الميلاد السوري... والتخريب الممنهج للحضارة

20-12-2013

الميلاد السوري... والتخريب الممنهج للحضارة

لا يعتبر رجال الدين المسيحيون ان الضرر الفادح الذي الحقته الازمة بسوريا يقتصر على المسيحيين وحدهم. «المجتمع السوري تضرر بجميع مكوناته»، يقول رئيس الكنيسة الإنجيلية في حلب القس إبراهيم نصير، مضيفا ان «ما يجري ليس ثقافة سوريّة، هو ثقافة مصدّرة، تقف وراءها جهات تسعى لتخريب البنية السورية».مسلح داخل كنيسة ارمنية مدمرة في دير الزور (رويترز)
لا إحصاءات دقيقة عن الأضرار التي ألحقتها الأحداث الجارية في سوريا بما تعرّض له المسيحيون خاصة، إلا ان تقديرات غير رسمية تشير إلى أن أكثر من 30 كنيسة دُمّرت أو تضرّرت في مختلف أنحاء سوريا منذ اندلاع الأزمة في آذار 2011، في حين سُجّل تدمير أكثر من 1400 مسجد، ونحو 3000 مدرسة، و37 مستشفى. ولعلّ أبرز الآثار التي خلّفتها الأزمة، وهي مستمرّة إلى اليوم، هي هجرة المسيحيين، الذين كانوا يشكلون قبل بدء الأحداث نحو 10 في المئة من السكان. ومع استمرار الهجرة للمسيحيين، يصعب تحديد رقمٍ واضحٍ أو رسمي لنسبة المهاجرين نتيجة لأعمال العنف.
تقول مصادر متابعة لملف المسيحيين في حلب مثلاً إن ثلث مسيحيي حلب أصبحوا الآن خارج سوريا، وثلثهم الثاني نزح إلى مناطق أخرى داخل سوريا، في حين بقي الثلث الأخير صامداً في حلب، مشيراً إلى أن «وجهة من غادروا الوطن تنوعت بين لبنان، وبعض الدول الأوروبية، التي، بحسب المصدر، شجعت هجرة المسيحيين، وجوبهت برفض من القيادات الدينية المسيحية في سوريا، والتي تسعى جاهدة للإبقاء على المكون المسيحي في سوريا».
نزح معظم المسيحيين إلى مناطق آمنة داخل مدينتي دمشق وحلب، ومنطقة وادي النصارى في ريف حمص، بالإضافة إلى مناطق الساحل السوري، في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة، حالهم كحال بقية النازحين السوريين، حيث تعمل عدة جمعيات مسيحية، وخيرية على محاولة تأمين حاجاتهم المعيشية.
«مع بداية أعمال العنف في سوريا، نأى المسيحيون بأنفسهم»، يقول المصدر المتابع لملف المسيحيين، ويتابع «إلا انه مع ارتفاع وتيرة الأحداث، وتعالي الصوت الوهابي التكفيري الذي تغلغل في سوريا، أصبح المسيحيون هدفاً للتهجير، والقتل، والسرقة، والخطف، حيث سلبت مصانعهم ومنازلهم (كما حدث في حلب)، وحرموا مصادر رزقهم، كما تعرضت آثارهم لعمليات نهب وسرقة». ويضرب المصدر أمثلة على ذلك «الآثار المسيحية في منطقة جبل سمعان، سرق معظمها، وتفيد بعض الأنباء الواردة من هناك بأنه قد جرى نقل الآثار التي سرقت إلى خارج سوريا عبر تركيا، حيث تم بيعها في السوق السوداء».
من جهته، يشدد رئيس دير القديس بطرس في مرمريتا الأب وليد اسكندافي، وهو أيضاً النائب الأسقفي العام لأبرشية اللاذقية وطرطوس لطائفة الروم الكاثوليك، على أن «الحرب الدائرة في سوريا أثبتت بعد سنتين ونصف أنها لا تستهدف الإنسانية والإنسان فقط، وإنما تدمّر أيضاً التاريخ والحضارة والتراث». ويتابع في حديثه لـ «السفير»، «لا شك في أن المستفيد الأول والأخير مما يحدث هو إسرائيل».
ومن الأديرة والكنائس التي تعرضت لأضرار بالغة جراء الأحداث، دير صيدنايا، الذي يعتبر من أشهر الأديرة في سوريا، والذي استهدف مطلع العام 2012 بقذيفة هاون، والذي أصبح ــ مرة جديدة ــ مهدداً مع اقتراب مجموعات مسلحة من مدينة صيدنايا، التي ظلت لفترة طويلة آمنة نسبياً، حيث تشهد المدينة، التابعة لريف دمشق، موجات نزوح، مع اشتداد وتيرة المعارك واقترابها منها.
وفي حين كانت الأضرار التي تعرض لها دير صيدنايا طفيفة، فإن أقدم كنيسة شّيدت في العالم أتى عليها الدمار كاملاً، حيث تعرضت كنيسة أم الزنار، التي يقال أنها أقدم كنيسة على وجه الأرض، حيث بنيت في العام 59 م، للدمار والحرق، حالها كحال كنيسة الأربعين شهيداً في حمص، التي تعتبر من أقدم الكنائس في المحافظة. كذلك الأمر بالنسبة إلى كنيسة مار الياس في القصير، التي طالها الدمار أيضا.
وفي حلب، طال الدمار الكنيسة الإنجيلية العربية في حلب، والتي قام مسلحون معارضون بتفخيخها وتفجيرها، حالها كحال كنيسة القديس كيفورك للأرمن التي دمرت هي والمدرسة التابعة لها «مدرسة بيت لحم».
ويقول رئيس الكنيسة الإنجيلية في حلب القس إبراهيم نصير إن 5 كنائس طالها التخريب في حلب القديمة، وذلك بعد دخول الإرهابيين منطقة «الجديدة» الأثرية، ويضيف أن المسلحين قاموا أيضاً بتخريب كنيسة في حي الميدان، قبل أن يتمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على الحي، الذي يقطنه مسيحيون غالبيتهم من الأرمن، كان قد هجّر معظمهم حين اقتحم المسلحون الحي.
وتتعرّض الأحياء في دمشق القديمة، التي يقطنها مسيحيون، لاستهداف بقذائف هاون، تسبّبت بأضرار في بعض الكنائس. وكذلك الحال بالنسبة للأحياء المسيحية في حلب، التي تتعرض أيضاً لاستهداف بقذائف الهاون.
مع اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، لا تظهر في سوريا أي مظاهر فرح أو استعداد لهذه الأعياد، حيث اقتصرت الاحتفالات منذ العام الماضي على إقامة الصلوات، طلباً للرحمة، ودعاء لإنهاء العنف الذي تشهده سوريا. كما جرت مؤخراً إقامة عدة صلوات من أجل المخطوفين، والذين يعتبر أبرزهم المطرانان يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، اللذان قام مسلحون متشددون باختطافهما في ريف حلب في شهر نيسان الماضي، إضافة إلى الراهبات المختطفات من دير مار تقلا في معلولا، والذي قامت فصائل متشددة بخطفهم إثر اقتحام بلدة معلولا الأثرية.
وفي حين تنظر التنظيمات «السلفية الجهادية» في سوريا إلى المكون المسيحي على أنه «عدو»، تحاربه وتحاول تهجيره، وتقوم في بعض الأحيان باحتلال الكنائس والأديرة وتدمير معالمها وتحويلها إلى مقرات «للدعوة السلفية الجهادية» (كما حدث مؤخراً في الكنيسة الأرمنية في الرقة التي تسيطر عليها جماعات عديدة متشددة أبرزها جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام)، يصرّ القس إبراهيم نصير على أن المسيحيين باقون في سوريا، ويشدد على أن المسيحي في سوريا «هو سوري أولاً»، ويتابع «يظنون أن المسيحيين جزء ضعيف في سوريا، إن المسيحيين هم حلقة من سلسلة اسمها سوريا، لذلك لن يستطيعوا إنهاء الوجود المسيحي، إلا بإنهاء الحضارة السورية، وهو أمر يعجزون عنه».

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...