تنظيم «داعش» وصدام الإخوة السلفيين الأعداء
على طول عامين ونصف العام من عمر الأحداث في سوريا، شكلت جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الملف الأكثر إثارة للجدل بين المعارضة المسلحة. وما أن يخف الحديث عن تلك الجماعة، حتى يتجدد بقضية تطفو بسرعة على السطح، ويتجدد معها البحث في هوية المسلحين وعلاقتهم بالتنظيمات الجهادية الأخرى، ومن بينها «جبهة النصرة». ويتزامن ذلك اليوم مع حديث عن احتقان شعبي واسع في مناطق سيطرة المعارضة ضد «الدولة الإسلامية» وأنصارها، مقابل دعم فصائل «الجيش السوري الحر» وحتى «جبهة النصرة»، حيث إن الأخيرة بدأت تغير من سلوكها لحصد تأييد شعبي أكبر.
من شرارات التوتر
عاد مناخ الاحتقان إلى الشارع المعارض على أثر إعلان «كتائب أحرار الشام» عن مقتل المسؤول الإغاثي أبو عبيدة البنشي بعد إطلاق النار عليه من قبل مسلحين ينتمون إلى «الدولة الإسلامية». وقد أشارت مصادر ميدانية إلى أن حادثة إطلاق النار بدأت حين أوقف مسلحو «داعش» قافلة إغاثية تضم سيارات تقل البنشي وشخصيات قادمة من ماليزيا وتركيا في شمال البلاد بعد معبر باب الهوى، وذلك بهدف نقلهم وعرضهم على أمير الجماعة. ولكن القيادي في «أحرار الشام» رفض الرضوخ إلى المسلحين، فما كان منهم إلا أن أطلقوا النار عليه.
وأشار البعض في رواية أخرى إلى أن السبب هو الاشتباه بأن القافلة أميركية، فهي كانت ترفع علم ماليزيا الشبيه بعلم الولايات المتحدة، ما دفع بمسلحي «داعش» إلى توقيف القافلة واقتياد ركابها إلى أمير الجماعة للتحقيق معهم، وهناك تعرض البنشي للضرب.
وعلى كل الأحوال، بدأت أجواء التوتر تتصاعد ضد «داعش» بعد تلك الحادثة، واتخذ قادة «أحرار الشام» قراراً بالاحتكام إلى الهيئة الشرعية في الشمال، السبب الذي دفع بالعديد من النشطاء إلى الإحجام عن الحديث للصحافة، مخافة التشويش على الحكم المنتظر.
ولكن تلك الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها عدة عمليات بداية من اغتيال القيادي في «الجيش الحر» كمال حمامي، ثم اعتقال مراسل قناة «اورينت» عبيدة بطل، والحديث عن اختطاف الأب اليسوعي باولو داليلو وحتى عن مقتله. ويضاف إلى ذلك كله الاشتباكات ضد «ألوية أحفاد الرسول» في الرقة، لتتراكم عدة عوامل تدفع بشخصية من قلب التنظيمات السلفية مثل «قائد لواء الإسلام» الشيخ زهران علوش إلى شن حملة قاسية ضد «داعش» عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، واصفاً مسلحي الجماعة بـ«خوارج هذا العصر».
استدعى ذلك ردات فعل من عدد من شيوخ ومنظري التيار السلفي الجهادي، الذين طالبوا بتطويق الموضوع سريعاً، وعدم نشر الخلافات عبر وسائل الإعلام، وحل هذه الإشكاليات، حفاظاً على وحدة الصف وتماسك «أهل السنة»، على حد وصفهم. واعتبر هؤلاء أن ما حصل هو مجرد خطأ فردي أو حتى من مجموعة مخترقة تقوم بمثل هذه الأفعال لخلق بلبلة في صفوف «المجاهدين».
وفي المقابل، تعتبر مصادر «جهادية» أن قائد «أحرار الشام» الشيخ حسان عبود هو من اتخذ قرار التهدئة، على اعتبار أنه أذكى من أن يدخل في صراع في غير أوانه، بالرغم من أنه متيقن أن الأمر لم يعد مجرد أخطاء فردية، وخصوصاً بسبب كثرتها مؤخراً.
وبحسب أحد عناصر «الإغاثة» ممن كانوا شهوداً على الحادثة الأخيرة، فإن نسبة عالية من مسلحي «داعش» من السوريين، فيما ينتمي العديد من الشيشان إلى «أحرار الشام»، ما يدحض مقولة ان مقاتلي «داعش» هم من الأجانب. ولكن المسألة لا تقف عند حدود هوية «المجاهدين» بقدر ما تقف عند منهجهم في التعاطي مع الشارع، والقوى المعارضة.
سلطة استبداد وفاعلية عسكرية
تتضارب الروايات حول حقيقة علاقة «داعش» بالشارع في مناطق سيطرة المعارضة، ففي وقت يعتبر البعض أنها صاحبة فضل كبير في السيطرة على مطار «منغ»، وفي معارك الساحل ودير الزور، يصفها آخرون بالجماعة «الديكتاتورية»، بحسب ما يشرح عبد الله وهو ناشط في منطقة الطبقة في الرقة.
بدأت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بالسيطرة سريعاً في الرقة، وأخذت مقراً لها في قصر المحافظة، وبدأت بالتعامل الفظ مع الناس، وتلجأ إلى الاعتقال التعسفي من دون توضيح السبب. ويتلقى أميرها العام أبو لقمان في محافظة الرقة ونائبه أبو سعد الحضرمي أوامر «المهاجرين العراقيين» من دون رفض.
وتعتبر الجماعة أي فصيل في «الجيش الحر» من الكافرين. وقد قامت في وقت سابق باعتقال سرية تابعة لـ«كتائب الفاروق» في المدينة بسبب مشكلة قديمة عند معركة معبر تل ابيض.
وكانت جماعة «داعش» قد أصدرت بياناً يوم الجمعة الماضي أعلنت فيه عن حملة عسكرية تستهدف «الجيش الحر» في ريف حلب الشمالي، بتهمة «العمالة للنظام السوري».
وذكر البيان أنه أطلق حملة عسكرية بعنوان «نفي الخبيث» تستهدف عملاء النظام، و«من قام بالاعتداء السافر على الدولة الإسلامية في العراق والشام وفي مقدمتهم الفاروق». واتهم البيان «أتباع النظام السوري بمحاولة اقتحام مقر الدولة (في مدينة الباب في ريف حلب) عبر تظاهرة مسلحة خرجت أمام المقر ثم قيام هؤلاء بالاعتداء على جنودنا من أنصار ومهاجرين بالسب والشتم والضرب وإطلاق النار ورمي القنابل وتحطيم المركبات».
وبدورها، نفت «كتائب الفاروق» الاتهامات، وذكرت في بيان نشرته وكالة أنباء «آسيا» أنها «ستلجأ إلى الصلح، لكن من دون استبعاد خيار المواجهة تحت شعار الدفاع عن النفس عند استنفاد كل فرص الحل».
إلى ذلك، قامت «داعش» بإرسال سيارة مفخخة إلى مقر جماعة «أحفاد الرسول» في منطقة سكة القطار في الرقة، وقتل ما يقارب 40 عنصراً من «أحفاد الرسول». ومن ثم عمدت الجماعة إلى نشر قناصين في المدينة والاشتباك مع «أحفاد الرسول»، واستمرت الحالة على هذا النحو، حتى انسحبت ألوية «أحفاد الرسول» لتترك المنطقة تحت سيطرة «داعش».
وفي أحدث الاشتباكات بين «داعش» ومسلحي «الجيش الحر»، نقلت مجلة «نيوزويك» عن «القائد في الجيش الحر» في شرق سوريا محمود العبود ان اشتباكات اندلعت بين مسلحي الطرفين السبت الماضي بعد تفجير «داعش» سيارة في مركز تابع «للواء الله اكبر» في منطقة البوكمال وأدت الى مقتل شقيق قائد «اللواء». واعتبر ان العملية تأتي بناء على رسالة وجهها زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري الى أتباعه بعدم التعاون مع «الجيش الحر»، محذرا من أن هذه الرسالة تعني أنه سيقع المزيد من الاشتباكات.
أين «جبهة النصرة»؟
تبدو «جبهة النصرة» في موقع الرابح من التوترات بين «داعش» وباقي الكتائب المقاتلة، برغم أن التنظيم السلفي لم يدلِ بدلوه في هذه المعارك، إلا أن صمته شكل عاملاً يرجح كفته. وقد بدا لافتاً إعلان «النصرة « في بيان عن عودتها إلى الرقة في الأيام القليلة المقبلة، بعد قيامها بإعداد معسكرات تأهيل لمقاتليها، وفرض آليات جديدة للتعاطي مع السكان تحاول من خلالها الابتعاد عن الصورة الديكتاتورية، التي امتازت بها في الأشهر الماضية.
ولكن إذا كانت هذه حال الرقة، فالمشهد في باقي المواقع ليس إيجابياً، وخصوصاً في الحسكة، حيث لا يزال الاحتقان هو سيد الموقف بين «النصرة» والكتائب السلفية من جهة، وبين «وحدات الحماية الشعبية الكردية» من جهة ثانية. وهي حال تنسحب على ريف حلب.
ويصر مقاتلو «النصرة» على الاستقلال بتجمعاتهم وعملياتهم العسكرية، وابتعاد القادة عن التصريحات الإعلامية، والاكتفاء بمقاطع الفيديو التي تظهر عملياتهم.
أما «داعش» فيبدو أنها ماضية في فتح جبهات ضد باقي الكتائب التي قد يلتزم بعضها الهدوء منعاً من الدخول في متاهات الصراع أو قد ينخرط معها في اقتتال، وذلك تبعاً لقرار الجهة الممولة لهذه الكتيبة أو تلك.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد