سوريا وتداعيات تقرير غولدستون
الجمل: أجاز مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التقرير الذي أعده القاضي الجنوب أفريقي (اليهودي) غولدستون حول جرائم الحرب في قطاع غزة، وقد ظل هذا التقرير موضع اهتمام الأوساط الدولية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بسبب أهميته وأهمية تداعياته على الصراع في الشرق الأوسط.
* الصراع حول التقرير:
بدأ الصراع في أول الأمر حول من سيتم تكليفه بإعداد التقرير وعندما وقع الاختيار على القاضي غولدستون تزايدت الشكوك إزاء احتمالات أن يتم إعداد التقرير بشكل متحيز لمصلحة إسرائيل خاصة أن غولدستون سبق أن شارك في بعض الفعاليات القانونية الدولية التي انتهت بالتحيز لصالح إسرائيل.
ولكن ما كان لافتاً للنظر هذه المرة يتمثل في أنه وبمجرد انتهاء غولدستون من إعداد التقرير برزت العديد من ردود الأفعال الإقليمية والدولية التي تمثلت في:
• تزايد الانتقادات الإسرائيلية لمحتوى التقرير واتهام القاضي بالتحيز لإسرائيل.
• تزايد التصريحات الأمريكية الرسمية التي سعت إلى التقليل من قيمة التقرير.
• تزايد التصريحات الأوروبية التي سعت للتلويح بالموقف السلبي الأوروبي التقليدي الداعم لإسرائيل.
مباشرة بعد ذلك شكلت إسرائيل لجنة عليا للقيام بمحاولة إجهاض التقرير وبالفعل شنت اللجنة حملة دبلوماسية وقائية سعى من خلالها الإسرائيليون إلى حشد وتعبئة الأطراف الدولية والإقليمية ضد التقرير، إضافة لذلك سعت تل أبيب إلى الآتي:
• على المستوى المعلن: إطلاق التهديدات بأن إجازة التقرير ستؤدي إلى تقويض مفاوضات السلام.
• على المستوى غير المعلن: التواطؤ مع حلفائها داخل السلطة الفلسطينية لعرقلة التقرير.
في نهاية الأمر تم عرض التقرير للتصويت داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وكانت نتيجة التصويت: تأييد 25 دولة ومعارضة 6 دول وامتناع 11 دولة عن التصويت.
* أبرز الملاحظات الجديدة التي أعقبت إجازة التقرير:
أبرز خبراء القانون الإنساني المزيد من الملاحظات الجديدة بعد صدور قرار موافقة المجلس ومن أبرز هذه الملاحظات نشير إلى الآتي:
• ليس تقرير غولدستون وحده الذي تصدى لجرائم الحرب ضد قطاع غزة فهناك تقريران آخران يمكن الاستعانة بهما، الأول تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمين العام للأمم المتحدة التي حققت في الاعتداءات الإسرائيلية ضد مرافق ومنشآت الأمم المتحدة، والثاني تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة الذي بحث في العديد من الجوانب المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي ضد القطاع.
• القانون الدولي يلزم كل الأطراف بضرورة احترامه والمشاركة بشكل إيجابي بالقيام بذلك، وبالتالي فالدول التي اعترضت والتي امتنعت عن التصويت ارتكبت جريمة انتهاك القانون الدولي لجهة عدم مشاركتها بشكل إيجابي في احترام القانون الدولي.
• تطرق التقرير إلى ما قامت به إسرائيل وما قامت به حركة حماس ومن جهة وصف التقرير ما قامت به إسرائيل بأنه يشكل جرائم ومن الجهة الأخرى وصف التقرير ما قامت به حماس بأنه جرائم كذلك.
وتشير التحليلات إلى أن نقطة الضعف الوحيدة في التقرير تتمثل في أنه تطرق لأداء الطرفين خلال فترة الصراع بشكل ساوى فيه بين أفعال الجلاد الإسرائيلي وأفعال الضحية الفلسطينية الممثلة بحركة حماس التي كانت في موقف الدفاع عن النفس.
برز رأي يطالب بإجراء التحقيق في الأفعال التي قامت بها حركة حماس في القطاع وهنا تبدو المشكلة معقدة وبالغة الصعوبة إزاء تحديد من سيقوم بإجراء التحقيق؟ فحركة حماس غير معترف بها دولياً وبالتالي لن تستطيع الحصول على موافقة الأطراف الدولية لإجراء التحقيق فهي لا تسيطر على القطاع أو بالأحرى فهي غير موجودة في القطاع إضافة إلى أن السلطة الفلسطينية إذا ما تم تكليفها بالتحقيق فإنها قد تلجأ لاستخدام ذلك في تصفية حساباتها مع حماس.
* المسارات المتوقعة: سوريا وتداعيات التقرير:
تشير عملية ترسيم مسارات تقرير غولدستون المتوقعة إلى أنه توجد العديد من الخيارات:
• خيار مجلس الأمن الدولي وهو الخيار الذي سيصطدم بالفيتو الأمريكي.
• خيار المنظمات غير الحكومية وهو الخيار الذي سيتيح لهذه المنظمات القيام بتقديم العرائض للمحاكم الوطنية في العديد من بلديات العالم للقيام بإصدار أوامر التوقيف في حق المسؤولين الإسرائيليين.
• خيار الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو الخيار الذي يقوم على أساس اعتبارات توظيف القرار 37 الذي يخول الجمعية العامة بالقيام بدور مجلس الأمن الدولي في حال فشل المجلس في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
ما هو جدير في الموضوع يتمثل في أن خيار الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن يتيح فرصة الالتفاف على الفيتو الأمريكي وستكون الصعوبة متمثلة في كيفية الإيفاء بشرط فشل مجلس الأمن في القيام بحفظ الأمن والسلم الدوليين.
السياسة هي فن الممكن ومن الممكن للأطراف العربية أن تلجأ إلى التفاهم مع تكتل دول عم الانحياز وتكتل دول منظمة المؤتمر الإسلامي وتكتل الاتحاد الإفريقي إضافة للتفاهم مع العديد من الأطراف الأخرى المساندة للحقوق العربية وعندها يمكن أن تحصل الأطراف العربية على مساندة أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تعتبر سوريا من أكثر البلدان العربية تضرراً من العدوان الإسرائيلي إضافة لقيام القوات الإسرائيلية باحتلال مرتفعات الجولان السورية لعشرات السنين فقد عانت سوريا من تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة ضد اللبنانيين والفلسطينيين.
الدخول في معركة تقرير غولدستون ليس حكراً على الفلسطينيين وبكلمات أخرى فإن الحضور العربي في معركة التقرير القادمة سيتيح وضع إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما أمام أصعب المواقف فسوريا تملك رصيداً وسنداً كبيراً من العلاقات والروابط في أوساط بلدان عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي، بكلمات أخرى فإن حملة الضغوط القادمة ضد إسرائيل وواشنطن وحلفائهما يمكن إدماج العديد من القضايا الأخرى ضمنها مثل الجرائم الإسرائيلية ضد اللبنانيين وجريمة الاحتلال ضد الجولان، وبرغم أن المواجهة الدبلوماسية قد بدأت الآن بتقرير غولدستون الذي يتطرق لجرائم إسرائيل من خلال ملف غزة فإن جبهة المواجهة الدبلوماسية يمكن أن تتسع وتتضمن بقية الملفات طالما أن تحقيق السلام والاستقرار والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب الدولي هو أمر بن يتحقق من خلال ملف واحد وإنما سيكتسب فاعلية أكبر إذا تم إدراج جميع ملفات الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في فلسطين ولبنان وسوريا!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد