مثلث «دمشق – الرياض – القاهرة» في قمة الرياض المصغرة

11-03-2009

مثلث «دمشق – الرياض – القاهرة» في قمة الرياض المصغرة

الجمل: تشهد المنطقة العربية حراكاً دبلوماسياً وقائياً رفيع المستوى يتمثل في قمة الرياض العربية المصغرة التي جمعت الرئيس بشار الأسد والملك السعودي عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك. هذا، وعلى أساس اعتبارات مفهوم القوام الجيو-سياسي العربي فإن انعقاد هذه القمة يمثل في حد ذاته مؤشراً لدبلوماسية عربية وقائية تهدف لحل الخلافات ورأب الصدع العربي، الذي تفاقمت خطورته خلال الفترة الممتدة من حرب صيف العام 2006 حتى الآن.
* قمة الرياض المصغرة: منظور تحليل النظم:
على أساس اعتبارات الخصائص التحليلية الكلية يمكن الإشارة إلى القمة المنعقدة في الرياض اليوم على ضوء المؤشرات الآتية:
• المؤشر الهيكلي – البنائي: يمثل مثلث قمة الرياض المصغرة، قمة الهرم الجيو-سياسي العربي المعاصر فدمشق هي الطرف الذي ينفرد بموارد القوة القومية باعتبارها القوة السياسية – العسكرية – الأمنية الرئيسية في مسرح الصراع العربي – الإسرائيلي. إضافة إلى أنها تمثل القوة المركزية في الشرق الأوسط، والرياض تمثل القوة الاقتصادية العربية الرئيسية، إضافة إلى أنها تمثل القوة المركزية في منطقة الخليج العربي أما القاهرة فتمثل القوة الديمغرافية العربية الرئيسية إضافة إلى أنها تمثل القوة المركزية في شمال إفريقيا.
• المؤشر القيمي – الإدراكي: على أساس اعتبارات منظومة القيم الإدراكية العربية فإن الرأي العام العربي يدرك من جهة توجهات دمشق باعتبارها تتطابق مع توجهاته الرافضة للمشروع الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية ويدرك نفس هذا الرأي من الجهة الأخرى مصر والرياض باعتبارهما الأكثر ارتباطاً بمشروع الهيمنة والنفوذ الأمريكي في المنطقة.
• المؤشر السلوكي – التفاعلي: تؤكد معطيات خبرة الأداء السلوكي السياسي بأنه كلما كان مثلث دمشق – الرياض – القاهرة متوافقاً كلما كان العمل العربي المشترك متوافقاً والقوام الجيو-سياسي العربي أكثر تماسكاً، وبالمقابل كلما كان هذا المثلث غير متوافق فإن العمل العربي المشترك يكون متنافراً والقوام الجيو-سياسي أكثر تفككاً.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن إنجاح عقد القمة المصغرة لم يكن سهلاً فقد سبقته جهود دبلوماسية مكثفة وتحركات عربية معقدة أسهمت جميعاً في تمهيد المسرح لانعقاد قمة الرياض الثلاثية.
* ماذا يحمل جدول أعمال القمة:
تقول المعلومات والتسريبات أن الكثير من التحفظات ما زالت مفروضة على بنود جدول أعمال القمة لأسباب الأمن الدبلوماسي القومي العربي، إضافة إلى حساسية هذه القمة، خاصة أن مصير الدبلوماسية العربية في الفترة المقبلة سيتوقف على نتائجها ومدى نجاح إعلانها الختامي في التصدي لمعالجة القضايا العربية العالقة في المنطقة والساحتين الدولية والإقليمية.
يمكن اعتبار القمة على أساس اعتبارات الأطراف المشاركة فيها أنها تهدف إلى تحقيق التقدم في محورين رئيسيين:
• التفاهم حول الخلافات العربية.
• بناء الموقف المشترك إزاء القضايا العربية.
وعلى أساس اعتبارات المحور الأول نلاحظ الآتي:
• الخلاف حول الملف الفلسطيني: وعلى وجه الخصوص مصالحة فتح – حماس، حكومة الوفاق الوطني، إضافة إلى مصير الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي انتهت ولايته.
• الخلاف حول الملف اللبناني: وعلى وجه الخصوص نزع سلاح حزب الله، تطبيع علاقات دمشق مع قوى 14 آذار.
• الخلاف حول الملف العراقي: وعلى وجه الخصوص العلاقات مع الفصائل العراقية، مستقبل التعامل مع حكومة نوري المالكي، والتعامل مع مستقبل الوجود الأمريكي في العراق.
• الخلاف حول الملف الإيراني: وعلى وجه الخصوص الموقف من البرنامج النووي الإيراني، الدور الإيراني في العراق، إضافة إلى التوافق حول دبلوماسية عربية موحدة إزاء إيران.
أما على أساس اعتبارات المحور الثاني فمن الممكن أن نلاحظ الآتي:
• الموقف المشترك إزاء الملف الفلسطيني، من الصعب الوصول إليه إلا عن طريق توحيد الفلسطينيين المختلفين حالياً بين طرف يراهن على التعامل مع إسرائيل وآخر يراهن على المقاومة كوسيلة لاسترداد الحقوق.
• الموقف المشترك إزاء الملف اللبناني، من الصعب الوصول إليه طالما أن الخلاف اللبناني – اللبناني ستحسمه الانتخابات القادمة التي سيقول فيها الشعب اللبناني كلمته إزاء خياره بين القوى التي اعتمدت الرهان على محور واشنطن – تل أبيب والقوى التي اعتمدت الرهان على استقلالية الساحة اللبنانية من النفوذ الأجنبي.
• الموقف المشترك إزاء الملف العراقي، من الصعب الوصول إليه طالما أن بقاء القوات الأمريكية هو أمر مرفوض بالنسبة للشعب العراقي إضافة إلى أن وجود القواعد الأمريكية في العراق سيجر المنطقة إلى المزيد من المخاطر والتهديدات.
• الموقف المشترك إزاء الملف الفلسطيني، من الصعب الوصول إليه طالما أن إيران تقف إلى جانب الحقوق العربية المشروعة وأن خيار البرنامج النووي الإيراني هو خيار حكومة الرئيس أحمدي نجاد الحالية وسيكون متاحاً للشعب الإيراني في الانتخابات القادمة اختيار القوى السياسية الإصلاحية وإسقاط المحافظين المتمسكين بحق إيران بالطاقة النووية، إضافة لذلك، فإن وكالة الطاقة الذرية هي المسؤول الدولي الرسمي عن تحديد مدى سلمية أو عدم سلمية البرنامج النووي الإيراني أما بالنسبة لاعتبارات أن إيران مصدر خطر على أمن الخليج والسعودية فهو أمر مختلف عليه خاصة أن طهران تنظر إلى قيام هذه الدول باستضافة القواعد الأمريكية بهذه الكثافة على أنه أمر يمثل تهديداً لإيران.
رغم سخونة الملفات والتعقيدات المحيطة بها، فإن القمة الثلاثية المصغرة تستطيع أن تقدم المؤشرات الرئيسية التي تفيد لجهة حل الخلافات وعلى هذه الخلفية فإن علينا أن نتوقع أن تتوصل القمة إلى تفاهم حول إنشاء الآليات التي يمكن أن تساعد في تقديم الحلول، وعلى سبيل المثال، يمكن للقمة تبني تكوين لجان عمل تختص كل واحدة منها بأحد الملفات بما يتيح التعرف على عمق الخلافات ومكوناتها.
* ماذا وراء القمة الثلاثية:
تقول المعلومات والتقارير المعلنة والمتداولة أن قمة الرياض تسعى إلى حل الخلافات العربية – العربية، ولكن برغم ذلك فإن تطبيق معطيات منظور نظرية المؤامرة يمكن أن يفضي بنا إلى غير ذلك. بكلمات أخرى، وبصراحة أكثر، هل قرر محور القاهرة – الرياض التعاون الثنائي لاستخدام القمة لترويض دمشق التي ظلت صعبة على الدبلوماسية الأمريكية ودبلوماسية المعتدلين العرب طوال الفترة الممتدة من حرب صيف العام 2006 حتى الآن؟
وإذا كان ذلك كذلك، فكيف يمكن لهذا المحور تنفيذ العملية السرية الدبلوماسية ضد دمشق؟ بالتأكيد لن تقتنع دمشق بالتنازل عن الجولان مقابل السلام مع إسرائيل، ولن تقتنع بالتدخل لضرب حلفائها اللبنانيين وتقوية محور واشنطن – تل أبيب، ولن تقتنع بقطع العلاقات والروابط مع إيران طالما أن الأخيرة لم ترسل قواتها لا للاعتداء على دمشق ولا على الخليج أو مصر.
إن سوابق وقوف دمشق إلى جانب الإجماع العربي كثيرة، فقد وقفت دمشق إلى جانب المبادرة العربية التي قدمتها الرياض ولكن عندما رفض حلفاء الرياض بقيادة واشنطن هذه المبادرة سعت الرياض والقاهرة إلى معاداة دمشق بدلاً من معاداة واشنطن.
قمة الرياض الثلاثية المصغرة هي بالتأكيد ستمثل قمة معادلة حسابات الفرص والمخاطر، لأن الفرصة ستكون متاحة إذا أجمعت أطراف القمة على التمسك بالحقوق العربية المشروعة واستقلالية قرار السياسة الخارجية والدبلوماسية العربية. والمخاطر ستكون متاحة كذلك، إذا حاول محور القاهرة – الرياض استخدام القمة واستثمارها لترويج جدول أعمال المعتدلين العرب القائم على أساس اعتبارات السلام مقابل السلام مع إسرائيل!
فالسعودية ومصر ليس لديهما ما تخسرانه في صيغة السلام مقابل السلام، أما سوريا فليست مستعدة لخسارة الجولان مقابل السلام، ولا الفلسطينيون مستعدون لخسارة وطنهم والبقاء في الملاجئ إلى الأبد من أجل السلام كذلك.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...