المثلث الحرج: العراق، إيران، والولايات المتحدة
الجمل: أدى عاملا الحكومة الضعيفة، والتمرد والعنف المتزايد، إلى انكشاف العراق أمام كل من التوترات الطائفية، والنفوذ الخارجي الأجنبي، الأمر الذي أدى إلى تزايد الارتباطات بين بعض القوى العراقية من جهة، وإيران من الجهة الأخرى، وذلك على النحو الذي جعل الوجود الأمريكي معرضاً للتهديد لا من جانب إيران وحسب، بل ومن داخل العراق أيضاً.
نظمت مجموعة من الخبراء، ورشة عمل في واشنطن ضمت الآتية أسماؤهم:
- دانيال سيروير، خبير في مجال السلام وعمليات الاستقرار.
- دانيال برومبيرج، مستشار خاص في مشروع مبادرة العالم الإسلامي.
- غافري كيمب، خبير إدارة البرامج الاستراتيجية.
باباك رجمي، خبير في شؤون إحلال السلام.
ناقشت ورشة العمل التي نظمها معهد السلام الأمريكي، الاعتبارات المتعلقة باختبار فرضيات الديناميكيات الناشئة ضمن مثلث التفاعلات العراقية- الإيرانية- الأمريكية، الراهنة.
ومن أبرز الملامح العامة، التي تمحور النقاش حولها ضمن هذا المثلث تتمثل في الحقائق المستنبطة الآتية:
• العلاقات الإيرانية- العراقية تعتبر الأفضل حالياً عما كانت عليه في الحقب الماضية، فالروابط الإيرانية- العراقية تعززت بقدر أكبر، وبرغم الوجود الأمريكي المعادي لإيران، فإن الحكومة العراقية الحالية الموالية لأمريكا، لم تستطع تفادي التعاون مع إيران، والدخول معها في عدة اتفاقيات عراقية- إيرانية حول شتى المجالات التجارية والسياحية والأمنية.. كذلك أصبح لإيران تأثير كبير على مستقبل العراق، وذلك بسبب العلاقات والروابط الوثيقة التي تربط سكان جنوب العراق (يمثلون 65% من الشعب العراقي) مع الإيرانيين.
• الشيعة العراقيين موحدين كشيعة في علاقتهم مع إيران، ومختلفين كعراقيين ضمن العراق: يضم المجتمع الشيعي العراقي طائفة من الانتماءات الاثنية، فهناك شيعة عرب، وشيعة أكراد، ويعتقد الكثير من المحللين بأن الخلافات بين الشيعة العراقيين تنعكس سلباً على علاقتهم مع إيران، وتجدر الإشارة إلى أن الصراع المسلح الذي دار بين جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وفيالق بدر التابعة للحكيم قد أكد صحة الحقيقة القائلة بأن مثل هذه الخلافات والنزاعات تؤثر على علاقة الشيعة العراقيين بإيران، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هذا التأثير السلبي يكون فقط على المدى القصير التكتيكي، وبمرور الوقت سرعان ما يزول، وتعود العلاقة أقوى مما كانت عليه، خاصة وأن المجتمع الشيعي العراقي لا يتحمل الانقسامات، لأنه مجتمع عضوي واحد.. إضافة إلى حقيقة أخرى أكثر خطورة وهي أن قيام الحكومة العراقية الحالية، أو القوات الأمريكية بمواجهة القوى الشيعية العراقية، والقضاء على نفوذها في جنوب العراق، سوف يؤدي إلى إفساح المجال أمام هيمنة إيران وسيطرتها بالكامل على جنوب العراق، وذلك لأن القوى الشيعية الموجودة حالياً في جنوب العراق، برغم اختلافاتها، فهي الأقدر على حفظ الأمن في منطقتها على الأقل من الأمريكيين والحكومة العراقية الحليفة لأمريكا، وبالتالي فإن تصفية هذه القوى الشيعية سوف تؤدي إلى إحداث ظاهرة فراغ القوة والسلطة، ومن ثم، فعند حدوث ذلك، لن يقبل شيعة العراق بأي قوة أخرى غير إيران كمصدر لحمايتهم.
• من يخاف شيعة العراق؟
في حالة اندلاع الحرب الأهلية داخل العراق، فإن الشعية العراقيون بحسب تفوقهم السكاني والدعم الإيراني لهم، سوف يكونوا الأكثر تأهيلاً لبسط نفوذهم على العراق، وبالتالي فإن الذي يخاف من النفوذ الشيعي على العراق، هو السعودية، الكويت، قطر، الإمارات، الأردن، وتركيا.. لأنهم من جهة تتهدد أوضاعهم الداخلية، ولأنهم من الجهة الأخرى يمثلون (وكلاء) أمريكا في المنطقة.
• أمريكا وتوجهات القيادة الإيرانية:
الحقائق الميدانية داخل العراق تقول: إن كل ديناميكيات الحرب الأهلية العراقية، وإشعال فتيل محرقتها أصبحت الآن بيد إيران، ولو أرادت إيران أن تفعل ذلك فما عليها إلا أن تقوم بدعم الفصائل الشيعية، وهو أمر غاية في السهولة بالنسبة لإيران وذلك بسبب التداخل السكاني، والترابط الديني الطائفي، وامتداد خط الحدود العراقية- الإيرانية.. كذلك، فإن القيادة الإيرانية تفهم جيداً أنها تمسك في يدها ورقة زعزعة الوجود الأمريكي في العراق، وبالتالي فإن إيران تتمادى في برنامجها النووي، لأنها تعرف بأن عرقلة أمريكا لهذا البرنامج سوف تترتب عليه عقوبة أن تدفع أمريكا ثمناً باهظاً يكلفها وجودها في العراق وربما في الخليج، هذا إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الخسائر التي سوف تتعرض لها إسرائيل.
وبالتالي يمكن القول: إن الولايات المتحدة إذ أرادت الخروج (بشيء) من العراق،، فإن عليها أن تعمل على التنازل وإعطاء بعض الشيء لإيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وذلك لأن اللجوء إلى خيار استخدام القوة في التعامل مع البرنامج النووي العراقي لا يمكن اعتباره خياراً جاداً بكل المقاييس، وحالياً أصبحت الكثير من الدوائر الأمريكية، وأيضاً بعض الدوائر الإسرائيلية تعرف وتفهم جيداً أن خيار استخدام القوة ضد إيران، سوف تترتب عليه عواقب خطيرة، مجهولة المدى.
وأخيراً نقول: تقوم نظرية المباريات في نتائج الصراع بين الطرف(أ) والطرف(ب) على أربعة قواعد هي: رابح- رابح، خاسر- رابح، رابح- خاسر، خاسر- خاسر، وفي حالة الحرب الأهلية العراقية، فإن تطبيق قواعد هذه اللعبة على الاعتبارات المتعلقة بالنتيجة التي يمكن أن يحصل عليها كل من أمريكا باعتبارها الطرف(أ) وإيران باعتبارها الطرف(ب)، سوف تؤدي بشكل واضح إلى حدوث النتيجة الأخيرة، والتي تحمل صيغة خاسر- خاسر، أي: خسارة أمريكا، وخسارة إيران.. وبالتالي يحاول الكثير من المستشارين الآن إقناع الإدارة الأمريكية بضرورة عدم العمل من أجل استخدام القوة، لأن ذلك وإن كان سوف يؤدي لخسارة إيران، فإنه سوف يؤدي لخسارة أمريكا أيضاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد