القمة في ضوء تنامي الدور السعودي وتآكل المصري
ينتظم مؤتمر القمة العربية في الرياض، اليوم الأربعاء، وسط تنامي دور السعودية، وزيادة نشاطها الدبلوماسي، عربياً وإقليمياً ودولياً، ويقابله تراجع الدور المصري التقليدي، وانشغال غالبية قيادات المرحلة السابقة بنزاعات وخلافات المنطقة.كذلك يأتي هذا النشاط السعودي في ظل زيادة التحرك الدبلوماسي الأمريكي، والحديث عن قبول إسرائيلي بالمبادرة العربية، بعد إدخال تعديلات عليها تتناسب والطروحات الإسرائيلية.
فقد سبق عقد قمة الرياض، زيارة، شبه خاطفة، لوزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، إلى المنطقة، وقيامها بجولات مكوكية شملت القاهرة، القدس، ورام الله، وعمان.
على أن أبرز ما صدر عن رايس، التصريح الذي دعت فيه إلى تعديل مبادرة السلام العربية بحيث تصبح مقبولة إسرائيلياً. وجاء هذا الموقف، على خلفية تصريحات إسرائيلية سابقة، أشارت إلى أن المبادرة السعودية، التي طرحت في قمة بيروت 2002، يمكن أن تشكل منطلقاً لاستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط.
ورغم أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أكد بأن المبادرة لن تخضع للتعديل، إلا أن آخر التصريحات أدلى بها وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، وبالتحديد بعد يوم واحد من إفصاح رايس عن مطلبها، حيث لم يستبعد إدخال بعض التعديلات عليها.
فقد دعا سعود الفيصل العرب لأن يكونوا منفتحين لإمكانية إجراء تعديلات على مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002.وقال الفيصل: "يُتوقع منا مراعاة المستجدات الجديدة، التي تتطلب إضافات وتطورات حول كل ما هو مطروح أمام قادتنا من قضايا ومشكلات، وحتى تنسجم قراراتنا مع كل ما هو مُلح وجديد."
وأضاف: "أن السعودية تتوق إلى أن تخرج القمة بصوت عربي واحد حول القضايا المصيرية، وتحديداً القضية الفلسطينية."
على أن وزراء الخارجية العرب اتفقوا في اجتماعهم التمهيدي للقمة في الرياض الاثنين، على تفعيل المبادرة، دون إجراء أي تعديل عليها.وقال الفيصل، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، إن خروج العرب بموقف موحد قوي يعزز فرض التبني الدولي لتلك المبادرة.وأضاف أن هناك تحركا لتسجيلها في الأمم المتحدة، كي تكون بمثابة مرجعا للسلام في الشرق الأوسط.
ونفى الفيصل وجود إملاءات أميركية نقلتها رايس خلال جولتها بالمنطقة، موضحاً أن الزيارة هدفت لشرح جهود بلادها (أمريكا) باتجاه السلام وإقامة الدولتين.
وحول إمكانية تعديل المبادرة العربية، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، عبدالخالق عبدالله : "إن النقطة الجوهرية بالمبادرة العربية هي شموليتها وكليتها.. وبالتالي فإن أي تعديل عليها يخل بمعادلتها الدقيقة، كما يعني عدم قبول جميع الدول العربية بها.. فهي تطالب باعتراف جماعي بإسرائيل، مقابل انسحاب إسرائيلي كلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967."
من جانبه، قال المحلل السياسي في مركز الخليج للأبحاث، مصطفى العاني، إن إجراء تعديل على المبادرة العربية سيكون صعباً جدا،ً لأنها لم تعد مبادرة سعودية، بل عربية، وبخاصة بعد أن أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002.
وأوضح العاني، أن "التعديل المطلوب أمريكياً، تعديل جذري، ويتعلق بحق اللاجئين في العودة، وفقاً للقرار الدولي 194، وعودة الأراضي العربية المحتلة عام 1967."
وأوضح أنه "إذا كان ثمة تعديل على المبادرة فسوف يكون تعديلاً هامشياً، وبالتالي فإنه سيكون محدوداً جداً."أما جميل مطر، المحلل السياسي المصري، فيرى أن "الأمريكيين والإسرائيليين لن يهدأوا حتى يتم تعديل المبادرة."
وأضاف مطر قائلاً: "أظن أن الوقت غير مناسب للضغط على الحكومات العربية لتتخذ في القمة قراراً قد يجلب لها مزيداً من غضب شعوبها، وهناك أفكار قد يعلن عنها تجعل التعديل واقعاً فعلياً دون إصدار قرار صريح بالتعديل."
والغريب أن المبادرة السعودية لقيت في البداية رفضا من الحكومة الإسرائيلية، التي كان يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون. بل وقامت إسرائيل بتنفيذ اجتياح شامل للضفة الغربية، في عملية سمتها "السور الواقي"، حاصرت فيه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمقره في رام الله، ومنعته من حضور قمة بيروت.
ولكن الأمور تبدلت، وبالتحديد في الحادي عشر من مارس/ آذار الجاري، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، وقبل لقائه برئيس السلطة الفلسطينية، إنه "على استعداد للتعامل بجدية"، مع المبادرة السعودية للسلام، والتي تتضمن إقامة سلام كامل بين الدول العربية وإسرائيل، مقابل انسحاب الدولة العبرية من كل الأراضي العربية التي تحتلها منذ حرب 1967.
وقال أولمرت "اقترح البدء بمفاوضات إقليمية مع دول عربية، على قاعدة المبادرة السعودية، التي تحتوي على عناصر إيجابية.
ولا شك أن نجاح السعودية في حل الخلافات الفلسطينية الداخلية، ومن قبلها محاولة رأب الصدع بين الأطراف اللبنانية ومن ثم العراقية، تشكل جميعها مؤشرات على تنامي الدور السعودي، وتآكل الدور المصري على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي هذا الأمر، قال مطر: "إن الدور السعودي في السياسة العربية يتنامى وينحسر حسب القضايا والتطورات الدولية الإقليمية.. ولن تكون هذه المرة الأولى التي يبدو فيها هذا الدور متنامياً. وعلى كل حال، لا يعني التنامي بالضرورة أنه يحدث على حساب دور دولة أخرى."
وأكد مطر عدم تصوره أن تكون "السعودية، أو غيرها، تتمنى لنفسها أو تطمح لدور القيادة المنفردة للنظام في ظل الظروف الراهنة. فالأزمة في المنطقة معقدة إلى درجة لن تتمكن دولة من التصدي لها منفردة.
وأضاف أن أي تحالف سيكون مصيره فقدان المصداقية، "في اللحظة التي يشعر العرب أنه تحالف صنعته الولايات المتحدة لتطبيع علاقات العرب بإسرائيل، قبل أن تعلن إسرائيل نية حقيقية في العودة إلى حدود 1967 أو الاعتراف بالفلسطينيين، وحقوقهم وتحقيق سلام في المنطقة."
من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، عبدالله، أن هذا الأمر ينبغي أن يُبحث داخل السعودية، مشيراً إلى أن هناك معطيات سعودية داخلية تدفع في هذا الاتجاه.
وقال عبدالله: "أعتقد أن لهذا الأمر علاقة بالملك السعودي عبدالله، ورغبته في القيام بدور تاريخي"، موضحاً أن هذا الدور الدبلوماسي النشط للمملكة يمثل "رغبة القائد، وليس القيادة السعودية."
وأضاف أن هذا النشاط مرتبط أيضاً بدور الأمير بندر بن سلطان، بما يتمتع به من فكر جيوبولوتيكي، وبما له من نفوذ لدى العاهل السعودي، إلى جانب تنامي ثقة المملكة بقدراتها وإمكانياتها.
وأشار عبدالله إلى إدراك الرياض لمسؤولياتها وكأنها أصبحت "زعيمة السنة في العالمين العربي والإسلامي، وبخاصة في ظل التخندق الطائفي الحاصل مؤخراً. حيث أخذت الأنظار تتجه إلى السعودية باعتبارها تواجه نمو طرف آخر في المنطقة، والإحساس بمسؤولية تاريخية تلح على السعوديين بالمزيد من الحضور."
ويبدو أن انشغال مصر بمحاولة ترميم شؤونها الداخلية دفعها إلى التخلي عن دورها المحوري الذي اضطلعت به طوال عقود باعتبارها الشقيقة الكبرى، والتي مارست فيه دورها من خلال مناقشة المشكلات العربية ومحاولة حلها.
هذا ما يراه عبدالله، حيث يقول إن دور مصر بدأ في التراجع منذ نحو ربع قرن، وتحديداً منذ توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 مع إسرائيل.
أما مصطفى العاني، فيرى أن هناك فراغاً في قيادة العرب منذ اختفاء مصر في كامب ديفيد، وكذلك العراق بسبب الأوضاع التي يمر بها، وضعف دور سوريا بعد وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
وقال العاني إن "السعودية لم تكن قادرة، في ظل القيادة السابقة على تغطية الفراغ، ولكن هناك قيادة موجودة حالياً، ممثلة بالعاهل السعودي ونزعته القومية العربية."
وأشار العاني إلى أن هناك عاملين ساهما في أن تلعب السعودية دورها في قيادة الأمة العربية، وهما أن المملكة نفسها تغيرت، إلى جانب أن الظروف العربية تحتاج إلى قيادة.
وأوضح أن الظروف العربية تكمن في التحدي الإيراني المتزايد، والملفات الفلسطيني واللبناني والعراقي والسوداني.وقال إن هناك محوراً جديداً هو المحور السعودي المصري الأردني، الذي يحظى بدعم دولي، بقيادة "السعودية، ولكن بتوافق وليس منافسة بين أركانه."كما أشار العاني إلى أن هناك مأزقاً أمريكياً يقتضي وجود دور سعودي.
واضاف أن الولايات المتحدة باتت في حاجة ماسة للدور السعودي، وأن الآية انقلبت عما كانت عليه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001.
منذ اختراق السعودية للساحة السياسية العربية، وتربعها في المقدمة من خلال طرحها لمبادرة سلام، وصفها المراقبون آنذاك بـ " الجريئة" ، ولكن نظرا لكون الدولة التي طرحتها، هي صاحبة "العطايا والهبات الإقتصادية" فدق قبلت بالإجماع، لا بل ووصفت بالعربية.
هذا الدور، تلاه مبادرات سعودية ريادية لراب الصدع المستمر في البدان العربية، التي تمزقها الخلافات الداخلية، والحروب، والفقر.
فقد وجه العاهل السعودي الدعوة لقادة الشعب الفلسطيني لعقد لقاء عاجل في مكة، بهدف بحث أمور الخلاف بينهم للوصول إلى حلول عاجلة لما جرى على الساحة الفلسطينية، وبخاصة مسألة الاقتتال الداخلي بين حركتي حماس وفتح.
وبالفعل اجتمع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس والوفد المرافق له، مع وفد حركة حماس برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، ورئيس الوزراء، إسماعيل هنية وبقية أعضاء الوفد في مكة وخرجوا بما عرف آنذاك بـ"اتفاق مكة"، الذي أثمر في النهاية عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
أما بالنسبة للبنان، وبالتحدي بعد انتهاء المعارك بين مقاتلي حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، والتدمير الهائل الذي تعرضت له معظم أنحاء البلاد، في شهر يوليو/ تموز الماضي، ومن ثم الخلافات الداخلية اللبنانية بين قوى الأكثرية والمعارضة، بدأت السعودية بلعب دور في حل المسألتين، المعارك والاضطراب السياسي الداخلي.
فبادرت السعودية بإرسال كل من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، إلى فرنسا للقاء الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، ووزير الخارجية السعودي إلى الولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى حل يهدف إلى وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
كذلك قامت السعودية بتحرك اقتصادي لدعم الاقتصاد اللبناني، حيث حولت ما يقارب مليار دولار في المصرف المركزي اللبناني، إلى جانب تحويل 50 مليون دولار بشكل فوري ليكون تحت تصرف رئيس الوزراء، بالإضافة إلى تخصيص منحة قدرها 500 مليون دولار للشعب اللبناني لتكون نواة صندوق عربي دولي لإعمار البلاد.
وفي العراق، حيث شلالات الدم مستمرة، وفي محاولة لتطويق العنف الطائفي المحتدم في البلاد، ومنع تقسيمه، شاركت السعودية بكافة المؤتمرات الإقليمية والدولية الخاصة بالعراق، وآخرها اجتماع العقد الدولي من أجل العراق، الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في 16 مارس/آذار الجاري.
غير أن المسعى الجدي والحقيقي، كان يتمثل في الدعوة إلى عقد اجتماع في مكة بهدف وضع حدد للعنف الطائفي الذي حصد الآلاف من العراقيين، والذي باتت نذر انتشاره تؤرق الدول المجاورة، وتمخضت الدعوة عن التوصل إلى ما عرف حينها بـ"وثيقة مكة في الشأن العراقي"، والتي وقعها معظم الزعماء الدينيين الشيعة والسنة في العراق.على أن الوثيقة لم تحقق نجاحاً داخل العراق، مثل النجاح الذي حققه "اتفاق مكة" بين الفلسطينيين.
واقتصادياً، قدمت السعودية العون المادي والاقتصادي للعراق بهدف تجاوز الأزمة التي يمر بها، وأعلنت خلال مؤتمر مدريد عن تقديم دعم مالي يصل إلى مليار دولار، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء السعودية.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد