خطةالبنتاغون"الخيارالسلفادوري": نشر فرق الإعدام والموت في سورية (1-2)
الجمل- ميشيل تشوسودوفسكي ـ ترجمة عاصم مظلوم: الحرب على طهران تمر عبر دمشق. خطة أمريكا والناتو لإعلان الحرب على إيران تقتضي حكما وكخطوة أولى حملة زعزعة استقرار "تغيير النظام" تستهدف سورية.
وضع البنتاغون منذ منتصف التسعينات خطة عسكرية موسعة للحرب على الشرق الأوسط وشرق آسيا الوسطى.
كجزء من هذا السيناريو، يخطط تحالف أمريكا والناتو لشن حملة عسكرية على سورية بغطاء من قرار إنساني من الأمم المتحدة.
يعتبر التصعيد جزءا مهما في هذا المخطط العسكري، وزعزعة استقرار البلدان المستقلة عبر تغيير أنظمة الحكم فيها عملية تتم بالتوازي مع تخطيط عسكري دقيق.
خارطة طريق الحرب هذه موجودة بالفعل وتتميز بسلسلة من مسارح الحرب التي تقوم أمريكا والناتو بوضعها نصب العينين.
تاريخ خطة البنتاغون "الخيار السلفادوري" في العراق وعلاقته بسورية:
تم تطبيق هذه الخطة أثناء فترة عمل جون نيغربونتي لمنصب سفير الولايات المتحدة في العراق (حزيران 2004 – نيسان 2005). حينئذ كان السفير الأمريكي الحالي في سورية روبرت فورد عضوا في فريق نيغروبونتي في بغداد 2004-2005.
سورية: لمحة عامة والتطورات الأخيرة
لعبت وسائل العلام الغربية دورا رئيسيا في التعمية على طبيعة التدخل الأجنبي في أحداث سورية بما في ذلك دعم الجماعات المتمردة المسلحة. فقامت وفق سيمفونية مشتركة بوصف الأحداث هناك على أنها "حركة احتجاجية سلمية" موجهة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، في حين أن الأدلة الدامغة تؤكد قيام مجموعات إسلامية مسلحة بالتغلغل ضمن تلك الاحتجاجات.
يذكر موقع ديبكا الاسرائيلي أن مجموعات مسلحة منظمة تقوم بمواجهة القوات السورية، وبذات الوقت يحاول عامدا عدم ذكر كلمة "جماعات متمردة مسلحة":
"تواجه الآن القوات السورية مقاومة شرسة: ففي انتظارها ألغام مضادة للدبابات وحواجز مدعمة يدافع عنها محتجون مسلحين بأسلحة رشاشة ثقيلة."
منذ متى يتسلح المدنيين السلميين بأسلحة رشاشة ثقيلة وألغام مضادة للدبابات؟
التطورات في سورية تشير بشكل مكشوف إلى وجود تمرد مسلح منظم مندمج مع "مجاهدين إسلاميين" يتلقون الدعم والسلاح سرا من قوى أجنبية، وذلك حسب مصدر استخباري اسرائيلي:
يقوم المسؤولين في مقر عمليات الناتو في بروكسل والقيادة العليا التركية برسم خرائط الخطوة العسكرية الأولى في سورية، وهي تسليح المتمردين بأسلحة لمواجهة الدبابات والمروحيات السورية التي تعتبر رأس الحربة في القضاء على المنشقين. بدلا من تكرار النموذج الليبي من الضربات الجوية، يفكر المخططون الاستراتيجيون في الناتو في إرسال كميات ضخمة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، مدافع الهاون، والأسلحة الرشاشة الثقيلة إلى مراكز الاحتجاجات بهدف صد القوات السورية الحكومية.
يتم تسليم الأسلحة إلى المجموعات المتمردة برا، بشكل رئيسي من تركيا وتحت حماية الجيش التركي... مع بديل آخر هو نقل الأسلحة عبر الشاحنات إلى داخل سورية بحماية عسكرية تركية ونقلها إلى قادة المتمردين في نقاط التقاء يتم تحديدها مسبقا.
وفقا لمصادر إسرائيلية لم يتم التحقق من صحتها، يتم في الناتو والقيادة العليا التركية بدراسة الخيار "الجهادي" عبر تجنيد آلاف المقاتلين الاسلاميين على طريقة تجنيد المجاهدين في أفغانستان لشن حرب جهادية لحساب المخابرات المركزية الأمريكية ضد الوجود السوفييتي هناك:
وحسب مصدرنا، تم في أنقرة وبروكسل أيضا مناقشة إطلاق حملة تجنيد آلاف المسلمين المتطوعين من بلدان الشرق الأوسط والعالم الاسلامي للمحاربة إلى جانب المتمردين السوريين، حيث سيقوم الجيش التركي بإنشاء معسكرات لهم وتدريبهم وتأمين دخولهم إلى الأراضي السورية.
هذه التطورات تشير إلى احتمال تورط الجنود الأتراك داخل سورية، مما قد يؤدي إلى وقوع مواجهة عسكرية محتملة بين سورية وتركيا إضافة إلى تدخل عسكري "إنساني" واسع النطاق في سورية من قبل الناتو.
في التطورات الأخيرة، تمكنت فرق الموت الاسلامية من اختراق حي الرمل في اللاذقية، الذي يضم مخيم يأوي حوالي 10 آلاف لاجىء فلسطيني، وقامت تلك الفرق بمجموعاتها المسلحة وقناصيها بترويع سكان المنطقة.
بوقاحة تامة، قامت وسائل الاعلام الغربية بتقديم المجموعات الاسلامية المسلحة هناك على أنها "معارضين فلسطينيين" و "نشطاء" يدافعون عن أنفسهم من هجوم القوات السورية. تحركات تلك المجموعات كانت تهدف فيما تهدف عبر استهداف المجتمع الفلسطيني هناك إلى التحريض على نوع من الخلاف السياسي بين سورية وفلسطين. العديد من الشخصيات الفلسطينية انحازت إلى "الحركة الاحتجاجية" متجاهلة تماما حقيقة أن فرق الموت "الداعمة للديمقراطية" تتلقى دعما سريا من اسرائيل وتركيا.
وفيما صرح وزير الخارجية التركي أن تركيا قد تفكر باللجوء إلى خيار عسكري ضد حكومة الأسد ما لم توقف الأخيرة حملتها ضد "المحتجين بلا قيد أو شرط"، يبدو أنه تناسى الحقيقة المرة عن قيام حكومة أردوغان بتمويل وتدريب المقاتلين الاسلاميين الذين يروعون السكان في سورية.
في أثناء ذلك، انتهى المخططين الأمريكيين، الاسرائيليين، ومخططي الناتو من وضع الخطوط العريضة للحملة العسكرية "الإنسانية"، وتلعب فيها تركيا، وهي ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو، دورا مركزيا.
بتاريخ 15 آب 2011 أعلنت طهران أن الوضع في سورية شأن داخلي واتهمت الغرب وحلفاؤه بمحاولة زعزعة الاستقرار في سورية بهدف غزوها عسكريا.
الأمور وصلت إلى مفترق طرق خطير:
في حال تم شن حملة عسكرية ضد سورية، فإن المنطقة بأكملها، الشرق الأوسط ومنطقة شرق أسيا الوسطى اللتان تمتدان من شمال أفريقيا وشرق المتوسط إلى الحدود الباكستانية – الأفغانية مع الصين، ستغرق في حرب واسعة. الحرب على سورية قد تتطور لتصبح حملة عسكرية تشنها أمريكا والناتو على إيران، وستشارك فيها تركيا واسرائيل بشكل مباشر.
من الضروري أن نقوم بفضح اللعبة وكشف حقيقة وسائل الاعلام التي تمارس التضليل وإيقافها.
كما أن فهم ما يجري في سورية بشكل دقيق وغير منحاز له أهمية حاسمة في عكس مجريات التصعيد العسكري ومنع نشوب حرب إقليمية واسعة.
من هو السفير روبرت ستيفن فورد؟
وصل السفير فورد إلى دمشق في أواخر كانون الثاني 2011 أثناء ذروة الحركة الاحتجاجية في مصر، وكنت قد سلطت الضوء على مغزى إعادة تعيينه كسفير في سورية في ذلك الوقت والدور الذي يمكن أن يلعبه في الخطة السرية لزعزعة الاستقرار السياسي فيها، لكني لم أتوقع تحقيق ذلك خلال شهرين فقط من إعادة تعيينه.
إن إعادة تعيين السفير فورد في دمشق له علاقة مباشرة باندلاع شرارة الأحداث في سورية في شهر آذار. فورد كان الرجل الثاني في السفارة الأمريكية في بغداد، ولعب دورا محوريا في تطبيق خطة "الخيار السلفادوري" الأمريكية في العراق. "الخيار السلفادوري" هو خطة دعم لفرق الموت العراقية والجماعات المسلحة وتشكيلها وفق تجربة العصابات المسلحة في أمريكا الوسطى.
قامت وسائل الاعلام الغربية بتضليل الرأي العام حول طبيعة حركة الاحتجاجات العربية عبر تعمدها عدم نشر الحقائق المتعلقة بدعم وزارة الخارجية الأمريكية والمنظمات الأمريكية الأخرى لمجموعات معارضة موالية لأمريكا. إن أمريكا قامت منذ عام 2006 بتمويل معارضين لنظام الرئيس الأسد، وتم تصوير الحركة في سورية على أنها حركة مطالبة بالديمقراطية وامتداد للربيع العربي.
هناك مؤشرات على أن الأحداث في سورية كانت قد تم التخطيط لها بعناية بشكل مسبق بالتزامن مع عملية تغيير الأنظمة في بلدان عربية أخرى وبما في ذلك في مصر وتونس. انطلقت الحركة الاحتجاجية من مدينة درعا الحدودية في الجنوب في توقيت منتقى بعناية يلي أحداث تونس ومصر.
لم يعي أحد أن السفارة الأمريكية في بلدان عدة لعبت دورا مركزيا في دعم مجموعات المعارضة، ففي مصر مثلا، كانت حركة شباب 6 أبريل تتلقى دعما مباشرا من السفارة الأمريكية في القاهرة.
عودة إلى فورد، فهو منذ عودته إلى دمشق لعب دورا رئيسيا في التحضير والتواصل مع مجموعات المعارضة، وهذا الرجل ليس ديبلوماسيا عاديا، فقد كان في كانون الثاني 2004 المندوب الأمريكي في مدينة النجف العراقية، والنجف هي معقل جيش المهدي. بعد بضعة شهور تم تعيينه الرجل الثاني (مستشار الوزير للشؤون السياسية) في السفارة الأمريكية في بغداد وبقي هناك إلى أن تم تعيينه كسفير في الجزائر عام 2006.
كانت مهمة السفير الأمريكي جون نيغروبونتي بالتعاون مع روبرت فورد هي التنسيق الميداني لعملية الدعم السرية لفرق الموت والمجموعات المسلحة العراقية والعمل على صب الزيت على نار العنف الطائفي وإضعاف حركات المقاومة، وكان لروبرت فورد دورا رئيسيا في هذه المهمة.
لفهم مهمة فورد في بغداد ودمشق، من المهم أن نتطرق بشكل موجز إلى تاريخ العمليات السرية الأمريكية والدور الرئيسي الذي لعبه جون نيغروبونتي.
نيغروبونتي و"الخيار السلفادوري"
خدم نيغروبونتي كسفير لأمريكا في الهندوراس من 1981 حتى 1985، ولعب دورا رئيسيا في توفير الدعم والإشراف على عصابات الكونترا في نيكاراغوا التي كانت تتخذ من هندوراس مقرا لها. هجمات عصابات الكونترا عبر الحدود النيكاراغوية أدت إلى مقتل حوالي 50 ألف مدني.
في ذات الوقت، كان نيغروبونتي يلعب دورا هاما في إنشاء فرق الموت التابعة للجيش الهندوراسي " تعمل بدعم من واشنطن وقد قامت باغتيال مئات المعارضين للنظام الموالي لأمريكا".
"وأثناء حكم الجنرال غوستافو ألفاريز مارتينيز، كانت الحكومة العسكرية في الهندوراس حليفا قويا لإدارة الرئيس ريغان وكانت أيضا تقوم بالتخلص من عشرات الخصوم السياسيين باتباع طريقة فرق الموت التقليدية."
في رسالة وجهها إلى صحيفة الإيكونوميست عام 1982، نفى نيغروبونتي بشكل قاطع ظهور فرق الموت في هندوراس وهذا كان أيضا فحوى تقرير ممارسات حقوق الإنسان الذي أرسلته السفارة إلى لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشيوخ مؤكدا فيه "عدم وجود سجناء سياسيين في هندوراس وأن الحكومة الهندوراسية لا تسمح عمدا أو تتغاضى عن عمليات قتل ذات طبيعة سياسية أو غير سياسية".
لكن بحسب سلسلة من التقارير التي نشرتها بالتيمور صن عام 1995، فإن حكومة هندوراس استخدمت وحدة خاصة سرية هندوراسية تم تدريبها على يد المخابرات المركزية الأمريكية قامت باستخدام أساليب تعذيب رهيبة تشمل الصعق بالكهرباء والخنق والتعرية، وبعد انتهاء التحقيق كانت تقوم بقتل السجناء ودفن الجثث في مكان مجهول.
عام 1997، نشر المفتش العام للاستخبارات المركزية الأمريكية تقريرا سريا تم السماح بنشره من 211 صفحة تحت اسم "قضايا مختارة تتعلق بنشاط المخابرات المركزية في الهندوراس في الثمانينات".
نيغروبونتي – روبرت فورد. "الخيار السلفادوري"
في كانون الثاني عام 2005، بعيد تعيين نيغروبونتي سفيرا في العراق، أكد البنتاغون في قصة مسربة إلى النيوزويك أنه يدرس إمكانية تشكيل فرق اغتيال من المقاتلين الأكراد والشيعة لاستهداف قادة المجموعات المسلحة العراقية في تحول استراتيجي مبني على صراع أمريكا ضد مقاتلي الجناح اليساري في أمريكا الوسطى قبل 20 عام.
وعمل بيغروبونتي وفورد بشكل مباشر على مشروع البنتاغون، كما قام عضوان أخران من السفارة هما هنري إنشر (نائب فورد) وجيفري بيلز بلعب دور هام في الفريق كونهما مسؤولان عن التفاوض مع عدد من العراقيين بما فيهم المتطرفين بهذا الشأن. سواء خرج الأمر عن السيطرة أم كان مقصودا، فإن فرق الموت هذه أصبحت السبب الرئيسي للموت في العراق، وأصبحت مشاهد الجثث في شوراع العراق وعمليات التعذيب والتشويه مشاهد يومية في العراق... هذه الأفعال قامت بها فرق الموت التي أنشأها نيغروبونتي، والعنف الطائفي الذي دعمته أمريكا هو أحد الأسباب الكبرى للجحيم الذي يعيشه العراق في يومنا هذا.
قام نيغروبونتي بوصف فورد أثناء عملهما معا في السفارة " واحد من الأشخاص الذين لا يتعبون... لا مانع لديه من ارتداء سترة المطر ومغادرة المنطقة الخضراء للتواصل مع العملاء". فورد يتحدث العربية والتركية بطلاقة.
من بغداد إلى دمشق: "الخيار السلفادوري" السوري
بالرغم من الفارق الكبير بين الأوضاع في سورية، إلا أن أرضية روبرت فورد أثناء عمله في بغداد لها علاقة مباشرة بطبيعة نشاطه في سورية بما في ذلك اتصالاته مع مجموعات المعارضة.
في أوائل تموز قام فورد برحلة إلى حماة والتقى عددا من أعضاء المعارضة، والتقارير تؤكد إجراء فورد العديد من الاتصالات مع المعارضة قبل وبعد زيارته لحماه، وفي تصريح أدلى به في 4 آب أكد فورد أن السفارة ستستمر بالتقرب من المجموعات المعارضة متحديا بذلك السلطات السورية.
تم تعيين الجنرال ديفيد بترايوس كرئيس للمخابرات المركزية الأمريكية، ومن المتوقع قيام بترايوس بلعب دور استخباراتي هام فيما يتعلق بسورية، بما في ذلك الدعم السري لقوى المعارضة و"مقاتلي الحرية" عبر اختراق المخابرات السورية والقوى المسلحة إلخ. هذه المهام سيتم العمل عليها بالتعاون مع السفير فورد. كل من الرجلين عملا معا في العراق ضمن فريق جون نيغروبونتي.
يتبع...
الجمل: قسم الترجمة
التعليقات
اللعب على المكشوف
إضافة تعليق جديد