حفاوة دمشقية بالشعر الأنثوي
تزدان خريطة الشعر العربي بمجموعة كبيرة من الأقلام الأنثوية التي امتلكت ناصية القصيدة وعذب الكلام, وأغنت المشهد الثقافي بألوانها المتباينة وحساسياتها المرهفة, وهي في ازدياد مطّرد, وكان لعاصمة الياسمين أن بادرت اخيرا إلى الاحتفاء بالشعر النسوي في ملتقى أقيم بجهود خاصة ما بين العاشر والحادي عشر من تشرين الأول في «دار الفنون » تحت عنوان «شاعرات عربيات في دمشق» وبرعاية دار الأوس للنشر, وقد استضاف الملتقى اثنتي عشرة شاعرة من أجيالٍ مختلفة, ظهرن خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
منذ الإعلان عن افتتاح ملتقى «شاعرات عربيات في دمشق» كان لا بد من أن يحضر السؤال: لماذا الشاعرات فقط؟ هل هي بداية الفصل بين الجنسين أيضا في صنوف الإبداع؟ أم هي الرغبة في إكساب الملتقى خصوصية ما, تنجلي من خلالها سمات شعرية مغايرة؟ والسؤال الذي حضر بقوة في المقدمة تبدد مع ذلك الطقس الشعري المتناغم الذي حاول المنظمون أن يبثوه في الفضاء, فعند مدخل البيت الدمشقي القديم كان في انتظار الحضور كتاب أنيق يحمل عنوان الملتقى, ويعرّف بالشاعرات الضيّفات, ويضم بعضاً من نتاجهن, صمم غلافه الفنان أحمد معلا, وأصدرته دار الأوس, وفي باحة البيت المضاءة بالشموع الخافتة, والمحاطة بالأشجار العالية جلس الجمهور, واعتلى المنصة الفنانان غسان مسعود وأمل عرفة لتقديم الشاعرات المشاركات, بينما كانت عازفة الهارب رهف شيخاني ترتجل ألحانها على وقع القصائد, لتكتمل الحالة الشعرية بين مفردات الأنوثة في أرق صورها.
تقاسم أماسي الملتقى شاعرات ظهرن في نهايات القرن العشرين, وقطعن أشواطا مهمة على درب التحقق والانتشار, وأخريات حديثات العهد, مازلن في بداية المشوار, ومن الضيفات المشاركات الأقدم تجربة كانت الشاعرة والسينمائية الإماراتية نجوم الغانم, وهي من مواليد دبي عام 1962, وقد بدأت تجربتها الشعرية بالظهور في مطلع الثمانينات, وصدر لها خمسة دواوين, كان آخرها هذا العام بعنوان «ملائكة الأشواق البعيدة», ومن جملة ما ألقته في الأمسية كانت قصيدتها «دع الضوء يأتي» وفيها قالت: أضاءت شمعة€ وأطلقت للموسيقى€ خيوط المساء€ ثم غفت€ مستذكرة سقوط€ جسديهما في بعضهما البعض€ والحنين المرتبك للحانات العتيقة€ الغرف المهترئة€ والشوارع الخافتة الأضواء€ حين كان الحب أقل تشابكا€ وأكثر حرارة.
من المشاركات أيضا كانت الشاعرة المغربية وفاء العمراني, وهي من مواليد 1960, ظهرت تجربتها الشعرية في أوائل التسعينيات, ولها خمس مجموعات, وحازت مجموعتها الأخيرة «هيأت لك» جائزة المغرب للكتّاب, وهي تعمل حاليا مستشارة ثقافية في سفارة المملكة العربية بدمشق, وجاء في قصيدتها «بورتريه»: هنالك حيث النشوة المتأملة€ تستريحين أيتها المدهشة بين البشر€ الغريبة حتى بين الغرباء€ قلبك مضاء بنجوم لا وجهة تصدر عنها€ وكقمة جبل مبارك€ حزينة أنت وقوية€عن سخاء الشلال تهبين جريئة€ آهلة بالأعالي€ منهمرة عن حكمة الليل€ كالكلمة متدفقة بين المحبين€ وكأسك أبدا€ جريحة.
ومن السعودية قدمت الشاعرة أشجان هندي, وهي من الشاعرات العربيات اللاتي ظهرن أواخر تسعينيات القرن العشرين بظهور مجموعتها الأولى «للحلم رائحة المطر» ثم مجموعتها الثانية «مطر بنكهة الليمون» التي صدرت العام الفائت, وجاء في قصيدتها «الصواع» التي ألقتها في ختام الأمسية الأولى من الملتقى, جاء: ها أنا أخرج كلي€ من ظلام الجب€ أستلقي على شطآن تيهي€ ها أنا أُبعث من فوهة الجرح€ ومن ثوب عذابي€ وأواري سوءة القفر بروحي€ وأواري الروح بالكف€ فيهمي الكف غيثا أرتجيه€ آن للطوفان€ أن يقصيك من كل سهولي€ وجبالي€ وهضابي.
ومن مصر جاءت الشاعرة فاطمة قنديل, وهي من جيل شعراء الثمانينيات, ولها خمس مجموعات شعرية ودراسة تحت الطبع حول أدب جبران, وقالت في قصيدتها «أسئلة معلقة كالذبائح»: شخص ما€ في مكان ما€ يشرب زجاجات البيرة المثلجة€ التي لم أشترها الليلة€ ضغطا للمصروفات.
وتمثلت المشاركة السورية بشاعرتين من جيل شعراء التسعينيات, الأولى الشاعرة والمخرجة هالا محمد, وهي من مواليد 1959, لها خمسة دواوين شعرية وعدد من الأفلام التسجيلية, ومن قراءاتها المقطع التالي: خائفة€ حيث لا أثر لي€أرجوك ناولني€ بعض الأغراض المبعثرة بقربك€ فقط€ لأبعثرها بقربي.
أما الثانية فهي الشاعرة والصحفية لينا الطيبي, أصدرت أربع مجموعات شعرية, وأسست في القاهرة «صولو انترناشونال» لإدارة المشاريع الفنية, وهي تعمل حاليا من خلالها, ومن قصيدتها اكتشاف المقطع التالي: أترك كتبي ودفاتري وأوراقي المطوية€ أترك أحلام يقظتي€ والشجرة ذابلة عند شباكي€ أترك ما أحببت كثيرا€ لأنني دائما ما اكتُشفت في غيابي.
الأصوات الجديدة
وإذا كانت الشاعرات الست السابقات هن الأقدم حضورا في المشهد الشعري العربي, فقد ضم الملتقى إليهن أسماء جديدة ظهرت في الألفية الثالثة, فمن البحرين كانت لنا وقفة مع الإعلامية والشاعرة بروين حبيب, وهي من مواليد العام 1969 لها مجموعتان شعريتان ودراستان, وفي قصيدتها «في عنق الكادر» قالت: سأخون صورتي€ أطل على العالم€ ولا أطل عليه€ الكادر هو.. هو€ لم يتحرك... لم يترنح€ ولم يتقشر€ محدود عبر الهواء€ وصورتي الوحيدة تلهو.
ومن العراق وقفنا مع الشاعرة داليا رياض, وهي من مواليد 1970, لها مجموعة شعرية صدرت هذا العام بعنوان «عشرة آلاف لمحة بصر» وفازت بالجائزة الأولى لمؤسسة ديوان الشرقالغرب, وفي قصيدتها «تطيش نحو السماء» جاء: لم أتعلم من قبل€ كيف أصيب الهدف€ ليس حتى بعد كل هذه الحروب€ أصوب كلماتي نحوك€ لكنها تطيش€ حمامات بيض€ نحو السماء.
من لبنان كانت لنا وقفة مع الشاعرتين لوركا سبيتي وبانة بيضون, ولوركا من مواليد 1979, أصدرت مجموعتين, ومن قصيدتها «أريد حبا» المقطع: أريد حبا€ أسمى من تفاهات البشر€ وأعدل من لعبة القدر€ أريده بريئا كأغنيات الأطفال€ عميقا كجذور€ الشجر.
أما بانة بيضون فهي مخرجة وشاعرة من مواليد 1982, ومن قصيدتها «ليست الأمكنة ولا الأزمنة» المقطع: أنا وأنت هل نحن مجرد غريبين€ أم هي الحانة تعج بالغرباء€ على هذا الحائط يتكئ شخص آخر€ أشكره لأنه يملأ هذا الفراغ الذي أنت حفرته ذات مرة€ الذي يغوص في داخلي مئات المرات كل يوم.
كذلك كان صوت الصحفية والشاعرة الأردنية نوال العلي أحد أهم الأصوات الشعرية الجديدة المشاركة في الملتقى, ومن قصيدتها «عروق خاطئة» المقطع: كان يقتادني مثل كبش إلى شبهة في الجبال€ يقدح في النار وجه الإله الذي يبتسم€ ما أنت فاعل يا أخي؟€ لم يجب€ ولما اقتربنا من الجب أخرج من نفسه نيزكا مطفئا€ ومن جسدي صخرة مشطورة إلى قلبين€ أنا قابيل€ أنا هابيل€ كل الذي بيننا غيهب أبيض كالكفن.
ومن الأسماء الجديدة أيضا الشاعرة الفلسطينية سمر عبد الجابر وهي من مواليد الكويت في العام 1985, وفي قصيدتها «أدرك فجأة» قالت: ثمة حياة€ في الأشياء المكسورة أحيانا€ كما الخزانة€ التي فقدت بابها€ من فرط ما تأرجح.
وإذا كان هذا الملتقى الوليد الذي يحمل اسم «48 ساعة شعر» قد خصص دورته الأولى للاحتفاء بالشاعرات العربيات, فكما هو معلن سوف تحتضن دوراته السنوية المقبلة ظواهر وأسماء شعرية أخرى غايتها خلق متعة من نوع خاص.
تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد