مجموعة الأزمات: الضربة غير مجدية والبديل تسوية سياسية والأطلسي يدعم التدخل التركي
يبدو أن حلف شمال الاطلسي «مقتنع تماماً» بأن النظام السوري نفذ هجوماً بالأسلحة الكيميائية في ضواحي دمشق. تحقيقات الامم المتحدة غابت تماماً. أما أمر الرد، بحسب الحلف، فمحسوم، ويبقى السؤال: «متى وكيف».
لن يتدخل الحلف إلا في حالتين: تعرض تركيا لهجوم من قبل الجيش السوري رداً على العملية المتوقعة، أو في حال ولدت الحرب تطورات أمنية سيعتبرها تحدياً عليه مواجهته. الضرورة التي يتحدث عنها الغرب تتفهمها «مجموعة الازمات الدولية»، ولكنها تؤكد أن ضربة عسكرية ليست في صالح أحد.
لم يسبق للأمين العام لحلف الاطلسي أندرس فوغ راسموسن أن كان بهذا الوضوح. وهو كرر مراراً، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في بروكسل، أنه «مقتنع» بمسؤولية النظام السوري عن الهجوم الكيميائي. كما أنه مقتنع بأن الهجوم «لا يمكن السكوت عنه»، و«لا مجال» لعدم الرد.
لم يقل حرفياً أنه لا مجال لتجنب ضربة عسكرية ضد سوريا، لكن كل ما أورده يشدد على هذه النتيجة. وهو رفض الخوض في الأدلة التي لديه، وقال إنها معلومات استخباراتية شاركتها دول عديدة مع قيادة الحلف. لم يرد النقاش في فرضيات أخرى. وعندما سئل، أكثر من مرة، عن تقارير تنسب مسؤولية الكيميائي لفصائل معارضة مسلحة، اكتفى بالنفي، قائلا: «ليست لدي هكذا معلومات»، وأضاف: «هناك حقائق عديدة تدل على ان النظام هو المسؤول»، قبل أن يصادق على تلك الحقائق بالقول إن «الجامعة العربية قالت إن النظام مسؤول».
لن يشارك الأطلسي في الضربة العسكرية، إلا في حالة تعرض تركيا لرد من الجيش السوري، فالاعتداء عليها بغرض الهجوم أو الدفاع، هو اعتداء على الأطلسي. هذه قضية مفروغ منها، وفقاً للمادة الخامسة من ميثاق الحلف، كما أوضح راسموسن، قبل أن يضيف: «أؤكد لكم اننا وضعنا كل الخطط مسبقاً لنضمن دفاعاً فعالاً عن تركيا، ولا أرى في هذه المرحلة حاجة لخطط أخرى».
هكذا، يقول الأطلسي إنه يقوم «بدوره» في الأزمة السورية، فصواريخ «الباتريوت» منصوبة على حدود أنقرة، والحلفاء في «تشاور» مستمر حول «التحديات الامنية» التي ربما تنجم عن الضربة العسكرية، وهم «مستعدون» لمواجهتها.
أما في العملية المرتقبة فلا يرى الأطلسي أي دور له، بل يكرر أن العملية دقيقة ومحدودة وقصيرة. وما دام الامر كذلك، فقدرات دول الحلف منفردة قادرة على النهوض بها، ولا حاجة إلى القيادة المشتركة أو إلى امكاناتها العسكرية مجتمعة. ولكن يبقى السؤال «كيف ومتى» ستنفذ الضربة أو الرد. وراسموسن قال إنه «يتفهم ويدعم» الطريقة التي اختارها قادة غربيون لاتخاذ قرار الضربة، والمضي اليه بمشاورة البرلمانات ودعمها. وأشار إلى أنه يدعم ذلك كرئيس وزراء سابق للدانمرك (2001 - 2009)، والتي تؤيد بدورها الضربة وترغب بالمشاركة فيها. كانت تلك الاشارة الوحيدة لدعمه قرار الضربة العسكرية، وهو موقف يعلنه كممثل للأطلسي.
لم يقل راسموسن كلمة واحدة عن تحقيقات الامم المتحدة، لا بالنسبة لدورها ولا لنتائجها. المتهم محسوم بالنسبة للحلف، واستخدام الكيميائي يعتبر ببساطة «تهديداً للأمن والسلم الدوليين»، وانتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، الذي يمنع استخدام هذا السلاح، فضلاً عن أن قضية الكيميائي «مسألة خاصة جداً».
صحيح أن حلف الأطلسي يأسف لمقتل عشرات الآلاف من السوريين بالأسلحة التقليدية، ولكن استخدامها لا يقارن بالكيميائي. ولكن لماذا؟ هنا يشرح راسموسن أن المسألة لم تعد تتعلق بالسوريين وصراعهم، ضحاياهم ودمارهم «مع أسفه»، لأن هذه الاسلحة يمكن الحصول عليها ونقلها «بسهولة»، ويبقى ممكناً تحويلها إلى أسلحة دمار شامل، ما يشكل تهديداً عالمياً. لذلك، يقول الحلف عبر أمينه العام إن عدم الرد في سوريا غير ممكن لأنه «سيبعث برسالة خطيرة لكل ديكتاتوريي العالم بأنهم يستطيعون استخدام السلاح الكيميائي».
كل هذا النقاش حول خلفية الضربة العسكرية وأقاويلها تراه «مجموعة الازمات الدولية» غير مجد لحل الصراع السوري. وقد نشر مركز البحث المرموق، ومقره بروكسل، تقريراً أمس الأول، يقول فيه إن الضربة العسكرية إما «ستسبب» تداعيات جديدة، أو إنها «لن تحقق» انجازات، خصوصاً أنها لن تفيد في مجال «تنشيط البحث عن تسوية سياسية». وهو الهدف الذي ترى مجموعة الابحاث انه يجب أن يكون بوصلة كل تحرك حيال الازمة السورية.
ويجادل التقرير بأنه، قبل كل شيء، لا يمكن التنبؤ بـ«العواقب»، حتى لو شكلت الضربة عنصراً رادعاً لأي استخدام مستقبلي للكيميائي، إلا أن «هذا الاعتبار قد لا يمارس تأثيراً قوياً على النظام إن وجد نفسه يكافح من أجل البقاء». ويضيف التقرير «قد تميل عناصر من داخل المعارضة إلى استخدام تلك الأسلحة لتلقي اللوم بعدها على النظام، تحديداً من أجل التحريض على المزيد من التدخل من قبل الولايات المتحدة».
ويمكن للضربة العسكرية، كما ترى «مجموعة الازمات»، تصعيد العنف داخل سوريا، ورفع مستوى التوتر إلى «تصعيد اقليمي ودولي واسع النطاق». وحتى في ما يتعلق بهدف اعادة التوازن بين المعارضة والنظام، الأمر ليس أكيداً، ويوضح التقرير بأنه «ربما لن يكون لها (الضربة) أي تأثير دائم على ميزان القوة على الأرض»، قبل أن يضيف أنه «يمكن للنظام تسجيل انتصار دعائي، مدعياً أنه صمد أمام الولايات المتحدة، وليحشد الرأي العام المحلي والإقليمي عبر تعويذة معاداة الغرب ومعاداة الامبريالية».
وبدلاً من سيناريو عمل عسكري، تقترح «مجموعة الازمات» على الولايات المتحدة تقديم مقترح لتسوية، وعقد مؤتمر «جنيف 2» لبدء انجازها. أما أساس التسوية فهو انهاء الحرب بالعمل مع حلفاء النظام بمن فيهم إيران، كما أن تحقيقها «هو حل وسط يحمي مصالح جميع الأطراف السورية ويعكس التوازن الاستراتيجي الإقليمي بدلاً من أن يغيره».
وبالنتيجة، فإن تلك التسوية، بحسب المجموعة، هي الحل الوحيد المستدام للصراع. ولتحقيقها أيضاً متطلبات عدة، من بينها عدم بقاء «القيادة الحالية في السلطة إلى أجل غير مسمى». ولكن هنا، ينصح التقرير بأن تكون الولايات المتحدة «مرنة في ما يتعلق بالتوقيت والطرق المحددة» لتغيير القيادة السورية.
وفي هذا السياق، تشير «مجموعة الازمات» إلى مسألتين، الاولى هي «الحرص على تجنب انهيار الدولة السورية والفراغ السياسي الناجم عنها»، وبالتالي أن يكون الانتقال السياسي مبنياً «على المؤسسات القائمة بدلاً من استبدالها، لا سيما الجيش». أما المسألة الثانية فأن تكون «الأولوية لضمان ألا يتم استهداف أي عنصر من المجتمع السوري كغرض للانتقام، أو التمييز أو التهميش في سياق التسوية عن طريق التفاوض».
وسيم إبراهيم
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد