طلال سلمان: المسألة اللبنانية ليست إلا تفصيلاً في صفقة كبرى

07-12-2006

طلال سلمان: المسألة اللبنانية ليست إلا تفصيلاً في صفقة كبرى

مع أن لبنان لم يكن موضوعاً قائماً بذاته في تقرير لجنة بيكر هاميلتون حول المأزق الأميركي في العراق وكيفية حصر الأضرار تمهيداً للخروج من مستنقعه الدموي، فإن ما ورد في هذا التقرير المرشح لأن يغدو خريطة طريق للسياسة الأميركية في المنطقة، يعني اللبنانيين، ولا سيما أصحاب القرار منهم، بقدر ما يعني سائر المسؤولين في الدول المحيطة بالعراق والتي يتزايد تأثرها بما يجري فيه من مذابح يوماً بعد يوم، بما يجعل الحرب الأهلية قدراً محتوماً.
لم يتعرض تقرير لجنة بيكر هاميلتون لأوضاع لبنان مباشرة.
لكن الحديث عن لبنان، بكل ما جرى ويجري فيه، إنما ورد في بعض فقراته المخصصة لمستقبل العلاقات الأميركية السورية، وانطلاقاً من دور سوريا في المسألة العراقية اليوم وفي الصراع العربي الإسرائيلي، أساساً.
ولافت في السياق أن مقترحات التقرير لتسوية هذا الصراع تتحدث عن المسار اللبناني السوري على أنه واحد، في حين أنها لا تطلب من سوريا فلسطينياً إلا الضغط على حماس لكي تعترف بإسرائيل وحقها في الوجود... ولعل جيمس بيكر يستذكر هنا دوره في ابتداع فكرة مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وقد كان وزيراً للخارجية الأميركية آنذاك، وكان عليه أن يقدم للعرب جائزتهم بعد مشاركتهم في تحرير الكويت بعد غزوة صدام حسين.
أما المطالب اللبنانية من سوريا، فهي كما يحددها التقرير:
 التزام سوريا التام بقرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي يشكّل إطار استعادة لبنان سيادته وسيطرته على أراضيه.
 التعاون الكامل مع كل التحقيقات في الاغتيالات السياسية في لبنان، خصوصاً الرئيس رفيق الحريري والوزير بيار أمين الجميل.
 إغلاق أراضيها كمعبر للأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان.
 استخدام نفوذها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين عند كل من حزب الله وحماس.
 وأخيراً، وقف جهودها، بشكل يمكن التحقق منه، لتقويض حكومة لبنان المنتخبة ديموقراطياً.
أما ما يعرض على سوريا في هذه الصفقة الضيزى فكثير كثير، ويمكن للمعني أن يقرأ وأن يستنتج، بمعزل عن عواطفه، ومدى قبوله أو اعتراضه عليها.
ما يعنينا هنا أن يتنبّه القادة والمسؤولون وأصحاب القرار في لبنان إلى أن الصفقة تكاد تتم، من فوق رؤوسهم جميعاً، وبشروط أطرافها، وبحسب قوة كل طرف وامتلاكه أوراق المساومة أو المبادلة، لا فرق.
وبينما يحتدم الجدل حول الحكومة وما اتصل بها وتفرع عنها في بيروت وتستنفر من أجل حسمه كل أنواع العصبيات الجاهلية والعصرية، الطائفية والمذهبية، الجهوية والمناطقية إلخ...
وبينما تتكاثر صيغ التسويات التي ترفض تباعاً لإعادة صياغة الحكومة بما يحقق التوازن الذي تطالب به المعارضة، فتكون بداية الثلث + ,1 ثم يقسم الثلث جرعتين فيصير 19 + 10 + واحد، ثم 19 + 9 + ,2 مع اشتراط أن يكون الوزيران الإضافيان لا ذكراً ولا أنثى فيحضران وقد يسمح لهما بالنقاش ولكن لا يكون من حقهما التصويت، حتى لا تتحكّم الأقلية بالأكثرية إلخ..
وبينما يفرض على اللبنانيين أن يستمعوا إلى أنماط من الجدل العقيم الذي لم يعرف مثله البيزنطيون عشية سقوط عاصمتهم وإمبراطوريتهم،
وبينما تغرق البلاد أكثر فأكثر في مهاوي أزمتها الاقتصادية، فيتهدد الإفلاس المؤسسات والمصانع (على قلتها) ومراكز الإنتاج، وتهجر الوطن نخب من أبنائه المؤهلين والمهنيين المدربين، فضلاً عن كفاءاته المميزة في مجالات الإبداع، كتابة وإعلاماً ومسرحاً ورسماً ونحتاً وسينما، ومشاريع استثمارية واقتصادية.
بينما يجري هذا كله في هذا الوطن الصغير الذي يداخلنا الغرور أحياناً فنراه عاصمة للكون، لا ينام الكبار في العالم، بدءاً بالإدارة الأميركية مروراً بالرئاسة الفرنسية والحكومات البريطانية
والألمانية وصولاً إلى لاتفيا قبل أن يطمئنوا إلى استتباب الأمن فيه واستقرار حكومته المنتخبة ديموقراطياً..
... بينما يجري هذا كله يقع ما يفترض أن ينبّه اللبنانيين إلى أن مسألتهم العظيمة ليست إلا تفصيلاً في صفقة كبرى تجريها الإدارة الأميركية (ملاذ أمنهم واطمئنانهم ومصدر حمايتهم) مع الأقوى من دول المنطقة، في محاولة منها للتخفف من أزمة خطيرة تكلفها كثيراً من المال وبضعة آلاف من الجنود الذين يتزايد سقوطهم كل يوم على أرض الرافدين (من دون الإشارة إلى مئات الآلاف من الضحايا العراقيين الذين يدفنون بلا شواهد وبلا أسماء في مقابر جماعية).
أليس من الأكرم أن تعقد القيادات السياسية اتفاقاً صفقة في ما بينها مباشرة، بدل أن تنتظر حتى يأتيها من يأخذها بيدها إلى صفقة تمت في غيابها، وأغلب الظن على حسابها..
أليس أكرم لها وللبنانيين عموماً أن تستنقذ الوطن ودولته والحكومة وسائر المؤسسات باتفاق مباشر، سرعان ما سوف يعتمده الكبار، إذا ما تحققوا من أن ثمة إجماعاً وطنياً عليه لا يهزه غضب سفير أو عتب بعض القائمين بالأعمال؟
.. وفي انتظار الأجوبة، نتمنى على الجميع أن يقرأوا جيداً مشروع الصفقة الجديدة التي تعد للمنطقة، والتي حتى لو تم تعديلها فلن يختلف الأمر كثيراً علينا..
وقديماً قيل: عند اختلاف الدول احفظ رأسك..
.. والأحرى أن تحفظ رأسك عند اتفاقها.

طلال سلمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...