انكشاف أمن الإسرائيليين والعملية النوعية ضد طاقم سفارتهم في الأردن
الجمل: شهدت المنطقة الواقعة بين العاصمة الأردنية عمان والحدود الإسرائيلية-الأردنية, انفجار عبوتين ناسفتين, مساء أول أمس الخميس الموافق 14 كانون الثاني (يناير) 2010م وأكدت التقارير الأردنية والإسرائيلية بأن الانفجار استهدف قافلة إسرائيلية مكونة من سيارتين تقلان ستة من الإسرائيليين العاملين ضمن طاقم السفارة الإسرائيلية في عمان, وذلك عندما كانوا في طريقهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في إسرائيل: الحادث كما تشير التداعيات والتحليلات, ليس مجرد حادث عادي, ومن الواضح, وبحسب النوايا الإسرائيلية, سوف تكون له أكثر من دلالة على الوضع الأمني في المنطقة.
ماذا تقول سردية انفجار مساء الخميس؟
تحركت مساء الخميس سيارتان مدرعتان مخصصتان لنقل الدبلوماسيين الإسرائيليين في حركتها التي لا تتوقف بين إسرائيل والأردن, وفي هذا الخصوص, فقد كان على متن السيارتين أربعة دبلوماسيين إسرائيليين واثنين من عناصر الأمن, ويتبع الستة إلى طاقم السفارة الإسرائيلية في الأردن, وفي منتصف المسافة الواقعة بين العاصمة الأردنية عمان وجسر اللنبي الواقع على المعبر الدولي البري الذي يربط الأردن بإسرائيل وتحديدا (الضفة الغربية) وقع انفجار عبوتين ناسفتين.
أكدت الخارجية الإسرائيلية, وأيضا الخارجية الأردنية, إضافة إلى ميعراف هورساندي الناطقة باسم السفارة الإسرائيلية في الأردن الآتي:
•كان على متن السيارتين المدرعتين ستة إسرائيليين منهم أربعة دبلوماسيين واثنين من عناصر الأمن.
•لم يصب أحد بأذى.
•لم يكن السفير الإسرائيلي بين الركاب.
•الحق الانفجار بعض الأضرار بالجانب الأيمن من الطريق السريع, إضافة إلى بعض الأضرار بالطريق الفرعي المؤدي إلى بعض القرى الأردنية الواقعة غرب عمان.
هذا, وإضافة لذلك, أكدت المعلومات والتقارير, بأن قافلة السيارات الإسرائيلية قد نجحت بعد ذلك في مواصلة المشوار وعبور جسر اللنبي إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
التحليلات المخابراتية الإسرائيلية: القراءة في الوجه الآخر
تقول التحليلات الإسرائيلية, بان انفجار مساء أول أمس الخميس هو الأول من نوعه, وذلك لأن قوافل نقل الإسرائيليين بين الأردن وإسرائيل ظلت خلال الفترات الماضية تشهد العديد من عمليات الاستهداف, ولكن حصرا عن طريق عمليات إطلاق النار بواسطة البنادق والرشاشات, وبالتالي, فإن استخدام العبوات الناسفة الذي تم في تفجيرات مساء الخميس هو أمر يشكل في حد ذاته تطورا نوعيا جديدا في عملية استهداف الإسرائيليين على الأراضي الأردنية وسعت بعض التحليلات الإسرائيلية إلى الربط بين تفجير مساء الخميس, وتفجيرات العراق, وتقول هذه التحليلات بأن أسلوب تنفيذ هذا الانفجار يشبه إلى حد التطابق التفجيرات التي ظلت تحدث في العراق, وعلى وجه الخصوص تلك التي ينفذها تنظيم القاعدة في بلاد ما بين النهرين.
تقفز التحليلات الإسرائيلية بعد ذلك إلى استنتاج الآتي:
•نجح تنظيم القاعدة في تجنيد العديد من العناصر الأردنية, وقد عملت هذه العناصر في كل من أفغانستان وباكستان وبدرجة أكبر في المسرح العراقي.
•بعد تزايد الضغوط على تنظيم القاعدة في العراق, وعلى وجه الخصوص بعد مقتل زعيمه الأردني أبو مصعب الزرقاوي, فقد انتقل العديد من الأردنيين الناشطين داخل القاعدة في العراق إلى العمل داخل الساحة الأردنية.
•تم تكوين المزيد من خلايا تنظيم القاعدة في الأردن, بحيث ضمت هذه الخلايا العناصر القادمة من الخارج إضافة إلى العناصر التي تم تجنيدها لاحقا في الأردن.
•بدأ تنظيم القاعدة في الأردن الدخول في مرحلة تنفيذ العمليات ضد الإسرائيليين.
•طريقة وأسلوب تنفيذ انفجار مساء الخميس تؤكد جميعها, بان العناصر التي أشرفت على هذا العمل, قد سبق أن نفذت نفس هذه العمليات في العراق.
برغم ما حاولت التلميح إليه التحليلات الإسرائيلية, فقد سعت التحليلات الأردنية إلى عدم الإشارة إلى أي طريقة معينه, وتقول المعلومات الأردنية, بان تحديد الطرف الفاعل, هو حصرا من اختصاص الأجهزة والجهات الرسمية الأردنية المعنية بالأمر, وفي هذا الخصوص تقول المعلومات والتقارير بأن السلطات الأردنية قد سارعت إلى القيام بعملية انتشار وتطويق كامل لمنطقة غرب عمان, وأضافت التقارير والمعلومات, بان الأجهزة الأردنية قد اعتقلت سائق سيارة تاكسي, وتقوم حاليا بإجراء التحقيقات والتحريات اللازمة معه بسبب اشتباهه بالتورط في العملية, ولم يكشف حتى الآن عن المعلومات وما توصلت إليه التحريات الأولية مع هذا السائق.
التطورات المخابراتية الجديدة المتوقعة: إلى أين؟
تبدو النوايا الإسرائيلية لجهة استغلال حادثة انفجار مساء الخميس واضحة من خلال إشارات بعض الخبراء الإسرائيليين إلى الآتي:
•انكشاف أمن الإسرائيليين في الأردن: وقعت خلال الفترة الماضية العديد من عمليات استهداف الإسرائيليين في الأردن, وكان من أبرزها حدوث الانفجار الكبير في أحد فنادق العاصمة عمان, والذي كان مشهورا باستضافة الإسرائيليين, إضافة إلى مصرع تاجر المجوهرات الإسرائيلي الشهير إسحاق سينير خلال تواجده في العاصمة الأردنية عمان.
•تزايد العداء لإسرائيل في أوساط الأردنيين: برغم وجود العدد الكبير من الفلسطينيين المعادين لإسرائيل في الأردن, فقد ظل عدد كبير من الأردنيين أكثر اعتدالا في نظرتهم إزاء التعامل مع إسرائيل, ولكن, لاحقا, فقد لوحظ تزايد موجات العداء لإسرائيل في أوساط الأغلبية العظمى من الأردنيين.
هذا وعلى خلفية عامل انكشاف أمن الإسرائيليين في الأردن, وعامل تزايد عداء الأردنيين لإسرائيل, تستنتج التحليلات الإسرائيلية, بان أمن الإسرائيليين في الأردن, وبالتالي أمن إسرائيل قد أصبح يواجه المزيد من التهديدات وتحديات المخاطر الجديدة, بما يمكن أن يترتب عليه التأثير سلبا على إدراك الإسرائيليين إزاء مدى مصداقية بنود اتفاق السلام الإسرائيلية-الأردنية التي تم توقيعها عام 1994م والتي عرفت باتفاقية وادي عربة.
بالنسبة للبعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الأردن, فقد درجت العادة على أن تتضمن الترتيبات الأمنية الإجرائية, تطبيق منظومة من الإجراءات الأمنية الوقائية, والتي تتضمن الآتي:
•تولي حراسة الإسرائيليين فرق أمنية أردنية-إسرائيلية مشتركة.
•يقوم الإسرائيليون باستخدام طرق متنوعة في تحركاتهم داخل وخارج العاصمة الأردنية عمان, ويتم تبديل وتغيير هذه الطرق بشكل مستمر.
•يقوم الإسرائيليون بتنفيذ تحركاتهم داخل وخارج العاصمة الأردنية عمان في أوقات غير منتظمة وغير ثابتة, ويتم تغيير مواعيد هذه التحركات والتنقلات بشكل مستمر.
•يقوم الإسرائيليون بتبديل وسائل نقلهم وتحركاتهم داخل وخارج العاصمة الأردنية عمان بشكل مستمر, بحيث يتم تغيير السيارات والمركبات وغيرها من الوسائط بشكل مستمر, بحيث لا يستخدم أي مسئول دبلوماسي نفس السيارة أو المركبة في تحركاته اليومية.
ركزت التحليلات الإسرائيلية على استخدام وقوع حادثة تفجير مساء الخميس في توجيه المزيد من الانتقادات وإثارة المزيد من الشكوك إزاء مدى مصداقية قدرة الأجهزة الأردنية على الاضطلاع بمسئوليات حماية أمن الإسرائيليين, وفي هذا الخصوص تتحدث الشكوك الإسرائيلية مشيرة إلى النقاط الآتية:
•يتم تبديل السيارات والمركبات التي يستخدمها الدبلوماسيون الإسرائيليون في الأردن, فكيف نجح مديرو الانفجار في معرفة أن هاتين السيارتين دون غيرهما تحملان على متنهما الدبلوماسيين الإسرائيليين, علما وأن الحركة في الطريق السريع المؤدي إلى نقطة عبور جسر اللنبي تضم مئات السيارات, والتي تزايد عددها بقدر كبير في يوم الخميس الذي يسبق عطلة الجمعة.
•يتم تبديل مواعيد تحركات الدبلوماسيين الإسرائيليين الموجودين في الأردن, فكيف نجح مديرو التفجير في تحديد موعد مرور القافلة الإسرائيلية, واستخدموا بشكل دقيق جهاز التفجير عن بعد بما أدى إلى تفجير العبوتين الناسفتين, وكان الخطأ في التقدير مجرد بضعة أمتار وثواني؟
خلصت التحليلات الإسرائيلية من خلال هذه الشكوك إلى احتمالات كبيرة بأن يكون تنظيم القاعدة قد نجح في اختراق أجهزة الأمن الأردنية, وأضافت هذه التحليلات, بان العملية التي نفذها الدكتور الأردني همام البلوى مؤخرا في قاعدة خوست الأميركية في أفغانستان, تمثل أحد المؤشرات الهامة الدالة على مدى القدرات الكبيرة التي نجح تنظيم القاعدة في التمتع بها في الساحة الأردنية.
برغم أن تركيز التحليلات الإسرائيلية كان مكثفا على تنظيم القاعدة باعتباره المسئول عن انفجار مساء الخميس فهناك بعض التحليلات الإسرائيلية التي سعت إلى التأكيد على احتمالات أن يكون حزب الله اللبناني هو المسئول عن تنفيذ هذه العمليات, خاصة وأن حزب الله قد ظل يسعى للانتقام من الإسرائيليين قصاصا لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية, وقد سبق وأن حاول حزب الله استهداف الإسرائيليين في تركيا وأذربيجان من أجل ذلك.
تشير التوقعات إلى أن المخابرات الإسرائيلية سوف تسعى خلال هذه الأيام إلى إعادة ضبط وتقويم أداء تعاونها مع المخابرات الأردنية, وذلك يما يتيح لإسرائيل ومعها أميركا, لجهة القيام بالضغط على عمان من أجل الانفتاح أكثر فأكثر إزاء الدخول أكثر فأكثر في مشروع الحرب الأميركية ضد الإرهاب, وتقول المعلومات, بأن المخابرات الإسرائيلية قد سعت للتعاون مع المخابرات الأردنية لجهة القيام بالانتقام من تنظيم القاعدة بسبب اغتيال النقيب الشريف علي بن زيد «ابن عم الملك الأردني» في انفجار قاعدة خوست الأميركية, وهو النقيب الذي كان يتولى مهمة ضابط الارتباط بين المخابرات الأردنية والمخابرات الأميركية, في الملفات المعنية بتنفيذ العمليات السرية ضد تنظيم القاعدة, ومنها عملية اغتيال أيمن الظواهري نائب أسامة بن لادن زعيم القاعدة.
اللافت للنظر هذه المرة, أن تحليلات الإسرائيليين, لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى حركة حماس الفلسطينية, أو حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية, أو حتى بقية الحركات والفصائل الفلسطينية المسلحة, باعتبارها المسئولة, ومن الواضح أن هذا التجاهل الإسرائيلي هو تجاهل مدروس ومحسوب بدقة, طالما أن المطلوب الآن هو توريط المخابرات الأردنية في المزيد من العمليات السرية الأميركية-الإسرائيلية ضد تنظيم القاعدة, وبالتالي ضد الإسلاميين, وعندما تقوم المخابرات الأردنية بالتورط في مثل هذه المواجهات, فإنها سوف تجد نفسها تلقائيا في ساحة المواجهة ضد حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني, وغيرها. وعندها تكون المخابرات الإسرائيلية قد نجحت في إشعال الساحة الأردنية مجددا, وهو حلم الزعيم الليكودي نتنياهو الذي ظل ينشده لأنه يتيح لهيئة الأركان الإسرائيلية إرسال قواتها إلى الأردن لجهة القيام بدور حامي الأمن والاستقرار في عمان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد