قوت القلوب فى معاملة المحبوب لأبى طالب المالكي
في البداية شرح الدكتور عبد الحميد مدكور الأستاذ بكلية دار العلوم الذي حقق كتاب" قوت القلوب فى معاملة المحبوب لأبى طالب المالكي" كون هذا الكتاب يعتبر أكبر كتب التصوف التي ألّفت حتى عصر الإمام المكّي فى القرن الرابع الهجري, وهو يعد المصدرّ الوحيد لترجمة السيرة الذاتية لمؤلفه الإمام المكّي , وقد ضم هذا الكتاب أراء التصوف للعلماء السابقين على هذا الكتاب , فهو يعد وثيقة للتصوف فى عصره .وفى هذا الكتاب حاول الإمام أن يقيم توازناً بين علماء التصوف فى دالك العصر , بعد ما احتدم الصراع بينهما, فقد أوضح أنه ليس هناك تعارض بين كل هده الآراء ولكنها تتعامل مع بعضها ، من هذا تنبع الأهمية الكبرى لهذا الكتاب بالنسبة للتصوف بوجه عام .
الأستاذ رجائي عطية مؤلف كتاب عن الصحابي أبى ذرّ الغفاري رضي الله عنه : "التقي الزاهد الصادق اللهجة " يقول : أتحدث فى هذا الكتاب عن شخصية صاحبة ريادة, ومبعث هذه الريادة مواقف وقيم .فمن معالم أبى ذر الغفاري الصدق مع النفس والصدق مع الآخرين, فقبل الإسلام كان يصلى صلاة لم يعلّمها له أحد, وعندما سأله أخوه عن هذه الصلاة , قال: أنا أصلّي لإ له لا أعرفه.
ولما سمع بالنبي شد الرحال إليه, وأعلن إسلامه جهاراً دون أن تكون له عصبية تحميه . ولم يخلط أبداً أبو ذرّ بين إبداء الرأي وبين التمرد والعصيان , فعندما أراد بعض الناس أن يجعلوه يتمرد على الخليفة عثمان بن عفان , قال لهم لو أمرني عثمان أن أمشى حبواً لحبوت, ولو أمرني أن أمشى على رأسي لمشيت فأنا قدمت هذا الكتاب عن هده الشخصية العظيمة على لسان الشخصيات المعايشة لها .
* ثم تحدث الدكتور جمال المرزوقي الرئيس السابق لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعه عين شمس والذي قام بدراسة وتقديم كتاب النصوص الكاملة للنفري : إن حياة النفري قد أحاط بها كثير من الغموض, وذلك يرجع لكثرة ترحاله, وحبه للوحدة والعزلة التي لم تجعل له تلاميذ ينقلون عنه .
وأهم من التفت إلى الإمام النفري هو الإمام محيي الدين بن عربي , وذكر شيئا عنه فى كتابه الفتوحات المكية.
ونصوص هذا الكتاب تشمل المواقف والمخاطبات التي تمثل تجربة النفري الروحية , تلك التجربة الحقيقية الصلبة بدون شك, فهي خلاصة آرائه فى التصوف التي تتمثل فى "الفناء والتوحيد ".
* وتحدث الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الّذي حقق كتاب "روح القدس فى مناصحة النفس" لابن عربي قال :ابن عربي له فى الغرب مكانة كبير جداً كعالم ومفكر إسلامي،فهذا الكتاب يعكس روح صاحبه الثائرة الناقدة فى عصره، وينفرد الكتاب بالتجربة الروحية النفسية التي عاصرها ابن عربي أثناء وجوده فى مكة , فهذا الكتاب ب مصدرّ لاغنى عنه لمن يريد التحدث عن ابن عربي , من خلال حديث ابن عربي عن نفسه .
وحول كيفية الاستفادة من التراث الصوفي فى مجتمعنا المعاصرأجاب الدكتور عبدالحميد مدكور قائلا إن علينا أن نأخذ من التراث الصوفي ما يعيننا على مقاومة المشكلات الحادثة , نبحث كيف عالج الصوفيون أفات القلب كالكبر والحقد وغيرها , فهم كانوا يحللون تلك الظواهر النفسية , وحللوا أيضا النفس البشرية تحليلات عملية أكثر فائدة من تحليلات علماء النفس فى عصرنا الحديث , حتى وضعوا نصائح فى كيفية التخلص من هذا الآفات , وكيف يتحول الإنسان من ساخط إلى صابر, فهم يرتقون بالنفس البشرية فهذا التصوف ثروة مكنونة فيه سلام للنفس والروح .
* وقد أجاب الأستاذ رجائي عطية : يعتمد تأثير التراث الصوفي فى المجتمع ومحاربة الفساد على آليات كثيرة كالإعلام والتعليم, فهناك قيم معطّلة للعمل هذه الآليات, فبعد الإنسان عن المسألة الدينية, أدى إلى البعد عن القيم الدينية ومنها الصوفية, كما أن هناك مصالح يسفر عنها بعض الناس تثمر وتزهر فى ظل هذا الفساد، هذه بعض من كل العوامل التي أدت إلى ضعف التأثير الصوفي فى المجتمع من ذلك نرى أنه لا يجب أن تلقى بالقضية برمتها على كاهل الصوفية, ولكن يجب أن نعترف أننا كلنا مسؤولون , ويجب علينا المشاركة الجادة , والبدء بأنفسنا . فيجب علينا الأخذ والتعلم من الصوفية ففيها تنمية الاتجاه الصالح فى المجتمع .
* وقد عقب أيضا الدكتور جمال المرزوقي, حيث أوضح أن الإنسان فى حاجة دائمة إلى سلام مع النفس , فالتصوف محاولة من الإنسان بأن يتسلح بقيم تعينه على مجابهة الحياة , وليس التصوف هو هروب من الحياة .
فالتصوف عند المسلمين معنياً بالأخلاق , فلو حلّـلنا الأحكام الشرعية نجدها ترتكز على الأخلاق فالدين الإسلامي يمثل الأخلاق.
* وأجاب أيضا الدكتور حامد طاهر على هذا السؤال , أنه يظهر دور التراث الصوفي فى محاربة الفساد, يجب أولاً تعريف الناس أكثر بالتراث الصوفي , وعلينا نشر الكتب الصوفية حتى تكون متاحة للجميع, ويسهل قراءتها ومدارستها وفهمها, فقد قامت النهضة الأوربية على سبيل المثال – بعد ما تم نشر كل التراث الإغريقي القديم .فالناس أصبحوا بعيدين عن علمائهم , فلا يوجد الآن عالِم يلتف حوله الناس مثل الشيخ السيد البدوى الّذي كان يجمع حوله مائة ألف فرد فى عصر لا توجد به وسائل إعلام ومؤثرات مثل عصرنا .
ورداً على سؤال حول أن هناك فرق متعددة للصوفية, بعضها يتصرف تصرفات تسيء للمنهج الصوفي, فما الّذي يجب عملة حيال هذه التصرفات ؟
أجاب الدكتور جمال المرزوقي, إذا كان هناك فهم خاطيء تخالف مفاهيم الإسلام فليس الإسلام مسؤولا عن ذلك, فمثلا الزهد فى التصوف ليس معناه ترك الدنيا بما فيها , فالزهد يعنى أن تزهد فيما تملك وليس أن تزهد فيما لا تملك , فالزاهد لا يمنع أن يكون غنيا وزاهدا , وخير مثال على ذلك الخليفة والصحابي الجليل عثمان بن عفان , فقد كان من أغنياء المدينة , وكان يستعين بأمواله على خدمة المسلمين من شراء الصفقات ومحاولة تنمية أمواله .
فيجب الاستعانة بالتصوف لخدمة المجتمع الإسلامي وليس البعد عن الدنيا, وأن نحاول أن نكون كما وصف أحد الصوفية أحد الخلفاء, بأنة كانت عيناه فى الصلاة تقطر دمعاً وسيفه فى الحرب يقطر دماً .
ورداً على سؤال حول إذا كان يجب أن نزيل من التراث الصوفي كل ما يشوبه من مظاهر غير مستحبة, كالرقص فى ساحات الموالد وخلافه, فيجب علينا إذن الاستغناء عن التراث الصوفي الّذي يعتمد بشكل كبير على هذه المظاهرات ؟
أجاب الدكتور عبد الحميد مدكور , أن التراث الصوفي الفارسي جزء لا يتجزأ من التراث الصوفي الإسلامي, فهو يقوم على أسس ومناهج متغلغلة ومتأصلة ,وهو أحد الروافد التي حمت الإسلام فى مناطق روسيا والشيشان حيث كانت هناك الشيوعية فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي ذهب بعض المسلمين لمحاولة تقوية الوعي الإسلامي لدى الشيشانيين فوجد الإسلام متأصلاً بقوة هناك وذلك بفضل الوعي الصوفي القوى لديهم، وليس صحيحاً أن التراث الصوفي الفارسي يعتمد على الرقص وبعض المظاهر الأخرى , بل التراث الصوفي الفارسي يعد من أقيم منابع التراث الصوفي الإسلامي وله شيوخ أجلاّء .
وليد عطا الله
المصدر: المحيط
إضافة تعليق جديد