سعاد جروس: «خليك ريلاكس»

الجمل- سعاد جروس:  إهدى وخليك ريلاكس
وابعت للدنيا فاكس
يا دينا غلبنا فيكي
طلعتي ماشيا عكس
أمتعتني كلمات هذه الأغنية التي يؤديها محمد هنيدي في أحد أفلامه, عثرت عليه مصادفة, بينما كانت أصابعي تمارس دبكتها العصبية على أزرار الريموت بحثاً عن محطة تفتح باباً على القبلة. بعد قراءة كئيبة للأخبار الدولية والعربية والمحلية, جاءت أغنية هنيدي مثل «الكي على الفروة» مع أنها لم تعمل ريلاكس, ولم تنفتح على أي اتجاه نتنسم منه رائحة حياة, إلا أنها لاشك نصيحة مفيدة, في الاسترخاء لمقاومة حالة تشنج لا بد من أن تصيبنا لدى قراءة أخبار, مثل أن الآنسة كونداليزا رايس جوهرة بوش السوداء, زارت كنيسة المهد في فلسطين وقالت: «أنا سعيدة بزيارة مهد مخلصي»!!
لا نعرف أي خلاص تطمح إليه رايس من خلال إيمانها الديني, فحسب علمنا أن السيد المسيح جاء ليخلص البشر من الخطيئة الأصلية, وهي عصيان جدنا آدم وجدتنا حواء لأمر الله بعدم الأكل من ثمار شجرة المعرفة, وما كان الأكل ليحصل لولا سقوط حواء في غواية الأفعى €الشيطان€ التي لعبت على نزعة الفضول القاتلة في نفس حواء ودناءتها لمعرفة طعم التفاحة التي نُهيت عنها, ولم يكن لآدم أن يخرج عن طاعة الله, لولا رخاوته أمام جنس حواء, فسقط واسقط معه أبناء جنسه ليبقى أسيراً لشهواته وإغراءات حوائه اللا متناهية... المهم أن الاثنين تشاركا في ارتكاب الخطيئة الأصلية, وطردا وطردنا معهما من الجنة, وحُكم على آدم بالشقاء لتحصيل لقمة العيش, وعلى حواء بآلام الولادة, وعلى الأفعى بالزحف على بطنها... ومجيء المخلص فيما بعد, كان الهدف منه محو تلك الخطيئة بالذات, فكفر عنها بالصلب.
ومن المفترض أن تكون الخطيئة قد محيت, إلا أننا لم نعد الى الجنة, بدليل أن الشياطين لا تزال تسرح وتمرح بين جنباتنا, ووصل الأمر بهم إلى زيارة كنيسة المهد والقول بأنهم سعداء بزيارة مهد €مخلصهم€!! مع أن الكتب التي وضعها الرسل والقديسون عن رسالة السيد المسيح في ذلك الزمان وما بعده من أزمنة, تفيد بأنه لم يأت ليخلص مخلوقات بشرية من إدارة بوش الذين ارتكبوا أفظع الجرائم بحق الإنسانية, فمن يخبر رايس ممثلة رئيسها وإدارته, أن المسيح إذا خلصهم من الخطيئة الأصلية ضمن جملة من خلصهم من أبناء البشر, فهذا لا يتضمن تخليصهم من دماء أطفال لبنان وفلسطين, ولا يغسل عنهم آثام قتل مئات الآلاف في العراق وأفغانستان. هذا يحتاج إلى مخلص جديد غير يسوع الفلسطيني.
إنهم بحاجة الى مخلص جمركي صهيوني اميركي يعفيهم من دفع استحقاقات ما ارتكبته سياساتهم على الأرض التي نزلت عليها رسالة السلام المسيحية.
لغة التهاتر الغيبي, تكاد تكون اللغة الوحيدة الصالحة لفهم غرائب مفارقات إدارة لا ينفك أركانها عن إعلان إيمانهم بالله والمسيح, فيما يحاسبون شعوب الأرض على إيماناتها وعقائدها, يتشدقون بالسعي إلى نشر مبادئ الحرية والديمقراطية, بينما يطلقون رعاة ابقارهم في كل الأنحاء لاصطياد الخيول الحرة, وجرها إلى حظائرهم لتخضع لكل أنواع التدجين وغسل الدماغ.
يقوضون نظاماً علمانياً بحجة أنه متخلف عن ركب الحضارة العلمانية, ثم يقولون نظام العشائر هو الحل. يحظرون التدخل في شأن بلد توافقي, ثم يدعون العالم أجمع لإصدار قرارات تقوضه من الداخل, يطالبون بمصالحة طرفين متنازعين وعقد سلام بينهما, ويقبضون على أنفاس احدهما ليقبل بأي كلام والسلام, يتباهون بإسقاط «الديكتاتور» ثم يبحثون عن نسخة مزورة, طبق الأصل, ليصلح ما أفسده إسقاطهم للأصل.
وكي لا يبقى الكلام عموميات وتهويمات, ندعو القراء لمطالعة بعض ما جاء في النيوزويك الاميركية عدد 16 تشرين الاول €اكتوبر€, لينظروا ملياً في صورة كنعان الصنديد وما كتب في شرحها «الشخصية التكريتية الجذابة, يعدد مؤهلات القائد الجديد للعراق»!! من رأى هذه الصورة سيظن أن صدام خرج من قبره ويتهيأ لحكم العراق من جديد, لا بل أن المجلة وضعت بالبنط العريض عنواناً لمقالها عنه €قوي كصدام€ وتدلل على ذلك بأن هذا الشخص قادر على تحريك رجال عشيرته ببضع كلمات, لذلك يصلح لقيادة العراق!! ماذا بوسعنا القول سوى تهانينا لأمريكا ولكل من علق الآمال على ديمقراطيتها الباهرة, وتعشم بأنها ستنقذ عالمنا المتخلف من الحكام الديكتاتوريين.
تهانينا يا اميركان... لأنكم بدل أن تكحلوها أعميتموها, وأعميتم قلوبنا, وقطعتم شهيتنا للحياة, وكرهتمونا بالديمقراطية, وكفرتمونا بالحرية والتحرر.بل وصرنا من المحيط الى الخليج نستحلي قطيعياً €باب الحارة2€, والحنين غريزياً لزمن €باب الحارة 1€, ونحلم جماعياً بـ €باب الحارة3€, لأن عصا معتز هي الحل... ولعل أفضل ما نستهل به حقبة €باب الحارة€ العربية الراهنة:
إهدى وخليك ريلاكس
وابعت لأميركا فاكس
وإن كان من دون جدوى.

بالإتفاق مع الكفاح العربي