ما هو ثمن لبنان في تقدير حكومته؟
الجمل: كان من المفترض أن تخضع إسرائيل لعملية حصار عربي، ضمن طوق محكم من أربعة دول، هي: مصر، الأردن، سوريا، ولبنان. ولكن بسبب الضعف العربي، والتدخل الأمريكي، تم فتح منفذ لإسرائيل عبر مصر بواسطة اتفاقية كامب ديفيد، ومنفذ آخر عبر الأردن بواسطة اتفاقية وادي عربة، والآن يجري اصطياد لبنان وإيقاعه نهائياً فريسة في شباك إسرائيل:
* لبنان في مواجهة آليات السيطرة والتبعية:
يتم استهداف لبنان حالياً، بواسطة أمريكا وفرنسا، وتواطؤ بعض الدول العربية، عن طريق ثلاث آليات:
* العناصر الداخلية: وتتمثل في القوى السياسية اللبنانية التي كان ارتباطها بإسرائيل سريّاً في الماضي، ولكنه أصبح الآن شبه معلن... وقد بدأت الجهود الإسرائيلية في تجنيد وتوظيف بعض الساسة اللبنانيين من أجل العمل لصالحها منذ فترة طويلة، بدأت تتضح معالمها أكثر فأكثر بقيام جيش لبنان الجنوبي كذراع عسكري أمني في الماضي ووصلت حالياً إلى بناء قوى 14 آذار كذراع سياسي أمني يكمل الجهد العسكري – الأمني الذي بدأه جيش لبنان الجنوبي وأنطوان لحد من قبل...
* القرارات الدولية: وتتمثل في قرارات مجلس الأمن الدولي التي هدفت في ظاهرها إلى دعم استقلال وسيادة وحرية لبنان وفي باطنها إلى فرض المزيد من الالتزامات التي تضعف قدرة لبنان في تأمين سيادته الوطنية، والقيام بدوره العربي الفاعل في المنطقة. إضافة إلى إعطاء الأطراف الدولية الحق والمشروعية في الضغط على لبنان وإرغامه على العمل من أجل تأمين الحدود الشمالية الإسرائيلية، وفتح أراضيه لتكون قاعدة عسكرية متقدمة لشن العدوان ضد سوريا وغيرها من بلدان الشرق الأوسط...
* آليات المعونة: وهي من أكثر الآليات خطورة، لأنها تتعلق بفرض حالة التبعية الهيكلية على لبنان، وذلك على النحو الذي يدفع ويرغم لبنان على أن يكون تابعاً مندمجاً رغماً عنه ضمن أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية والأمريكية، وحالياً، يتم تطبيق نوعين من هذه الآلية، هما:
* المساعدات العسكرية: طوال الفترة من عام 1946م وحتى عام 2006م (أي 60 عاماً) لم يتلق لبنان أي مساعدة عسكرية من الولايات المتحدة ذات أهمية أو قيمة، إلا بعض المساعدات الهامشية البسيطة في الفترة ما بين عام 1981م وحتى عام 1984م، وهي الفترة التي كانت فيها قيادة الجيش اللبناني تميل إلى التعاطف مع إسرائيل وتأييد التدخل العسكري الأمريكي المباشر في لبنان، والذي حدث بالفعل آنذاك بمجيء قوات المارينز إلى لبنان.
* المساعدات الاقتصادية:
تتذبذب المساعدات الاقتصادية الأمريكية إلى لبنان بعكس النوايا الأمريكية الحقيقية إزاء لبنان، ففي عام 1983 قدمت الولايات المتحدة مبلغ 53 مليار دولار، وهي فترة التدخل العسكري الأمريكي في لبنان، وفي الفترة من عام 1986 وحتى عام 2006م كانت معدلات المعونة الاقتصادية الأمريكية إلى لبنان تتراوح بين 8 مليون و15 مليون دولار فقط لا غير.
وبعد موقف حكومة السنيورة ضد حزب الله وسوريا بعد حرب الصيف الماضي بين حزب الله وإسرائيل، قامت الولايات المتحدة بتخصيص مبلغ 180 مليون دولار كمساعدة طارئة إلى لبنان، وأعقبتها بتخصيص مبلغ 300 مليون دولار كمعونة إضافية...
وبرغم كل ذلك، فإن المساعدات والمعونات الأمريكية لم تتجاوز بقدر كبير نطاق دائرة الوعود، فعندما كان الجيش اللبناني يخوض معارك مخيم نهر البارد ضد جماعة فتح الإسلام أعلنت الإدارة الأمريكية عن تقديم المساعدة للجيش اللبناني، ولم يتم تنفيذها إلى حين اقتراب نهاية المعارك... وعندها أعلن الجنرال ميشيل عون ساخراً من المساعدات الأمريكية: "لقد تلقينا فقط الكثير من الوعود وبعض المؤن وليس المعدات، كأنما يريدون أن يقولوا لنا: موتوا أولاً والمساعدة سوف تصلكم لاحقاً"!
من المعلوم أن لبنان منقسم الآن بين فريقين، الأول هو فريق 14 آذار، والذي يراهن على التحالف مع أمريكا والصداقة والتعاون مع إسرائيل... والثاني يراهن على استقلال الإرادة الوطنية وعدم تقديم لبنان فريسةً وصيداً سهلاًَ لأعدائه وأصدقاء أعداءه.. ويضم هذا الفريق حزب الله، حركة أمل، والمقاومة الوطنية اللبنانية...
ويغض النظر عن هذا الفريق أو ذاك، يمكن القول، عندما يتعلق الأمر بالمعونة والمساعدات، فإن الأمر يكون بالضرورة واضحاً كالشمس... وتكفي الإجابة على الأسئلة التي مفادها: ما هو حجم المعونة التي تم تقديمها...؟ وهل فعلاً تم تقديمها أم أنها وعود مشروطة بتنفيذ بعض الأجندة الحقيقية.. والتي عندما تقوم –أو بالأحرى قامت- الحكومة اللبنانية بتنفيذها... وطلبت من المانحين الإيفاء بالتزاماتهم... فوجئت بالمزيد من الشروط الجديدة!!! وهذا بالضبط ما حدث مع حكومة السنيورة... والتي ما زال رئيسها يهرول بين العواصم الغربية أملاً ثم يعود أدراجه قابضاً على الهواء باليمنى وعلى جمر الوعود والشروط الجديدة باليسرى...
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد