المتغيرات الدبلوماسية وجدوى العقوبات الأميركية على سوريا
الجمل: نشرت مجلة نيوزويك الأميركية, تحليلا أعده أندرو جي تابلر, تطرق فيه إلى تقديم التطورات الجارية في العلاقات السورية-الأميركية, وذلك من خلال مقاربة وحيدة الاتجاه, ركزت على التأثيرات الهيكلية والوظيفية الناشئة في سوريا بفضل تأثير مواقف إدارة بوش "الجمهورية" السابقة التي سعت إلى الرهان على خيار معاداة سوريا, وإدارة أوباما "الديموقراطية" الحالية الساعية إلى الرهان على خيار التعامل مع سوريا:
ماذا يقول التحليل:
ركز التحليل على مقاربة العلاقة بين متغير العقوبات الأميركية ضد سوريا, ومتغير تأثيرات برامج العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوري, وسعى التحليل من خلال هذه المقاربة إلى استنتاج "المزاعم" الآتية باعتبارها تمثل الأضرار التي استطاعت واشنطن إلحاقها بسوريا:
• حدوث أضرار نقدية بسبب تحول الاقتصاد السوري من استخدام الدولار الأميركي إلى استخدام اليورو الأوروبي.
• حدوث الأعطال الكثيرة في قطاع الطيران السوري بسب عدم قدرة دمشق على الحصول على قطع الغيار الأميركية.
• حدوث الكثير من قطوعات الكهرباء, بسبب رفض الشركات الأميركية بناء محطات توليد الكهرباء الجديدة في سوريا.
• عدم قدرة رجال الأعمال السوريين على تنفيذ عقوداتهم بسبب العقوبات الأميركية.
• تزايد نسبة البطالة في سوريا إلى حوالي 11% بسبب عدم وجود الاستثمارات الأميركية التي يمكن أن توفر فرص العمل الجديدة.
• انخفاض نسبة إنتاج النفط إنتاج النفط السوري بحوالي 30% بسبب عدم شراء أميركا للنفط السوري.
• بلغ عجز الميزانية السورية حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي, بسبب توقف المساعدات والمعونات الأميركية.
• انخفاض نسبة الإنتاج الصناعي السوري بحوالي 14% بسبب اتفاقيات التجارة الحرة مع السورية مع تركيا.
هذا, وإضافة لذلك, سعى التحليل إلى التطرق إلى الأسباب التي دفعت واشنطن لجهة القيام بفرض العقوبات ضد سوريا, والتي حددها كاتب التحليل في الآتي:
• عدم قبول سوريا الدخول في مفاوضات السلام مع إسرائيل.
• قيام سوريا بإيواء ودعم الحركات الإرهابية وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني وحركة حماس.
• قيام سوريا بالسماح بمرور الجهاديين المسلحين عبر أراضيها إلى داخل العراق.
وبعد ذلك, لم ينس كاتب التحليل إلى تحديد ما الذي تريده واشنطن من سوريا, وذلك على النحو الآتي:
• المطلوب أميركيا من سوريا على المدى القريب:
1- أن تعود سوريا إلى طاولة المحادثات مع إسرائيل.
2- أن تقطع سوريا تدفق الجهاديين المسلحين إلى داخل العراق.
• المطلوب أميركيا من سوريا على المدى البعيد:
1- توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
2- وقف دعم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
تمثل النقاط التي أشرنا إليها المحاور والخطوط الأساسية التي وردت في تحليل "الخبير" أندرو جي تابلر, الذي نشرته مجلة نيوزويك الأميركية "الذائعة الصيت" وأعاد نشره الموقع الالكتروني الخاص بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع لجماعات اللوبي الإسرائيلي الأميركية, وإضافة لذلك لم ينس معهد واشنطن أن يعرف كاتب التحليل باعتباره ينتمي إلى الجيل الثاني من خبراء المعهد في مجال الشؤون الشرق أوسطية.
خبراء اللوبي الإسرائيلي, إشكالية وعقدة سوريا: بين التحليل والتخييل؟
برغم عدم رصانة وعدم منطقية مقاربة خبير الجيل الثاني في أوساط اللوبي الإسرائيلي, فإن من الأفضل, أن نقابل ما توصل إليه الخبير أندرو جي تابلر, بقدر من الرصانة والمنطقية, وهو أمر لن يكون صعبا, طالما أن استنتاجات أندرو جي تابلر تتميز بالضعف الشكلي بسبب سعيها إلى المغالطة, ناهيك عن الضعف التحليلي الناشئ بفعل عدم قدرة, أو ربما تعمد الخبير تفادي استخدام المعايير العلمية التحليلية المتفق عليها في سائر أنحاء العالم, بما في ذلك مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأميركية, التي تحترم نفسها, وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• الزعم بأن الاقتصاد السوري قد تعرض لخسائر نقدية بسبب تحول دمشق من استخدام الدولار إلى استخدام اليورو, هو زعم باطل, وذلك لان كل دول العالم سعت إلى التحول من استخدام الدولار إلى استخدام اليورو, وذلك بفعل الانخفاض والتدهور المستمر في قيمة الدولار أمام اليورو, وتشهد على ذلك أرقام البورصات الأميركية, وتقول سخرية القدر بأن سوريا لو أصرت على الاستمرار في التعامل بالدولار كعملة سداد دولي وحيدة لمعاملاتها الاقتصادية, لتسبب ذلك في إصابة الاقتصاد السوري بالمزيد من الخسائر الباهظة, ول"شربت" سوريا المقلب الذي شربه حلفاء أميركا في المنطقة, والذين ظلوا تحت إرهاب الضغوط الأميركية يتمسكون بالتعامل بالدولار الأميركي المتدهورة قيمته في البورصات يوما بعد يوم.
• الزعم بأن قطاع الطيران السوري قد تعطل تماما, بسبب انعدام قطع الغيار الأميركية, هو زعم باطل, وتشهد على ذلك حركة الطيران الناشطة في المطارات السورية, إضافة إلى أن المتضرر الحقيقي هو شركات الطيران الأميركية, والتي لم تعد قادرة على تصريف منتجاتها, لزبائنها في أنحاء العالم, ومن بينهم سوريا, إضافة إلى العديد من الدول الأخرى, ويعود السبب في ذلك إلى إدارة بوش التي منعت شركات الطيران الأميركية من بيع منتجاتها, بما اضطر هذه الشركات إلى تقليل أنشطتها والاستغناء عن آلاف العاملين الأميركيين.
• الزعم بحدوث المزيد من قطوعات الكهرباء بسبب رفض الشركات الأميركية بناء محطات توليد الكهرباء في سوريا, وهو زعم باطل, فمحطات توليد الكهرباء السورية ليست محطات أميركية الصنع, ويبدو أن الخبير قد تعمد ذلك من خلال عدم إشارته لأسماء هذه الشركات الأميركية التي امتنعت.
• الزعم بأن رجال الأعمال السوريين لم يعودوا قادرين على تنفيذ عقودات معاملاتهم بسبب العقوبات الأميركية هو زعم باطل, وذلك, لان معاملات دوائر ومنشآت الأعمال السورية هي مع دول الاتحاد الأوروبي, والدول الآسيوية, لأن أسواق هذه الدول الأكثر صلاحية للتعامل بسبب جدواها التجارية والاقتصادية. وعلى سبيل المثال لا الحصر: لا يستخدم السوريون السيارات الأميركية المرتفعة الأثمان, القليلة الجدوى, ولا ينحصر الأمر على سوريا وحدها, فجميع بلدان العالم تحولت إلى استخدام السيارات اليابانية والكورية والصينية.
• الزعم بأن تزايد نسبة البطالة في سوريا إلى حوالي 11% هو بسبب عدم وجود الاستثمارات الأميركية التي يمكن أن توفر فرص العمل الجديدة للسوريين, هو زعم باطل, ففي سوريا لا توجد استثمارات أميركية بهذا الحجم والتأثير, وحتى في البلدان الشرق أوسطية الأخرى المستضيفة للاستثمارات الأميركية مثل السعودية ومصر وتركيا والأردن, ولبنان, فإن معدلات البطالة في هذه البلدان أكبر بكثير من معدلات البطالة في سوريا, وإذا كانت الاستثمارات الأميركية لم تنجح في معالجة مشكلة البطالة في البلدان الحليفة لأميركا, فكيف سوف تنجح الاستثمارات الأميركية في معالجة البطالة في سوريا, التي لا تستضيف بالأساس مثل هذه الاستثمارات منذ عشرات السنين, علما بان البطالة قد أصبحت ظاهرة عالمية متزايدة في كل بلدان العالم, والسبب في ذلك وبإجماع كل خبراء الاقتصاد الدولي هو أن أزمات الاقتصاد الأميركي المتزايدة قد ألحقت الأضرار باقتصاديات البلدان الأخرى, وعلى وجه الخصوص اقتصاديات حلفاء أميركا.
• الزعم بانخفاض نسبة إنتاج النفط السوري بحوالي 30% بسبب عدم شراء أميركا للنفط السوري, هو زعم باطل, لان واشنطن لم تكن في يوم من الأيام شريكا نفطيا تجاريا هاما سوريا, وإضافة لذلك فإن انخفاض إنتاج النفط السوري, هو أمر يتعلق بمدى رغبة سوريا في زيادة أو خفض إنتاجها النفطي, خاصة وأن سوريا لا تخضع للشروط والإملاءات التي ظلت أميركا تفرضها على حلفائها في المنطقة, لجهة إلزامهم-كلما ازداد سعر برميل النفط-بزيادة الإنتاج النفطي لحماية الاقتصاد الأميركي من خطر ارتفاع الأسعار.
• الزعم بان عجز الميزانية السورية قد بلغ حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي بسبب توقف المساعدات والمعونات الأميركية, هو زعم باطل, وذلك لان سوريا لم تكن في أي يوم من الأيام بلدا شرق أوسطيا رئيسيا لجهة الاعتماد في تغطية التزاماته الاقتصادية على تدفقات المعونة الأميركية, ومن الممكن للخبير أندرو جي تابلر أن يراجع قوائم وكالة المعونة الأميركية-الموجودة على الإنترنت-لمعرفة أسماء بلدان الشرق الأوسط المتلقية للمعونات والمساعدات الأميركية, وكم من المعونات تلقت, وإضافة لذلك معرفة الحقيقة المعروفة القائلة بأنه قد ثبت لكل الخبراء, بان هذه البلدان –ومنها مصر- كلما تلقت معونات أميركية أكثر, كلما أصبح عجز ميزانيتها أكبر!!
أما اللافت للنظر والمثير للسخرية والانتباه, فيتمثل في زعم الخبير أندرو جي تابلر, بان اتفاقية التجارة الحرة السورية-التركية قد أضرت بقطاع الصناعة السوري, وعلى ما يبدو أن "المحلل" أندرو جي تابلر لا يجيد القراءة الاقتصادية لسياقات اتفاقيات التجارة الثنائية التي تقوم على مبدأ تفعيل التجارة على أساس اعتبارات توازن المصالح التجارية, وليس دعم القطاعات الصناعية أو الزراعية, طالما أن عملية إبطائها أو تفعيلها هي شأن سيادي اقتصادي داخلي يحدده القائمون والمعنيون بأمر وضع الخطط الاقتصادية القصيرة والوسطية والطويلة المدى, أما بالنسبة للمزاعم القائلة بان سوريا ترفض المفاوضات, وتقوم بتمرير الجهاديين المسلحين إلى داخل العراق, فعلى الخبير أندرو جي تابلر, أن يوجه سؤاله بشكل مباشر للسيناتور جورج ميتشل المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط, فهو الأدرى والأعلم بمن هو الطرف الذي يرفض ويماطل في العودة إلى طاولة مفاوضات السلام: سوريا, أم إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد