الحكومة اللبنانية: أسوأ أداء اقتصادي منذ 15 عاماً
اعتبر تقرير بنك عودة الاقتصادي عن العام ,2006 ان هذه السنة كانت الأسوأ اقتصاديا في لبنان منذ 15 عاما، مقدرا النمو الاقتصادي بسلبي بنسبة 5 في المئة.
وأشار التقرير الى ان نسبة التضخم في لبنان خلال العام 2006 سجلت حوالى 7 في المئة وهي أعلى نسبة منذ10 سنوات.
ولحظ التقرير زيادة في كلفة الدين العام بنسبة 28 في المئة وتحسن الصادرات بنسبة 21.3 في المئة بعدما كانت وصلت خلال النصف الأول من العام الى اكثر من 48.2 في المئة وتراجعت نتيجة الحرب.
ورأى التقرير ان القطاع المصرفي اظهر مناعة لافتة خلال سنة عصيبة وسجل نتائج مرضية في ميزانيته وتزايد امواله الخاصة والمحافظة على ارباحه.
وقدر التقرير الرساميل الوافدة خلال العام 2006 بحوالى 9.9 مليارات دولار مقابل 8.8 مليارات للعام ,2005 بما فيها المساهمات والمساعدات الدولية للبنان بعد الحرب وان ميزان المدفوعات سجل فائضا بحوالى 2.8 مليار دولار وانه لولا الوضع السياسي والحربي لكانت القيمة اكبر من ذلك بكثير.
وقدر التقرير ان الدين العام اقفل في نهاية العام الماضي على 40.4 مليار دولار.
واعتبر التقرير ان المعالجات الاقتصادية والمالية متاحة تقنيا وإنما متعثرة سياسيا، مشيرا الى ان السيناريو المعروض لحل الأزمة الاقتصادية يبقى عرضة للخطر ما دام المأزق السياسي قائما والخلافات مستمرة.
اتسم العام 2006 بتقلبية اقتصادية شديدة. فقد كان الاقتصاد يحقق أداء جيدا في النصف الأول من السنة قبل ان ينعكس هذا المنحى في منتصف العام ليسجل أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 15 عاما. وعلى غرار المناخ السياسي الذي شهد تغيرات سريعة، يقدّر أن الناتج المحلي الاجمالي سجل نموا حقيقيا سلبيا بمعدل 5٪ في العام 2006 بسبب الأوضاع السياسية ـ الاقتصادية المعاكسة.
فالواقع انه سادت الوضع السياسي في النصف الأول من السنة أجواء الحوار الوطني دون آفاق تسوية او حلحلة. أما النصف الثاني من السنة، فقد تخللته احداث جسام، بدءا بحرب تموز ـ آب مرورا باغتيال وزير الصناعة واستقالة ستة وزراء من الحكومة في تشرين الثاني وانتهاء بتفاقم الأزمة السياسية المحلية في أواخر السنة عبر اللجوء الى الاعتصامات والتظاهرات المختلفة.
فكان اثر ذلك على الاقتصاد مزيجا من الركود والتضخم، بحيث أقفلت سنة ,2006 بحسب «مؤسسة الأبحاث والاستشارات»، على تضخم بمعدل 7٪، وهو الأعلى منذ عشر سنوات، بسبب انعكاسات الحرب السلبية على العرض، ما أسفر عن نشوء حالة من الركود. وتؤكد نظرية النقد الكمية حالة الانكماش هذه. فالكتلة النقدية زادت بمعدل 8,7٪ على أساس سنوي، في مقابل تراجع سرعة تداول النقد بنسبة 0,8٪، ما أدى بوضوح الى نمو سلبي للناتج المحلي الاجمالي في ظل التضخم المسجل. وقد تم تراجع سرعة تداول النقد، الذي يشكل انعكاسا جليا لركود الطلب الاجمالي، في سياق انخفاض قيمة الشيكات المتقاصة في العام 2006 بنسبة 5,3٪ مقارنة مع العام ,2005 وارتفاع متوسط الودائع المصرفية بنسبة 2,5٪ في الفترة نفسها.
كان لا بد من ان تترك الأوضاع السياسية ـ الأمنية المضطربة أثرا سلبيا على وضع المالية العامة. فكان ان وصلت نسبة العجز العام/ الناتج المحلي الاجمالي الى 12٪ في نهاية العام 2006 بعدما كانت مقدّرة بـ8٪ في منتصف السنة، ما رفع نسبة الدين العام/ الناتج المحلي الاجمالي الى مستوى قياسي هو 181٪. وقُدّرت الأضرار المباشرة للحرب بقيمة 2.8 مليار دولار أميركي، فضلا عن الأضرار غير المباشرة التي قُدّرت بما يزيد عن ضعف هذا المبلغ. بيد ان المساعدات الدولية ومبادرات المانحين من القطاع الخاص أمّنت تمويل معظم الأضرار المباشرة.
على صعيد القطاع الخارجي، تأثرت التجارة الخارجية بتطور أحوال الاقتصاد، بحيث أمكن تحقيق زيادة في الصادرات والواردات بفضل الأداء الجيد المسجل في النصف الأول من السنة. وعليه، زادت الصادرات بنسبة 3,21٪ (+4,48٪ في النصف الأول من السنة) فيما شهدت الواردات نموا طفيفا لا تتعدى نسبته 6,0٪ (+2,17٪ في الأشهر الستة الأولى). ورغم التأثيرات السياسية والأمنية المعاكسة، سجل ميزان المدفوعات في العام 2006 فائضا بقيمة 2795 مليون دولار، هو الأعلى منذ العام .2003
وظلت الأوضاع النقدية مضبوطة طوال سنة صعبة نسبيا. فقد بلغت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان 13 مليار دولار في كانون الأول ,2006 أي ما يعادل 83٪ من الكتلة النقدية بالليرة. واستطاع المصرف المركزي ان يعيد تكوين احتياطياته من القطع الأجنبي بوسائل شتى، مستفيدا من دعم عربي هام إبان فترة الحرب، تمثّل بايداعات طويلة الأجل لديه، ومن اكتتابات كبيرة قامت بها المصارف المحلية بشهادات الايداع بالعملات الأجنبية. كذلك استفاد المصرف المركزي، من وقت الى آخر، من تراخي الضغوط النقدية الذي أسفر عن فوائض في السيولة الأجنبية المتوافرة في سوق القطع.
على صعيد القطاع المصرفي، فقد أظهر مرة أخرى مناعة لافتة خلال سنة عصيبة. فعلى الرغم من التراجع الطفيف لمعظم المجاميع المصرفية خلال المحنة الصيفية، سجلت كل المؤشرات الرئيسية لميزانية المصارف وربحيتها أداء سنويا مرضيا، وذلك خصوصا بفضل التحسن الكبير المحقق في النصف الأول من السنة. وهكذا شهدت الموجودات، والودائع والتسليفات، وعلى الأخص الأموال الخاصة، نموا ملحوظا على أساس سنوي. فقد زادت الموجودات الاجمالية للمصارف في العام 2006 بنسبة 3,8٪ لتصل الى 114840 مليار ليرة، رغم انخفاضها بنسبة 0,2٪ خلال الفصل الثالث من السنة كنتيجة مباشرة لحرب تموز/ آب. كما زادت ربحية المصارف نتيجة الجهود المبذولة لضبط تكاليف الودائع والنفقات التشغيلية خلال سنة صعبة نسبيا.
على صعيد أسواق الرساميل، اتصفت سنة 2006 بقدر كبير من التقلّبية. فقد سجلت سوق الأسهم اللبنانية ارتفاعا بنسبة 9,17٪ في النصف الأول من العام 2006 (إثر ارتفاع بنسبة 99 ٪ في العام 2005) قبل ان تشهد انخفاضا بنسبة 6,18٪ في النصف الثاني لتقفل السنة على تراجع اجمالي بنسبة 4٪. أما سوق سندات اليوروبوندز اللبنانية، والتي استفادت من طلب عليها في النصف الأول من السنة، فقد شهدت مبيعات في النصف الثاني، ما أدى الى اتساع متوسط الهوامش من 216 نقطة أساسية في العام 2005 الى 300 نقطة أساسية في العام .2006
ونعرض في الأقسام اللاحقة تحليلا مفصلا للتطورات التي شهدها القطاع الاقتصادي الحقيقي، فالقطاع الخارجي ثم القطاعان العام والمالي.
القطاع الاقتصادي الحقيقي: الزراعة والصناعة
تأثر نشاط القطاعين الأول والثاني بالأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في أعقاب حرب الصيف. غير ان القطاعين الزراعي والصناعي نجحا في تحقيق نمو في حجم الصادرات بفضل نتائج النصف الأول من السنة. وتفيد احصاءات المجلس الأعلى للجمارك ان الصادرات الزراعية والصناعية ازدادت بنسبة 3,21٪ في العام 2006 مقارنة مع العام 2005 لتصل قيمتها الى 2.3 مليار دولار، علما ان هذه الزيادة تعود بخاصة الى القطاع الصناعي.
لقد وجّهت الحرب الصيفية ضربة قاسية الى القطاع الزراعي، بحيث قُدّرت الأضرار والخسائر التي أصابت الزراعة وصيد السمك والثروة الحرجية في لبنان، من جراء المعارك، بحوالى 280 مليون دولار حسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة الدولية. ونجمت أكبر الأضرار عن منع المزارعين من الوصول الى حقولهم المزروعة، إبان فترة المعارك، باعتبار ان هذه الأخيرة تزامنت مع موسم جني بعض المحاصيل (لا سيما الفاكهة والبطاطا) المخصصة للتصدير. ويشير التقرير نفسه الى ان معظم محاصيل هذه السنة تلفت حيث هي، لأن القصف أرغم المزارعين على مغادرة أراضيهم فتعذّر نقل انتاجهم الى الأسواق. حتى بعد الحرب، لا تزال العديد من الحقول والمراعي تُعتبر عديمة الجدوى، خصوصا في جنوب لبنان، حيث استحال الوصول الى حوالى 25٪ من الأراضي المزروعة بسبب القنابل العنقودية. في هذا السياق، بلغت قيمة الصادرات الزراعية في العام 2006 زهاء 104 ملايين دولار، أي بزيادة سنوية نسبتها 4٪، بعدما كانت ازدادت بنسبة 11٪ في النصف الأول من السنة و2٪ في النصف الثاني منها.
رغم هذا التحسن السنوي، ما زال لبنان يعاني من عقبات جسيمة تحد من القدرة التنافسية لمنتجاته الزراعية وتؤخر تحديث القطاع. ثم إن أضرار الحرب المباشرة وغير المباشرة، والتي طاولت بوجه خاص جنوب البلاد حيث الاستثمار الزراعي مهيمن على النشاط الاقتصادي، فاقمت العوائق التي تحول دون تنمية هذا القطاع. ففي الواقع، تقدّر كلفة الانتاج الزراعي في لبنان بحوالى ثلاثة أضعاف مثيلتها في البلدان العربية حيث يُستفاد من دعم حكومي ومن مستوى أرخص لكلفة المعيشة ولتكاليف النقل والماء والكهرباء.
كذلك تأثر القطاع الصناعي بالظروف العصيبة خلال النصف الثاني من العام ,2006 كما يدلّ على ذلك تطور الصادرات الصناعية. فقد زادت قيمة هذه الصادرات في العام 2006 بنسبة 4,22٪ لتبلغ 2178 مليون دولار مقابل 1780 مليون دولار في العام .2005
وتعود هذه النتائج بوجه خاص الى نمو هذه الصادرات بنسبة 50٪ في النصف الأول من السنة قبل ان تعود لتنخفض بنسبة 40٪ في الفصل الثالث. وقد ألحقت الحرب أضرارا بالقطاعات الصناعية الرئيسية، مثل الصناعة الغذائية وصناعة المفروشات ومواد البناء، كما سببت خسائر مادية مباشرة قُدّرت بـ220 مليون دولار، علاوة على الخسائر في المخزون والانتاج والتسويق.
مع ذلك، انتعشت الصادرات الصناعية خلال الفصل الأخير من السنة، مسجلة نموا بنسبة 1,11٪ مقارنة مع الفترة نفسها من العام ,2005 والتي كانت أيضا فترة صعبة نسبيا.
أما قيمة الآلات الصناعية المستوردة، والتي تعبّر عن الاستثمارات المحققة في القطاع الصناعي، فهي انخفضت في العام 2006 بنسبة 5,5٪ لتبلغ 129.9 مليون دولار، نتيجة حرب الصيف والأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي نجمت عنها. ولكن، إذا تناولنا الفصل الأخير من السنة حيث بدأت الشركات بالتعويض عن خسائرها، نجد ان الواردات من الآلات الصناعية سجلت زيادة نسبتها 2,24٪ مقارنة مع الفصل الأخير من العام ,2005 نظرا لما اتسم به هذا العام من عدم انتظام.
البناء
أنهت حركة البناء عام 2006 بنمو مسجل في مؤشراتها الرئيسية، رغم الضربة القاسية التي وجهتها لهذا القطاع حرب الصيف وما تبعها من اضطرابات سياسية محلية، اصابت عواقبها القطاعات الاقتصادية الأخرى. ويرجع هذا الاداء السنوي الى النشاط القوي الذي عرفه قطاع البناء في النصف الأول من السنة والى إعادة الإعمار بعد الحرب.
إن كميات الاسمنت المسلّمة، والتي تشكّل مؤشرا ثانويا على حركة البناء، زادت في الأشهر الأحد عشر الأولى من السنة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام .2005 علما ان الفورة الاقتصادية للنصف الأول من العام 2006 ولّدت زيادة سنوية في تسليمات الاسمنت بنسبة 62٪. لكن الفصل الثالث تأثر بالحرب المدمّرة التي طاولت مناطق عديدة من البلاد. غير ان هذا القطاع استأنف نشاطه في الفصل الأخير من العام ,2006 ملبيا بالتالي احتياجات إعادة الإعمار لفترة ما بعد الحرب. لكن، بناء على طلب الحكومة، وإسهاما في دعم ورشة النهوض وإعادة الإعمار، خفّضت ثلاث من شركات الاسمنت اللبنانية سعر الطن الواحد من 75 دولارا الى 65 دولارا لمدة سنة. أما أسعار بقية مواد البناء، فقد ارتفعت في العام ,2006 وذلك بسبب الطلب المتزايد بعد الحرب إنما أيضا بسبب ازدهار حركة البناء قبل الحرب. ورغم الانخفاض الطفيف للأسعار إبان شهري الحرب، ارتفع مؤشر كلفة البناء بنسبة 18٪ في العام ,2006 وذلك بخاصة نتيجة ارتفاعه الكبير بنسبة 5,11٪ خلال النصف الأول من السنة.
إن تطور الرسوم العقارية، التي هي مؤشر ثانوي على الحركة العقارية، يعكس هذا الاتجاه. فعلى الرغم من ازدياد هذه الرسوم بنسبة 51٪ على أساس سنوي في النصف الأول من العام ,2006 تراجعت قيمتها السنوية بنسبة 2,3٪ عما كانته في العام ,2005 إذ بلغت 347.63 مليار ليرة، أي ما يعادل 230.6 مليون دولار.
وهكذا خف الطلب العقاري اثناء الحرب وبعدها واصيب القطاع بالركود إنما دون ان يشهد تراجعاً، كون البائعين قد حافظوا على اسعارهم رغم احجام الشارين والمقاولين. ولا تزال آفاق القطاع العقاري مسدودة بفعل التوترات السياسية المحلية. ومن المتوقع ان يكون معظم النشاط في المستقبل القريب مرتبطا بمشاريع بوشر تنفيذها سابقا، لان المقاولين لن يندفعوا في مشاريع جديدة في غياب اشارات ملموسة مطمئنة لجهة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
التجارة والخدمات
كما حصل بالنسبة الى بقية القطاعات، كان لا بد من ان تؤثر حرب الصيف والمشاكل السياسية التي اعقبتها على قطاع التجارة والخدمات، فالاعتداءات الاسرائيلية، وكذلك الحصار ثم الاضطرابات السياسية الداخلية بعيد الحرب خففت من النفقات الاستهلاكية والاستثمارية، مبطلة مفعول الفورة الحاصلة في النصف الاول من السنة. وهكذا اقفلت السنة على تراجع في النشاط السياحي (ـ7,6٪) وفي حركة المطار (ـ8,13٪) وفي حركة الشحن البحري (ـ5,5٪) وفي قيمة الشيكات المتقاصة (ـ5,3٪).
فالسياحة، التي هي احد القطاعات الاشد تأثراً بالصدمات السياسية والامنية، كانت قد بدأت العام 2006 بأداء جيد، اذ سجل عدد السياح الوافدين الى لبنان رقما قياسيا في النصف الاول من السنة (50٪). ولكن، تم ابطال هذه الاداء المميز بهروب الزوار اثناء الحرب، ورغم استئناف الحركة منذ انتهاء المعارك ورفع الحصار، بحيث سجل شهر تشرين الاول ازدياد عدد السياح بنسبة 5,45٪ على اساس سنوي، فإن تلبد الجو السياسي الداخلي حل محل هذا الانتعاش العابر لتنتهي السنة بتراجع عدد السياح بنسبة 7,6٪. كذلك انخفضت نسبة اشغال الفنادق الى اقل من المستوى المتدني (30٪) المسجل مع نهاية الحرب. وقد بلغ عدد السياح في العام 2006 بكامله 1062635 سائحاً مقابل 1139524 سائحا في العام 2005 يقابله رقم قياسي قدره 1278469 سائحا في العام .2004
إن القطاع السياحي، الذي يعد من اهم مستخدمي اليد العاملة والذي يسهم بما لا يقل عن 10 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي، يحتاج الى جهود كثيرة لتعويض الاضرار الناجمة عن الحرب. حتى ولو لم يصب تقريبا اي من المعالم الفندقية والسياحية الكبرى بأضرار مباشرة، فإن التحدي يظل كامنا في استعادة ثقة الزوار المحتملين، كون الانقسامات السياسية الداخلية تعطي اشارات سلبية. كذلك، تجدر الاشارة الى ان الحركة السياحية في السنة الجارية تتوقف الى حد كبير على التقدم في عملية تنظيف الشواطئ اللبنانية من بقع النفط المنتشرة في البحر المتوسط من جراء الحرب، باعتبار ان 50٪ الى 60٪ من الصناعة السياحية اللبنانية قائمة على شاطئ البحر حسب وزارة السياحة.
أما حركة المطار، فقد اتبعت المنحى ذاته تماما، مسجلة في العام 2006 تراجعا يعكس الركود النسبي للحركة السياحية والتجارية في البلاد. فالازدياد الملحوظ لعدد المسافرين، والذي بلغت نسبته 8,20٪ في النصف الاول من العام ,2006 تحول الى انخفاض بنسبة 8,13٪ في السنة بكاملها. وتفيد ارقام مديرية الطيران المدني ان عدد المسافرين في العام 2006 بلغ 2.74 مليون مسافر (8,13٪ مقارنة مع العام 2005)، بينهم 1.46 مليون قادم و28,1 مليون مغادر، كما تراجع عدد المسافرين العابرين في العام 2006 بنسبة 8,18٪ ليبلغ 85532 مسافراً. يضاف الى ذلك ان عدد الرحلات الجوية انخفض بنسبة 7,13٪ ليبلغ 32980 رحلة، بينها 16491 رحلة قادمة و16489 رحلة مغادرة.
كذلك هي الحال بالنسبة الى حركة الشحن البحري، رغم نموها المحقق في النصف الاول من السنة. ذاك ان عدد البواخر الراسية في مرفأ بيروت انخفض بنسبة 8,17٪ ليبلغ 1832 باخرة في العام ,2006 بينما انخفض عدد المستوعبات المفرغة في المرفأ بنسبة 0,6٪ ليبلغ 119978 مستوعبا وتراجع حجم البضائع المفرغة بنسبة 5,5٪ ليبلغ 4.2 ملايين طن.
القطاع الخارجي
إن الظروف العصيبة التي سادت في العام 2006 اعاقت مباشرة حركة التجارة الخارجية. فالحرب وما تبعها من حصار بري وبحري وجوي، اضافة الى الغموض السياسي والتباطؤ الاقتصادي بعيد الحرب، قلصت كلها تدفقات الاستيراد والتصدير خلال تلك الفترة. إلا ان الاداء الجيد المحقق في النصف الاول من السنة والانتعاش الخجول في الفصل الاخير من العام المنصرم عوضا عن الاثر السلبي للحرب.
خلال شهري تموز وآب ,2006 تراجعت الواردات الى نصف مستواها المسجل في الفترة نفسها من العام 2005 كما تراجعت الصادرات بنسبة 35٪ في الفترة ذاتها، غير ان السنة اقفلت على نتيجة جيدة. فقد ازداد حجم التجارة الخارجية بنسبة 1,4٪ في العام ,2006 وذلك خصوصا بسبب النمو الكافي للصادرات فيما كانت الواردات اكثر تأثراً بالاوضاع الداخلية الصعبة، إذ بلغت قيمتها 9399 مليون دولار، اي بزيادة نسبتها 6,0٪ مقارنة مع العام 2005 بينما بلغت قيمة الصادرات 2282 مليون دولار، اي بزيادة سنوية نسبتها 3,21٪.
وعليه، تراجع العجز التجاري بنسبة 6,4٪ ليبلغ 7118 مليون دولار في العام .2006 إن نمو الصادرات مقابل زيادة طفيفة للواردات ادى الى تحسن نسبة تغطية الواردات بالصادرات من 1,20٪ في العام 2005 الى 3,24٪ في العام .2006
وكالعادة، يتم التعويض في لبنان عن الاختلال التاريخي للميزان التجاري برصيد ميزان المدفوعات الجارية وتدفقات رؤوس الاموال. ومع ان ميزان المدفوعات تراجع في تموز كما يعكس ذلك عجزه الشهري آنذاك بقيمة 1.2 مليار دولار، فإن اداءه القوي في النصف الاول من السنة اضافة الى المعونة المالية المقدمة في أوانها من قبل السعودية والكويت، انعشا ميزان المدفوعات. كما تم تخفيف اثر الحرب في ايلول وتشرين الاول بفضل المساعدات الاضافية الوافدة، ما ولّد فائضا في هذا الميزان بقيمة 2.8 مليار دولار، وهو الأعلى منذ دخول اموال باريس 2 عام .2003 ففي الواقع، بلغ صافي الرساميل الوافدة 9.9 مليارات دولار في العام 2006 مقابل 8.2 مليارات دولار في العام ,2005 اي بزيادة نسبتها 0,35٪.
إذاً، سجل ميزان المدفوعات في العام 2006 فائضا بقيمة 2795 مليون دولار مقابل فائض بقيمة 747.7 مليون دولار في العام 2005 وفائض بقيمة 168.5 مليون دولار في العام .2004 وقد نجم رصيد ميزان المدفوعات في العام 2006 عن ازدياد الموجودات الخارجية الصافية للمصرف المركزي بقيمة 246.6 مليون دولار وازدياد الموجودات الخارجية الصافية للمصارف والمؤسسات المالية بقيمة 2547.9 مليون دولار. بناء عليه، لو استقرت نسبيا حركة الرساميل الوافدة على مستواها المحقق في العام ,2005 لكان ميزان المدفوعات قد سجل فائضا اقل بكثير، اي بمقدار 1087 مليون دولار، ولو استقر العجز التجاري على ما بلغه في العام ,2005 لكان ميزان المدفوعات قد سجل فائضا اقل اهمية، اي بقيمة 2.5 مليار دولار.
القطاع العام
لقد انعكست مصاعب العام 2006 مباشرة على اداء المالية العامة. ذاك ان عواقب حرب الصيف ألقت بثقلها على كاهل الحكومة ثم جاءت التوترات السياسية الداخلية لتزيد الامور تعقيدا.
في هذا المناخ، استأثر العجز العام بنسبة 6,38٪ من النفقات الاجمالية، اي بما يزيد بنسبة 2,11٪ عن حصته في العام .2005 وبذلك يكون العام 2006 قد شكل انقلابا في المنحى الذي بدأ قبل خمس سنوات، والذي تميز بتراجع تدريجي لنسبة العجز العام/ النفقات الاجمالية من 3,56٪ في العام 2000 الى 4,27٪ في العام ,2005 وهو من ادنى مستوياتها. في الواقع، كانت الحكومة تنوي الاستفادة من هذه النتيجة الايجابية ومن المناخ الاقتصادي المؤاتي في النصف الاول من السنة للشروع في برنامج شامل من الاصلاحات الاجتماعية والاتقصادية. ولكن، تجمدت كل المشاريع بفعل حرب الصيف والحصار البري والجوي والبحري. فكان ان تقهقرت اوضاع المالية العامة، اذ سجلت سنة 2006 تراجعا طفيفا للايرادات العامة بنسبة 5,1٪ وزيادة كبيرة للنفقات الاجمالية بنسبة 4,16٪، ما اسفر عن عجز اولي للمرة الاولى منذ العام 2000 وعن ارتفاع العجز العام بنسبة 8,63٪.
لقد بلغت الايرادات العامة (الموازنة والخزينة) 7295 مليار ليرة في العام .2006 وتأثرت ايرادات الموازنة مباشرة بتوقف الواردات من جراء الحرب طوال فصل تقريبا، باعتبار ان اكثر من ثلثي هذه الايرادات يأتي من التجارة الخارجية. وهكذا انخفضت ايرادات الموازنة بنسبة 7,1٪ لتبلغ 6867.5 مليار ليرة، وذلك بوجه خاص نتيجة تقلص الايرادات الضريبية بنسبة 3,15٪.
كذلك انخفضت ايرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 0,2٪ مقارنة مع العام .2005 ولكن، تم التعويض عن هذه الانخفاضات بازدياد الايرادات من ضريبة الدخل والضريبة على الارباح وعلى عائدات رؤوس الاموال كما من الرسوم العقارية في ظل الفورة الاقتصادية التي شهدها النصف الاول من العام .2006 بينما زادت ايرادات الخزينة قليلا (+5,1٪) لتصل الى 427.5 مليار ليرة.
أما النفقات العامة (الموازنة والخزينة)، فقد زادت بنسبة 4,16٪ تصل الى 11876.5 مليار ليرة في العام .2006 وتعود هذه الزيادة الى ازدياد نفقات الموازنة بنسبة 8,10٪ وازدياد نفقات الخزينة بنسبة 8,34٪. وفي حين تضاءلت نفقات الموازنة خارج الفوائد، لا سيما في النصف الثاني من السنة جراء حرب الصيف، فقد ارتفعت خدمة الدين من 3534.2 مليار ليرة في العام 2005 الى 4556.8 مليار ليرة في العام ,2006 اي بما نسبته 9,28٪. وكانت خدمة الدين بالليرة المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع، كونها قد زادت بنسبة 5,54٪ على اساس سنوي لتصل الى 2368.23 مليار ليرة بينما زادت خدمة الدين بالعملات الاجنبية بنسبة 3,9٪ لتصل الى 2188.7 مليار ليرة في العام .2006
لقد تم تمويل الدين العام بواسطة الديون بالليرة وبالعملات الاجنبية. وتظهر ارقام وزارة المالية ان الدين العام الاجمالي بلغ 60880 مليار ليرة في العام ,2006 اي ما يعادل 40.4 مليار دولار اميركي، بزيادة نسبتها 9,4٪ مقارنة مع العام .2005 واذا حسمنا ودائع القطاع العام لدى المصارف التجارية من الدين العام، يكون الدين العام الصافي قد ازداد بنسبة 6,7٪ في العام 2006 ليبلغ 37.4 مليار دولار. وهكذا يقدر الدين العام الاجمالي بما يوازي 181٪ من الناتج المحلي الاجمالي فيما يقدر الدين العام الصافي بما يعادل 167٪ من هذا الناتج في العام .2006
إذا نفذت كل الاصلاحات المقترحة ضمن هذا البرنامج في الوقت المناسب، واذا لم يطرأ ما يعترض سبيلها، فإن الحكومة تتوقع تحسن نسبة رصيد الموازنة الاولي/ الناتج المحلي الاجمالي من ـ7,0٪ في العام 2006 الى حوالى 9,8٪ في العام ,2011 اي بما يقارب 10٪. عندئذ، يمكن ان تنخفض نسبة العجز العام/ الناتج المحلي الاجمالي الى 1,2٪ باعتبار ان نفقات الفوائد تمتص اقل بقليل من نصف الايرادات العامة، اي ما يعادل 11٪ من الناتج المحلي الاجمالي. ونتيجة للاصلاحات البنيوية والماكرو ـ اقتصادية، يتوقع ان تتراجع نسبة الدين العام/ الناتج المحلي الاجمالي من 180٪ في العام 2006 الى 145٪ في العام ,2011 دون اخذ المساعدات الدولية في الاعتبار.
القطاع المالي: الوضع النقدي
كانت سنة 2006 سنة متفاوتة الاداء بالنسبة الى الاسواق المالية اللبنانية التي شهدت حركة ايجابية في النصف الاول من السنة قبل ان يسودها جو من التريث في نصفها الثاني بسبب الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان خلال الصيف والانقسامات السياسية الداخلية التي بدأت قبل نهاية السنة.
ففي الواقع، حلت محل اجواء التريث في سوق القطع خلال النصف الاول من السنة ضغوط كبيرة منذ بدء الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان في 12 تموز، وسجلت في شهري تموز وآب موجة تحويلات من الليرة الى الدولار، ما دفع مصرف لبنان الى التدخل بائعا الدولار بالحد الأعلى لسعره الرسمي (1514 ليرة)، غارفا من موجوداته الخارجية التي كانت قد بلغت 12.7 مليار دولار في حزيران .2006 واعتمد مصرف لبنان خلال هذه الفترة مجموعة من ادوات الهندسة المالية، موافقا على حسم سندات خزينة مقابل اكتتابات بشهادات الايداع لثلاث سنوات بفائدة 5,7٪، معززا بالتالي موجوداته الخارجية، يضاف الى ذلك ان لبنان تلقى دعما ماليا عربيا إبان العدوان الاسرائيلي، على غرار الوديعتين السعودية والكويتية بقيمة 1.5 مليار دولار، علاوة على هبتين من هاتين الدولتين بقيمة 0.8 مليار دولار، ما اسهم في زيادة حجم الموجودات الخارجية للمصرف المركزي.
في هذا السياق، بلغ الطلب على السيولة بالليرة ذروته في تموز ـ آب لتلبية احتياجات التحويل الى الدولار الأميركي. فارتفع معدل فائدة من يوم الى يوم (الأنتربنك) من مستواه الرسمي المتدني (5,3٪) الى مستويات عالية جدا بحيث لامس أحيانا سقف الـ 30٪.
غير ان هذا المنحى السلبي انعكس لدى انتهاء المعارك في منتصف شهر آب، حيث بدأت سوق القطع تشهد تحويلات لصالح الليرة حتى نهاية تشرين الأول. وخلال الشهرين الأخيرين من العام ,2006 عادت الضغوط الى سوق القطع بسبب تردي الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية. وتفيد نشرة مصرف لبنان ان الموجودات الخارجية للمصرف المركزي في كانون الأول 2006 قاربت 13 مليار دولار مقابل 11.6 مليارا في العام ,2005 اي بزيادة قدرها 1.4 مليار دولار. نتيجة لذلك، باتت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان تغطي 83٪ من الكتلة النقدية بالليرة في كانون الأول 2006علما بان هذه النسبة ترتفع الى 1,120٪ لدى احتساب الاحتياطي من الذهب.
في ظروف كهذه، وتماشيا مع وفورات السيولة بالليرة، زادت محفظة سندات الخزينة لدى المصارف بقيمة 2621 مليار ليرة في النصف الأول من العام ,2006 بارتفاعها من 12608 مليارات ليرة في كانون الاول 2005 الى 15229 مليار ليرة في حزيران .2006 لكن هذه المحفظة تراجعت قليلا بقيمة 186 مليار ليرة في النصف الثاني من السنة، بانخفاضها الى 15043 مليار ليرة في كانون الاول .2006 أما محفظة سندات الخزينة المملوكة من الجمهور، فقد ارتفعت في النصف الأول من العام 2006 بنسبة 4,18٪، اي من 3325 مليار ليرة في كانون الاول 2005 الى 3936 مليارا في حزيران ,2006 ثم سجلت ارتفاعا أقل، وبنسبة 3,9٪ في النصف الثاني من السنة لتصل الى 4301 مليار ليرة في كانون الأول .2006
النشاط المصرفي
مرة جديدة، أثبت القطاع المصرفي مناعة بارزة خلال سنة صعبة جدا. فعلى الرغم من التراجع الطفيف لمعظم المجاميع المصرفية إبان فترة الصيف، سجلت كل مكونات ميزانيات المصارف المجمعة وحسابات النتائج أداء مرضيا في العام ,2006 وذلك خصوصا بفضل النمو القوي للنشاط في النصف الاول من السنة. فقد شهدت الموجودات والودائع والتسليفات، وعلى الأخص الأموال الخاصة نموا سنويا لافتا. كما ارتفعت ايضا ربحية المصارف، مستفيدة من الزيادة الكبيرة للمداخيل من الفوائد وغير الفوائد، جراء تضافر مفعول السعر ومفعول الحجم، على نحو تجاوز بكثير نمو النفقات الاجمالية.
في العام ,2006 زادت موجودات المصارف بنسبة 3,8٪ لتصل الى 114840 مليار ليرة، اي بما مقداره 8825 مليار ليرة. رغم انخفاضها خلال الفصل الثالث من السنة بنسبة 0,2٪ كنتيجة مباشرة لحرب تموز ـ آب. وقد نتج هذا النمو بخاصة عن نمو ودائع الزبائن بنسبة 5,6٪ في العام 2006 لتصل الى 91494 مليار ليرة في نهاية السنة. وبدوره، نجم نمو الودائع عن ازدياد ودائع المقيمين بنسبة 0,8٪، بينما انخفضت ودائع غير المقيمين بنسبة 0,1٪ في العام ,2006 بعدما كانت قد سجلت زيادة بارزة بنسبة 7,8٪ في النصف الأول من السنة أعقبها انخفاض بنسبة 9,8٪ في الفصل الثالث على شكل رساميل مغادرة. في موازاة ذلك، زادت التسليفات بنسبة 3,9٪ في العام ,2006 متأثرة جزئيا بالجهود الكبيرة التي تبذلها المصارف بحثا عن فرص التوسع الاقليمي.
وفي هذه السنة، استمر تعزيز المستوى المرضي للأموال الخاصة عبر عمليات زيادة الرساميل الواسعة النطاق التي قامت بها المصارف اللبنانية الكبرى، والتي تهدف الى دعم استراتيجيات التوسع الاقليمي المعتمدة حاليا من جانب هذه المصارف. ان هذه التطورات أدت الى نمو كبير للأموال الخاصة بلغت نسبته 0,36٪ بين كانون الأول 2005 وكانون الأول .2006 كما ارتفعت نسبة الأموال الخاصة/ الموجودات الاجمالية من 0,6٪ في كانون الاول 2005 الى 6,7٪ في كانون الأول ,2006 عاكسة بالتالي تحسن الوضع المالي للمصارف.
في العام ,2006 حافظ القطاع المصرفي على مستوى متين من السيولة، رغم محنة الصيف. فقد ارتفعت نسبة صافي الموجودات السائلة/ ودائع الزبائن من 7,82٪ في كانون الاول 2005 الى 1,84٪ في كانون الاول .2006 يضاف الى ذلك ان السيولة الجاهزة بالعملات الاجنبية سجلت مستوى عاليا ببلوغها 23.7 مليار دولار في كانون الاول ,2006 مستأثرة بما نسبته 3,51٪ من الودائع بالعملات الاجنبية، بينما شكلت التوظيفات لدى المصارف الاجنبية 5,26٪ والتوظيفات لدى المصرف المركزي 9,24٪. وتُعتبر نسب السيولة هذه مرتفعة الى حد ما، بالقياس للمعدلات الاقليمية والدولية. وبعكس سيولة القطاع المصرفي، ظلت نسبة التسليفات/ الودائع منخفضة المستوى، وتحديدا 9,21٪ بالليرة و1,34٪ بالعملات الاجنبية.
أخيرا، ارتفعت ربحية المصارف بوضوح في العام .2006 وفي غياب النتائج الشاملة للقطاع، لجأنا الى تحليل نتائج المصارف من «ألفا»، والتي تفوق ودائع كل منها الملياري دولار. فتبين لنا ان أرباح مصارف هذه الفئة خلال الاشهر التسعة الاول من 2006 سجلت ارتفاعا بنسبة 2,33٪ مقارنة مع الفترة المماثلة من العام .2005 وكان هذا الارتفاع ناجما عن ارتفاع المداخيل الصافية من الفوائد بنسبة 7,38٪ وعن ازدياد المداخيل من غير الفوائد بنسبة 7,8٪، الأمر الذي عوّض عن ازدياد النفقات الاجمالية بنسبة 0,22٪. ان نمو الارباح الصافية للمصارف في العام المنصرم يشكل امتدادا للمنحى الايجابي الذي تتخذه الارباح منذ العام ,2002 بعد نصف عقد من التقلص السنوي. وتقدم ربحية المصارف أكثر فأكثر دعما قويا لاستراتيجية التوسع الاقليمي التي تعتمدها بعض المصارف، والتي تكثفت نسبيا منذ بداية السنة.
البورصة وسوق السندات
شهدت أسواق الرساميل تقلبات شديدة في العام ,2006 بسبب الاوضاع الأمنية التي زعزعت البلاد خلال شهري تموز وآب. فكان ان سجلت أسعار البورصة وسوق السندات في لبنان هبوطا على أساس سنوي.
لقد استهلت بورصة بيروت سنة 2006 بأداء ممتاز شكل استمرارا لأداء العام ,2005 بحيث بلغ مؤشر الأسعار في الفصل الأول رقما قياسيا هو .196 غير ان هذا التحسن الكبير تحول الى تباطؤ في الحركة خلال الفصل الثاني، بحيث سجلت سوق الأسهم هبوطا في النصف الاول من السنة. ثم ان البورصة تأثرت بالضغوط التراجعية القوية في البورصات العربية المجاورة وشهدت انخفاضا في الأسعار بسبب العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز ـ آب .2006 في هذه الظروف، أقفلت بورصة بيروت أبوابها موقتا لمدة أسبوعين في شهر تموز تلافيا لمزيد من الهبوط في الأسعار. وعندما استأنفت البورصة نشاطها، اتخذت سلطاتها المسؤولة اجراءات استثنائية لمنع أي تقلب كبير في الأسعار كما للحؤول دون هبوط هذه الأخيرة. وعليه، اقتصر هامش تقلب الأسعار، صعودا او هبوطا، على 15٪ لأسهم سوليدير و10٪ لأسهم المصارف و5٪ لكل الأسهم المدرجة.
لقد قارب حجم التداول الاجمالي في بورصة بيروت عام 2006 الملياري دولار مقابل 843 مليون دولار في العام ,2005 اي بزيادة كبيرة نسبتها 129٪. وتُعزى هذه الزيادة بخاصة الى اداء البورصة في النصف الاول من السنة حيث تحققت نسبة 78٪ من حجم التداول الاجمالي. وقد بلغ المؤشر الوسطي بحجم التداول اليومي 616 في العام 2006 ـ وهو رقم غير مسبوق ـ مقابل 40 في العام ,2005 بينما بلغ مؤشر الاسعار 122.85 في كانون الاول 2006 مقابل 127.97 في كانون الاول .2005
كذلك، تأثرت سوق سندات اليوروبوندز سلبيا بالعدوان الاسرائيلي على لبنان وبالمواجهات السياسية على الجبهة الداخلية، فانتقلت من مناخ الاستقرار الذي سادها في النصف الاول من العام 2006 الى موجة من الضغط الشديد الذي دام حتى نهاية السنة.
الخلاصة: من أجل الاستفادة من فرصة التصحيح البنيوي
لقد حصل لبنان على دعم واضح من المجتمع الدولي بتمكنه من حشد 30 بلدا و10 منظمات اقليمية ودولية رفيعة في مؤتمر باريس 3 الذي انعقد بتاريخ 25 كانون الثاني .2007 وقد تختلف آراء الخبراء في ما يخص نتائج باريس 3 لجهة قيمة المساهمات المقدمة وشكلها واستحقاقها، او حتى لجهة الاصلاحات الاقتصادية والمالية التي وعدت بها الحكومة اللبنانية في مؤتمر المانحين. ولكن، لم يعد ثمة شك على الاطلاق بشأن الالتزام الدولي الكبير حيال لبنان واستقراره وازدهاره.
بلغت حصيلة مؤتمر باريس 3 من الهبات والقروض ذات الامتيازات الخاصة الممنوحة للبنان 7.6 مليارات دولار، وهو رقم فاق كل التوقعات. يتوزع هذا المبلغ بين 3.5 مليارات دولار سوف تخصص لمشاريع انمائية و1,4 مليارات دولار على شكل دعم مباشر للتصحيح المالي. ومن المقرر ان يتم الحصول على حوالى ملياري دولار في أجل قصير قد لا يتعدى السنة الواحدة. صحيح ان الأموال الموعود بها تضم بعض الهبات، غير ان حصة هذه الأخيرة تبقى محدودة بما لا يزيد عن 10٪ من المجموع.
بعد هذا الإنجاز الذي تحقق طبعا بفضل دعم مميز من فرنسا وجهود شخصية من الرئيس شيراك، بات لبنان أمام تحديين أساسيين:
ـ تحسين المناخ السياسي لإظهار حد أدنى من الاحترام لمؤسسات البلد الدستورية. فضرورة تعزيز الاستقرار السياسي المحلي هي شرط مسبق لأي توافق حول الاصلاحات الاقتصادية، وفي نهاية المطاف، لتمكين لبنان من الوفاء بالتزاماته تجاه الاطراف المانحة في باريس ,3 من ناحية، ومن إثبات صدقيته تجاه ممولي الدين العام المحليين والأجانب، من ناحية ثانية.
ـ الشروع في الاصلاحات الضرورية، حسب الاجراءات التصحيحية البنيوية اللازمة، تلافيا للوقوع في فخ الاختلالات المتعاظمة، فهذه الاصلاحات تشكل بحد ذاتها شرطا لا بد منه لتحسين مستوى معيشة اللبنانيين وتأمين رفاهيتهم. وعلى الأخص، بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى، رفع نسب الاقتطاع الضريبي، والحد من الهدر والتهرب الضريبي، وتنفيذ برامج الخصخصة وترشيد نفقات الدولة.
في الوقت الحاضر، لا تزال الأسواق المالية تتلقى نتائج مؤتمر باريس 3 بشيء من الترقب. فقد سجلت حركة البورصة ارتفاعا طفيفا بنسبة 2٪ مقارنة مع مستواها الأخير المتدني. وتشهد سوق سندات اليوروبوندز تقلصا في هوامشها بمقدار 50 الى 60 نقطة أساسية مقارنة مع مستواها المرتفع المسجل عشية باريس .3 أما سوق القطع، فهي تعرف الآن توازنا بين العرض والطلب، لا يستدعي تدخلا من المصرف المركزي، عقب موجة تحويلات كبيرة من الليرة الى الدولار خلال الشهرين الماضيين. باختصار، ثمة انعكاس متواضع في المنحى ترتسم ملامحه، بعد فترة من الارتباك في الأسواق المالية اثناء تفاقم الأزمة السياسية في لبنان.
تجدر الإشارة الى ان المناخ العام للأسواق لدى انعقاد مؤتمر باريس 3 يختلف عما كان عليه عند انعقاد مؤتمر باريس ,2 وذلك الى حد ما لسببين تقنيين: أولا، قبيل باريس ,2 كانت احتياطيات القطع الأجنبي بمستوى متدن جدا، ما كان يستلزم تعزيز هذه الاحتياطيات لدى المصرف المركزي بغية تمكينه من عكس المنحى العام السائد آنذاك في سوق القطع، في حين ان هذه الاحتياطيات نفسها كانت تبلغ مستوى شبه قياسي (بحدود 13 مليار دولار) عشية باريس .3 ثانيا، ان معدلات الفائدة على الليرة كانت مرتفعة قبيل باريس ,2 ما يضمن بالتالي مكاسب كبيرة عقب المؤتمر نتيجة تحسن علاوة الخطر السيادي، بينما كانت هذه المعدلات في أدنى مستوياتها تقريبا لدى انعقاد باريس ,3 ما يستبعد إمكانية انخفاض الفوائد.
هذا ومن أجل تعزيز اتجاهات الأسواق، يؤمل ان ينشأ بين مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية تعاون واسع يكون من شأنه توجيه إشارات ايجابية الى المستثمرين. فإذا صدرت إشارات سليمة عن الساحة السياسية المحلية، فإن الأسواق المالية تصبح مهيأة للاستفادة من آفاق مؤاتية، خصوصا وأنها استوعبت صدمات سلبية على مدى طويل. ان مثل هذه الاشارات باتت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ضرورية للأسواق المالية اللبنانية. صحيح ان هذه الاسواق أظهرت حتى الآن قدرة على الصمود في مواجهة ظروف سياسية معاكسة في لبنان، بيد ان هذا الصمود ليس مرادفا طبعا لمناعة الأسواق، نظرا للاختلالات البنيوية الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني.
في مثل هذا المناخ، يأتي مؤتمر باريس 3 ليتيح امام اللبنانيين فرصة تاريخية للتصحيح البنيوي، على نحو يكفل كسر الحلقة المفرغة المتجددة للدين العام وتنامي عجز الموازنة. فثمة إمكانية فعلية لخفض نسبة الدين العام/ الناتج المحلي الاجمالي بما يقارب 50٪ في غضون خمس سنوات، مع خفض نسبة العجز العام/ الناتج المحلي الاجمالي الى ما دون 2٪ في الفترة ذاتها، بفضل الاصلاحات المقتوحة في برنامج النهوض الاقتصادي والأموال المحصورة في مؤتمر باريس .3 وهكذا، يبدو سيناريو توفير التوازن الآمن ممكن التحقيق، رغم العديد من العقبات التي يقتضي تذليلها. غير ان نجاح هذا السيناريو يتطلب حسا عاليا بالمسؤولية والالتزام ودرجة كبيرة من التنسيق بين مؤسسات الدولة، والقيادات الوطنية ومختلف مكونات الشعب اللبناني.
إضافة تعليق جديد