الدول الكبرى تعيد النظر تجاه المسألة السورية والسلطات ماتزال تفتح باب الحوار
طرح مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، أمس، الملامح الأولى للخطوات التنفيذية لخطته للحل في سوريا، معتبراً أن النظام باعتباره الطرف الأقوى، عليه أن يتوقف اولاً عن استخدام العنف، قبل بدء جهود الوساطة مع الطرف الآخر. وجاءت تصريحات المتحدث باسم أنان، أحمد فوزي، مع الكشف عن نيته زيارة كل من إيران والسعودية قريباً لاستكمال عناصر الدعم لخطته السورية، بعدما يتحدث امام مجلس الأمن الدولي الاثنين المقبل، فيما يلف التباس التمثيل والأهداف، مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي يعقد في اسطنبول غداً.
وفي واشنطن، قال مراسلنا جو معكرون أن مصادر حكومية أميركية تعتبر أنه ليس هناك «خيار جيد» للتعامل مع ما يجري في سوريا، وأن أي تدخل عسكري «غير وارد»، وأن النظام السوري «سيستمر في قمع المعارضة» وأن المعلومات تشير إلى أن الجيش السوري «لا يزال موالياً للنظام». كما هناك حذر استخباراتي أميركي من «فوضى أصولية» في سوريا إذا تدهور الوضع بسرعة، لا سيما مع عبور بعض العناصر المتشددة الحدود العراقية إلى داخل سوريا.
وعلى خلفية هذه القراءة، حاولت الإدارة الأميركية في الأسابيع الأخيرة استكشاف ما تراه السعودية وتركيا مناسباً في الملف السوري. وتلمس الإدارة بعد هذه الجولات الدبلوماسية أنه ليس هناك حماسة ولا رغبة في الرياض أو أنقرة بأي إجراء عسكري أو حظر جوي أو منطقة عازلة داخل سوريا. وهذا جعل واشنطن تعيد التفكير بسياستها حيال سوريا، ووصلت إلى نتيجة أنها لن تطرح أي مبادرة في هذه الفترة على الأقل.
ويأتي طلب أنان بعد يوم من بعث الأسد رسالة إلى دول مجموعة «بريكس» شدد فيها على أن السلطات السورية لن «توفر جهداً في إنجاح» خطة أنان، لكنه «لا بد لإنجاح مهمة أنان من أن يركز على تجفيف منابع دعم الإرهاب الموجه ضد سوريا وخاصة من قبل الدول التي أعلنت على لسان مسؤوليها أنها تقوم بتمويل وتسليح المجموعات الإرهابية في سوريا».
إلى ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي، في مقابلة مع التلفزيون السوري، إن «مكلفين من قبل الأسد يعقدون اجتماعات مع المعارضة في الداخل كل شهرين ويجسون نبضهم في موضوع الحوار»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي لم تغلق القيادة السورية باب الحوار، فإن على المعارضين أن يكونوا رجال دولة ولا ينساقوا خلف رياح الغرب»، مؤكداً أن «كل معارض يدعو للحل العسكري غير مرحب به على طاولة الحوار، فلا يمكن أن تشعل النار وأن تكون إطفائياً في الوقت ذاته».
واعتبر مقدسي أن «أنان أقر بحق سوريا في مواجهة العنف المسلح، فالجيش لا يدافع عن نفسه بل يحمي المدنيين»، مشيراً إلى أن مؤتمر أصدقاء سوريا يعرقل مهمة انان وتطبيق البنود الستة. ولفت إلى أن «الدول الكبرى تجري إعادة تموضع، أما دول عربية فمتعنتة ولا تعيد القراءة».
وأكد أن «معركة إسقاط الدولة في سوريا انتهت وبدأت معركة تثبيت الاستقرار وحشد الرؤى خلف مسيرة الإصلاح والتطوير فيها، ومنع الآخرين ممن يودون تخريب هذه المسيرة والمضي إلى سوريا المتجددة من الوصول إلى أهدافهم».
ويجتمع ممثلو 71 دولة في اسطنبول غداً في إطار مؤتمر «أصدقاء سوريا» لتصعيد الضغوط على دمشق، ومحاولة توحيد المعارضة المشرذمة. وقال
مسؤول تركي إن «الهدف الأساسي للمؤتمر هو زيادة الضغط على النظام السوري لوقف القمع الدموي». وستتغيب الصين وروسيا، كما حصل خلال مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تونس في شباط الماضي. كما سيتغيب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون. وأعلنت القاهرة أن وزير الخارجية المصري محمد عمرو سيشارك في المؤتمر.
وقال المتحدث باسم المبعوث الدولي احمد فوزي، في مؤتمر صحافي في جنيف، «من الضروري أن تتوقف أعمال العنف. يتوجب على السلطات السورية تنفيذ الخطة سريعاً»، مضيفاً «الموعد النهائي هو الآن. نتوقع منه (الأسد) تنفيذ الخطة على الفور. وبوضوح، لم نلاحظ وقف الأعمال الحربية ميدانياً. هذا يثير قلقنا الشديد».
وقال فوزي «إذا قرأتم الاتفاق... فإنه يطلب من الحكومة تحديداً سحب قواتها ووقف استخدام الأسلحة الثقيلة في المراكز المأهولة. المعنى الضمني الواضح جداً هنا هو أن على الحكومة أن تتوقف أولاً ثم تناقش وقف الأعمال القتالية مع الطرف الآخر والوسيط». وأضاف «المنطق بسيط جداً. نناشد الطرف الأقوى أن يقدم بادرة حسن نية ويوقف القتل. نحن متأكدون أنه إذا حدث هذا فستحذو المعارضة حذوها».
وتطلب الخطة أيضاً من قوات المعارضة وقف إطلاق النار، لكن «الجيش السوري الحر» لم يقل ما إذا كان يقبل بمقترحات أنان كما لم تتبن جماعات المعارضة السياسية دعوته للحوار مع الأسد بشكل صريح.
وقال فوزي «نتواصل أيضاً مع المعارضة لأن هناك طرفين في هذه الأزمة»، موضحاً بأن أنان أوفد نائبه ناصر القدوة إلى اسطنبول لحضور اجتماع للمعارضة منذ بضعة أيام واجتماع مجموعة «أصدقاء سوريا» غداً. وأضاف «ناصر معه فريق من مكتب انان للحديث مع المعارضة وتوصيل رسالة لقادة الجماعات العسكرية على الأرض لمناشدتهم إلقاء أسلحتهم وبدء الحوار».
وعما إذا كانت الصين وروسيا تدعمان الدعوة إلى اتخاذ القوات الحكومية الخطوة الأولى، قال فوزي إنهما «ساندتا بوضوح مختلف بنود الخطة المكونة من ست نقاط والتي طرحها انان».
وأعلن فوزي أن انان ينوي التوجه إلى إيران، لكنه لم يتم تحديد أي موعد مع السلطات لمثل هذه الزيارة حتى الآن. وشدد على أهمية التوصل إلى «توحيد المجتمع الدولي وراء» خطة انان. وأضاف أن المبعوث ينوي أيضا زيارة الرياض، مشيراً إلى أن انان زار حتى الآن «دولا رئيسية في المنطقة عندما توجه إلى القاهرة وأنقرة والدوحة وبكين وموسكو للحصول على دعمها، وتأكيد أن هذه هي الخطة الوحيدة المتاحة». وأشار إلى أن انان سيزور سوريا مجددا «متى يكون التوقيت مناسباً» لكنه لا يعتزم زيارة إسرائيل.
واتصل وزير الخارجية الفرنسية آلان جوبيه بأنان، مؤكداً «دعم فرنسا لاتخاذ الإجراءات الفورية لتنفيذ خطته، بما فيها إنسحاب الجيش السوري وأسلحته الثقيلة من المدن ووقف حملة القمع التي يمارسها النظام ضد السكان». وأعلن جوبيه «دعمه للجهود التي تقوم بها الجامعة العربية بهدف إيجاد حل للأزمة السورية وإتاحة الفرصة للسوريين في تقرير مصيرهم بكل حرية».
ودعت بكين المعارضة السورية إلى الرد على خطة انان بأسرع ما يمكن. وقالت وزارة الخارجية الصينية، في بيان، إن «الصين ترحب بالرد الإيجابي من الحكومة السورية على اقتراح أنان، وفى الوقت ذاته فإننا نحث المعارضة على تقديم رد فوري وعملي على خطة السلام من أجل خلق ظروف ملائمة لإنهاء أعمال العنف وبدء حوار سياسي». وأضافت أن «الصين تأمل في أن تنفذ الحكومة السورية التزاماتها بأسرع ما يمكن، داعية الأطراف المعنية في المجتمع الدولي مجددا إلى دعم جهود وساطة أنان ودعم التوصل إلى تسوية نزيهة وسلمية وملائمة للمشكلة السورية».
وقال دبلوماسيون غربيون، في نيويورك، ان إدارة حفظ السلام في الأمم المتحدة سترسل فريقاً الى دمشق قريبا للبدء في وضع خطط لبعثة محتملة لمراقبة أي وقف لإطلاق النار قد يتم التوصل إليه.
وقال الدبلوماسيون إن التخطيط لبعثة للمراقبين في سوريا ما زال في مرحلة أولية جداً وإن من غير الواضح هل سيجري فعلاً نشر مثل هذا البعثة. وقال دبلوماسي غربي «اننا بعيدون جدا عن سلام للحفاظ عليه».
وقال دبلوماسي آخر إن الفريق الذي سترسله الامم المتحدة سيصل الى دمشق في الايام المقبلة، لكن دبلوماسياً آخر قال انه لم يتحدد أي موعد. وقال الدبلوماسيون ان الفكرة التي اقترحها انان على الحكومة السورية تتضمن نشر بعثة تتألف من 200 الي 250 مراقباً سيجري استعارتهم من بعثات للمنظمة الدولية منشورة بالفعل في الشرق الاوسط وأفريقيا.
ونشر بعثة مراقبة غير مسلحة سيحتاج الى قرار من مجلس الامن. وقال دبلوماسي انه لكي تحصل الخطة على موافقة روسيا والصين فإنه يتعين ان تقبلها سوريا. وقال بضعة دبلوماسيين ان المراقبين سيكونون من العرب وغير العرب رغم ان الجامعة العربية لن يكون لها مشاركة رسمية.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد