طالباني العائد الى دمشق هل يعيد المياه الى مجاريها
الجمل ـ سعاد جروس:العائد الى دمشق بصفته رئيسا للعراق, لتقديم الشكر من جهة والتنسيق والتعاون من جهة اخرى,امضى في ضيافة سوريا اياما ودية ونقل وجهة النظر الكردية والعراقية حول تداعيات الوضعين الامني والسياسي وكيفية الخروج من المأزق. والسؤال: هل ان الزيارة مجرّد تواصل ام بداية طريق جديد يسلكه العراقيون مع دول الجوار؟
خلال زيارة طالباني الى دمشق التي استمرت لعدة أيام بدءاً من 14 كانون الثاني €يناير€ الحالي ولغاية 19 منه, صرح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بأن العراقيين يحترمون تماماً وجهات نظر الولايات المتحدة وسياساتها واستراتيجيتها باعتبارها أقوى حليف للعراق, لكن الحكومة لديها أيضاً مصالح قومية خاصة بها. فيما وصف طالباني سوريا ببلده الأول, وعبر عن افتخاره بالعودة إليها, وعن امتنانه العميق لكل ما قدمته لهم قائلاً: «هذه سوريا الحبيبة, سوريا حافظ الأسد التي كرمتنا في اشد الأيام, يوم كنا نعارض ونناضل ضد الديكتاتورية» مضيفاً «نحن مدينون لسوريا وضميرنا مثقل بهذا الدين. هذا الدين لا يقدر بثمن ولا بالأموال التي قدمتموها لنا. وها نحن نعود إلى سوريا لنقدم لكم الشكر الجزيل» مؤكداً تصميم بلاده على «إقامة أحسن أنواع العلاقات السياسية والتجارية والنفطية», والرغبة في تحطيم الطوق الذي فرض على البلدين لمنع تعاونهما, والتأكيد على أن هذه الزيارة ليست زيارة رئيس جمهورية, وإنما هي «زيارة العراق لسوريا التي لها أناس أوفياء في العراق».
اصطحب طالباني وفداً رسمياً كبيراً يمثل كل الشرائح العراقية تقريباً, مع وفد رسمي رفيع المستوى ضم وزير الداخلية جواد البولاني, ووزير التجارة عبد الفلاح السوداني, ووزير الموارد المائية عبد اللطيف رشيد, ووزير الدولة للشؤون الخارجية رافع العيساوي, ومستشار الأمن القومي موفق الربيعي, وعدداً من أعضاء مجلس النواب.
اعتبر مراقبون أن الزيارة تشكل تحدياً لسياسة الرئيس الأميركي جورج بوش, إذ جاءت بعد إعلانه عن استراتيجيته الجديدة في العراق, ورفضه فتح حوار مباشر مع سوريا وإيران. وقال عضو البرلمان العراقي محمود عثمان ممثل التحالف الكردستاني: إن الزيارة لا تشكل تحديا للرئيس بوش, مضيفاً أنها كانت مقررة منذ عام. لكنه في تصريح آخر له قال: «إن مصالحنا تختلف عن مصالح الولايات المتحدة. وهذا العداء الموجود بين الولايات المتحدة وبين سوريا وإيران لا يخدم الوضع في العراق». ورأى الوزير زيباري أن بغداد تحاول إيجاد توازن دقيق مع واشنطن, وإقامة علاقات بناءة مع الدول المجاورة التي تعتبرها بغداد مهمة في إرساء دعائم الاستقرار, ولكن تتهمها واشنطن بتأجيج العنف.
كلام المسؤولين العراقيين لم يكن مقنعاً للكثير من المراقبين, خصوصا أنه كان هناك ترحيب أميركي غير معلن بالزيارة, وما كان لها أن تتم لولا موافقة الأميركيين, وهذا ما يشير إلى أن الرئيس الأميركي الذي رفض الحوار المباشر مع سوريا, لم يرفض فتح حوار معها عبر العراق, وأن هذه الزيارة أتمت ما بدأته الدبلوماسية برضا أميركي بين بغداد ودمشق منذ أكثر من شهرين, بعد الإعلان عن عودة العلاقات بينهما بافتتاح السفارتين. تستند وجهة النظر هذه إلى أن أميركا تريد اختبار جدية وأهمية ما يمكن أن تقدمه سوريا في العراق على الصعيد الأمني, لذا ربط الوفد العراقي التقدم في جميع الملفات المطروحة للبحث مع المسؤولين السوريين بإحراز تقدم في الملفين الأمني والسياسي, وبمعنى آخر أن يكون تحسين العلاقات التجارية والاقتصادية, مكافأة على ما يُحرز من تقدم على المستوى الأمني والسياسي, وهو ما يتوافق مع الرؤية الأميركية كأرضية للحوار مع سوريا, أي المساعدة في العراق لقاء مكاسب اقتصادية نفطية واستثمارية. وهو ما فُهم أيضاً من المساومة التي طرحها السيناتور الديمقراطي بيل نيلسون لدى لقائه بالرئيس الأسد فيما يشبه جس النبض لاستكشاف إمكانية إحداث خرق في العلاقات السورية الإيرانية, وقال أن مصلحة الرئيس السوري أن يعم الاستقرار في العراق, تتجلى بإقامة علاقات دبلوماسية بينهما منذ فترة قصيرة, ولديه الرغبة في نقل النفط العراقي عبر أنابيب تعبر بلاده, لكنه لم ير أن لإيران مصلحة في زعزعة الاستقرار في العراق, وان هذا يتعارض مع مصالحه. هذا كان رد الأسد حسب ما نقله نيلسون, وهو الرفض لما طرحه وتأكيد علاقات الصداقة القوية التي تربط سوريا بإيران. وقد نقل نيلسون للأسد إصرار الإدارة الأميركية على رفضها منح أي مقابل لما تطلبه في الملف العراقي من خارجه, وكرر على أسماع السوريين أن لا مقابل لتعاونهم في العراق وفلسطين على حساب لبنان ودعم حكومة السنيورة!!
وعلى الرغم من حرص سوريا على إنجاح زيارة الطالباني,تمسكت بمعالجة كافة الملفات حزمة واحدة, وأن يتم التعاون بالتزامن في المجالات كافة: الأمنية والسياسية والاقتصادية والتجارية, من دون أن يكون ملف الأمن مكافأة لملف آخر على الرغم من إدراكها أولوية الملف الأمني, الذي جرى بحثه الشهر الماضي مع وفد أمني عراقي رفيع, وتم التوصل إلى تفاهمات على عدد من الخطوات في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الحدودي وإقامة لجنة أمنية عليا مشتركة وخط ساخن بين البلدين. كما أبدت سوريا مرونة فائقة خلال المباحثات التي تركزت على التعاون الاقتصادي وخصوصا في مجالات التبادل التجاري والتعاون في مجال نقل النفط والقضايا المرتبطة بها.
خلال الزيارة دعا الوزير العراقي الشركات السورية ورجال الأعمال للاستثمار فى العراق ورفع معدلات التبادل التجاري,مشيراً إلى أن جميع الأنشطة الاقتصادية مفتوحة أمام رجال الأعمال السوريين, والى استعداد بلاده لتقديم التسهيلات اللازمة لهم. وكشف وزير التجارة العراقي عن تناول المباحثات إعادة تشغيل خط نقل النفط العراقى €كركوكبانياس€, أو إيجاد بدائل له, وأن هذا العمل يعتبر نشاطا اقتصاديا كبيرا لمصلحة العراق ومصلحة سوريا ومصلحة المنطقة بشكل عام. وعبر الجانبان عن تفاؤلهما بالمباحثات التي تمت في أجواء من الود والجدية والرغبة والإرادة المشتركة في تطوير العلاقات بمختلف المجالات. ولمس الجانب العراقي من المسؤولين السوريين رغبة في الانفتاح على التعاون مع العراق ودعم وحدته واستقراره. تمثل ذلك في المباحثات التي تناولت مسألة اقتسام المياه بين البلدين حسب اتفاقية موقعة بينهما في العام 1987 تقوم سوريا بموجبها بتصريف 58 في المئة من التصاريف الواردة اليها من نهر الفرات. وقد وافق الجانب السوري على زيادة كمية المياه التي تحررها في اتجاه العراق.
لا شك في أن تلك النتائج التي أحرزتها زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني إلى دمشق تعطي للزيارة أهمية كبيرة, بالإضافة لما تحمله من دلالات سياسية كونها أول زيارة لرئيس عراقي منذ العام 1979, وأول زيارة لطالباني إلى دمشق بعد الاحتلال الأميركي للعراق, علماً أنه كان منفياً إلى سوريا لفترة طويلة خلال فترة حكم نظام صدام حسين, وفيها أعلن عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أواسط السبعينيات. وعودته اليوم وتصريحاته البالغة الود وإقامته لعدة أيام, إضافة الى زيارته لضريح الرئيس الراحل حافظ الأسد؛ جميعها تشير إلى صدقه بالاحتفاظ بعلاقات جيدة مع سوريا برغم الاتهامات الموجهة من قبل عدد من المسؤولين العراقيين والأميركيين لسوريا, وهو ما فسره مراقبون بأنه سعي من طالباني لنيل الدعم السوري للأكراد في العراق, مع محاولة منه لطمأنة سوريا بأن الطموحات الكردية لإقامة دولة ضمن فيدرالية مستقبلاً, لن تؤثر على هذه العلاقات. إلا أن هذا التفسير يبقى ضعيفاً كون طالباني أصر على أن يكون للزيارة طابع عراقي يشمل كافة الأطياف, لا طابعاً كردياً ولا حتى شخصياً رغم ما أظهره من مشاعر جياشة للسوريين.
من جانب آخر, بدت الزيارة وكأنها تتم خارج سياق التحرك الدبلوماسي الأميركي في المنطقة, حيث تزامنت مع جولة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إلى إسرائيل وعدد من الدول العربية €محور الاعتدال€ حسب التصنيف الأميركي, وعقدها لاجتماع في الكويت توصلت خلاله إلى توزيع الأدوار على حلفاء الولايات المتحدة, بحيث تساهم الدول الخليجية بتغطية تكاليف نشر 21 ألفا من القوات الأميركية في بغداد, بينما يقدم الأردن خدمات استخباراتية ولوجستية لدعم تلك القوات, على أن تقوم مصر بتوفير الغطاء السياسي اللازم. وذلك في ظل تزايد المعلومات حول استعداد أميركا للقيام بتوجيه ضربة قريبة وخاطفة لإيران, مقابل متابعة رايس لتنفيذ سياسة إدارتها في إيجاد حلول منعزلة لكافة الملفات في المنطقة. فعلى الصعيد الفلسطيني لم تر رايس ضرورة في عقد مؤتمر للسلام, فلم تحمل معها خطة جديدة إلى إسرائيل. وعلى صعيد الملف اللبناني, يبدو أن الأميركيين وضعوه في الثلاجة, على أن تتولى باريس متابعته من خلال دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عبر مؤتمر باريس 3. وعلى صعيد سوريا, ظلت الأمور رهن ما ستتمخض عنه التطوارت في الأشهر القليلة المقبلة, مع وجود عزم أميركي على القيام بمحاولة لتحييدها عن طريق فك الارتباط بينها وبين إيران. تأكيداً لرأي السيناتور بيل نيلسون الذي رأى أن سوريا بلد خطير, ومن المهم أن «نتبصر ونستوضح الأمر بجلاء تحت الضوء ونميز بين سوريا وبين إيران, وذلك لأن الجمع بين الاثنين يجعل الموضوع أكثر تعقيداً, وأعتقد بضرورة أن نسعى من أجل مواصلة النقاش والحوار مع سوريا».
لذا رجحت مصادر دبلوماسية غربية أن ربط سوريا باتفاقية أمنية مع العراق الهدف منه تحييدها, أو ضمان عدم وقوفها إلى جانب إيران, والمعركة المقبلة على أرض العراق ستهدف إلى الحد من النفوذ الإيراني, وهو الشرط الذي وضعته السعودية لتساند خطة بوش, وإذا فشلت محاولة عزل سوريا عن إيران, فإن المواجهة ستكون مع سوريا أيضاًَ, ولا تستبعد المصادر القيام بإرسال إرهابيين إلى سوريا لتهديد أمنها وتوسيع دائرة الفوضى في المنطقة, وفي حال تحقق هذا الاحتمال فإن زيارة طالباني إلى دمشق ستكون كسابقاتها من زيارات المسؤولين العراقيين, إلا إذا تمكن العراقيون من فرض أجندتهم الوطنية مستقلة على الإدارة الأميركية, وجعل الأولوية لمصلحة بلادهم وعلاقاتها مع دول الجوار, بحيث يتمكنون من وضع حل سياسي مستقل, وهو ما تأمل به سوريا, التي باتت تنوء بمشكلة اللاجئين العراقيين الذين تجاوز عددهم المليون لاجئ, بالإضافة إلى ما تمثله الفوضى والانفلات الأمني من خطورة على أمن واستقرار سوريا, وكان هذا واضحاً في كلام الرئيس السوري بشار الأسد لنظيره العراقي: «امن البلدين مشترك, وما يسيء لأحده يسيء للآخر. والخير مشترك للبلدين, فعندما يكون العراق سليماً معافى, سينعكس ذلك بالخير على سوريا», مؤكداً استعداد دمشق للمساعدة في تحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار في العراق.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد