بعد 100قتيل وجريح الحكومة اللبنانية تتراجع وجنبلاط مستعد للاعتذار
مع توجه اللجنة الوزارية العربية للمساعي الحميدة، الى بيروت، تكون المدمرة الأميركية «يو اس اس كول» قد «تمركزت» في المياه الاقليمية قبالة شواطئ لبنان، وتكون في الوقت نفسه، قد انعقدت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، في السرايا الكبيرة، اليوم، من أجل اتخاذ قرار يقضي بالموافقة على قرار قيادة الجيش إبطال «قراري الليلة الليلاء»... الا اذا شكّل الاعلان عن توجه المدمرة الأميركية الى سواحل المتوسط، قادمة من البحر الأحمر عبر السويس، مناسبة لقراءات خاطئة من جانب بعض فريق الموالاة، بما يعيد الأمور الى نقطة الصفر وربما أبعد من ذلك بكثير.
وفيما قال مرجع كبير في المعارضة، ليل أمس، تعليقا على عودة «كول» أن أي تلويح أميركي باستخدام القوة، «انما يعني اسقاط كل الخطوط الحمر التي رسمتها المعارضة لنفسها، قال مصدر بارز في قوى الموالاة إننا لا نراهن على الأميركيين أو غيرهم بل ندين كل تدخل خارجي من أية جهة أتى، ونحن راهنّا وما زلنا نراهن على منطق الدولة والعودة للحوار ورفض استخدام المنطق الانقلابي».
وعلى وقع التطورات الميدانية الدامية التي اقتصرت ساحتها، خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، على منطقة جبل لبنان الجنوبي، وخاصة منطقة عاليه، قبل أن تتمدد، ليل أمس، باتجاه منطقة الشوف، ويقع ضحيتها أكثر من أربعين قتيلا، وعشرات الجرحى من فريقي المعارضة والموالاة، فإن المحصلة الاجمالية للقتلى، منذ صدور «القرارين» وصلت الى حدود المئة قتيل ومئات الجرحى حسب مصادر أمنية لبنانية.
محلياً، بقيت قنوات الاتصال مفتوحة بين الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من أجل تطويق الموقف، وقال مصدر قيادي بارز في الموالاة إننا ننتظر شروط الطرف الثاني (المعارضة) بعد أن تتراجع الحكومة عن قراريها، وخاصة أننا سمعنا أن هناك شروطاً جديدة، وأضاف «كل شيء مرهون بالوفد العربي وحصيلة مشاوراته»، ونفى أن يكون النائب سعد الحريري قد اشترط حواراً ثنائياً مع الرئيس بري قبل العودة مجدداً الى طالة الحوار.
وردت مصادر قيادية في المعارضة بالقول اننا لم نضع شروطاً جديدة نهائياً وكل ما نطالب به هو الشراكة وبعد تراجع الحكومة عن قراريها والجلوس الى طاولة الحوار، لن يتوقف العصيان المدني وحسب (اي الى جانب فتح المطار والمرفأ والطرق)، بل ربما نقدم على خطوات حسن نية أخرى من جانبنا (في تلميح غير مباشر الى احتمال رفع الاعتصام من وسط بيروت من جانب واحد)!
وأشارت المصادر الى أننا لم نلمس حتى الآن أي تقدم على صعيد الحوار والمبادرات وخاصة أن الفريق الثاني ما يزال يطرح الحوار الثنائي مدخلاً للحوار الوطني.
وشددت المصادر على أن تكون اللجنة الوزارية العربية محايدة في عملها وأن لا تتصرف كما حاول المصريون والسعوديون، عبر السعي الى إدانة «حزب الله» وكأنهم لا يدركون أنه بتحول العرب طرفا، في الصراع، انما يعلنون فشل مبادرتهم وعمل اللجنة العربية مسبقاً وقبل أن تتوجه الى بيروت».
وبينما كان أعضاء مجموعة «اصدقاء لبنان» وأعضاء مجلس الأمن الدولي يجرون مشاورات غير رسمية، في انتظار ما سيصدر عن المجلس الوزاري العربي، في القاهرة، طلب الأمين العام للجامعة عمرو موسى، من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فرصة أخيرة للمساعي العربية في لبنان، فإذا لم ننجح في التوصل الى نتائج حاسمة، يمكن عندها للمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته كما يتحملها تجاه أية دولة تشهد أوضاعاً مشابهة للوضع في لبنان، وذلك في موقف علني بدا كأنه يستدرج علناً «التدويل» أو أنه يهيئ له الأرضية عبر القول إن العرب إنما حاولوا ولكنهم لا يستطيعون فرض عدم توافقهم على اللبنانيين!
وإذا كان «التدويل» لا يعتبر من وجهة نظر المعارضة «أكثر من فزاعة»، فإن الوفد الوزاري العربي، الذي سيتوجه اليوم الى بيروت، ربما يصله اما عن طريق مطار بيروت الدولي، حيث اتخذت إجراءات لتأمين وصوله، أو عن طريق مطار القليعات العسكري. وقالت مصادر، أن قيادة الجيش اللبناني، أرسلت مذكرة خطية الى كل من المديرية العامة للجمارك والمديرية العامة للأمن العام من أجل ارسال موظفين من جانبهما الى مطار القليعات تمهيدا لفتحه في غضون الساعات الأربع والعشرين المقبلة.
ولدى الاستفسار من جهات متابعة للموضوع، قالت ان مطار القليعات سيفتح فقط لتأمين هبوط طائرات عسكرية عربية أو أجنبية، لإجلاء رعايا بلدان عربية وأجنبية فقط وليس بغرض استخدامه في أية اتجاهات أخرى.
في هذه الأثناء، برزت مساعي دبلوماسية عربية، تزامنت مع اتصالات قطرية وتركية وسعودية وإيرانية ويمنية، في اتجاه ايجاد مخارج سريعة للتدهور الحاصل لبنانياً، وقال مصدر دبلوماسي عربي في عاصمة خليجية ان الوفد العربي سيحاول جمع قادة الحوار اللبناني على طاولة واحدة (على الأرجح يوم غد الثلاثاء)، «فاذا تمكّنا من التوصل الى اعلان مبادئ حول موضوعي حكومة الوحدة الوطنية والقانون الانتخابي، فإننا سنتوجه سريعا نحو انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً في غضون الأيام القليلة المقبلة، الا اذا حصل تطور غير محسوب يمكن أن يؤدي الى تعديل الأجندة العربية».
وكان وزراء الخارجية العرب قد لبوا دعوة السعودية ومصر الى عقد اجتماع وزاري عربي طارئ استمر أكثر من عشر ساعات، وترافق مع مشاورات ثنائية، بالإضافة الى مشاورات شملت عواصم دولية بالاضافة الى عدد من القيادات اللبنانية، وتمحور حول كيفية الخروج بموقف عربي موحد.
وقال مصدر سوري انه «جرى سجال حاد خلال الاجتماع واختلفنا مع السعودية على كل شيء، وخصوصا أنها تبنت وجهة نظر فؤاد السنيورة وسعد الحريري بشكل كامل».
وقال المندوب السوري لدى الجامعة العربية يوسف الأحمد: إن الوفد السعودي طلب إرسال قوات عسكرية عربية للبنان كما دعا إلى إدانــة واضـــحة لـ«حزب الله» وأراد تمرير عبارات دعم صريحة لحكومة السنـــيورة وهو ما أوقفه الوفد السوري بمساعدة من أطراف عربية أخرى»، (تـــردد أن قطر وسلطنة عمان كانا من أبرز الدول التي أيدت الموقف السوري).
وأوضح الأحمد أنه شدد في بداية الاجتماع على أنه يتحدث باسم وزير الخارجية السوري وليد المعلم وأنه يحمل تفويضاً بكامل صلاحيات الوزير المعلم وذلك رداً على بعض الإيحاءات حول تغيب المعلم حيث صادف وفاة شقيقته يوم الجمعة الماضي في دمشق.
وقال مصدر سوري إن قطر هي التي اقترحت تشكيل اللجنة الوزارية العربية ولكنها لم تطرح انضمام السعودية أو سوريا اليها وأنه كان قد حصل اتفاق سوري مع قطر أنه في حال انضمام أي من السعودية أو مصر إلى اللجنة فإن سوريا ستطلب الانضمام إليها باعتبار أن مصر والسعودية، باتا اليوم، طرفين في الأزمة اللبنانية.
وتضم اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وثمانية من وزراء الخارجية العرب، هم الاماراتي وسلطنة عمان والبحرين والجزائر واليمن والأردن والمغرب وجيبوتي.
ودعا المجلس الرئيسين بري والسنيورة وقادة الموالاة والمعارضة إلى حضور جلسة خاصة مع اللجنة الوزارية لمناقشة الوضع والاتفاق على التنفيذ العاجل للمبادرة العربية والإحاطة بالوضع الخطير الذي يهدد به استمرار التطورات الجارية.
وأكد البيان «رفض الدول العربية الكامل لما آلت إليه التطورات في الأيام الأخيرة في لبنان وبشكل خاص استخدام السلاح واللجوء إلى العنف بما يهدد السلم الأهلي في هذا البلد»، منتقداً «استخدام العنف المسلح لتحقيق أهداف سياسية خارج إطار الشرعية الدستورية»، حيث أكد على ضرورة «سحب جميع المظاهر المسلحة من الشارع اللبناني، وتسوية الأزمة السياسية اللبنانية الراهنة بشكل يحفظ لكل طائفة دورها الفعال في التركيبة اللبنانية».
وقال موسى، في مؤتمر صحافي أعقب الاجتماع، أنّ المبادرة العربية بعناصرها القائمة هي الأساس، وتتلخص بانتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على شكل الحكومة وعلى قانون الانتخاب على أساس القضاء»، ورفض اعتبار رفض الوزراء استخدام العنف المسلح إدانة لحزب الله، موضحاً أنّ «هذا مبدأ مهم، ولا يتعلق بلبنان فقط، ونحن لا نتكلم عن حالة إنما عن مبدأ». وأضاف «مع ذلك، فإنّ ما حصل في لبنان أمر غير مقبول وخطير للغاية، لأن الوضع قد ينفلت».
ورداً على سؤال حول عدم تطرق البيان الى اسم العماد ميشال سليمان، قال موسى للصحافيين انه من المسلم به، وهذه نقطة مقرة ومستقرة عربيا ودوليا ولبنانيا، أن هناك مرشحاً توافقياً وحيداً حتى الآن هو العماد ميشال سليمان.
وذكرت مصادر دبلوماسية أنّ الجلسة المغلقة شهدت خلافات بسبب إصرار مصر والسعودية على تضمين البيان الختامي «إدانة» ضد قوى المعارضة، حيث تحفظت سوريا وقطر على هذا الاقتراح، فيما رأت أطراف عربية أخرى أنّ مثل هذا الأمر سيؤدى إلى اشتعال الموقف أكثر.
وقالت مصادر أخرى ان الجانب السوري سأل خلال مدافعة المصريين والسعوديين عن إرسال قوات حفظ سلام عربية الى لبنان «اين كنتم عندما قامت اسرائيل بشن حرب على لبنان ولماذا لم تتحمسوا لمثل هذه القوات الى الجنوب، كما سأل المندوب السوري «أين كنتم أيضا عندما أقدم الطيران الاسرائيلي على تدمير قناة «المنار» ومؤسسات اعلامية أخرى في الضاحية الجنوبية ابان حرب تموز»؟
وفي موازاة الاجتماع الوزاري العربي، أجرى الملك السعودي عبد الله اتصالات هاتفية بالملك الأردني عبد الله الثاني والرئيسين اليمني علي عبد الله صالح والمصري حسني مبارك. كما جرى اتصال هاتفي بين الملك السعودي والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي اتصل أيضا برئيس الحكومة فؤاد السنيورة وأبلغه إدانته الشديدة لما حصل وللذين بادروا للقيام به، ودعا الى وقف غير مشروط لأعمال العنف وكل تدخل أجنبي ودعا للاستئناف الفوري للحوار في اطار الجهود العربية وجدد دعم فرنسا للبنان وحكومته الشرعية ومؤسساته المسؤولة عن الأمن والتي ينبغي أن تتمكن من تأدية مهماتها وأن تحتكر استخدام القوة.
كما تلقى السنيورة سلسلة اتصالات ابرزها ليل امس من وزير خارجية قطر الذي ابلغه قرار تشكيل اللجنة الوزارية ورد رئيس الحكومة مرحباً باللجنة العربية.
يذكر أن مناطق لبنانية محدودة لبت أمس قرار رئيس الحكومة الوقوف دقيقة صمت ورفع أعلام لبنانية استنكاراً لما يحصل.
كما سيعقد اليوم اجتماعا هاتفيا متلفزا بين وزراء خارجية مجموعة «اصدقاء لبنان» برئاسة الوزيرة الأميركية كوندليسا رايس من أجل «تبادل التحليل في ما وصفه مصدر دبلوماسي فرنسي «نتائج الانقلاب الاستراتيجي في ميزان القوى الذي يشهده لبنان»، وقال المصدر إن لا أحد يفكر في أي إجراءت رادعة او قرارت دولية جديدة «لأننا نملك أوراقا جديدة وننتظر تبلور الموقف العربي لمعرفة ما إذا كان ضروريا أو ممكنا الانخراط في عمل ما عبر مجلس الأمن».
ميدانيا، عاد الهدوء تدريجيا ليل أمس الى بعض قرى وبلدات الجبل التي شهدت اشتباكات عنيفة بين عناصر المعارضة والحزب التقدمي الاشتراكي، لا سيما في منطقتي الشويفات وعاليه (خاصة محور عيتات)، ما أدى الى سقوط ما لا يقل عن اربعين قتيلا من الجانبين فضلا عن عدد كبير من الجرحى ووقوع اضرار مادية كبيرة.
وفي ساعة متأخرة من الليل، وقعت اشتباكات بين الحزب التقدمي الاشتراكي والمعارضة في مرستي وتومات نيحا وجبل الباروك في أعالي الشوف. وذكرت مصادر المعارضة ان عناصرها تصدوا لمحاولة تسلل قام بها مسلحون من «الاشتراكي» انطلاقا من منطقة تومات نيحا وجبل الباروك في اتجاه كفريا في البقاع الغربي، وأفيد ان سبعة جرحى سقطوا خلال تبادل إطلاق النار. فيما قالت مصادر اشتراكية أن مقاتلين من الحزب التقدمي صدوا محاولة تسلل كانت تقوم بها عناصر من «تيار التوحيد اللبناني» باتجاه نيحا وباتر.
وقال النائب جنبلاط ليلا ان الامور تستتب شيئا فشيئا، والجيش يأخذ أماكنه، والمسلحون يعودون الى بيوتهم، وهذا جيد. وأشار الى ان الخلاف السياسي كبير ولكننا لا نخاف من الحوار. وتوجه الى السيد حسن نصر الله بالقول إن الدروز يجب ألا يدفعوا ثمن الخلاف الشخصي بيننا، ملمحاً بصورة غير مباشرة لاستعداده للاعتذار من قيادة «حزب الله».
وعقد مشايخ الدروز اجتماعاً علمائياً مساء أمس برئاسة شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن في مقام النبي عبد الله التنوخي في عبيه وأصدروا بيانا ضموا فيه صوتهم الى صوت النائب جنبلاط بالدعوة للتهدئة ونبذ الفتنة والتأكيد على الحوار والتعايش الدرزي الشيعي.
وكان قد تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، السادسة مساء بعد تفويض جنبلاط لرئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان، بالتنسيق والتشاور مع الرئيس بري، العمل على نشر قوات الجيش في مناطق التوتر، على قاعدة تسليم المراكز الحزبية والاسلحة العائدة للحزب التقدمي الى الجيش الذي باشر بالفعل في الانتشار التدريجي في العديد من القرى والبلدات في عاليه، وخصوصا في الشويفات التي شهدت أعنف المعارك، وذلك بعد اتصال تم بين ارسلان والعماد ميشال سليمان. وليلا افيد عن تجدد الاشتباكات في منطقة الشويفات على خلفية كمين نصبته عناصر اشتراكية لسيارة كان فيها عدد من عناصر المعارضة ما أدى الى سقوط ما لا يقل عن خمسة عناصر كانوا بداخلها.
وقالت مصادر عسكرية لبنانية ان الاشتباكات التي شهدتها منطقة عاليه استخدم خلالها الطرفان مدافع الهاون ورشاشات ثقيلة من عيار 23 ملم ومضادات الطائرات (الرباعي) و«الدوشكا» ورشاشات ومدافع خفيفة ومتوسطة المدى.
أما بيروت فقد شهدت هدوءا أمنيا ترافق مع استمرار قطع الطرقات الرئيسية فيها في اطار قرار المعارضة بتنفيذ العصيان المدني، الذي شمل المطار والمرفأ، فيما تتجه قيادة المعارضة، خلال الساعات المقبلة، الى درس امكان تنفيذ خطوات جديدة بينها دعوة الموظفين الى عدم التوجه الى عملهم بالإضافة الى الامتناع عن دفع فواتير الكهرباء والهاتف والمياه والرسوم البلدية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد