تعاون سوري فرنسي في صندوق «سينما الجنوب»
مع فيلم «دنيا» لجوسلين صعب افتتح المركز الثقافي الفرنسي في دمشق بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما فعاليات أسبوع الأفلام الفرنسية والعربية, وهي تظاهرة سنوية تسعى بشكل أساسي إلى التعريف بنتائج التعاون المشترك ما بين المخرجين وصندوق «سينما الجنوب», وقد امتدت فعاليات هذا العام ما بين الخامس عشر والثلاثين من كانون الثاني €يناير€, وتنقلت بنا ما بين أفلام من سوريا وموريتانيا والجزائر ومصر ولبنان واليمن, ولأول مرة في تاريخ هذه التظاهرة حظيت الأفلام الوثائقية بالاهتمام سواءٌ من خلال عرض عدد من نماذجها أو من خلال طاولة النقاش المستديرة التي أدارها المخرج السوري عمر اميرلاي.
بهذه المناسبة التقينا جوليان شوفينيز الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية ومدير المركز الثقافي الفرنسي بدمشق, حيث حدثنا عن تفاصيل هذه التظاهرة وعن ثمار صندوق «سينما الجنوب» كما ألقى الضوء على أنشطة المركز من خلال فكرة التبادل والحوار الثقافيين. وشوفينيز أكاديمي متخصص في شؤون الحضارة العربية والسياسة في العالم العربي, وهو يشغل منصبه الحالي منذ العام 2004. وهنا تفاصيل الحوار الذي ترجمته إلى العربية الملحقة الإعلامية ريم حداد.
€ هل بالإمكان إعطاؤنا فكرة عن صندوق «سينما الجنوب», متى تأسس, ومن أسسه, وما هو الهدف من تأسيسه, وكم يبلغ عدد الأفلام التي دعمها, وما هو نصيب المخرجين السوريين من هذا الدعم؟
ان الهدف الأساسي من تظاهرة الفيلم العربي الفرنسي هو التعريف بالأفلام التي استفادت من دعم «صندوق سينما الجنوب» إذ إن معظم الأفلام العربية التي دعمتها فرنسا أُنتجت بدعم من هذا الصندوق الذي كان قد تأسس في العام 1984 من أجل تشجيع التنوع والتبادل الثقافي, ومن أجل تشجيع الإنتاج السينمائي الروائي الطويل في بلدان الجنوب, وبخاصة منه ما ينتمي إلى سينما المؤلف.
صندوق «سينما الجنوب» أسسته وزارتا الخارجية والثقافة في فرنسا, وحتى العام 2004 أنتج الصندوق ثلاثمئة وعشرين فيلما روائيا طويلا, أخرجها مئتان وعشرون مخرجا من تسع وستين دولة من دول الجنوب, ومن بين هذه الأفلام هناك أربعة وسبعين فيلما من البلدان عربية, ومن ضمنها فيلمان سوريان: «الليل» لمحمد ملص, و«صندوق الدنيا» لأسامة محمد.
دعم الصندوق مخرجين شبان ومغمورين, أصبحوا بعد ذلك من أشهر المخرجين في بلدانهم, أمثال المخرجين المصريين يوسف شاهين ويسري نصر الله, والمخرج الإيراني محسن مجيد الله, والمخرج المكسيكي أرتور روبستين, والمخرجة التونسية مفيدة التلاتلي التي حصلت العام 1993 على جائزة التحكيم من مهرجان كان عن فيلمها «صمت القصور».
€ وما هي أشكال الدعم التي يقدمها الصندوق, هل تشمل النواحي الفنية والتقنية أم المادية فقط؟
يقدم صندوق «سينما الجنوب» فقط مساعدة مادية لانتاج مشترك, وهي تراوح مابين مئة ألف ومئة وستين ألف يورو للفيلم الروائي الطويل, وهذا الدعم يستفاد منه من أجل التحضير للإنتاج, لكن المهم هنا ان الحصول على هذه المساعدة يعتبر معياراً مهماً للحصول على تمويل آخر, فهذه المساعدة معترف بها كعلامة مميزة بالنسبة الى المنتجين والموزعين والمهرجانات السينمائية في العالم برمته, وعندما يحصل المخرج على هذه المساعدة يكون بإمكانه الحصول على مساعدة أخرى.
€ ما هو معدل الدعم السنوي, وما هي آليات التواصل بين الصندوق والمخرجين, وهل هناك شروط أو موضوعات معينة لدعم المخرج؟
معدل الدعم في حدود ثلاثة عشر فيلما في العام, ويجب التوجه مباشرة إلى الصندوق, وكل المعلومات اللازمة لحصول المخرجين على هذا الدعم موجودة على موقع وزارة الخارجية الفرنسية بلغات عدة, والأساس هنا هو جودة السيناريو المقترح, وهناك الكثير من المخرجين الشبان المغمورين الذين تم اختيارهم على أساس السيناريو, وهناك لجنة من السينمائيين الفرنسيين والأجانب الذين يقومون بعملية الفرز والتصنيف والاختيار, وسوف نلاحظ أن الأفلام التي حظيت بهذا الدعم متنوعة من حيث موضوعاتها وأساليبها.
€ وما هي أشكال التعاون الفرنسي السوري الأخرى على المستوى السينمائي؟
بمعزل عن صندوق «سينما الجنوب» هناك إنتاجات سينمائية فرنسية عربية مشتركة مثل آخر أفلام محمد ملص «باب المقام» وهو من إنتاج فرنسي سوري تونسي مشترك, بالإضافة إلى العروض السينمائية, وأسابيع الأفلام المشتركة.
€ ولماذا أوليتم اهتمامكم للمرة الأولى هذا العام بالأفلام الوثائقية, حيث تابعنا ما لا يقل عن عشرة أفلام منها: فيلم «لبنان€الحرب» إخراج رانيا ستيفان, و«الآخرون» لسوسن دروزة, و«غريبة في مدينتها» لخديجة السلامي؟
نحن نفكر في تقديم الإنتاجات الوثائقية منذ سنوات عدة, لأن الفيلم الوثائقي بات يأخذ أهمية متزايدة في الساحة السينمائية وفي التلفزيون على مستوى العالم ككل, وهنا أود التنويه لوجود معهد تأهيل إخراج الأفلام الوثائقية الذي فتح أبوابه حديثا في عمان, وقد أسسه عدد من المخرجين العرب خصوصا المخرجين السوريين, وبدا لنا من المهم هذا العام بأن نقدم إنتاج الأفلام الوثائقية في المنطقة, وأن ننظم طاولة مستديرة يديرها عمر اميرلاي كي نثير النقاش والتفكير حول هذا الجنس السينمائي المهم.
€ بمناسبة ذكر عمر اميرلاي لماذا لم تعرضوا أيا من أفلامه مع أنه يعتبر أحد أهم مخرجي الأفلام الوثائقية والتسجيلية في المنطقة العربية؟
كان من الممكن أن نبرمج لعرض أحد أفلام اميرلاي, لكننا فضلنا أن يدير الطاولة المستديرة, ويقوم بالتعريف بالمعهد الجديد الذي نوهت له, أما كمخرج فسوف يكون لنا فرص أخرى لعرض أفلامه.
€ عروض تظاهرة العام شملت أيضا أفلاماً سورية من خارج إطار الإنتاج المشترك مثل فيلم «رسائل شفهية» و«تراب الغرباء».
إذا كان الغرض الأول من هذه التظاهرة هو التعريف بأفلام صندوق «سينما الجنوب» فإن الغرض الآخر هو عرض الأفلام السورية المهمة كأفلام عبد اللطيف عبد الحميد, سمير ذكرى, ريمون بطرس واسماعيل أنزور الذي حقق في العام 1931 الفيلم الثاني في تاريخ السينما السورية, وسيكون عرض هذا الفيلم الصامت بمرافقة موسيقى عمر ياسين, ولهذا الغرض فإننا نتعاون مع المؤسسة العامة للسينما من أجل تنظيم هذه التظاهرة.
€ وما هي الأوجه الأخرى للتعاون والتبادل الثقافي الفرنسي السوري التي يقوم المركز بتنظيمها؟
هناك أشكال أخرى من التعاون الفرنسي السوري المشترك يسعى المركز الثقافي لبلوغها كتنظيم فعاليات وبرامج يشارك فيها فنانون سوريون وفرنسيون, فعلى سبيل المثال قمنا بتقديم مسرحية «جلجامش» في العام الماضي من إنتاج وتأهيل «مسرح الشمس» الذي تديره اريان موشلين, والمسرحية تجمع المخرجة ومصممة الرقص الفرنسية كاترين شوب وممثلين سوريين, وتم تقديمها في دمشق وحلب واللاذقية والسويداء, كما تم تقديمها في صنعاء وفي ثلاث مدن تونسية وفي باريس, وإذا كانت لدي أمنية لهذه المسرحية فهي ان يتم دعوتها من قبل المهرجانات في العالم العربي أو خارجه.
مثال آخر للتعاون مشروع الموسيقى الباروكية حول موسيقي فرنسي يدعى بيترو دولافيه عاش في المنطقة في القرن السابع عشر, وهذا المشروع جمع ما بين موسيقى الأنوار وفرقة طويس بقيادة عصام طاهر, حيث قدمت الفرقة حفلات في دار الاسد وفي حلب والكويت وباريس, وأصدرت أسطوانة مدمجة في تشرين الثاني €نوفمبر€ عن دار موسيقى فرنسية.
€ ولكنني من خلال متابعاتي لأنشطتكم لاحظت أنكم تولون اهتمامكم الأكبر للأدب والمسرح؟
الأمر ليس كذلك, فصحيح أن المحور المسرحي مهم جدا بالنسبة الينا, حيث قدمنا ثلاث مسرحيات في العام الماضي, ولكنا أيضا قمنا بتنظيم ثماني حفلات موسيقية ومن بينها موسيقى كلاسيكية وموسيقى الجاز, وحفلة ضمن إطار «مقامات وإبداع» جمعت ما بين موسيقيين فرنسيين وسوريين, وما بين الموسيقى العربية التقليدية والموسيقى المعاصرة في فرقة جوالة, وعلى الصعيد السينمائي هناك أسبوع السينما الفرنسية العربية السنوي, وهناك الأفلام التي تعرض كل خميس بشكل دوري.
عموما نحن نسعى لإيجاد توازن بين المسرح والموسيقى والسينما والأدب, وبشكل عام نحن نحاول إقامة تظاهرات ثقافية سنوية وفي كل المجالات وفي أوقات معينة, مما يسمح للجمهور بارتيادها والتعود على متابعتها, ومن هذه التظاهرات «عيد الموسيقى» و«عيد القراءة» و«أيام الفرنكوفونية» وأسابيع السينما.
€ مع ان العلاقات السورية الفرنسية على المستوى السياسي مرت بحالات مد وجزر في الآونة الأخيرة, غير ان علاقات التبادل والأنشطة الثقافية التي تقومون بها تزداد كماً ونوعا, ما يؤكد مقولة أن الحوار الثقافي هو الأبقى, وهو أحد أهم وسائل تقريب وجهات النظر بين الشعوب؟
تستجيب العلاقات السياسية لمستجدات الواقع وتُسجل لوقت قصير, وهي لذلك تخضع للمد والجذر, بينما العلاقات الثقافية بين بلدين تُرسم لمدى بعيد ومستمر وعميق جدا, والتبادل الثقافي الذي نسعى إليه له تأثير عميق في المدى الاستراتيجي, وفي الحقيقة فرنسا مشدودة جدا إلى فكرة الحوار والتبادل الثقافيين, وتحديدا فكرة التنوع الثقافي في العالم والحفاظ على الهويات الثقافية المختلفة, وضد الهيمنة وتنميط الثقافات, وإذا نظرنا إلى سياسة فرنسا الثقافية, فهي لم تسع يوما لفرض نموذج ثقافي وحيد على العالم, بل كانت دوما تهدف إلى الانفتاح والحوار واحترام الثقافات الأخرى, وقد قادت فرنسا معركة من اجل التنوع الثقافي تحديدا في إطار اليونسكو, وأسفرت هذه المعركة عن توقيع اتفاقية دولية في تشرين الاول العام 2005 تهدف إلى عدم اعتبار الثقافة ملكية تجارية تدار بقوانين السوق, بل النظر إليها باعتبارها إحدى الملكيات الفكرية التي تبرز الهوية والخصوصيات المختلفة.
€ وكيف تحدد ركائز الحوار الثقافي؟
أظن أنه التعاون والتبادل في مختلف أشكال الفنون والآداب, ففي مجال الموسيقى على سبيل المثال حين نجمع في إطار واحد تجربة عازف الغيتار الفرنسي سيرج المشغول بالموسيقى المعاصرة وكان أحد أعضاء فرقة «نوار ديزير» €الرغبة السوداء€ إلى جانب تجربة عازف العود السوري خالد جرماني المشغول بالموسيقى العربية التراثية, هذان العازفان اللذان قدما من بلدين مختلفين وعالمين موسيقيين متباينين من حيث النوع والتأهيل, ولا يتكلمان اللغة ذاتها, يلتقيان تحت رعاية المركز الثقافي الفرنسي العام 2002 ويستطيعان التواصل والتفاهم بواسطة اللغة الموسيقية, يعملان سوية, ويقدمان في فرنسا أكثر من أربعين حفلة موسيقية, ويقومان بإصدار اسطوانتين مدمجتين لاقتا رواجا في فرنسا, وقد تابعنا هذا المشروع مع موسيقيين آخرين لبنانيين وسوريين وإيرانيين العام 2006. هذا بالنسبة الي هو المثال الناجح للحوار الثقافي.
تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد