حرب ثلاثية على دير الزور وفرار مئة ألف ديري من منازلهم
حشد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) كبار قادته العسكريين على جبهة دير الزور، في إشارة واضحة إلى أن قراره باقتحام معاقل خصومه من "جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية"، لا رجعة عنه هذه المرة.
وفي ظاهرة لم تشهدها حلب منذ زمن الانتداب الفرنسي، تعيش المدينة حالياً حالة ظمأ شديد، تزداد ضراوته مع مرور الوقت وارتفاع درجات الحرارة، مفسحة لبعض "تجار الموت" المجال لاستغلال حالة العطش. وكان فصيل مسلح يتبع إلى "الهيئة الشرعية"، وهي تشكيل يضم عدة فصائل "إسلامية" أبرزها "جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية"، قام منذ ثمانية أيام بقطع مياه الشرب من محطة سليمان الحلبي التي تغذّي جميع أنحاء المدينة، حيث تم تحويل المياه من أنابيب الضخ إلى نهر قويق الذي يمر في منتصف المدينة ليصبح النهر الذي ظل عقوداً طويلة مجرى لمياه الصرف الصحي، بعد قيام السلطات التركية بقطع المياه عنه في ثلاثينيات القرن الماضي، منبعاً لمياه الشرب.
ووصل أبو أيمن العراقي، "والي داعش" في الساحل سابقاً ـ قبل الانسحاب من الساحل ـ وأحد أبرز قادته الأمنيين وأكثرهم قسوة وصلابة، على رأس رتل كبير إلى الريف الغربي لدير الزور قادماً من الرقة، بعد أيام فقط من وصول "القائد العسكري العام" عمر الشيشاني، إضافة إلى مشاركة كل من "والي داعش في دير الزور" عامر الرفدان و"واليه" في الحسكة أبي أسامة العراقي، وهي حزمة من القادة و"الأمراء" لا يستهان بها، وتعبّر عن رهان "داعش" على المعركة الحالية لفرض سيطرته على أرياف دير الزور تمهيداً لحصار المدينة والعمل على اقتحامها.
وكان التطور النوعي الذي حدث أمس الأول، هو سيطرة "داعش" على معبر البغيلية ـ الجنينة، الذي يعتبر بوابة حيّي الجورة والقصور في مدينة دير الزور اللذان يسيطر عليهما الجيش السوري. وقد حاول عناصر "داعش" التقدم في المنطقة والسيطرة على جسر السياسية، إلا أن الطائرات الحربية تدخلت وأجبرتهم على التراجع والانكفاء إلى ما وراء الجسر. وهكذا يكون أصبح لـ"داعش" خط تماس مع الجيش السوري، الأمر الذي من شأنه تصعيد الأوضاع في دير الزور والذهاب بها إلى احتمالات جديدة من المعارك والمعارك الجانبية.
وبينما سيطر "داعش" على الريف الشمالي والريف الغربي (خط البقارة أو الجزيرة) المتصل بريف الرقة بشكل شبه كامل مع استمرار الاشتباكات في مناطق متفرقة منهما، تستمر المعركة الدموية في معقل "أمراء داعش" في جديد عكيدات في الريف الشرقي والتي تعتبر من أشد المعارك الدائرة بين الطرفين وأكثرها ضراوةً، حيث سقط بسببها مئات القتلى والجرحى على مدى الأيام الماضية، ولم يستطع أيّ من الطرفين تثبيت سيطرته عليها، ليبقى الكرّ والفرّ هو السمة الغالبة على هذه المنطقة المهمة، إلا أن "داعش" سيطر على صوامع الكسرة والمطحنة ومنطقة المعامل والمحلج ومحطة غاز الطابية وآبار النفط الموجودة في محيط تلك المنطقة، وأهمها معمل غاز "كونيكو".
ومع سيطرة "داعش" على بلدة مراط في الريف الشرقي، وإقامته حاجزاً عند نادي النفط السياحي ومزاد الغنم في الصالحية، يكون قد قطع طريق الإمداد على خصومه بين البصيرة، التي تشهد معارك طاحنة، وبين مركز مدينة دير الزور حيث توجد معاقل كبيرة لـتحالف الجبهتين "النصرة" و"الإسلامية".
وقد دفع تقدم "داعش" في الريف الشرقي، بعض الناشطين إلى إعلان قرى جديد بكارة والطابية وجديد عكيدات والدحلة، مناطق منكوبة، مناشدين المنظمات الإنسانية والإغاثية والطبية تقديم يد العون والمساعدة، والتدخل لدى "أمراء" الحرب وقادة الصراع لوقف هذا الاقتتال في المناطق السكنية، أو فرض هدنة زمنية لإخلاء من تبقى من المدنيين في مناطق الاشتباكات، وسط معلومات عن انتشار جثث القتلى في الشوارع واستحالة سحبها بسبب الاشتباكات، ونقص الدم لخروج بنك دم المدينة عن الخدمة بسبب المعارك، إضافة إلى نفوق الثروة الحيوانية بسبب العطش والجوع، مع استمرار انقطاع الكهرباء والماء لليوم الرابع على التوالي. وتواترت أخبار عن فرار أكثر من 100 ألف شخص من محافظة دير الزور.
وفي ظل هذه التطورات الميدانية، التي يغلب عليها تقدم "داعش" رغم الاستماتة التي يبديها خصومه في إرغامه على التراجع في بعض المناطق، تتسع مروحة الكتائب والفصائل التي تعتزل القتال بين الطرفين، انطلاقاً من حسابات عشائرية ومصلحية محضة. ولوحظ أن بعض الكتائب التي كانت تعتبر مقربة من "جبهة النصرة" تكتفي بمشاركة رمزية في الوقوف إلى جانبها، من دون أن تغامر بوضع كل ثقلها العسكري ضد "داعش"، وأهم هذه الفصائل "جيش أهل السنة والجماعة" و"لواء القادسية"، بينما هناك فصائل اعتزلت القتال نهائياً، وأهمها "لواء جند الرحمن" و"سرايا النصر" والكتائب التابعة لعشيرة القرعان وتحمل اسم "القعقاع" وهي حوالي عشر كتائب، بينما يستميت كل من "جيش مؤتة" و"أحرار المشاهدة" و"لواء الإخلاص"، الذي أصيب قائده العسكري حمد الشامان، في القتال إلى جانب "جبهة النصرة".
وكان لافتاً إعلان إعلاميين مقربين من "الدولة الإسلامية" عن اجتماع ضمّ قيادات في "داعش" مع أحد أبناء نواف البشير زعيم عشيرة البكارة وعضو "الأمانة العامة لإعلان دمشق" المعارض، وذلك في منزل الأخير في قرية المحيميدة، والاتفاق بين الطرفين على تحييد العشيرة مقابل عدم التعرض لها من قبل "داعش". ولم يصدر أي نفي أو تأكيد لهذا الخبر من قبل نواف البشير.
وبينما غاب زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني عن المشهد، ربما لأسباب أمنية، اضطر "المفتي العام" أبو ماريا القحطاني إلى الظهور علناً لالتقاط بعض الصور وتوزيعها على الصفحات المقربة منه، بهدف رفع معنويات مقاتليه، الذين ساءهم عدم انضمام كتائب العشائر إلى جانبهم في أقسى المعارك التي يخوضونها.
وحاول كلا الطرفين اتهام الآخر بالعمالة للنظام السوري، إذ بينما اعتبر القحطاني أن سقوط "الدواعش" في دير الزور يعني سقوط النظام، اعتبر قيادي من "الدولة الإسلامية" أن الطريق إلى القرداحة إنما يمر عبر مدينة الشحيل المعقل الرئيسي لـ"جبهة النصرة"، في الوقت الذي تحدثت فيه مصادر معارضة عن قيام الجيش السوري بتعزيز قواته في حيّي الجورة والقصور لمنع تقدم "داعش"، بينما يواصل ضرباته الجوية والمدفعية لمعاقل "جبهة النصرة" في حيي الرشدية والحويقة اللذين يشهدان اشتباكات متقطعة من وقت إلى آخر.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد