تقرير كورديسمان حول ميزان القوى بين سورية وإسرائيل
الجمل: يعتمد تفوق الجيش الإسرائيلي على التفوق الجوي، وتحديداً سلاح الطيران الإسرائيلي، والتدقيق في طبيعة هذا التفوق النوعي يؤدي إلى الاستنتاج إلى أنه تفوق نسبي وليس مطلق، والسبب الرئيسي الذي أفضى أليه هو ضعف أسلحة الدفاع الجوي العربية.
* سوريا وقاطرة الاستهداف العسكري الإسرائيلي:
تحليل مضمون المحتوى الإعلامي خلال الخمسة أعوام السابقة، يشير إلى أن سوريا تمثل الهدف الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل، وقد تفنن واجتهد الكثير من المحللين العسكريين والسياسيين في محاولات رسم سيناريوهات المواجهة السورية – الإسرائيلية.
أبرز التحليلات المتعلقة بالمواجهة السورية – الإسرائيلية المحتملة جاء على يد أنطوني كورديسمان الخبير الاستراتيجي الأمريكي والحائز على كرسي بوركه في العلوم الإستراتيجية بمعهد الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي. النتيجة الأساسية التي توصلت إليها دراسة كورديسمان التي ركزت على منظور الميزان العسكري وتحليل توازن القوى بين سوريا وإسرائيل تمثلت في الآتي:
• تتفوق إسرائيل على أساس الاعتبارات النوعية.
• تتفوق سوريا على أساس الاعتبارات الكمية.
وتأسيساً على ذلك:
• التفوق النوعي يؤمن لإسرائيل إلحاق الخسائر ولكنه لا يؤمن تغطية الخسائر والاستمرار لفترة طويلة في الحرب.
• التفوق الكمي يؤمن لسوريا تغطية الخسائر والاستمرار في الحرب لفترة طويلة.
وبالتالي إن أشعل الإسرائيليون الحرب فلن يستطيعوا الاستمرار فيها لفترة طويلة، لأن الميزان سوف يتحول لصالح سوريا خاصة وأن الإسرائيليين سوف يحاولون كالعادة بعد فترة قصيرة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإذا رفضت سوريا فإن الأمر سوف يجعل إسرائيل تقف في مواجهة كارثة حقيقية. هذا، ويدرك كبار العسكريين الإسرائيليين هذه الحقيقة جيداً، وقد أبرزها بوضوح رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق الجنرال زئيفي فاركاش، في تصريحه يوم 14 آذار 2007م القائل: "ما يقلقني هو أن الأمريكيين سوف يقومون على الأغلب بمهاجمة إيران وسوف يؤدي ذلك إلى إقحامنا في الحرب وجبهة الوطن الإسرائيلي ليست جاهزة أو مستعدة بعد.." لمواجهة سوريا ولبنان والفلسطينيين. وقد ترجم الخبراء الإسرائيليون تجسيداً حقيقياً لتصريح الجنرال زئيفي فاركاش عندما أثارت التقارير الإسرائيلية التوقعات بأن إسرائيل تواجه تهديداً باندلاع الحرب ضمن ثلاثة جبهات إضافة إلى جبهة رابعة مؤجلة، وهذه الجبهات هي: سوريا، جنوب لبنان، قطاع غزة، وبعده سوف تشتعل الضفة الغربية باعتبارها الجبهة الرابعة. وسوف يكون خطر هذه الجبهات حقيقياً وقاتلاً طالما أن القتال في هذه الجبهات الأربعة سوف يقوم على أساس اعتبارات مذهبية الحرب اللامتماثلة التي لن يجدي إسرائيل فيها نفعاً الاعتماد على تفوقها الجوي.
* القدرات الصاروخية الإسرائيلية، هل تكون بديلاً للتفوق الجوي؟
نشرت وكالة أنباء رويترز تقريراُ إخبارياً يوم 7 كانون الثاني يقول بأن إسرائيل والولايات المتحدة قد نفذتا تجربة إطلاق صاروخ إسرائيلي قادر على حمل الرؤوس الحربية "غير التقليدية". ما هو جديد في هذا الخبر أن الإسرائيليين لم يكونوا طوال الفترات الماضية من عمر الصراع العربي – الإسرائيلي مهتمين بتطوير القدرات الصاروخية، بالأحرى ظلت الاهتمامات الإسرائيلية في المجال الصاروخي لا تركز على بناء القدرات الهجومية الصاروخية، وعلى وجه الخصوص شبكات الدفاع الصاروخي والتي تزايد اهتمام الإسرائيليين بضرورة تطويرها على خلفية تيقنهم من حجم المخاطر التي سوف تتعرض لها إسرائيل من الهجمات الصاروخية التي شنها حزب الله اللبناني، إضافة إلى ان حجم الخطر تزايد أكثر فأكثر بعد أن تأكد الإسرائيليون عملياً من عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على التقدم براً وبحراً وجواً والقيام بتدمير ترسانة صواريخ حزب الله، وتزايد خطر التهديد أكثر فأكثر بتزايد لجوء حركة حماس على استخدام الصواريخ المصحوب بعد قدرة الجيش الإسرائيلي على القيام باقتحام مدن قطاع غزة والقضاء على ترسانة الصواريخ، خشية التعرض لحرب شوارع في هذه المدن تؤدي إلى توريط الجيش الإسرائيلي في حرب لامتماثلة جديدة، بما يترتب عليه فضيحة جديدة للقيادة الإسرائيلية تضيف إلى ضغوط تقرير فينوغراد ضغوطاً جديدة. يفهم الإسرائيليون أن قدرات حزب الله الصاروخية وقدرات حركة حماس الصاروخية لا تمثل رقماً كبيراً هاماً إذا ما قورنت بالقدرات الصاروخية السورية، وبالتالي فإن المواجهة الصاروخية التي أربكت الجيش الإسرائيلي الحالي تكون بمثابة "لعب عيال" إذا ما قورنت بمخاطر تهديد المواجهة الصاروخية مع سوريا.
انهماك الإسرائيليين بتطوير القدرات الصاروخية الهجومية هو انهماك ينطوي على بعض الدلائل والمؤشرات التي من أبرزها:
• تراجع ثقة الإسرائيليين في مدى فعالية الطيران الإسرائيلي.
• تراجع ثقة الإسرائيليين في مدى فعالية القوات البرية الإسرائيلية.
وهذا التراجع سوف يترتب عليه تراجع آخر يتمثل في إلغاء واستبدال المذهبية العسكرية والقتالية الإسرائيلية بمذهبية الحرب الصاروخية الهجومية والدفاعية، وهي مذهبية سوف يكون مشكوكاً في مصداقيتها، خاصة وان إسرائيل مهما فعلت لن تستطيع تجاوز سقف القدرات الصاروخية الأمريكية، والتي تقف عاجزة عن القيام بشيء في العراق وأفغانستان كما تواجه شبح الهزيمة في الحرب اللامتماثلة التي تخوضها ضد المقاومة العراقية والأفغانية.
تقول الفكرة، إن يوغوسلافيا السابقة لا يمكن اعتبارها مهزومة على أساس الاعتبارات العسكرية، وفقط أدت عملية قيام قوات الناتو باستهداف السكان المدنيين الأبرياء إلى دفع ميلوسوفيتش إلى خيار الاستسلام وإنهاء الحرب، وفي جنوب لبنان حاولت إسرائيل التوسع في عملية استهداف السكان المدنيين الأبرياء لإجبار السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني إلى اللجوء إلى خيار الاستسلام وإنهاء الحرب، ولكن بقدر الفرق الشاسع بين ميلوسوفيتش والسيد حسن نصر الله كان الفرق بين قائد لا يجد الدعم والسند الداخلي، وقائد آخر يجد الدعم والسند الداخلي. وتأسيساً على ذلك، فإن سيناريو انتصار الناتو الذي توقعته إسرائيل تحول في لبنان إلى سيناريو هزيمة إسرائيل التي فاجأت الجميع في تل أبيب وواشنطن والعواصم الأوروبية.
الانكشاف اليوغوسلافي، الأفغاني، العراقي، أدى إلى ما أدى إليه، ولكن ما لا يدركه الإسرائيليون جيداً أن الإدراك العسكري الاستراتيجي السوري قد تخطى هذا الانكشاف بقدر كبير بحيث أصبح الانكشاف يوجد حصراً ضمن دائرة نطاق الإدراك الإسرائيلي العاجز عن استيعاب أبعاد وتداعيات ومخاطر إشعال المنطقة. وقد سبق أن "أكل" الإسرائيليون الدرس في جنوب لبنان، ولا حاجة بنا إلى أن نكرر مرة أخرى القول بأن مواجهة إسرائيل مع حزب الله وحركة حماس سوف تكون بمثابة "لعب عيال" إذا ما قورنت بالمواجهة التي تسعى إسرائيل وتخطط إشعالها مع سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد