تـركيـا: علامـة كاملـة لأوبامـا لـولا... سـوريـا
انتظر رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان بفارغ الصبر انتهاء ولاية جورج دبليو بوش في العام 2008 كي يتخلص من الشوائب التي علقت في جسم العلاقات التركية ـ الأميركية.
ذلك أن فترة بوش - اردوغان كانت من الأسوأ في تاريخ العلاقات بين البلدين، والسبب الأساسي هو الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، ليس لأن حكومة «حزب العدالة والتنمية» عارضت الغزو، (بل هي كانت تريده لكن البرلمان خذلها) بل لأن واشنطن حمّلت أنقرة مسؤولية هذه الخطوة التي سحبت غضبا أميركيا على أنقرة. كما أن إدارة بوش لم تكن راضية عن مسار العلاقات التركية مع إيران وسوريا والفلسطينيين، ما احدث شرخا في العلاقات بين الطرفين.
لكن كل هذا لم يلغ حقيقة أن المحافظين الجدد كانوا يرون في ما سمّي «الإسلام المعتدل» لـ«حزب العدالة والتنمية» فرصة لتغيير صورة أميركا كبلد معاد للإسلام، فمنحوا الدعم لحكومة اردوغان «الإسلامية المعتدلة» في مواجهة تهديدات الجيش التركي للانقلاب عليها، خصوصا أن اردوغان كان خير مساعد للقوات الأطلسية في أفغانستان ولا يزال.
ومع أن العلاقات بين اردوغان وبوش شهدت تحولا في اتجاه التعاون، ولا سيما في ما خص مكافحة «الإرهاب الكردي» منذ لقائهما في خريف العام 2007، غير انه عندما حانت لحظة الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2008 كان اردوغان يميل إلى باراك أوباما ليطوي صفحة غير مستقرة في العلاقات بين البلدين.
رحّبت تركيا بانتخاب أوباما، وكانت جائزتها تخصيص أوباما لها بأول زيارة رسمية لبلد إسلامي، ومنها بأول خطاب إلى العالم الإسلامي في خطوة احتضان كاملة للنموذج التركي.
ونمت العلاقات التي لم تعكر صفوها كثيرا حادثة سفينة «مرمرة». إذ رغم الدعم الأميركي الكامل للعدوان الإسرائيلي وقتل تسعة ناشطين أتراك كانوا على متن السفينة، فإن العلاقات بين البلدين شهدت المزيد من التعاون، بحيث نجح أوباما في إقناع حكومة اردوغان بالموافقة على إحدى أهم الخطوات الأميركية المعادية لروسيا وإيران، وهي نصب الدرع الصاروخي على الأراضي التركية في قمة حلف شمال الأطلسي في لشبونة في تشرين الثاني العام 2010. ومع أن هذه الخطوة قد ضيقت مجال الحركة التركية في المنطقة، ولا سيما مع إيران وسوريا والعراق وروسيا، لكنها أرست العلاقات التركية - الأميركية على خط من الثقة الكاملة لم تشهده منذ أيام الرئيس التركي طورغوت أوزال في نهاية الثمانينيات.
ومع انطلاقة حركات الاحتجاج في بعض الدول العربية كان التنسيق التركي - الأميركي كاملا، ومن ذلك المشاركة التركية في غزو ليبيا وإسقاط العقيد معمر القذافي. كما كان التعاون كاملا لإقامة سلطات بديلة في دول «الربيع العربي» عمادها «الإخوان المسلمون» بحيث ان الرئيس التركي عبد الله غول صرّح من باب البيت الأبيض بأن العلاقات التركية - الأميركية لم تكن يوما على هذا المستوى من التطابق في كل الموضوعات. ولم يخذل اردوغان، كما الرئيس المصري محمد مرسي، أوباما في الإيعاز لقواعده بعدم التظاهر احتجاجا على الفيلم الأميركي «براءة المسلمين» المسيء للرسول.
ومع أن بعض التباين قد ظهر في طريقة التعامل مع الأزمة في سوريا، حيث لم تكن أنقرة مرتاحة إلى أسلوب الحذر الأميركي، وكانت تريد اندفاعا أميركيا أكبر لإسقاط النظام السوري عبر خطوات منها إقامة منطقة عازلة، فإن التنسيق كان شبه كامل بين البلدين في المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وفي دعم المعارضة السورية وتسليحها، وتحويل تركيا، بمباركة أميركية، إلى قاعدة خلفية لتدريب المسلحين وانطلاقهم في هجمات على الأراضي السورية. وكان الالتزام التركي بالمواقف، والضوابط الأميركية شبه كامل، الأمر الذي أعطى سلطة «حزب العدالة والتنمية» صورة «الوكيل الأميركي» في الشرق الأوسط.
لذلك، فإن حكومة «حزب العدالة والتنمية» تفضل إعادة انتخاب أوباما، لا سيما كذلك أن أكثر من 90 في المئة من الرأي العام التركي، أي بمن فيهم أنصار المعارضة التركية، يفضلون أوباما على منافسه الجمهوري ميت رومني.
ذلك أن رومني عديم الخبرة هو ونائبه بول ريان في السياسة الخارجية، والفريق الذي يحيط برومني كله من المحافظين الجدد الذين كانت لأنقرة معهم مشكلات متعددة في عهد بوش الابن، ويمكن أن يقودوا المنطقة إلى مغامرات جديدة غير محسوبة النتائج.
لكن ربما يكون الموضوع السوري بالذات هو الذي قد يجعل اردوغان وفريقه يتمنيان ضمنا أن يفوز رومني، باعتبار أن له تصريحات يندد فيها بعدم حزم السياسة الأميركية تجاه دمشق وعدم الرد على «اعتداء» سوريا على بلد «حليف» مثل تركيا (الطائرة التركية وقذيفة أكجاكالي). كما أن رومني من الداعين لزيادة الدعم الأميركي للمعارضة السورية، وهو ما قد يفرح حكومة اردوغان التي تريد الخروج من المأزق السوري، ليس بتسويات يجري الحديث عنها وقد تضمن بقاء الأسد، بل عبر الإطاحة بالنظام مهما كان الثمن، خصوصا أن التململ التركي من سياسة الحذر الأوبامية وصل إلى ذروته، في انخفاض مستوى التمثيل الأميركي في لقاء وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن نهاية آب الماضي، وحيث لم يساند احد خطاب وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الذي «تُرك وحيدا».
موضوع آخر لا ترى أنقرة دعما كافيا له من إدارة أوباما، هو مكافحة نشاطات «حزب العمال الكردستاني»، حيث يرى اردوغان انه دعم «ليس كافيا» بينما يرى رئيس الأركان نجدت اوزيل انه دعم «محدود».
كما تبقى ملفات لا تزال عالقة بين أنقرة وواشنطن، وإن لم تشكل عائقا أمام تطور العلاقات الثنائية، وهو الموقف التركي من إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل كما من التقدم في ملف العلاقات مع أرمينيا.
لقد أرسى رجب طيب اردوغان علاقات ممتازة مع باراك أوباما في مختلف المجالات. والتباين بين الرجلين في أسلوب إدارة الملف السوري لن يجعل اردوغان يغامر في دخول العلاقات مع الولايات المتحدة، بقيادة رومني، مرحلة تعيدها إلى مربع بوش الابن.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد