حول ليبيا .. والربيع العربي .. وسوريا: مقابلة مع طارق علي
الجمل- س. إريكسون/م. فالغرين/ب. ويدن (السويد)- ترجمة: د. مالك سلمان:
سؤال 1: في المقالة التي كتبتها "ماهي الثورة" تبدأ بالجملة التالية:
"منذ بداية الربيع العربي جرى حديث كثير عن الثورات. كان رأيي مختلفاً. فقد افترقت عن الرأي القائل إن الانتفاضات الشعبية بحد ذاتها تشكل ثورة, أي انتقالاً للسلطة من طبقة (أو حتى شريحة) اجتماعية معينة إلى أخرى يقود إلى تغيير جوهري."
أثارت مقالتك نقاشاً ساخناً بين الماركسيين الثوريين في السويد. البعض يقول ليس بمقدورك التمييز بين ثورة اجتماعية وثورة سياسية, من حيث أن الثورة السياسية هي تحول سياسي جذري في السلطة, لكن حيث لا يشمل التغيير بالضرورة تغييراً في النظام الاجتماعي.
وسؤالنا هو: كيف يجب, برأيك, استخدام هذين المفهومين (الثورة الاجتماعية والسياسية) وكيف توصلت إلى الرأي القائل إن ما يحدث في البلدان العربية لا يمكن تسميته بالعملية الثورية, ولا حتى بالعملية السياسية؟
طارق علي: أنا أعي تماماً مفهومَ الثورات السياسية. ففي نهاية المطاف, هذا ما تمنينا أن يحدث في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية لكن ما حدث في حقيقة الأمر هو الإصلاح الرأسمالي. رسمت صورة لموقفي من الثورات في الحوار الذي نشر في "نيو ليفت ريڤيو" مع آصف بيات قبل عدة أشهر ويمكن للمهتمين أن يطلعوا على الرأيين المقدمين في هذا النقاش. إن أقرب شيء توصلنا إليه فيما يتعلق ﺑ "الثورات السياسية" هو في أمريكا الجنوبية, على الرغم من أنني ترددت هنا أيضاً في توصيف التحركات الجماهيرية والانتصارات الانتخابية التي تلت ذلك على أنها ثورات. لماذا؟ لأنه حتى في فنزويلا, وعلى الرغم من الإصلاحات البنيوية الهامة (التعليم, والصحة, وتوزيع الأراضي, والدستور الديمقراطي بامتياز), إلا أن بُنى الدولة التقليدية تبقى كما هي عليه ويمكن أن تقود في النهاية إلى الهزيمة إلا في حال نشوء مؤسسات جديدة وتغييرات اجتماعية. ففي عالم اليوم تحتاج الثورات السياسية, بشكل خاص, إلى الهجوم على النظام القديم ومؤسساته. وقد حدث شيء من هذا في أمريكا الجنوبية. لكن شيئاً من هذا لم يحدث في العالم العربي.
إذا أردنا أن نصفَ الانتفاضات الهامة المطالبة بالحقوق الديمقراطية والدساتير الديمقراطية على أنها ثورات سياسية, يمكننا بالطبع أن نفعلَ ذلك, لكن هذا يخلق الأوهام. من الأفضل أن يكون المرء متصلباً ومدركاً للواقع في هذه الأيام. إذ كانت النتيجة الوحيدة لهذا اللعب على الكلام إرسال قوى صغيرة من اليسار المتطرف الصغير باتجاه الإمبريالية. وكأن هذه الأخيرة كانت مهتمة في يوم من الأيام بتسليح الثورات أو مساعدتها. وتعكس هذه الطريقة الجديدة في التفكير عند البعض هزائمَ القرن الماضي. ولكن إذا كان المرء يرغب في الوقوف مع برنار هنري- ليڤي في لعب دور مشجعي الناتو, فمن الأفضل له أن يذهب إلى آخر الطريق ويتخلى عن التظاهر بانتمائه إلى "اليسار".
سؤال 2: كيف تنظر إلى سقوط القذافي وكيف تنظر إلى الوضع في ليبيا اليوم؟
طارق علي: تم إسقاط القذافي نتيجة ستة أشهر من قصف الناتو. فقد سئمَ منه أصدقاؤه في الغرب وقرروا استغلالَ الانتفاضة وإزاحته من الصورة, مع دعم من دولة قطر ورجال الأعمال القطريين. لم أكن مهتماً بالقذافي ونظامه, بالطبع, لكن مساندة أي يساري لما يسمى "منطقة حظر الطيران" ومن ثم هجوم الناتو يثير الكثيرَ من الأسئلة. كم قتلوا من الناس؟ فستة أشهر من القصف ليس مزحة, حيث يكون عدد الضحايا الأبرياء ضخماً في مثل هذه الحالات.
حتى لو وضعنا جانباً حقيقة أن النتيجة كانت فوضى عارمة وأن البلاد تعيش حالة من الاضطراب التام, كما يعترف الآن بعض المعلقين الإعلاميين الذين أيدوا القصف (أما الآخرون فلا يرغبون في العودة إلى مسح جرائم الناتو), إلا أن السؤال يبقى قائماً. هل يجب على "اليسار" أن يتحالف مع الإمبريالية (التي تتم الإشارة إليها أحياناً بصفتها "المجتمع الدولي") في هذه الفوضى العالمية الجديدة التي تهدد الحقوقَ الديمقراطية في العالم الغربي نفسه؟ تم طرح السؤال للمرة الأولى مع قصف الناتو "الإنساني" لمنطقة الصرب أثناء الحرب الأهلية اليوغوسلافية. وقد استمر منذ ذلك الوقت, حيث عملَ في كل مرة على تقسيم وشرذمة القوى اليسارية أكثر فأكثر.
سؤال 3: في النقاش الدائر بين الماركسيين الثوريين في السويد هناك البعض الذين ينظرون بشيء من الإيجابية إلى عمليات القصف الأمريكي. لكنهم قلة. لكن هناك آخرون يرفضون القصف لكنهم يرفعون شعار : "الأسلحة للمقاتلين العلمانيين والتقدميين". كيف تنظر إلى هذا؟
طارق علي: يجب على الفصيل المؤيد للقصف ألا يتوقف عند دعواته البائسة إلى الفعل, بل عليهم وأمثالهم أن يطالبوا بتشكيل ألوية عالمية للذهاب والقتال إلى جانب المقاتلين "العلمانيين والتقدميين". من سيمدهم بالسلاح؟ الناتو, الولايات المتحدة, أم الاتحاد الأوروبي؟ من؟ يذكرني هذا بالفترة التي غزا فيها الاتحاد السوفييتي أفغانستان والنقاش الذي دار داخل "المؤتمر العالمي الرابع". قال أحد الرفاق اليابانيين إن علينا القتال إلى جانب الاتحاد السوفييتي. قلت له, في هذه الحالة عليك أن تتعلم قيادة الطائرة لأن معظم الهجمات تنفذ من الجو. إذاً, من سيسلح من؟ تركيا وقطر والسعودية يسلحون المتمردين. وهذا ليس كافياً. ولهذا نشأت كل تلك الآمال بقيام أوباما بالقيام ببعض الغارات الجراحية لتدمير البنية التحتية للنظام وتسهيل انتصار المتمردين. وبشكل سري, وغير سري أيضاً, كان بعض اليساريين من "فصيل قاذفي اللابتوب" يأملون في حصول ذلك. ياله من اعتراف بالإفلاس. لا يمكننا أن نربح من دون واشنطن! شيء مثير للشفقة. يبدو أن البنتاغون قد تعلم دروس ليبيا, لكن هذا الفصيل اليساري لم يتعلمها.
سؤال 4: يتعلق هذا بهجوم غاز السارين بالقرب من دمشق في آب/أغسطس هذه السنة. معظم الإعلام الرسمي وجزء من اليسار مقتنعون بأن نظام الأسد هو المسؤول. وهناك آخرون غير مقتنعين.
في مقالة لك بعنوان "حول التدخل في سوريا" (28 آب/أغسطس 2013), كتبت عن هذا وقلت إنك تشك بأن الآسد مسؤول عن هذا الهجوم لأن ذلك غير مقنع: "من يفيد من ذلك؟ ليس النظام السوري بالتأكيد." وتقول أيضاً "القصة, ببساطة, غير مقنعة. من قام بهذا العمل الوحشي؟"
وفي مقالة لاحقة, "ما هي الثورة؟" (14 أيلول/سبتمبر), لم تكن متأكداً إلى ذلك الحد: "هل استخدم النظام الغاز أو أسلحة كيماوية أخرى؟ لا نعرف."
هل لا تزال تعتقد أن المنطق يقول إن النظام غير مسؤول عن هذا الهجوم؟ أم هل تعتقد أن السؤال مفتوح على الاحتمالات؟
طارق علي: لا نعرف. حتى واشنطن تعترف بعدم وجود أي دليل بأن الأسد قد أمرَ بالهجوم. من الممكن أن ضابطاً مارقاً قد نفذ الهجوم. أو من الممكن أن يكون أي أحد آخر. بما أن أوباما قد قال إن استخدام الأسلحة الكيماوية هو "تجاوز للخط الأحمر" لا يمكننا أن نتأكد من هوية الشخص الذي أعطى الأمر, أو من نفذ الهجوم. هناك دول خارجية تدعم طرفي النزاع. فالإسرائيليون لا يكتفون في التفرج والتشجيع بينما يقوم كل طرف بقتل مزيد من الناس. لديهم هدف, وهو ليس سرياً. اقتبست "جيروزاليم بوست" الصادرة في 16 أيلول/سبتمبر عن السفير الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة, مايكا آورن, قوله: "كنا دائماً نرغب فب رحيل بشار الأسد, وكنا دائماً نفضل الأشرار الذين لا تدعمهم إيران على الأشرار الذين تقوم إيران بدعمهم."
سؤال 5: تعرضتَ للانتقاد لعدم وقوفك بشكل كامل إلى جانب الانتفاضة السورية وظهورك على شاشة "روسيا اليوم"؟
طارق علي: الاتهام الأول كذبة سافرة كما يعرف أي شخص يقرأ مقالاتي. لكن أشياء كثيرة قد تغيرت منذ البداية. فاليسار السوري, والبعض منهم أصدقائي, القديم والحديث ضعيف جداً ولم يستطع التحكم بالتحركات الجماهيرية في أي مكان. كانوا أقوياءَ في حلب وبعض أجزاء دمشق, ولكن سرعان ما طغى عليهم الإخوان الإسلامويون والمجموعات الأصولية المتطرفة المدعومة من قطر والسعودية. كما سيطرت تركيا وفرنسا على المنشقين عن نظام الأسد. وهكذا تغيرت شخصية الانتفاضة مع نهاية الأشهر الاثني عشر الأولى. كيف يمكن أن نتغاضى عن هذه الحقيقة؟ فالعلاقة اليوم بين القوى لا تحبذ أي مجموعات علمانية أو تقدمية. والتظاهر بعكس ذلك يعني الغرق في الأوهام أو ربما يتطلب سياسات يسارية طائفية. لذلك, فهم منحازون بالتأكيد, مثلهم مثل "سي إن إن" و "بي بي سي وورلد" و "الجزيرة". وهذا لا يغير مما علي أن أقوله.
سؤال 6: ماذا تعلمنا التطورات في مصر. أنت أيدتَ الانتفاضة وأهدافها, مثلك مثل البقية. ما هو رأيك الآن؟
طارق علي: تثبت الأحداث المصرية مرة أخرى استحالة تجاهل العامل السياسي. لم يكن فوز مرشح الإخوان الإسلامويين مفاجأة. ولم تكن الطريقة التي تصرف بها مفاجئة: التعامل مع واشنطن, والتفاهم مع إسرائيل إلى درجة إغراق أنفاق غزة بمياه المجارير, وغياب الرغبة في القطع مع الأشكال المهيمنة للرأسمالية المعاصرة, إلخ. لم تكن هناك أية محاولة لتدمير أو حتى إصلاح بُنى النظام القديم, المطلب المركزي للانتفاضة. الذي فاجأني هو السرعة التي حصلت بها التحركات الجماهيرية (التي كانت أضخمَ من أيام الانتفاضة) الهادفة إلى إسقاط مرسي. فمع غياب أي قوة سياسية تقدمية مستقلة قادرة على مواجهة النظام, قبلَ قسم كبير من الجماهير احتضان الجيش واحتفوا بالانقلاب الذي أودى بالإخوان. كنت ولا أزال معارضاً تماماً للدكتاتورية العسكرية الجديدة. عمليات القتل تشكل نوعاً من العار, وعبارات المعلقين "الأذكياء" التي تقول "يجب اقتلاع الإخوان من المجتمع المصري بشكل كامل" تذكرني ببينوشيه ومستبدين آخرين. يتمتع الإخوان بدعم شعبي كبير. ويجب هزيمتهم سياسياً. وهذا يتطلب تأسيس منظمات سياسية جديدة تحمل برنامجاً واضحاً. وهي ليست مهمة سهلة في هذا العالم, لكنها ضرورية جداً.
طارق علي: كاتب وصحفي وصانع أفلام باكستاني - بريطاني. عضو في لجنة تحرير "نيو ليفت ريڤو" و "سين بيرميسو", ومساهم دوري في "الغارديان" و "كاونتر بنتش", و "لندن ريڤيو أوف بوكس". مؤلف كتاب "تناذر أوباما".
http://www.counterpunch.org/2013/11/01/on-libya-the-arab-spring-and-syria/
تُرجم عن ("كاونتر بنتش", 1 – 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد