بيادق المملكة السعودية القاتلة

17-12-2013

بيادق المملكة السعودية القاتلة

الجمل- باتريك كوكبيرن- ترجمة: د. مالك سلمان:

لعبَ المتبرعون السعوديون دوراً مركزياً في تشكيل ودعم المجموعات الجهادية السنية خلال السنوات الثلاثين الماضية. ولكن, وعلى الرغم من التصميم المفترض للولايات المتحدة وحلفائها منذ 9/11 لشن "الحرب ضد الإرهاب", فقد أظهروا تحفظاً مدهشاً عندما كان الأمر يتعلق بالضغط على المملكة السعودية والملكيات الخليجية لوقف تدفق الأموال التي تضمن استمرار هؤلاء الجهاديين.
قارنوا بين تصريحين أمريكيين يؤكدان على أهمية هذه التبرعات ويبنيان استنتاجاتهما على أفضل المعلومات الإستخبارية المتوفرة للحكومة الأمريكية. الأول جاء في "تقرير لجنة 9/11" الذي وجد أن أسامة بن لادن لم يمول القاعدة لأنه منذ سنة 1994 لم يكن يمتلك مبالغ كبيرة خاصة به بل اعتمد على علاقات مع أشخاص سعوديين أثرياء أقامها أثناء الحرب الأفغانية في الثمانينيات من القرن الماضي. اقتبست اللجنة, من بين مصادرَ أخرى, تقريراً تحليلياً لوكالة الاستخبارات المركزية بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2002 وتوصلت إلى أنه "يبدو أن القاعدة قد اعتمدت على مجموعة رئيسية من الداعمين الماليين الذين جمعوا الأموال من عدد من المتبرعين وجامعي الأموال في البلدان الخليجية, بشكل رئيسي, والمملكة السعودية بشكل خاص".
تمضي بضع سنوات على كتابة تقرير "سي آي إيه" قامت خلالها الولايات المتحدة بغزو العراق حيث حاربت, من بين أطراف أخرى, فرع القاعدة الذي تشكل في العراق, وتورطت في حرب دموية في أفغانستان ضد الطالبان. تقوم الطائرات الآلية الأمريكية ("درونز") بقصف أهداف يزعم ارتباطها بالقاعدة في كل مكان من وزيرستان في شمال غرب باكستان إلى القرى الجبلية في اليمن. ولكن خلال ذلك كله, لم تتوجه واشنطن إلى المملكة السعودية إلا ببضع تحذيرات حول دعمها للتطرف السني المتعصب الطائفي خارج حدودها.
الدليل على ذلك يتمثل في برقية مذهلة حول "دعم الإرهاب" أرسلتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للسفارات الأمريكية, مؤرخة في 30 كانون الأول/ديسمبر 2009 وقامت "ويكيليكس" بتسريبها في السنة التالية. تقول كلينتون بحزم إن "المتبرعين في المملكة السعودية يشكلون المصدر الأهم لتمويل المجموعات السنية الإرهابية في كافة أرجاء العالم". وبعد 8 سنوات من وقوع أحداث 9/11, عندما تبينَ أن 19 من الخاطفين كانوا سعوديين, تكرر السيدة كلينتون في الرسالة نفسها أن "المملكة السعودية تبقى الداعم المالي الأساسي للقاعدة, وطالبان و ‘لو تي’ [‘لاشكار الطايبة’ في باكستان], ومجموعات إرهابية أخرى". لعبت المملكة السعودية الدور الأهم في دعم هذه المجموعات, لكنها لم تكن لوحدها بما أن "القاعدة ومجموعات أخرى مستمرة في استغلال الكويت كمصدر للتمويل وكنقطة ترانزيت محورية".
لماذا تعاملت الولايات المتحدة وحلفاؤها مع المملكة السعودية بكل هذا القدر من التحفظ مع أن المملكة كانت الداعم الرئيسي للقاعدة وحتى لمنظمات جهادية سنية أكثر تطرفاً وطائفية؟ التفسير الواضح هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا وبلداناً أخرى لم ترغب في إزعاج حليف قوي وأن العائلة السعودية المالكة استخدمت أموالها, بحكمة وذكاء, في شراء الطبقة الحاكمة الدولية. وقد جرت محاولات غير مقنعة لربط إيران والعراق بالقاعدة في الوقت الذي كان فيه المجرمون الحقيقيون أمام أعين الجميع.
ولكن هناك سبب قوي آخر لعدم اتهام القوى الغربية للملكة السعودية وحكام الخليج السنة بنشر التعصب والكراهية الدينية. طالما عبرَ أعضاء القاعدة, أو أعضاء المجموعات المتأثرة بالقاعدة, عن وجهتي نظر مختلفتين بخصوص عدوهم الرئيسي. فبالنسبة إلى أسامة بن لادن كان الأمريكيون العدوَ الرئيسي, أما بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من الجهاديين السنة, بما في ذلك مجموعات القاعدة في العراق وسوريا, كان الهدف هو الشيعة. إذ إن الشيعة هم الذين يموتون بالآلاف في العراق وسوريا وباكستان وحتى في بلدان لا تحوي إلا أعداداً قليلة منهم, مثل مصر.
لم تعد الصحف الباكستانية تعير أي اهتمام لمئات الشيعة الذين يتعرضون للذبح من كويتا إلى لاهور. وفي العراق, معظم القتلى السبعة آلاف الذين ذبحوا هذه السنة هم من المدنيين الشيعة الذين ذهبوا ضحية تفجيرات القاعدة في العراق على يد منظمة تشكل مظلة كبيرة تدعى "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" ("داعش") والتي تعمل في سوريا أيضاً. وفي ليبيا ذات الغالبية السنية, قام المتطرفون في بلدة درنا الشرقية بقتل أستاذ جامعي عراقي اعترف في شريط الفيديو بأنه شيعي قبل إعدامه على يد خاطفيه.
إذا افترضنا أن واحد بالمائة من هذه الهجمات كان موجهاً ضد الأهداف الغربية عوضاً عن المسلمين الشيعة, فهل كان الأمريكيون والبريطانيون سيسكتون على السعوديين والكويتيين والإماراتيين؟ إن هذا ما يسبغ نوعاً من الزيف والنفاق على تبجحات البيروقراطيات الأمنية المتضخمة في واشنطن ولندن حول نجاحها في مواجهة الإرهاب, حيث تقوم بتبرير الميزانيات الضخمة لنفسها وتقوم في الوقت نفسه بتقييد الحريات المدنية للآخرين. إن جميع الطائرات الآلية التي تقصف قرى البشتون في أفغانستان وقرى الصومال واليمن لن تغير في الأمر شيئاً إذا ما قرر الجهاديون السنة في العراق وسوريا – كما فعل أسامة بن لادن من قبلهم – أن الأعداء الذين يبحثون عنهم ليسوا من الشيعة بل هم موجودون في الولايات المتحدة وبريطانيا.
بدلاً من الجهود التافهة التي تقوم بها هذه القاذفات, سيكون على أجهزة الاستخبارات مواجهة الحركات الجهادية في العراق وسوريا وليبيا التي تعج بالمئات من صانعي القنابل والانتحاريين. ففي هذه السنة فقط بدأت أشرطة فيديو من سوريا تظهر تقطيعَ أشخاص من غير السنة لأسباب طائفية صرفة تهز اللامبالاة الغربية في التعاطي مع الجهادية السنية مع أنها ليست موجهة ضدهم.
لعبت الحكومة السعودية دور الداعم الخلفي لقطر لوقت طويل في تمويل المتمردين في سوريا, ولم يستلموا هذا الملف بشكل مباشر إلا في هذا الصيف. إذ يرغبون في تهميش فروع القاعدة مثل "الجبهة الإسلامية في العراق والشام" و "جبهة النصرة" بينما يقومون بشراء وتسليح عدد كاف من العصابات المقاتلة السنية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
إن مدراء السياسة السعودية في سوريا – وزير الخارجية سعود الفيصل, ورئيس وكالة الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان, ونائب وزير الدفاع الأمير سلمان بن سلطان – يخططون لإنفاق المليارات لتشكيل جيش من المتطرفين السنة يتكون من حوالي 40,000 – 50,000 مقاتلاً. وقد بدأ أمراء الحرب المحليون بالاتحاد لتقاسم هذه الثروات السعودية التي يفوق حماسُهم لالتهامها أية رغبة يمتلكونها للقتال.
يذكي سعارَ هذه المبادرة السعودية الغضبُ العارم في الرياض من قرار الرئيس أوباما بعدم ضرب سوريا بعد استخدام الأسد [المزعوم] للأسلحة الكيماوية في 21 آب/أغسطس. لا شيء سوى هجوم جوي أمريكي أشبه بهجمات الناتو على ليبيا في سنة 2011 يمكن أن يسقط الأسد, ولذلك فإن الولايات المتحدة قد قررت بقاءه الآن. ومما زاد في سعار الغضب السعودي أيضاً المفاوضات الناجحة التي تقودها الولايات المتحدة حول صفقة مؤقتة مع إيران حول برنامجها النووي.
بظهورهم إلى العلن في سوريا, ربما يكون السعوديون قد ارتكبوا خطأ جسيماً. إذ لن تستطيع أموالهم أن تشتري لهم الكثير. إذ إن هذا الاتحاد المصطنع لمجموعات المتمردين بأيديهم الممدودة إلى الأموال السعودية لن يدومَ طويلاً. وسوف يسقطون في أعين الجهاديين الأكثر تطرفاً كما في أعين السوريين بشكل عام بصفتهم بيادقَ الاستخبارات السعودية والاستخبارات الأخرى.
كما أن المعارضة المقسمة ستتعرض للمزيد من التشرذم. ويمكن للأردن احتواء السعوديين وعشرات أجهزة الاستخبارات, لكنها لن ترغب في أن تكون نقطة تجمع لجيش يتم تشكيله لمحاربة الأسد.
تبدو الخطة السعودية فاشلة منذ البداية, مع أنها يمكن أن تودي بحياة الكثير من السوريين قبل أن تفشل بشكل نهائي. يوضح يزيد صايغ, من "مركز كارنيغي للشرق الأوسط", المخاطر التي تنطوي عليها هذه المغامرة: "يمكن للملكة السعودية أن تجد نفسها تعيد تجربتها في أفغانستان, حيث شكلت مجموعات جهادية متباينة كانت تفتقر إلى إطار سياسي موحد. فقد وجدت هذه القوات نفسها عاجزة عن حكم كابول بعد استيلائها عليها, مما فسح الطريق أمام طالبان. ومن ثم جاءت القاعدة, ووصل الارتداد بالتالي إلى المملكة السعودية".

http://www.counterpunch.org/2013/12/09/the-deadly-pawns-of-saudi-arabia/

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 9 كانون الأول/ديسمبر 2013)

الجمل

التعليقات

إن المكتوب محاولة لتبرئة الغرب من الدم المسفوك وإظهار آل سعود وحكام الخليج على أنهم يمتلكون زمام قيادتهم وأنهم فاعلون الحقيقة أنهم ليسوا إلا تابعون للغرب ينفذون أوامره بحرفية عالية للحفاظ على مواقعهم ولو كان الأمر كذلك لحاربوا الصهيونية التي لن ترحمهم لو تم لهم النصر في سورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...