"سيناريو آذار"مراقبة دولية للحدود مع سوريا وحصار بري للمقاومة
إذا كان موضوع التحضير للقمة العربية المقررة في 28 و29 آذار في السعودية، قد تقدم على ما عداه، فإن الاتصالات الاقليمية قد تنجح في جعل التحضير للقمة، فرصة لتحقيق انفراج سياسي في لبنان، وإلا فإن الامور ستكون متروكة الى ما بعد القمة، علما ان الاستحقاقات التي ستواجه اللبنانيين في آذار ستجعله شهر الاستحقاقات السياسية بامتياز، خاصة في ظل السيناريو الذي تم تسريبه حول وجود مشروع يحظى بدعم من بعض العواصم الإقليمية لإحكام الطوق حول سلاح المقاومة عبر إثارة عدد من الملفات الداخلية ولا سيما موضوع تهريب السلاح، وصولا الى عودة الحديث عن نشر قوات دولية على طول الحدود بين لبنان وسوريا.
وتردد ان الاتصالات الاقليمية ستتسارع في المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء مؤشر اجتماع دول الجوار العراقي بمشاركة طهران ودمشق والولايات المتحدة الاميركية، وأن الاتصالات السعودية الايرانية حول عدد من ملفات المنطقة ومنها لبنان، ستستكمل قريبا وربما بوتيرة اسرع من الايام الماضية.
وفي موازاة الاتصال الذي أجراه الرئيس المصري حسني مبارك، أمس، مع نظيره السوري بشار الاسد وأطلعه خلاله على نتائج القمة السعودية المصرية التي عقدت في الرياض، أمس الاول، أجرى مبارك، ليل أمس، اتصالا برئيس الحكومة فؤاد السنيورة للغاية نفسها، فيما أطلعه الأخير على نتائج الاتصالات التي يجريها داخليا وخارجيا لايجاد مخرج للازمة. كما تلقى السنيورة اتصالا مماثلا من الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وأجرى رئيس الحكومة اتصالا بالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني.
ولعل الابرز داخليا، العودة المتوقعة، اليوم، لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، فيما واصل النائب سعد الحريري زيارته الى بروكسل وأجرى النائب وليد جنبلاط في واشنطن لقاءات جديدة ابرزها مع وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس ومساعدها ديفيد ولش والنائب الديموقراطي غاري ايكرمان رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط والسناتور الديموقراطي جوزف ليبرمان.
وقال جنبلاط إن الثوابت الأميركية تجاه لبنان «لم تتغير»، وأشار الى انه حرّض الاميركيين على دعم الاكثرية في لبنان «لمواجهة الانقلاب الايراني مع سوريا لضرب النموذج اللبناني وكسره». وأوضح انه طرح على الرئيس جورج بوش أهمية المحكمة الدولية لمحاكمة كل «الذين ذهبوا ضحية الإجرام السوري الإيراني».
والتقى جنبلاط، يرافقه عضو قيادة «تيار المستقبل» النائب السابق غطاس خوري، عددا من أبناء الجالية اللبنانية في واشنطن، وألقى خطابا حمل فيه على «حزب الله» وإيران والفرس و«الأساليب التوتاليتارية للنظام السوري». كما أثار قضية مزارع شبعا مشددا على أهمية الانسحاب الإسرائيلي منها لاستعادتها ونزع الذرائع من النظام السوري الذي يرفض الاعتراف بلبنانيتها بصورة رسمية.
و ليل امس، قال جنبلاط «يبدو ان نبيه بري قد استسلم لدولة الامر الواقع»، آخذا عليه وعلى «حزب الله» «وكل من هم بإمرة النظام السوري» أنهم خطفوا المجلس النيابي وعطلوا الاقتصاد ووسط بيروت.
وفي بروكسل، اعلن النائب سعد الحريري انه ناقش مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا كيفية الوصول الى حلول بشأن الأزمة في لبنان يكون فيها اللبنانيون موحدين حول المحكمة الدولية وحكومة الوحدة الوطنية.
وردا على سؤال حول ما نقل عن الرئيس نبيه بري من انه لا جلسة لمجلس النواب في الدورة العادية في ظل وجود حكومة غير شرعية قال الحريري في مؤتمر صحافي مشترك مع سولانا «هل رأيتم لماذا لا نريد إعطاءهم الثلث المعطل»؟.
وأعرب سولانا عن اعتقاده بأن جميع اعضاء مجلس الامن مستعدون لبذل كل الجهود لإنشاء المحكمة الدولية مهما كانت الوسائل وإذا لم نضطر الى اللجوء الى الفصل السابع لإقرارها فستقر من دونه، لافتا الى انه اذا كانت هناك عقبات امام مشروع المحكمة فسيكون من الضروري اللجوء الى شرعة الامم المتحدة.
ووصف سولانا لبنان بأنه بلد استثنائي جدا آملا ان «يشكل نموذجا لشرق اوسط مشرق»، وطالب سوريا بالقيام بدور بنّاء في لبنان.
وردا على اسئلة الصحافيين، قال الحريري ان إيران والسعودية حريصتان جدا على المنطقة ولديهما فكرة جيدة حول الحل وفي الايام المقبلة ستتبلور المشاورات الجارية
بينهما لايجاد حلول ايجابية للوضع اللبناني. وأبدى ثقته بالاتصالات الايرانية السعودية «التي ستصل الى مكان ما».
وفي انتظار ما يمكن ان تخلقه عودة رئيس المجلس النيابي من دينامية داخلية في الساعات المقبلة، قال معاونه السياسي النائب علي حسن خليل : اننا نعوّل كثيرا ايضا على الدينامية التي تخلقها الاتصالات السعودية ما قبل انعقاد القمة العربية والتي تأتي استكمالا للاتصالات السعودية الايرانية المفتوحة لايجاد مخرج للازمة الداخلية. ولكنه أبدى خشيته من مفاعيل «التصريحات النارية» للنائب وليد جنبلاط في العاصمة الاميركية
الى ذلك، واصل الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان غير بيدرسون، مشاوراته استعدادا لتسليم تقريره الدوري الى الامين العام للامم المتحدة في السادس عشر من الجاري، حول ما تم تنفيذه على صعيد القرار ,1701 وما ينبغي القيام به في الاشهر الستة المقبلة، وسط معلومات دبلوماسية تم تداولها في بيروت حول توجه لدى عدد من العواصم الغربية بالذهاب بالقرار 1701 «الى مرحلة أكثر تقدما»، بحيث يقترن الانتقال من مرحلة وقف الاعمال العدائية في الجنوب الى مرحلة وقف النار مستقبلا، «مع تركيز خاص على ملف سلاح «حزب الله» عبر رفع وتيرة السجال الداخلي اللبناني حوله والسعي الى تكبير موضوع التسليح الداخلي في لبنان وكذلك فتح ملف تهريب السلاح عبر الحدود البرية بين لبنان وسوريا وإثارة قضية وضع مزارع شبعا تحت وصاية الامم المتحدة».
وقالت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع ان التقارير الواردة من بعض العواصم الدولية المعنية تشير الى وجهة دولية جديدة في التعامل مع القرار ,1701 لا تحظى حتى الآن بإجماع دولي، وقوامها العمل على طرح ملف الرقابة الدولية على الحدود بين لبنان وسوريا من جهة وإعادة تحريك ملف مزارع شبعا لنزع ما يسمى «الذريعة» من «حزب الله» من جهة ثانية.
وجاء كلام النائب وليد جنبلاط في واشنطن ليصب في هذا الاتجاه، حيث ركّز على مسألتي الحدود البرية بين لبنان وسوريا ومسألة مزارع شبعا في اطار تناوله قضية حصر السلاح بيد المؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية على جميع الاراضي اللبنانية.
وبالتزامن مع ذلك، لوحظ ان الاجتماع العسكري اللبناني الاسرائيلي الذي عقد في الناقورة بحضور قائد «اليونيفيل» الجنرال غرازيانو، خرج عن جدول اعماله المقرر وأراد الاسرائيليون من خلاله التركيز على مسألتي «عودة مقاتلي «حزب الله» الى مناطق الحدود الشمالية» و«عودة تهريب السلاح من سوريا لمصلحة الحزب»، على حد تأكيد مصادر رسمية لبنانية متابعة للاجتماعات.
وتسبب الموقف الاسرائيلي بتوتير الاجواء وفشل الاجتماع بعد انسحاب الوفد اللبناني الذي اصر على ان لا تهريب للسلاح من سوريا لأن الجيش والقوى الامنية الاخرى تضبط الحدود اللبنانية ـ السورية، وأن هذه القضية مثارة لاسباب سياسية في لبنان ويتم تضخيمها اعلاميا لاسباب سياسية ايضا، ولا شأن للجيش بالخلاف السياسي الا انه بالتأكيد يضبط امن الحدود ويمنع التهريب على انواعه لا السلاح والمسلحين فقط».
كما ربط الاسرائيليون مجددا بين استمرار الخروقات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية، وبين استمرار تهريب السلاح الى «حزب الله» وكذلك استمرار اسر الجنديين الاسرائيليين، واعتبار هذين الامرين خرقا للقرار 1701 وان الجانب الاسرائيلي سيرد بخرق مماثل.
واذا كان موضوع سلاح «حزب الله» قد تقدم الى الواجهة في الاعلام الاسرائيلي في الايام الاخيرة، فإن زيارة المستشار الخاص للأمين العام للامم المتحدة لشؤون الشرق الاوسط مايكل تشارلز وليامز، الى بيروت وكذلك الجولات الميدانية للضباط والمراقبين الالمان على طول المعابر البرية بين لبنان وسوريا شمالا وبقاعا والتركيز على منطقة المواقع الفلسطينية لـ«فتح» و«القيادة العامة» في ينطا وحلوى ودير العشاير، انما أظهرا اهتماما دوليا متزايدا بموضوع الحدود البرية بهدف تضييق الخناق على «حزب الله».
وفي خطوة لافتة للانتباه، زار وليامز، أمس، يرافقه غير بيدرسن، وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» في أطراف الضاحية الجنوبية والتقيا عضو قيادة الحزب الوزير المستقيل محمد فنيش ورئيس لجنة التنسيق والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا، وذلك في سياق جولة شملت عددا من القيادات الرسمية والسياسية بالاضافة الى قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان.
واكتسب اللقاء بين وليامز و«حزب الله» اهميته شكلا ومضمونا، حيث عقد في مقر امني وليس سياسيا وتحت صورة للامين العام للحزب السيد حسن نصر الله، أما في المضمون، فإنه جاء ليشكل فرصة لكي يبادر وفد «حزب الله» الى تأكيد التزام الحزب مجددا بالقرار ,1701 فضلا عن تاكيد «حزب الله» ان علاقة الاهالي في الجنوب بالقوات الدولية جيدة جدا، وقال فنيش خلال الاجتماع ان «حزب الله» لا يعتبر قوات «اليونيفيل» معادية للجنوبيين ما دامت تلتزم بمهامها لجهة دعم جهود الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة على جميع الاراضي اللبنانية».
وعلم ان الجانب الدولي لم يثر قضية شاحنة السلاح التي صودرت مؤخرا بل كان مستمعا حيث عرض فنيش لموقف «حزب الله» بأن هذه مسألة داخلية لبنانية وأنه لا ينقل اية اسلحة عبر الحدود وأن وزير الدفاع اللبناني الياس المر ثبّت هذه الحقيقة، وأن ما حصل كان ضمن تكتيك المقاومة داخليا «والاسرائيليون والاميركيون يدركون ذلك وهناك اقمار صناعية اسرائيلية وأميركية تراقب لبنان على مدار الساعة، ولو كانوا رصدوا شاحنة تعبر الحدود البرية مع سوريا، لكانوا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها».
وعلم أن وليامز أشاد اكثر من مرة خلال الاجتماع مع فنيش وصفا بالتزام ومساهمة «حزب الله» الايجابية في تثبيت حالة وقف الاعمال العدائية منذ ستة اشهر حتى الآن، متجاوزا في تقييمه كل الخطاب الداخلي لبعض قوى الرابع عشر من آذار وكذلك التهويل الاسرائيلي المستمر في هذا الصدد.
وتطرق وليامز الى قضية الاسيرين الاسرائيليين اللذين يحتجزهما «حزب الله» منذ 12 تموز وإلى قضية الاسرى اللبنانيين، بوصفه متابعا للمفاوضات الجارية بين الحزب والامم المتحدة من خلال وسيط اوروبي، وشدد على وجوب تسريع المفاوضات للتوصل الى نتائج ملموسة. ورد «حزب الله» مؤكدا ان التسريع يرتبط بالاستجابة لمطالب محددة إذا توافرت لا مانع لدينا من التسريع من اجل ايجاد حل لقضية الاسرى.
وفي الموضوع الداخلي، استمع وليامز وبيدرسن الى وجهة نظر «حزب الله» لجهة التجاوب مع اية مبادرة داخلية او عربية للوصول الى تسوية للازمة الداخلية، وشدد الجانب الدولي ايضا على وجوب عدم اضاعة الوقت لان الاوضاع اذا استمرت على ما هي عليه، فإنها قابلة للتدهور بشكل دراماتيكي.
ووصفت مصادر قيادية في «حزب الله» اجواء اللقاء مع وليامز وبيدرسن بأنها «كانت صريحة وإيجابية وبناءة».
من جهته، عبّر وليامز عن ارتياحه لنتائج اللقاء، ونفى ان يكون قد تلقى طلبا من الحكومة اللبنانية بنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا، وعبّر عن ارتياح الامم المتحدة لدور «حزب الله» في الالتزام بتنفيذ القرار ,1701 «ونحن نريد أن نؤسس على هذا الالتزام، فيما اكد الوزير فنيش انه لو كان هناك دليل على تهريب سلاح من سوريا «لكانت قامت الدنيا ولم تقعد من قبل اسرائيل وأميركا».
وفي موازاة جولة وليامز، انتقل، امس، وفد من البوليس الفيدرالي والجمارك الالمانية لمعاينة المعابر الحدودية مع سوريا في العبودية والعريضة والمصنع، في زيارة تفقدية هي الثانية خلال الشهور الماضية للاطلاع على واقعها الميداني، ولوحظ ان الجولة شملت هذه المرة مناطق ينطا وحلوى ودير العشاير. وذكرت مصادر أمنية لبنانية أن زيارة الوفد «تهدف الى الاطلاع على كيفية مراقبة الحدود والمعابر الجبلية التي تربط بين لبنان وسوريا، لمنع عمليات التهريب وإدخال الأسلحة والممنوعات الى لبنان عبر هذه المعابر».
وفي السياق نفسه، ورداً على سؤال حول استمرار تهريب السلاح الى لبنان، قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا انه سيتم بحث كيفية مواصلة «اليونيفيل» بالعمل على تطبيق القرار 1701 بكافة أبعاده، وكذلك تحديد الأطراف التى لا تحترم تنفيذ القرار سواء بالقيام بتهريب السلاح أو غير ذلك، حيث سيناقش أعضاء مجلس الأمن الدولي هذا الأمر.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد