ماذا في جعبة تشيني في جولته على دول المنطقة

10-05-2007

ماذا في جعبة تشيني في جولته على دول المنطقة

الجمل:   يقوم ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش حالياً بجولة شرق أوسطية تشمل: الإمارات العربية المتحدة، السعودية، مصر، والأردن.

الأبعاد الشكلية للزيارة:
- يتزعم ديك تشيني الجناح المتشدد داخل الإدارة الأمريكية، وبالذات في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الملفات الشرق أوسطية، فهو من أقوى المؤيدين لاستمرار التواجد المفتوح وبكميات أكبر للقوات الأمريكية في العراق. كذلك يعتبر ديك تشيني من أبرز المطالبين بتوجيه الضربة العسكرية لإيران.
- تعتبر هذه الزيارة الثانية من نوعها التي يقوم بها ديك تشيني خلال الأشهر الستة الماضية لهذه المنطقة، وقد ترتبت على زيارته الماضية بعض الأحداث والوقائع الهامة، مثل: زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، تصعيد ملف إيران النووي في مجلس الأمن، الاتصالات السعودية- الإيرانية بشأن ملف حزب الله اللبناني، واتفاقية مكة بين حركتي فتح وحماس بوساطة سعودية.
- يشرف ديك تشيني بشكل مباشر على العمليات السرية الأمريكية الجارية الآن داخل بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وبالذات لبنان وإيران.

مبررات الزيارة:
بالنسبة للمبررات المعلنة، أصدر مكتب ديك تشيني بالبيت الأبيض الأمريكي في يوم 3 أيار الحالي بياناً مقتضباً مفاده أن ديك تشيني سوف يقوم بجولة شرق أوسطية بناء على طلب الرئيس جورج بوش، وذلك لمقابلة رؤساء الإمارات العربية، السعودية، الأردن، ومصر، ومناقشة المسائل الرئيسية المتعلقة بالمصالح المتبادلة. وقد لاحظ المراقبون في واشنطن عدم صدور أي معلومات حول المناقشات التي سوف يقوم بها تشيني أو طبيعة المصالح المشتركة.

توقيت الزيارة:
أمريكياً: تأتي الزيارة في توقيت تزايدت فيه حدة الخلافات بين إدارة بوش والكونغرس حول ميزانية تمويل حرب العراق وعملية سحب القوات الأمريكية، وعلى خلفية الفيتو الرئاسي الذي استخدمه الرئيس بوش في رفض قرار الكونغرس، تدور الآن العديد من المشاورات بين الديمقراطيين والجمهوريين بهدف التوصل إلى حل.
شرق أوسطياً: تأتي الزيارة بعد انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الذي خصص لاستقرار العراق، وصاحبته لقاءات لافتة للنظر والاهتمام بين كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، إضافة إلى وجود الوفد الإيراني في المؤتمر بقيادة وزير الخارجية الإيراني الذي قدم ورقة للمؤتمر حول العراق، تضمنت 12 نقطة، ورأى بعض المراقبين بأن هذه النقاط الثلاثة عشر تمثل مشروعاً إيرانياً لاقتسام النفوذ على المنطقة بين واشنطن وطهران.
دولياً: تأتي الزيارة في وقت حصلت فيه أمريكا على دعم جديد تمثل في فوز نيكولاس ساركوزي، بانتخابات الرئاسة الفرنسية، ولما كان ساركوزي مدعوماً بواسطة إدارة بوش، وجماعة المحافظين الجدد ومنظمات اللوبي الإسرائيلي، فإن فوزه يدخل القوة الجيوبوليتيكة الفرنسية ضمن كفة أمريكا في حسابات التوازن الدولي القائمة حالياً.
• الأبعاد التحليلية:
من المعقول أن يفترض المرء ان تعقيدات الموقف الأمريكي إزاء الملف العراقي، وملف إيران النووي، وملف عملية سلام الشرق الأوسط، وقد دفعت الرئيس الامريكي جورج بوش إلى المبادرة وإرسال نائبه إلى المنطقة، وحصراً إلى ما تطلق عليه واشنطن تسمية (الرباعي العربي)، وهو الرباعي الذي تعول عليه الإدارة الأمريكية –ومن ورائها إسرائيل- في تقديم المساعدة من أجل إحياء مشروع خطة السلام العربية مع إسرائيل، ولكن ضمن إطار وبنود جديدة. ولكي تتضح الصورة أكثر فأكثر يمكن استعراض نطاق الزيارة على النحو الآتي:
• المملكة العربية السعودية: تعتبر السعودية البلد الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة للإدارة الأمريكية في الوقت الحالي، وقد أسفرت زيارة ديك تشيني الماضية عن تصريح العاهل السعودي الرسمي أمام ديك تشيني المطالب للإدارة الأمريكية بالإبقاء على قواتها في العراق، وقد اعتبر هذا التصريح آنذاك بمثابة صفعة قوية لتوجهات الديمقراطيين المطالبين بالانسحاب من العراق، وقد استطاعت أجهزة إعلام المحافظين الجدد التسويق لهذا التصريح السعودي بشكل واسع على النحو الذي أربك الرأي العام الأمريكي الداعم لقرار الانسحاب بشكل أدى إلى إحباط الكثير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين كانوا أكثر تشدداً لإصدار قرار الانسحاب من العراق في الفترة التي أعقبت فوزهم آنذاك.
تقول بعض المعلومات بأن الإدارة الأمريكية أصبحت غير راضية عن بعض المواقف السعودية الأخيرة، والتي تتمثل في:
- عدم نجاح السعوديين في إقناع حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل، أو الاعتراف بشرعية الاتفاقيات التي سبق أن وقعتها إسرائيل مع الفلسطينيين أو القبول بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المحتجز لدى حماس.
- رفض الملك السعودي استقبال رئيس الوزراء العراقي المدعوم أمريكياً نوري المالكي.
- رفض الملك السعودي القيام بزيارة غير معلنة لأمريكا، بدعوة خاصة من الرئيس جورج بوش.
- رفض الملك السعودي تعديل مبادرة السلام العربية.
- تصريح الملك السعودي الأخير القائل بأن الوجود الأمريكي في العراق هو عملية احتلال أجنبي غير شرعي.
- عدم التعاون مع الإدارة الأمريكية في محاربة الجمعيات الوهابية والسلفية، التي تعتبرها أمريكا داعمة للإرهاب.
- عدم قيام السعودية بتشديد الرقابة على التبرعات التي مازالت تقدمها بعض الأطراف السعودية للمنظمات الإسلامية التي تعتبرها أمريكا إرهابية.
ويُقال بأن ديك تشيني، استناداً إلى علاقاته الوثيقة مع الأمير بندر بن سلطان مستشار الأمن القومي السعودي، سوف يتطرق لهذه الموضوعات التي باتت الإدارة الأمريكية تنظر إليها على أنها دلائل على عدم تعاون السعوديين مع الإدارة الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب.
• الإمارات العربية المتحدة: عندما رفضت السعودية استقبال المزيد من القوات الأمريكية في عام 2003م قامت الإمارات العربية، وقطر باستقبال هذه القوات، وبفضل التسهيلات العسكرية التي قدمتها دولتا الإمارات وقطر، استطاع البنتاغون والقيادة الوسطى الأمريكية تنفيذ المزيد من الخطط العسكرية الأمريكية المتعلقة بمنطقة الخليج والشرقين الأوسط والأدنى، وجنوب آسيا.. وذلك استناداً إلى المزايا العسكرية الجيوستراتيجية التي وفرتها قاعدة الصفرة الجوية العسكرية، وقاعدة جبل علي الجوية العسكرية، إضافة إلى دور ميناء جبل علي في تسهيل وجود وحركة القوات البحرية الأمريكية وبالذات قطع الأسطول الخامس الأمريكي.. وتقول المعلومات بأن التسهيلات البحرية التي حصلت عليها القوات الأمريكية في ميناء جبل علي لم تجد أمريكا مثيلاً لها، ولا حتى في دول حلف الناتو.
في دبي سوف يلتقي ديك تشيني بالشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي يلعب الدور الرئيسي القيادي في التنسيق مع الإدارة الأمريكية، التي تعتبره رجل أمريكا الأول في دولة الإمارات، وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية باتت لا تهتم كثيراً بالتنسيق مع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والشيخ محمد بن راشد حاكم دبي.
وتقول المعلومات بأن ديك تشيني سوف يناقش مع الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ملف الأنشطة التجارية بين إيران والإمارات العربية، وذلك على أساس اعتبارات أن الإدارة الأمريكية تنظر لهذا الملف باعتباره يشكل خطراً يهدد باختراق نظام العقوبات الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ضد إيران بما لا يساعد على عملية عزل إيران اقتصادياً، كذلك سوف يناقش تشيني مع الشيخ خليفة الخطوات القادمة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، والتداعيات المحتملة للخطر الإيراني على منطقة الخليج ودولة الإمارات، وضرورة تعزيز الدفاعات الخليجية بالمزيد من شبكات الدفاع الصاروخي ورفع أعداد القطع البحرية الموجودة في مياه الخليج.
• الأردن ومصر: تعتمد حكومة العاهل الأردني على المساعدات والمعونات الأمريكية، والشيء نفسه بالنسبة لنظام حسني مبارك المصري الذي يعتمد على معونات القمح الأمريكي بما يوفر الغذاء لنصف سكان مصر البالغ عددهم 70 مليوناً.. وبالمقابل يقدم هذان الزعيمان المزيد من الدعم والتعاون مع الإدارة الأمريكية والتنسيق مع إسرائيل.
ديك تشيني سوف يناقش مع العاهل الأردني والزعيم المصري حسني مبارك الأجندة العالقة حالياً، والدور المطلوب منهما في المرحلة القادمة، إزاء الملفات الآتية:
- مبادرة السلام العربية: ضرورة التنسيق مع الإسرائيليين من أجل تعديلها بما يساعد في إحراز التقدم في عملية سلام الشرق الأوسط، وبالذات فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، وما هو مطلوب أمريكياً يتمثل في ضرورة فصل الملف الفلسطيني عن ملف مبادرة السلام العربية، وذلك لأن القضايا الفلسطينية تندرج –بحسب رأي أمريكا- ضمن مفاوضات الوضع النهائي التي بدأت بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسوف يتم حلها على ضوء مشروع خارطة الطريق التي بدأ الإسرائيليون والفلسطينيون بتنفيذها، ومن ثم يتوجب على مصر والأردن التركيز على عدم الخلط بين مسار خارطة الطريق ومسار مبادرة السلام العربية.
- كذلك سوف يطلب ديك تشيني من الأردن ومصر، تقليل التنسيق مع السعودية في الملف العراقي والملف الفلسطيني، وذلك حتى لا يقعان تحت تأثير النفوذ السعودي، ويعمل الطرفان على التنسيق حصراً مع وزارة الخارجية الأمريكية وإسرائيل، وأن يكون تنسيقهما مع السعودية حصراً تحت إشراف ورعاية الخارجية الأمريكية، كذلك سوف يتابع ديك تشيني مع الزعيم المصري حسني مبارك القيام بدور إضافي في دارفور، وذلك بالعمل كوسيط لإقناع الحكومة السودانية باستقبال القوات الدولية في دارفور، وعمر سليمان مدير المخابرات المصرية في زيارتهما الأخيرة التي أخذت طابعاً يشبه زياراتهما السابقة للسلطة الفلسطينية من أجل إقناع الفلسطينيين بالفوائد التي يمكن أن تعود عليهم إذا التزموا بما تطلبه الإدارة الأمريكية.
وعموماً: امتدت زيارة ديك تشيني لتشمل زيارة العراق وهو أمر غير مفاجئ، فقد درج مسؤولو الإدارة الأمريكية على زيارة بغداد عند جولاتهم في منطقة الشرق الأوسط، وما لم تشر إليه المعلومات يتمثل في أن ديك تشيكي سبق أن قام بتحويل رئاسة شركة هالبيرتون الأمريكية النفطية له إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تسيطر على جزء كبير من الاستثمارات النفطية الخليجية بفضل التسهيلات التي قدمها أصحاب السمو لديك تشيني وشركائه.. وعلى ما يبدو فإن ديك تشيني برغم صقوريته المتشددة في تنفيذ مخططات جماعة المحافظين الجدد، إلا أنه مازال يتمتع ببعض الذكاء في الالتزام بالمثل القائل يوم لك ويوم عليك.. ولما كانت أيام إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد في الحكم قد أصبحت معدودة، فقد اقتنع ديك تشيني على ما يبدو وقام بتأمين (مرابض الخيل) بتحويل هالبيرتون إلى الخليج استعداداً لاحتمالات الرحيل.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...