فشل وساطة الكويت والدوحة تترقّب حزمة جديدة من العقوبات
يستعد القطريون لموجة جديدة من الضغوط عليهم. ومع أن كثرة النقاش الداخلي حول أسباب الهجمة الإماراتية ــ السعودية وأبعادها لا تكفي، فإن قطر أمس كانت منشغلة بمتابعة برنامج التصعيد، بعد تبلغها فشل وساطة أمير الكويت صباح الأحمد صباح مع الرياض وأبو ظبي.
حتى إن المعطيات في الدوحة تنفي وجود لائحة مطالب واضحة، وإن ما يردده المسؤولون السعوديون والاماراتيون يشير إلى قرار يتجاوز إجراءات من نوع تغيير سياسية قناة «الجزيرة» أو إبعاد بعض الشخصيات من الدوحة، وإلى أنّ هناك طموحاً واضحاً بإخضاع حكام قطر لوصاية مباشرة.
ويشير معنيون إلى أن القيادة القطرية فوجئت فعلياً بقرار قطع العلاقات وإطلاق عملية حصار متدحرجة على الدوحة، لكنها تتصرف على أن الآتي قد يكون أسوأ، مع ظهور مؤشرات إلى ضغوط تمارسها السعودية والإمارات لمنع أي طرف إقليمي أو دولي من القيام بأي وساطة، وترك الأمر بين أيديهم هم. ولاحظ المعنيون أنّه حتى داخل الإدارة الأميركية، يسعى «المحمدان»، ابن سلمان وابن زايد، إلى تأخير أي قرار بالتدخل المباشر من قبل واشنطن في الجهود لمعالجة الأزمة.
وبحسب المعنيين، فإن التطور الوحيدة المرتقب خلال الفترة القريبة، هو مباشرة الحكومة التركية تنفيذ بنود في المعاهدة الدفاعية مع قطر، ويجري الحديث عن اكتمال الاستعدادات اللوجستية لاستقبال قوة تركية تصل إلى حدود خمسة آلاف ضابط وجندي، سيوجدون ضمن أكثر من قاعدة، بينها مناطق قريبة من الحدود مع السعودية، مع التشديد على آليات تنسيق مع القاعدة العسكرية الأميركية هناك.
ورغم أن مسؤولين قطريين يجزمون بأن القوة التركية ستصل قريباً، إلا أنهم لا يستبعدون حصول ضغوط على أنقرة لتأخير الخطوة. وقال هؤلاء إنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدرس مع أركانه احتمال نقل السعودية والامارات تصعيدها مع قطر ليشمل تركيا، في حال أقدمت الأخيرة على خطوات تعتبر تعزيزاً لـ«التمرد القطري».
لكن، يبدو واضحاً للمراقب في الدوحة أن الرهان لا يزال قوياً على تبدل في موقف واشنطن. ويجزم هؤلاء بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب متورط في القرار السعودي ــ الإماراتي، وأن رجاله يلعبون اليوم دوراً تحريضياً إضافياً، وهو أمر لا ينكره مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع، وحتى في الأجهزة الأمنية. ويبدو للمراقب في قطر أن الرهان قويّ على حصول تطورات في مسعى عزل الرئيس الأميركي، من شأنها إلزام السعودية والإمارات بوقف التصعيد.
الأجواء في قطر لا تزال قلقة للغاية. هناك حالة استنفار أمني غير ظاهرة، وإجراءات على كل المنافذ الحدودية البرية والجوية والبحرية. كذلك، هناك خلية أزمة تتابع ملف الحاجات الاقتصادية الملحة للناس، مع تولّي لجان خاصة متابعة انعكاس القرارات على القطاع المالي، مع تلقّي جهات خارجية معلومات مصدرها مصرف قطر الوطني عن انعكاسات وخسائر كبيرة خلال الأيام الخمسة الماضية. وتبدي الأوساط الاقتصادية والمالية والاستثمارية خشيتها من تطور العقوبات لتلامس حدوداً مزعجة ومؤلمة من بينها:
ــ نجاح السعودية والإمارات في انتزاع قرار يجمد تنفيذ قرار إقامة المونديال في الدوحة 2022. وهو أمر سيتحول إلى زلزال نتيجة الإنفاق والبرامج الضخمة المعدّة والجاري تنفيذها، إضافة إلى التقديرات حول عائدات ضخمة جداً متوقعة من هذا النشاط.
ــ تطور العقوبات من مرحلة إقفال الحدود، إلى منع أي مستثمر أجنبي يعمل في السعودية والامارات والبحرين من العمل في قطر، وتخييره بين وقف عمله في هذه العواصم أو وقفها في قطر. وهم أمر بات ينعكس أيضاً على الشركات ورجال الأعمال الذين يديرون أعمالاً تنتشر في جميع دول الخليج.
ــ استمرار الضغط من قبل رجالات الحكم في أبو ظبي والرياض على مقيمين من غير المواطنين القطريين وحثّهم على مغادرة الدوحة وتجميد الأعمال... وصولاً إلى تحريض الناس على الخروج خشية تدهور الأمور إلى حدّ المواجهة المسلحة.
ويقول معنيون قطريون إنّ الرياض وأبو ظبي راهنا من اليوم الأول على إشاعة الذعر على مستوى المواطنين والمقيمين على حدّ سواء، وإن احتواء الموقف الذي حصل، وعدم عثور السعودية والإمارات على شخصية واحدة مؤثرة من داخل قطر لتكليفها بخوض حملة ضد الحكم في الدوحة، يدفعان بالمصعّدين إلى خطوات أكبر، ما يزيد من الأسئلة حول نوع المرحلة الجديدة من العقوبات.
وفي ظل هذه الأجواء المحتدمة، بدا الخطاب السياسي للقطريين أمس وكأنه ينتقل من مرحلة الدفاع وتجنّب الاشتباك، إلى لغة أكثر تحدياً، إذ خرج وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عقب انتهاء الجولة الخليجية لأمير الكويت، ليقول «(إننا) لسنا على استعداد للاستسلام»، وليؤكد أن قطر قادرة على الصمود «إلى ما لا نهاية» بوجه الإجراءات السعودية والإماراتية. وجزم آل ثاني، في مؤتمر صحافي عقده أمس، بأن قطر لن تساوم على «استقلال» سياستها الخارجية، نافياً حصول الدوحة حتى الآن على لائحة بمطالب الدول المقاطعة.
ورأى أن القوات التركية القادمة إلى قطر «هي لمصلحة أمن المنطقة بأسرها»، كاشفاً أن بلاده لم تقبل بعد بعرض إيراني قدّم لها من أجل المساعدة في تأمين الإمدادات الغذائية عبر تخصيص ثلاثة موانئ لقطر. واستبعد أن يكون هناك حل عسكري للأزمة، وقال إن بلاده «لم تواجه يوماً مثل هذه العدائية حتى من الدول المعادية»، معتبراً أن العزلة «بسبب نجاحنا وتقدمنا... بلدنا منتدى للسلام لا للإرهاب».
الانتقال القطري من مربع الدفاع إلى التحدي والتلويح بالاستعانة بـ«الأصدقاء»، ترافق مع دخول القضية القطرية إلى ما بدا كأنه مرحلة «تدويل» للأزمة، مع توالي التصريحات إقليمياً ودولياً خارج السرب السعودي. وهو ما أعطى القطريين جرعة تفاؤل بالقدرة على الصمود أكثر في وجه الهجمة المستجدة، والسير بين ألغام الجارين اللدودين بغية تفريغ قرار المقاطعة من محتواه، وانتظار ظهور «ارتباك» ما على الموقف السعودي والإماراتي المراهن على بقاء الخلاف داخل البيت الخليجي. آخر المؤشرات إلى إمكانية نجاح الرهان القطري على امتلاك أوراق تجنّب الدوحة «استسلاماً» سريعاً، هو ما كشفته قناة «فوكس نيوز»، نقلاً عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، عن أن ثمة تقدماً في إتمام صفقة توريد قطر بـ72 مقاتلة من طراز «F-15». وأكد المصدر أن «هناك تقدماً في الصفقة التي تبلغ قيمتها 21.1 مليار دولار». واللافت في كلام المسؤول الأميركي نفيه أي تأثير على الصفقة من جانب المعركة الدبلوماسية والنقد الذي وجهه ترامب إلى قطر حول «دعم منظمات إرهابية»، حتى إن شركة «بوينغ» المصنّعة لمقاتلات «F-15»، أكدت في بيان أنها «تتابع آخر التطورات عن قرب»، وأنها تعمل «مع الحكومتين الأميركية والقطرية حول الصفقة. وما زلنا نتوقع اتفاقاً حيالها».
في المقلب الآخر، لم تَرُق الثنائي الخليجي، الإمارات والسعودية، تهديدات وزير الخارجية القطري بالاستعانة بتركيا وإيران. ووضع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، التصريحات القطرية في خانة «التصعيد الكبير»، قائلاً في تصريح له إن «طلب الحماية السياسية من دولتين غير عربيتين، والحماية العسكرية من إحداها، لعله فصل جديد مأسوي هزلي».
أما في الجانب الأميركي، فاكتفى البيت الأبيض أمس بالقول إن الرئيس ترامب يواصل محادثاته مع جميع الشركاء في الشرق الأوسط «لتهدئة التوتر».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد