض باسم المعارضة او بالنيابة عنها، وبالتالي فإن أي مسألة تتصل بطبيعة المشاركة في الحكومة وكيفية توزيع النسب فيها يجب ان تُبحث مع المعارضة اللبنانية. وأكدت المصادر ان دمشق تصدت، خلال مشاوراتها مع الموفدين اليها، لمحاولات استدراجها الى الدخول في التفاصيل، وهي حريصة في حوارها مع السعوديين على عدم تجاوز الإطار السياسي العريض لجدول الاعمال، في حين ان العروض التي تلقتها كانت ترمي الى إغراقها في الجزئيات. وأشارت المصادر الى ان الرياض طرحت افكاراً لم تتمكن من تطبيقها، معربة عن اعتقادها بأن حصول تقدم نوعي في المشاورات الاقليمية ينتظر معطى جديداً يقدمه السعوديون.
وقالت المصادر إنه كان يفترض بالرئيس المكلف ان يكون أكثر جرأة في قطاف اللحظة المؤاتية التي لاحت للدفع في اتجاه الإسراع في تشكيل الحكومة، ولكن إيقاعه البطيء وتردده في المبادرة جعلا الامور تتأخر.
ولكن مصادر مطلعة في «الموالاة» اللبنانية كشفت من جهتها عن اتصالات مكثفة تجري على الخطين الداخلي والإقليمي، بعيداً عن الأضواء من أجل تمهيد الأجواء الملائمة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. ونفت هذه المصادر ان تكون «المفاوضات» قد دخلت في دائرة المراوحة او وصلت الى الحائط المسدود، وإن تكن هناك حاجة الى مزيد من الجهد لبلورة المخارج المناسبة.
وجزمت المصادر بأن زيارة الرئيس المكلف النائب سعد الحريري الى دمشق «ستتم حتماً»، موضحة ان مبدأ حصولها قد حسم وبات خارج النقاش اما هل تحصل قبل التأليف او بعده فهذا مرتبط بما ستؤول اليه المشاورات.
في هذا الوقت، قالت أوساط بارزة في تيار المستقبل إن أحداً لم يفاتح الحريري رسمياً بمسألة زيارته الى دمشق قبل تأليف الحكومة، مؤكدة ان أي طرح بهذا المعنى لم ينقل اليه، لا من قريب ولا من بعيد، وبالتالي فهو ليس مضطراً لإبداء رأيه في موضوع غير مطروح أصلا، لافتة الانتباه الى ان دمشق كانت مصدر هذه التسريبة وليس الرياض.
وأعربت الأوساط عن اعتقادها بأن الزيارة ستحصل بعد تأليف الحكومة، انطلاقاً من صفة الحريري كرئيس لمجلس الوزراء، بحيث تأتي في سياق طبيعي لتعزيز العلاقات بين البلدين على قاعدة اتفاق الطائف وانطلاقاً من مقولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الشهيرة: لبنان لا يحكم من سوريا ولا ضدها.
وشددت الأوساط على ان مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيل الحكومة لن تصطدم بالحائط المسدود ولو تأخر إتمامها قليلا، ذلك انها محكومة بالنجاح والقضية قضية وقت ليس إلا، لافتة الانتباه الى ان الحريري يعتمد في تحركه قاعدة «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، موضحة انه يعمل على مدار الساعة لتأليف الحكومة ولكن جزءاً كبيراً من هذا الجهد يظل بعيداً عن الأضواء.
وكان رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد استبعد ان يزور الحريري دمشق قبل تشكيل الحكومة، معتبراً في حديث لوكالة «رويترز» ان زيارة الحريري الى دمشق «هي خطوة لن يكون لها اي نتائج ولن تؤدي الى اي مكان، بل يمكن ان تؤدي الى نتائج سلبية أي الى إحباط إضافي وإلى سوء في العلاقة بين البلدين لأن خطوة كهذه غير ناضجة».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد