ظاهرة الانتحار تتفوق على الادمان على المخدرات عند الشباب نتيجة الاحباط العام
صحيح أنّ الانتحار محرّم على أعلى المستويات دينياً وخلقياً، إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ ظاهرة الانتحار تشهد تصاعداً في المجتمع اللبناني، وهي التي تفوّقت على ظاهرة الادمان على المخدرات عند الشباب بحسب آخر الأحصائيات التي أظهرت أنّ عدد ضحايا الانتحار فاق عدد ضحايا المخدرات بمئة شخص على أقل تقدير.
وإذا كانت الحرب اللبنانية أثرت سلباً على المجتمع اللبناني وجاءت فترة ما بعد الحرب لتشكل محطة أشدّ سوءاً ما أدى إلى إحباط عام يتعرض له الشباب الذي لم يعش طفولته أصلاً بشكل سليم فكوّن نظرة قاتمة عن محيطه ومستقبله، تبقى هذه الظاهرة دون حلول جذرية وإن تنوّعت أسبابها بين الظروف الاقتصادية الصعبة وتفشي المشاكل الاجتماعية على مختلف الأصعدة.
الانتحار.. بين المجتمعات القديمة والحديثة
في المجتمعات القديمة كأثينا، اعتبر الانتحار مخالفاً للقانون ويُنقَل عن أرسطو قوله على هذا الصعيد أنّ الانتحار خطأ ضدّ الدولة. لم تختلف هذه النظرة كثيراً في المجتمعات الحديثة التي لا تزال تحارب هذه الظاهرة بكلّ ما أوتيت من قوة، ومع ذلك، فقد أفادت آخر الدراسات بأنّ معظم حالات الانتحار تتم في المناطق الاكثر اكتظاظاً بالسكان خصوصاً في جبل لبنان وبيروت، وتشير الدراسات إلى أنّ محاولات الانتحار ارتفعت بشكل ملحوظ مع بدايات التسعينات وبلغت ذروتها في العام 1999 ولا تزال اليوم تتصاعد بشكل مستمرّ.
ويوضخ الاختصاصي في الأمراض النفسية الدكتور سمير جاموس لـ"النشرة" أنّ أولياء من يقدم على الانتحار كانوا يخفون في الماضي أمر انتحاره بسبب قساوة حكم المجتمع ورجال الدين، حيث كان المنتحر يحرَم من مراسم الدفن الدينية كما كان يُحكم عليه بالعذاب الأبدي. ويشير الدكتور جاموس إلى أنّ هذا الأمر اختلف اليوم، حيث خرج موضوع الانتحار من عتمة الجهل مع تطور العلوم المختلفة على غرار علم الاجتماع وعلم النفس، ويشدّد في هذا الإطار على أنّ الفعل الانتحاري لا يدلّ بالضرورة على وجود حالة مرضية نفسية تحتية، مؤكداً أنّ محاولة الانتحار توازي الانتحار من حيث المضمون النفسي.
تعددت الاسباب و الانتحار واحد
يرى الدكتور سمير جاموس أنّ الانتحار "قد يكون مبرّراً" إذا ما توافرت له الأسباب المعنوية أو الاجتماعية أو الدينية أو الفلسفية أو الشخصية، ولكنه لا ينكر بأنّ الانتحار قد يعبّر في بعض الأحيان عن حالة مرضية معينة خصوصاً إذا ترافق مع أحد الاضطرابات النفسية المعروفة على غرار الاكتئاب أو الفصام أو الخرف أو الاختلاط الذهني، كما أنه قد يندرج في سياق أزمة وجودية حادة على شكل قلق حاد. ويوضح أنّ النزاع القائم بين التيارين الاجتماعي والنفسي في تفسير ظاهرة الانتحار الطبيعي يبرز بوضوح امام ظاهرة محاولة الانتحار، إذ قد تدل محاولة الانتحار الى وجود حالة مرضية نفسية تحتية لكنها قد تصدر ايضاً عن شخص لا يمكن اعتباره مريضا نفسيا.
ويتحدّث الدكتور جاموس عن الدوافع التي يمكن أن تؤدي إلى فعل الانتحار، ومنها:
- تجنب حدث مؤلم أو الهروب منه، ومثال على ذلك إقدام المرضى المصابين بالسرطان أو السيدا على الانتحار هرباً من فضيحة اجتماعية أو سياسية.
- تدمير الذات وذلك بتوجيه عدوانية شديدة نحو الذات، ومثال على ذلك انتحار المكتئب أو المصاب بالفصام.
- توجيه نداء استغاثة أو رسالة يأس إلى محيط لا مبال أو عدواني، ويحصل الموت أحياناً بسبب عدم استجابة المحيط للنداء أو التأخر في تقديم الاسعافات اللازمة.
وإضافة إلى ما سبق، يلفت الدكتور جاموس إلى وجود أفعال مساوية للانتحار وإن لم تكتسب صفة الانتحار كلل، ومنها تعاطي الكحول بكميات كبيرة والجرعات المفرطة من المخدرات، إضافة إلى الانخراط في مجموعات مسلحة والمشاركة في ألعاب رياضية خطيرة.
اساليب الموت البطيء
يلاحظ الدكتور جاموس أنّ المنتحر يستعمل عادةً الوسائل المتوافرة بين يديه والطريقة التي يراها مناسبة، علماً أنّ الطرق الأكثر استعمالاً للانتحار هي قطع الشرايين أو إحداث جروح بواسطة الآلات الحادة أو قطع السلاح والمواد المتفجرة إضافة إلى القفز من مكان مرتفع والارتماء تحت عجلات المركبات السائرة والاحتراق بالمواد الكيماوية، دون أن ننسى الطرق الخانقة على غرار الشنق والغرق وتنشق الغاز وكذلك الطرق السامة من خلال تناول السموم والادوية والكحول، وفي بعض الاحوال يصعب التمييز بين الانتحار والموت سهواً من جهة خصوصا عند اشخاص لم يصدر عنهم اي تصرف مقلق او منذر في الايام او الاسابيع التي سبقت الموت و بين الانتحار والقتل من جهة اخرى والجدير ذكره انه عند الشك في طبيعة الموت يجب اللجوء الى طبيب شرعي يؤكد الانتحار. اما من ناحية محاولة الانتحار فلا يجوز اهمال هذه الحالة علميا ايا كانت درجة خطورتها، فتقويم محاولة الانتحار الزامي ويعود الى الطبيب النفسي دون غيره وهو مسؤولية طبية واجتماعية وانسانية.
ماوراء الكواليس النفسية
افادت الدراسات و الابحاث الاخيرة عن وجود عوامل مسببة طبية وعائلية واجتماعية ونفسية في الانتحار:
أ- العوامل الطبية بين 60 و 80 % من محاولي الانتحار لا يعانون من اي اضطراب نفسي لكن وضعهم الصحي العام لا يكون جيدا من الناحتين الجسدية و النفسية.
ب- العوامل العائلية.
ت- كل المواقف التي تؤدي الى تفكك العائلة تشكل خطرا انتحاريا حقيقيا مثلا: موت احد افراد العائلة، الانفصال الطلاق.
ث- العوامل الاجتماعية: تشكل العزلة الاجتماعية عنصرا مسببا مهما للانتحار مثلا: عزلة المراهق العاطفية العزوبية، الترمل، الطلاق.
ج- العوامل النفسية
يجب التمييز بين الحالات النفسية والمسببة للانتحار مثل غياب سلطة الاهل او التشدد في التربية وازمة المراهقة او القصور العاطفي وسن اليأس من جهة والاضطرابات النفسية من جهة اخرى اذ ان الفصام يشكل خطر الانتحار فيه نسبة 20 % وادمان الكحول نسبة 10 % الى جانب هذه العوامل المسببة هناك عوامل مساعدة قد تؤدي بدورها الى الانتحار من اهمها:
- فصول السنة حيث ان نسبة المنتحرين في فصلي الربيع و الصيف هي اعلى منها في فصلي الخريف و الشتاء.
- السكن: يحصل الانتحار في المدينة اكثر منه في الريف
- الدين : بعض البدع الدينية مثل عبادة الشيطان قد يؤدي الى الانتحار.
- المهنة: ان خطر الانتحار هو الاعلى عند الاطباء يليهم الموسيقيون ثم اطباء الاسنان فالمحامون ومندوبو شركات التأمين.
- البطالة: على الرغم من تأثير البطالة على نسبة المنتحرين في بلد ما الا انه لا يمكننا الجزم بوجود علاقة مباشرة بين البطالة و الانتحار.
- السن: ان نسبة الانتحار الاعلى عند المسنين يليهم المراهقون.
- الجنس : في حين ان نسبة الانتحار هي اعلى عند الرجال فان نسبة محاولة الانتحار هي اعلى عند النساء.
ويرى الدكتور سمير جاموس أنّ الدراسات دلت على ان علاج الفصام عموما بواسطة ادوية يخفف من خطر الانتحار. والاسباب متعددة منها من سئم تكاليف الحياة ومنها من شعر بالنقص وفجع بالهزيمة ومنها من فشل في بلورة طاقاته الدفاعية كي يتعامل مع الناس ومع واقعه ومنها من ضعفت ثقته بنفسه وعاش حال فراغ مستمرة.
سوزان برباري
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد