لجنة تحقيق الجامعة العربية والإشكاليات الثلاث التي ستتعثر بها
الجمل: سوف تشهد الأيام القادمة بداية التعاون بين سوريا وجامعة الدول العربية لجهة القيام بحل أزمة ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، وعلى خلفية الخلافات والتوترات التي حدثت في الأسابيع الماضية بين دمشق وأمانة الجامعة العربية، تبرز التساؤلات الهامة القائلة: خلال الفترة الماضية تحفظت دمشق كثيراً إزاء بروتوكول الجامعة العربية والآن وبرغم توقيع دمشق على البروتوكول بعد الأخذ بعين الاعتبار لتحفظاتها، ما هو يا ترى حجم اليقين واللايقين في معطيات وضع بنود هذا البروتوكول موضع التنفيذ خاصة أن الكثير من الشكوك ما تزال تفرض حضورها القوي المثير للاهتمام.
* بروتوكول الجامعة العربية: المعطيات الماثلة والمؤجلة
تقول التقارير والمعلومات الجارية بأن أمانة الجامعة العربية سوف ترسل لجنة يتوقع وصولها إلى العاصمة السورية دمشق يوم غد الخميس الموافق 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011م، وذلك من أجل التنسيق والتفاهم إزاء ترتيبات نشر لجنة المراقبين العرب، لجهة رصد واحتواء فعاليات التعبئة السلبية الفاعلة وفعاليات العنف السياسي في مناطق التوترات الاحتجاجية السياسية، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الحرجة الآتية:
• ما هي مناطق التعبئة السلبية الفاعلة التي سوف تسعى لجنة الجامعة العربية لجهة التعامل معها، وبكلمات أخرى، هناك فعاليات داعمة لتوجهات المعارضة، وهناك فعاليات داعمة لتوجهات دمشق، فهل يا ترى سوف ترصد لجنة الجامعة العربية الفعاليات المعارضة وتتجاهل الفعاليات الداعمة، أم أنها سوف تأخذ بعين الاعتبار وجود نوعين من الفعاليات؟
• كيف ستنظر لجنة الجامعة العربية إلى الأغلبية الصامتة السورية الكبيرة، وهي أغلبية يصعب وصفها بالمحايدة، طالما أنها رفضت بشدة تلبية نداءات المعارضة التي طالبتها بالمشاركة في فعالياتها. الأمر الذي أفشل "إضراب المعارضة". وبكلمات أخرى، لو شاركت هذه الأغلبية في تلبية نداءات المعارضة وانخرطت في فعاليات الإضراب لأصبح كل شيء في سوريا معطلاً ولأصيبت الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالشلل الكامل، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
• كيف ستنظر لجنة الجامعة العربية إلى أشكال العنف السياسي، وبوضوح أكثر، إذا سعت لجنة الجامعة العربية إلى الاكتفاء بفعاليات العنف السياسي الداخلي، فإن أداءها سوف يكون ناقصاً، وذلك لأن هناك فعاليات عنف سياسي خارجي، من أبرزها قيام بعض الفضائيات العربية بنشر المواد الإعلامية "المفبركة" من أجل نشر الكراهية وتحريض المدنيين البسطاء على أعمال العنف.
• كيف ستنظر لجنة الجامعة العربية في ملف المسلحين الأجانب والعرب، والذين كشفت تطورات الأحداث والوقائع بأنهم قد أرسلوا خصيصاً من أجل تصعيد فعاليات العنف السياسي في سوريا، وهل يا ترى سوف تقبل لجنة الجامعة العربية بذلك، أم ستقول بأن ملف هؤلاء المسلحين يقع خارج نطاق ولايتها؟
يصعب الحديث بشكل قاطع عن لجنة الجامعة العربية وطبيعة مهامها، وذلك لأن من الظلم أن تقوم بتوجيه الانتقادات القاسية في حقها. وإضافة لذلك من الظلم أيضاً القيام بمدحها قبل أن تباشر فعالياتها، وما هو متاح الآن، هو مجرد الحديث بصراحة عن الملابسات المحيطة باللجنة، خاصة أن بيئة العمل العربي المشترك لم تعد تتمتع بالمصداقية والموثوقية، وبالذات بعد أن تورطت أمانة الجامعة العربية في أزمة الملف الليبي، وقفزت متجاهلة أزمة الملف اليمني وأزمة الملف البحريني لتحط رحالها في دمشق.
* لجنة الجامعة العربية: مثلث الإشكاليات
لم تتضح حتى الآن معطيات الوضع النهائي الخاص بلجنة الجامعة العربية، سواء لجهة تكوينها أو تشكيلها أو حتى ولايتها، وفي هذا الخصوص نشير إلى الإشكاليات الثلاثة التي سوف تكتنف أداء اللجنة:
• فجوة السياق: الأفضلية في تشكيل اللجنة كان يجب أن تعطى لعناصر دول الجوار الإقليمي السوري وذلك لتمتعهم بامتلاك القدرة على التعامل مع سياق الحدث السوري، وبالذات لأنه يرتبط بالنسيج الاجتماعي السوري، وبالتالي، فإن تكثيف مشاركة العناصر البعيدة عن السياق الجغرافي ـ الاجتماعي السوري، سوف يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل التعامل بفاعلية مع أوضاع الحدث السوري.
• فجوة المعلومات: سعت العديد من الوسائط الإعلامية وبالذات بعض الوسائط الإعلامية العربية لجهة القيام بضخ حجم هائل من المعلومات المغلوطة، الأمر الذي أدى بدوره إلى تشويه الوقائع الفعلية الجارية، بما تسبب في رسم صورة إدراكية مشوهة عن الحدث السوري، وفي هذا الخصوص، وحتى يصل إدراك عناصر لجنة الجامعة العربية إلى مرحلة التوازن، فإنهم يحتاجون لفترة أطول ولأداء مكثف، ثم بعد ذلك يمكن الافتراض بأنهم أصبحوا يتمتعون بالقدرة والفعالية اللازمة لجهة التعامل مع واقع مجريات الحدث السوري.
• فجوة المصداقية: تميز أداء أمانة الجامعة العربية بالمزيد من الشكوك وانعدام الحيادية إزاء معطيات الحدث السوري، فقد سعت أمانة الجامعة إلى انتهاك ميثاق الجامعة ونظامها الأساسي الذي ينص على مبدأ الإجماع كأساس لقرار تعليق أو تجميد العضوية، وهو الأمر الذي لم تلتزم به عندما علقت عضوية دمشق، ثم بعد ذلك سعت إلى اعتماد بروتوكول حاولت فرضه من طرف واحد، إضافة إلى قيام بعض رموز الجامعة العربية لجهة التلويح بخيار التدويل، وما هو مثير للاهتمام، أن كل هذه التحركات جاءت على خلفية قيام أمانة الجامعة العربية بمحاولة فرض مبادرة غير متوازنة، عندما شددت في محاولة إلزام دمشق بإنفاذ المبادرة، وفي نفس الوقت تجاهلت الطرف الآخر الذي رفض المبادرة من أساسها، وبالتالي، فإن جميع هذه النقاط وغيرها، هي عبارة عن مؤشرات لجهة إثارة الشكوك في مدى مصداقية ونزاهة فعاليات أمانة الجامعة العربية إزاء الحدث السوري.
إن نجاح فعاليات لجنة أمانة الجامعة العربية، في ظل وجود هذه الفجوات، سوف يحتاج إلى إرادة عربية حقيقية، أقل ما فيها، أن تتميز بالنزاهة، والبعد عن تأثيرات المحاور التي تشكلت في الفترات الأخيرة، وأصبحت تقوم بدور "الجيوب المسمومة" في دولاب العمل العربي المشترك.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد