مخاوف أردنية من تعاون «إخوانها» مع سورية وإيران
ساهم حسم الحركة الإسلامية الأردنية (الاخوان المسلمون) مسألة مشاركتها في الانتخابات النيابية المقبلة في تنشيط الحراك السياسي وسط أجواء داخلية مكبلة بالهموم الاقتصادية وبالخوف من انفجارات اقليمية محتملة ما ابقى على شعرة معاوية بين «الاخوان» والسلطة الأردنية.
لكن الأوساط السياسية والرسمية لا تتوقع أن يساهم القرار الذي أعلن يوم الثلثاء الفائت في إخماد المواجهة المتنامية بين الإسلاميين والسلطة، والتي وصلت الى الذروة عقب انسحاب حزب «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لحركة الاخوان المسلمين، من الانتخابات البلدية في 30 تموز (يوليو) الفائت.
حدة التصعيد بين الحلفاء الذين انقلبوا خصوماً بسبب تغيير أجنداتهم الداخلية والخارجية، بعد تحالف مصالح دام لأكثر من ستة عقود، تتعلق بتساؤلات حول حجم المشاركة العلنية والسرية للتيار في الانتخابات التي ستجرى في 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، وطبيعة التحالفات التي ستنسجها الحركة مع قوى وطنية وعشائرية لضمان «الثلث المعطل» في البرلمان.
مشاركة «الاخوان» في الانتخابات من المنتظر ان تتم عبر لائحة لا يتجاوز عدد مرشحيها ألـ 25 مرشحاً ومرشحة، بالمقارنة مع 29 مرشحاً خاضوا الانتخابات الأخيرة عام 2003. والسبب في انخفاض عدد المرشحين هو ان «الاخوان» يريدون «المشاركة لا المغالبة». التيار سيركز على النوعية وليس الكمية لضمان الفرصة الأكيدة بطريقة تساهم في الحفاظ على مشاركة سياسية مقاربة لقوة الجبهة في المجلس الأخير الذي احتلت فيه 17 مقعداً من أصل 110.
بالتزامن مع ذلك، ستدعم حركة «الاخوان» قائمة موحدة تضم ما بين 12 و 15 مرشحاً من خارج التيار، إضافة إلى دعم مرشحين مساندين لها في دوائر مغلقة لا يخوض فيها الإسلاميون الانتخابات بسبب وحدة الصوت العشائري. قرار المشاركة أتى معاكساً للتمنيات الرسمية، بحسب المعلومات التي ترشح من دوائر صنع القرار في الأردن. الغالبية في الأوساط الرسمية والحكومية باتت على قناعة بأن الحركة الإسلامية في الأردن أضحت موضع تجاذب واستقطاب مع دخول «حماس وإيران» على خط التأثير والنفوذ فيها والاختراق العلني والسري لها». وبالتالي، وبحسب التقييم الرسمي، أخذت الحركة تتجه إلى منافسة الدولة عبر محاولات الاستقواء على الحكومة تمهيداً لمحاولة الاستئثار بالسلطة كما حصل مع «حماس» في غزة.
وقال مسؤول اردني «ستكون المشاركة متعددة الأوجه لتحقيق غالبية برلمانية... سيكون لهم مرشحون معلنون ضمن قوائم، وآخرون غير معلنين، ومرشحون مستقلون لهم ثقل عشائري، وسيحاولون التحالف مع قوى وطنية ويسارية وغيرها ليكون لهم ثقل داخل البرلمان عبر ضمان الثلث المعطل واستنساخ تجربة «حماس» في غزة و «حزب الله» في لبنان».
من جهتها، نفت الجبهة مراراً وجود استراتيجية تحدد عمل التيار الأقوى والأكثر تنظيماً بين عامي 2006 و2010، وان الدولة تسعى لاستهدافها لإسكات آخر أصوات المعارضة الفعالة.
لكن بعض المسؤولين يصر في الاجتماعات المغلقة على أن التيار بات يسعى «لأسلمة المجتمع» بدءاً من مدينة الزرقاء، ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان بعد عمان، معقل نفوذهم الرئيس لأن غالبية سكانها من أصول فلسطينية وتعارض عملية السلام.
وبحسب هذا السيناريو، تسعى الحركة من خلال عملية متدرجة للوصول إلى ما يسمى في أدبياتها بمرحلة «الاستعصاء على الدولة» على نحو ما فعلت «حماس» في غزة. البداية كانت من خلال السعي لسيطرة الجبهة و «الاخوان» على خمس بلديات مؤثرة: وهي مأدبا، وإربد، والرصيفة والكرك والزرقاء. لكن الحركة وجدت نفسها مضطرة للتراجع بعد خمس ساعات على بدء العملية الانتخابية. بررت الجبهة قرارها بالانسحاب من الانتخابات البلدية في حينه بمزاعم حول حصول تزوير وحشد أفراد القوات المسلحة للاقتراع ضد مرشحي الحركة، وأيدها في بعض جوانب نقدها «للانتهاكات الجسيمة» تقرير صدر ع المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي يرأسه رئيس وزراء سابق، هو احمد عبيدات الذي كان أيضاً رئيس جهاز الاستخبارات في الثمانينات من القرن الماضي.
لكن الحكومة اتهمت الحركة بأنها اتخذت قراراً مبيتاً «بإيعاز من حماس الخارج» بعد أن شعرت بتراجع شعبيتها لتعزيز موقفها قبل الانتخابات النيابية. بعد المقاطعة وجه «الاخوان» رسالة علنية مست ضمنياً وبطريقة غير مسبوقة استقلالية القرار السياسي لرأس الدولة وانتقدت بنبرة حادة دائرة الاستخبارات العامة معتبرة أنها أدارت العملية الانتخابية. مع كل ذلك، لم تتفاجأ الاوساط السياسية والحزبية بقرار المشاركة الذي جاء بعد مخاض عسير وحوارات داخلية معمقة وبعد تردد واضح بين المقاطعة والمشاركة انسحبت على التيار وغالبية قواعده التي لم تعد ترى فائدة من المشاركة ما قد يؤدي الى تداعيات على مستقبل الحركة وانضباطيتها لجهة تنفيذ القرارات.
وفي خلفية المشهد الرسمي جدل بين أقلية لا تريد إقصاء الإسلاميين، وغالبية باتت تؤمن بضرورة رفع الغطاء الرسمي عنهم ومعاملتهم كغيرهم من القوى بسبب تزايد القناعات الأمنية والسياسية المستندة إلى معلومات موثقة عن أن «قيادات طارئة» اختطفت الحركة باتجاه التشدد، بحيث أصبحت مرجعيتها «في قم (الإيرانية) ودمشق».
وكانت اجراءات السلطات ضد الجماعة بدأت مع إحالة ملف «جمعية المركز الإسلامي» ذراعها المالية والاستثمارية إلى القضاء بسبب مزاعم فساد، وقوننة وتقنين الإفتاء، وضبط منابر المساجد واستمرار الضغط من أجل فك الارتباط بين إسلاميي الاردن و «حماس» عبر عزل الرموز المتشددة المؤيدة للحركة الفلسطينية التي خرجت من رحم «اخوان» الأردن قبل عقدين.
كما طاولت حملات عشائرية ومقالات صحافية أمين عام الجبهة زكي بن أرشيد الذي تنظر اليه المؤسسة الرسمية على انه راديكالي مقرب من «حماس» مع انه ينفي ذلك. (وجهت إليه اتهامات بالإساءة إلى العشائر والبدو خلال مقابلة مع مجلة شهرية ناطقة باللغة الإنكليزية).
وقال قيادي كبير من حركة «الاخوان المسلمين» أن قرار المشاركة في الانتخابات النيابية «لم يكن سهلاً وساعدت على اتخاذه سلسلة من الضمانات والتطمينات الملكية والحكومية بإجراء انتخابات نزيهة بعد الإشكالية التي خلفتها الانتخابات البلدية».
القرار جاء بعد أيام على لقاء مفاجئ ضم قيادات «الاخوان» مع رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت، الذي هدد بإجراءات قانونية في وقت كانت الحركة تصر على المطالبة بإقالة الحكومة وتقديم ضمانات لإجراء انتخابات نيابية حرة.
وسبق لقاء البخيت بأربعة من قادة الحركة في منزله قبل عشرة أيام بعيداً عن الاعلام، اجتماع طارئ لمجلس شورى «الاخوان المسلمين»، أعلى الهيئات القيادية في الحركة، وصانع سياساتها وقراراتها الإستراتيجية (55 عضواً). وأوضح مصدر قيادي في «شورى الاخوان» أن الوفد حمل من لقائه مع البخيت تطمينات وضمانات سياسية وفنية واضحة، لعدم اللجوء إلى تجاوزات وتزوير في الانتخابات... كما جرى في الانتخابات البلدية». وأضاف «كان خطاب البخيت هادئاً وتصالحياً إلى حد كبير مع الإسلاميين»، وهو ما ينفيه البخيت الذي تقول مصادر مقربة منه انه أبدى صرامة شديدة وإن اللقاء جاء بناء على دعوة من البخيت، وبترتيب من وزير تطوير القطاع العام محمد الذنيبات، المقرب من التيار المعتدل في الحركة الإسلامية، من دون ضوء اخضر من القصر ومراكز النفوذ الأمني. وقال القيادي أن اللقاء «ساهم بقوة في ترجيح كفة المطالبين بالمشاركة، وهو كما يبدو كان هدف البخيت، الذي أثقلت الأزمات الداخلية المتتالية كاهل حكومته، ويسعى إلى إنجاح الانتخابات النيابية المقبلة.
وبحسب مشاركين في اللقاء، فإن البخيت وعد ضمن الضمانات المقدمة للحركة بـ «اعتماد البصمة في الانتخابات، والسماح برقابة محلية، وإعلان أسماء لجان الاقتراع والفرز باكراً، إضافة إلى فرز كل ما يتعلق بالانتخابات مركزياً وبواسطة الكومبيوتر».
وكان تقييم مجلس الشورى، للقاء ايجابياً ما عزز موقف التيار المؤيد للمشاركة في الانتخابات على رغم «حالة الإحباط السياسي بين قواعد الحركة جراء ما ترى انه استهداف متواصل لحضورها الاجتماعي والسياسي والخيري والدعوي».
وتابع القيادي الاخواني «ما سهل على القيادة اتخاذ قرار المشاركة، هو أنها كانت استطلعت رسمياً رأي القواعد بالمشاركة قبل الانتخابات البلدية الأخيرة، والتي أيدته في حينه الغالبية. وقال: «لذا ارتأت قيادة الحركة القفز عن عقدة قائمة مرشحي الحركة وإعلان حسم خيار المشاركة يوم الثلثاء».
لقاء البخيت مع الاخوان أثار جدلاً داخل مجتمع صناع القرار السياسي والأمني. وتفيد المعلومات الصادرة عن أوساط الإسلاميين أن تيار الحمائم والوسط في الحركة الإسلامية «يتقدم بصورة لافتة للاستحواذ على معظم كعكة مرشحي الحركة، مع تراجع واضح لمرشحي الصقور، وما بات يعرف بالتيار الرابع، المتهم باقترابه من حركة حماس». وسيخرج من اللعبة غالبية نواب الحركة في المجلس النيابي الحالي، بعد أن قيم أدائهم السياسي والتشريعي بالضعيف. (ومن النواب الذين سيتم إعادة ترشيحهم: عزام الهنيدي، محمد عقل، محمد البزور، بدر الرياطي، ابراهيم المشوخي وحياة المسيمي).
كذلك، ستعود رموز إسلامية معتدلة للترشح، على رأسها رئيس مجلس النواب الأسبق عبد اللطيف عربيات، والامين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي النائب السابق حمزة منصور.
وتكتسب مشاركة الإسلاميين في الانتخابات هذا العام أهمية لمن ينتظر قياس شعبية «الاخوان» في الشارع في ظل صعود نجم الإسلام السياسي في المنطقة بدءاً بفلسطين والعراق ولبنان وانتهاء بالمغرب وتركيا.
في خلفية المشهد أسئلة كثيرة عما إذا ساهم انسحاب «الاخوان» من الانتخابات البلدية وتأييدهم لما قامت به «حماس» في تعزيز شعبية الحركة او إضعافها؟ وحول مستقبل عملية التنمية السياسية الموعودة في ظل تحديات اقتصادية متفاقمة وسلسلة حرائق تجتاح المنطقة وتوتر الأجواء الداخلية المحتقنة أصلاً بين الغرب وإيران حول الملف النووي، وصولاً الى عملية السلام.
رنا الصباغ
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد