غزة تغرق في «بحر من الـظلام»
فرضت إسرائيل التعتيم الشامل على قطاع غزة الذي يتعرض منذ نحو شهرين لواحدة من اكثر الحملات العسكرية دموية في التاريخ العربي الاسرائيلي واشدها وحشية، وادى الاغلاق التام الذي فرضته يوم الخميس الماضي على القطاع ، الى اغراقه في «بحر من الظلام» اثر توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل امس، ولم يعد سكان القطاع الـ5,1 مليون يجدون «حتى خشبا» لاطعام اطفالهم، الذين يدفئونهم بأذرعتهم بعدما نفد الوقود لتشغيل اجهزة التدفئة الصناعية.
وفي موازاة هذا التعذيب الجماعي واصلت اسرائيل عمليات القتل التي اسفرت امس، عن استشهاد فلسطيني وأصابة آخرين، في قصف مدفعي للاحتلال على محيط متنزه الزهراء شمالي القطاع، كما سقط مقاوم في حركة الجهاد الاسلامي في غارة جوية مساء على القطاع. وكان المقاومان من حركة حماس علي جمعة وايهاب البنا قد استشهدا واصيب اربعة آخرون فجر السبت في غارة جوية اسرائيلية على شرق جباليا شمال القطاع. وتوفي المقاوم في حماس شادي القطيفان (22 عاما) السبت متأثرا بجروح اصيب بها في غارة اسرائيلية الخميس.
وامام هول المأساة الانسانية في قطاع غزة، طالبت السلطة الفلسطينية باجتماع عاجل لمجلس الامن الدولي والمجلس الوزاري العربي، فيما اجرت ايران اتصالات مع عواصم الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي، من اجل القيام بتحرك ما.
وقال مدير مشروع محطة توليد الكهرباء الفلسطينية في غزة رفيق مليحة «اوقفنا كليا عمل المحطة بسبب عدم تزويدنا باي كمية من الوقود وهذا يعني دخول معظم مناطق غزة في ظلام دامس» مضيفا ان «عملية القطع او وقف العمل ستستمر حتى اعادة تزويد المحطة بالوقود». وتابع ان انقطاع التيار الكهربائي «يؤثر بشكل سلبي كبير على مجمل مناحي الحياة بما في ذلك المستشفيات ومضخات المياه والمجاري والصرف الصحي عدا عن الانارة العامة والتدفئة» فيما قدر نائب رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية في غزة كنعان عبيد أن حوالى مليون من سكان غزة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، سيتضررون بسبب إغلاق المحطة.
وحذر المسؤول في وزارة الصحة الفلسطينية معاوية حسنين من كارثة صحية في القطاع، موضحا «لدينا خيار اما ان نقطع التيار عن الاطفال في جناح الحضانة، او مرضى جراحة القلب، او وقف غرفة العمليات». واعلنت خمسة مستشفيات كبرى في غزة إنها لن تجري سوى الجراحات العاجلة، فيما اعلنت حماس ان خمسة مرضى توفوا نتيجة انقطاع الكهرباء.
وساد ظلام دامس مدينة غزة ومعظم مناطق شمال القطاع ووسطه، فيما استنفدت مخزونات الغاز المنزلي والوقود الضرورية لتشغيل المولدات. واعلن اصحاب معظم محطات الوقود في غزة نفاد كميات الوقود، فيما سادت حمى شراء البطاريات والشموع والارز والدقيق وزيت القلي، بينما اوقفت المخابز العمل بعدما نفد الطحين بسبب انقطاع التيار.
وأعلن اتحاد الصناعات الفلسطيني في غزة عن إغلاق جميع مصانع القطاع المختلفة والبالغ عددها ,3900 بسبب منع دخول الوقود وقطع التيار الكهربائي.
وقال الفلسطيني أبو محمد أسامة «هكذا تريد إسرائيل غزة، بحر من الظلام، العالم المتحضر يراقب في صمت تام». وتقول المواطنة صفية العمارين، من جهتها، «ليس لدينا كهرباء ولا غاز. لم يعد لدينا حتى شمع بسبب الحصار. لا نجد حتى خشبا لنطبخ طعاما للاطفال. لم ار في حياتي اياما كهذه». ومشيرة الى طفلها الرضيع، تقول العمارين «نجعل الاطفال يلبسون كل ما لدينا من ملابس. بعضهم يرتدون ست طبقات. احيطهم بذراعي طوال الليل لكي ادفئهم». وتقول صفاء ابنة صفية «نذهب الى المدرسة من دون طعام ولا تأخذ مصروفا لفترة الظهر».
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ارييه ميكل ان انقطاع التيار عن القطاع «مؤامرة من حماس للادعاء بأن ثمة شكلا من الأزمة بهدف اجتذاب تعاطف دولي».
وكانت الحكومة الاسرائيلية قد قررت، في جلستها امس، الابقاء على الاغلاق التام المفروض على القطاع منذ الخميس الماضي، بحجة الرد على اطلاق الصواريخ من غزة على الاراضي الاسرائيلية.
ونقل عن وزير الدفاع ايهود باراك قوله في اجتماع الحكومة «اننا نجعل الحياة اليومية في غزة اكثر صعوبة، نستهدف العناصر الارهابية ونحاول ان نظهر للمجتمع الدولي اننا نستنفد كل الخيارات قبل ان نقرر عملية واسعة».
وبرغم فداحة الازمة، قال المتحدث باسم حماس سامي ابو زهري «لن نرفع الراية البيضاء، ولن نستسلم» فيما قال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل لقناة «الجزيرة» «ايها القادة العرب، مارسوا ضغوطا حقيقية لوقف الجريمة الصهيونية... تحملوا دوركم ومسؤوليتكم» مضيفا «لا نطلب منكم شن حرب عسكرية على اسرائيل... وانما فقط الوقوف الى جانبنا بكرامة وشرف». وتابع انه على اتصال مع عدد من الدول العربية، بينها مصر والسعودية، لتبيان ما اذا كانت ستضغط على اسرائيل. اضاف انه طلب من مصر ان تزود القطاع بالكهرباء.
وناشد مشعل الرئيس محمود عباس العمل سويا لاعادة اللحمة في الاراضي الفلسطينية. وقال «هذه لحظة تاريخية والشعب الفلسطيني لن يسامح فتح أو حماس إذا لم نتلق على أرضية الأخوة والمصلحة الوطنية، ونجلس على طاولة الحوار من دون شروط، وان نتوصل الى اتفاق حول كل شيء بين (الفصائل) الفلسطينية... هذه دعوة صادقة، من دون سياسة».
من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة ان الرئيس محمود عباس «طالب الحكومة الاسرائيلية بان ترفع الحصار فورا عن قطاع غزة والسماح بدخول الوقود...» مضيفا ان عباس «دعا الى عقد دورة خاصة لمجلس جامعة الدول العربية لبحث الامر بشكل عاجل وبعث برسائل عاجلة الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون واعضاء اللجنة الرباعية الدولية، كما ناشد اعضاء المجتمع الدولي بضرورة التحرك السريع والفوري».
وفي القاهرة، قال ممثل الرئيس الفلسطيني نبيل شعث بعد لقائه وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ان مصر «توافق» على «رغبة السلطة الفلسطينية في عقد اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب لبحث الاوضاع في غزة» مشددا على انه «من الواضح ان هناك نوعا من الضوء الاخضر حصلت عليه اسرائيل من الولايات المتحدة للقيام بهذا العدوان في غزة».
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، من جهته، «تقدمنا الى مجلس الامن عبر ممثلنا في الامم المتحدة بطلب لعقد جلسة خاصة لمجلس الامن لبحث التصعيد العسكري الاسرائيلي في قطاع غزة، وعلمنا ان الممثل الليبي الذي ترأس بلاده دورة مجلس الامن الحالية بدأ مشاوراته لعقد هذه الجلسة».
ذكرت وكالة الانباء الايرانية (ارنا) ان وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي وجه رسالة الى الامين العام لـ»منظمة المؤتمر الاسلامي» اكمل الدين احسان اوغلي وعدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة، طلب فيها عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الاعضاء في المنظمة «لبحث الجرائم الهمجية التي يرتكبها النظام الصهيوني... وسبل منعها».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد