حصار الصومال وإغلاق البحر الأحمر: التداعيات الماثلة والمؤجَّلة

23-10-2010

حصار الصومال وإغلاق البحر الأحمر: التداعيات الماثلة والمؤجَّلة

الجمل: تحدثت التقارير الصادرة مساء الأمس وصباح اليوم عن تحركات إقليمية دولية جديدة لجهة قيام مجلس الأمن الدولي بفرض حصار بحري وجوي كامل على الصومال، بما يتيح حرمان أطراف الصراع الصومالي من الحصول على إمدادات الأسلحة والمواد العسكرية من الخارج: ما هي مصداقية فرض الحصار على الصومال؟ وما هي تداعيات هذا الحصار على الصومال وعلى منطقة الشرق الأوسط إضافةً إلى التفاعلات الجارية في ملفات العلاقات الدولية؟ وهل من أبعاد خفية غير معلنة لعملية الحصار؟
* مسرح الصراع الصومالي: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات والتقارير بأن الاتحاد الأفريقي قد تقدم بطلب رسمي لمجلس الأمن الدولي من أجل إصدار قرار بفرض حصار دولي متعدد الأطراف بحري وجوي ضد الصومال، وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات إلى الآتي:
•    الهدف من فرض الحصار البحري والجوي هو منع وصول إمدادات الأسلحة والمواد العسكرية لأطراف الصراع الصومال.
•    لم يشر الطلب إلى الحصار البري، وفقط اكتفى بالحصارين البحري والجوي، وبرغم ذلك، من المتوقع أن تلتزم دول جوار الصومال الثلاثة: جيبوتي، أثيوبيا وكينيا بفرض الحصار البري.
•    لم يتطرق الطلب الأفريقي إلى الدور الممكن القيام به بواسطة الاتحاد الأفريقي.الصومال والممرات البحرية وتوزع أعمال القرصنة
•    لم تظهر أي ردود فعل سلبية داخل مجلس الأمن الدولي، وعلى وجه الخصوص من جانب الدول الخمسة دائمة العضوية في المجلس: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا.
•    لم تظهر أي ردود فعل سلبية من جانب دول الجوار الصومالي الثلاثة: جيبوتي، أثيوبيا وكينيا، ولا حتى بواسطة الدول الأخرى ذات التأثير في الملف الصومالي: إريتريا، اليمن والسعودية.
تشير التوقعات إلى احتمالات كبيرة بأن تتم عملية موافقة مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار  خاص بفرض حصار دولي متعدد الأطراف على الصومال، خاصةً وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أبدت حماساً غير مسبوق لجهة سيناريو الحصار الدولي ضد الصومال.
* سيناريو الحصار الدولي: الفعل والتداعيات
استهداف الصومال بقرار حصارٍ دولي متعدد الأطراف معناه فرض طوق دولي متعدد الأطراف على رقعة أرض مساحتها 637540 كم2، وذلك ضمن الآتي:
-    الحصار من الاتجاه الإستراتيجي الشمالي يتطلب فرض الرقابة والسيطرة على حدود الصومال-جيبوتي البالغ طولها 58 كم، وهي عبارة عن أراضٍ جافة مكشوفة، وبسبب وجود القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية، إضافةً إلى العلاقات الأمنية-العسكرية الوثيقة بين السلطات الجيبوتية وواشنطن وباريس وبقية البلدان الغربية، فإن إغلاق الحدود الصومالية-الجيبوتية سوف يكون أكثر إحكاماً ودقة في الصرامة.
-    الحصار من الاتجاه الإستراتيجي الغربي، يتطلب فرض السيطرة على حدود الصومال-إثيوبيا والبالغ طولها 1626كم، وفي هذه المنطقة تكمن صعوبة خفيفة، ففي النصف الشمالي يوجد إقليم أوغادين الأثيوبي الذي تقطنه أغلبية صومالية تطالب بالانفصال عن أثيوبيا وحالياً تتعاون فصائل تحرير الأوغادين المسلحة مع الحركات مع الحركات الصومالية وشاركت إلى جانب الصوماليين في القتال صد القوات الأثيوبية، وفي النصف الجنوبي يوجد إقليم الأرومو الأثيوبي الذي تقطنه أغلبية مسلحة ترتبط بعلاقات وروابط مع الصوماليين بما يفوق علاقتها مع أثيوبيا نفسها، وإضافةً لذلك، فكل هذه المناطق الحدودية تتميز بوجود السلاسل الجبلية ذات المنحدرات والأودية الصخرية الوعرة.
-    الحصار من الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي، يتطلب فرض الحماية والسيطرة على حدود الصومال مع كينيا البالغ طولها 682 كم، وتكمن الصعوبة في أن المناطق الكينية المتاخمة للحدود الصومالية مأهولة بالكينيين ذوي الأصول الصومالية، وقد تمردوا مراراً وتكراراً لجهة الانفصال عن كينيا والانضمام للصوماليين، وإضافةً لذلك تتميز هذه المنطقة بوجود الغابات الاستوائية والمدارية، إضافةً إلى وجود تجار السلاح وبارونات الحرب.
-    الحصار من الاتجاه الإستراتيجي الشرقي، يتطلب فرض السيطرة والرقابة المشددة على ساحل بحري يبلغ طوله 3300 كم، وتنتشر فيه آلاف الجزر، إضافةً إلى وجود عشرات الآلاف من القوارب والزوارق، وعشرات الآلاف من البحارة الصوماليين الذين يجيدون معرفة البيئة البحرية الساحلية بشكلٍ يفوق حد الوصف، ولا يقتصر الأمر على تحركات البحارة الصوماليين، وإنما على وجود قدر كبير من الحركة البحرية المرتفعة الاكتظاظ بين المحيط الهندي والبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب الذي تمر خلاله كل الحركات البحرية بين البلدان الآسيوية والأوروبية وبلدان شرق أفريقيا.
تتطلب السيطرة على الحدود البرية والبحرية الصومالية قدراً كبيراً من القدرات والإمكانات يصعب على الولايات المتحدة الأمريكية تحمل أعباءها. وبرغم ذلك، فعلى الأغلب أن تسعى واشنطن إلى استخدام ملف الحصار البحري لجهة إرسال أكبر قدر ممكن من قطع البحرية الأمريكية، ثم مطالبة الدول الأوربية والدول العربية النفطية والدول الآسيوية الغنية بالقيام بتمويل عملياتها، وبالتالي، سوف تكون واشنطن قد وفرت لنفسها فرصة غير مسبوقة لجهة تحميل حلفاءها عناء وأعباء تمويل قوات البحرية الأمريكية بعشرات المليارات من الدولارات.
* التداعيات الماثلة والموجهة لحصار الصومال
إسقاط النظريات التفسيرية لعملية فرض الحصار الدولي المتعدد الأطراف جواً وبحراً وبراً ضد الصومال يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
•    الاتجاه المتفائل: يرى بأن الساحة الصومالية قد أصبحت أكثر انزلاقاً باتجاه إشعال كامل منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا إضافةً إلى تهديد أمن الملاحة الدولية في منطقة خليج عدن وباب المندب، الأمر الذي يشكل تهديداً أكثر خطورة على النقل البحري الدولي وتدفقات التجارة العالمية العابرة بين الشرق والغرب، وعلى خلفية تفشي ظاهرة القرصنة البحرية الصومالية، فمن الممكن أن يؤدي الحصار إلى تحقيق نتيجتين على المدى القريب هما: تأمين الممرات الملاحية البحرية والضغط على الأطراف المسلحة الصومالية لجهة التوافق والتوصل إلى قبول التسوية السلمية الشاملة.
•    الاتجاه المتشائم: يرى بأن واشنطن سوف تسعى إلى استغلال الفرصة، وباعتبار أن أمريكا هي صاحبة أكبر وأضخم أسطول عسكري بحري في العالم، فإن أمريكا سوف تستغل فرصة وجود قواتها في المنطقة لجهة القيام من الناحية المعلنة بفرض حصار صوري شكلي ضد الصومال، في نفس الوقت من الناحية غير المعلنة بإنفاذ أجندة الهيمنة الأمريكية على كامل منطقة المحيط الهندي والبحر الأحمر والعمل لجهة استهداف أنشطة النقل البحري الخاصة بخصوم أمريكا، وعلى وجه الخصوص الملاحة الصينية والإيرانية والكورية الشمالية، إضافةً إلى استهداف خصوم إسرائيل مثل سوريا، ونفس الشيء بالنسبة للسودان المهدد أصلاً بالعقوبات، ويدخل في ذلك السعي لإنفاذ القرارات الأخرى المتعلقة ببعض الملفات الأخرى مثل حصار قطاع غزة، إضافةً إلى تعزيز قدرة أمريكا في إملاء شروطها على روسيا والصين والهند وباكستان والسعودية ومصر وغيرها طالما أن البحرية الأمريكية قد أصبحت على خلفية سيناريو الحصار البحري ضد الصومال تسيطر على أهم الممرات الملاحية البحرية في العالم.
المثير للانتباه واللافت للنظر، أن الصومال، والذي بقي عضواً في الجامعة العربية، قد أصبح يتعرض باستمرار إلى عمليات تدخل الاتحاد الأفريقي، والذي تتولى رئاسته حالياً دولة أوغندة المعروفة في القارة الأفريقية بلقب "إسرائيل أفريقيا" ، وفي نفس الوقت لم تسعَ جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى إلى العمل من أجل الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة في الملف الصومالي، علماً بأن الصوماليين نفسهم وبمختلف فصائلهم المنحازة والمتمردة أكدوا مراراً وتكراراً بأنهم أكثر ميلاً إلى التعامل مع جامعة الدول العربية وليس الاتحاد الأفريقي الذي أصبحت قواته في حالة اشتباكات مسلحة يومية مع الفصائل المسلحة الصومالية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...