مستقبل الشرق الأوسط في مؤتمر لشبونة للاتحاد الأوروبي
الجمل: عقد الاتحاد الأوروبي مؤتمره الأخير في لشبونة ولم ينتبه أحد في العالم العربي والشرق الأوسط إلى مدى خطورة هذا المؤتمر والمعاهدة التي صدرت عنه على مستقبل الشرق الأوسط والعالم العربي.
* سياسة الأمن والدفاع الأوروبي بعد لشبونة:
تقول المعلومات بأن معاهدة مؤتمر لشبونة التي سيتم عرضها على البرلمان الأوروبي للموافقة عليها، تتضمن المزيد من التوجهات الهادفة إلى تعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي وتماسكه كـ"فاعل إقليمي" دولي في حفظ السلام والأمن الإقليمي والدولي. وحتى الآن لم تجتهد أي جهة عربية أو شرق أوسطية في الإجابة عن السؤال: أي أمن أو أي سلام إقليمي ودولي سوف يسعى الاتحاد الأوروبي لحفظهما؟ وما هو المقصود بـ"تماسك" و"قدرة" الاتحاد الأوروبي وفقاً للمفاهيم الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية الجديدة؟
التغيير الذي سوف تؤدي إليه معاهدة لشبونة إن أجازها البرلمان الأوروبي، سوف يكون كارثياً في تأثيره على منطقة الشرقين الأوسط والأدنى وأيضاً على العالم العربي ومناطق آسيا الوسطى. وظلت وثائق الاتحاد الأوروبي تشير إلى "التعاون الأمني" باعتباره مهمة أوروبية تحمل صفة أوروبية تهدف إلى حماية أوروبا، ولكن سياسة الأمن والدفاع الأوروبية الجديدة، بحسب معاهدة لشبونة، تضمنت إضافة المزيد من الطموحات الإقليمية والدولية إلى دائرة اختصاص الأمن الأوروبي بما يتضمن إدخال بقية مناطق العالم ضمن دائرة المجال الحيوي للأمن الأوروبي.
* حلف الناتو هل أصبح دولة؟
في النظام الدولي يوجد فرق بين مفهوم الـ"حلف" ومفهوم الـ"دولة"، وبهذا الخصوص يجيب الكاتب الأمريكي وليام بلوم متسائلاً "هل لاحظ أحد منكم بالصدفة أن الناتو، منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي، قد أصبح دولة افتراضية يتمتع بالحقوق الدولية والقوة العسكرية أكثر من أي بلد آخر في العالم؟".
ويجيب بلوم قائلاً "نعم، فالناتو الذي أخبرونا عنه هو الناتو الذي تم تكوينه عام 1949م للدفاع ضد الهجوم السوفييتي على أوروبا الغربية، وبالتالي فإن هذا الناتو يجب أن يكون انتهى في العام 1991م عند انتهاء الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو"، وبدلاً عن ذلك فقد تم التسويق للكثير من الذرائع والمبررات لاستمرار حلف الناتو الذي بدأ أول الأمر بـ15 دولة، ثم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو وصل إلى 26 دولة إضافة إلى اتفاقيات شراكة مع 23 دولة أخرى. بكلمات أخرى، أصبح عدد الأعضاء والشركاء في حلف الناتو 49 دولة أي ثلث عدد دول العالم تقريباً.
* الناتو على مفترق الطرق:
الإشكالية التي سوف تواجه حلف الناتو قريباً هي التناقض بين التوجهات النظرية والتوجهات العملية، ومن الواضح أن هذا التعاكس يتمثل في:
• "الطموح الزائد" للهيمنة والسيطرة الذي تطرحه بنود معاهدة لشبونة المتعلقة بسياسة الأمن والدفاع الأوروبي وفقاً لمفاهيمها الجديدة.
• "الواقع المؤلم" الذي تواجهه قوات الناتو على مسرح الحرب الأفغانية.
حتى الآن، لم يتحدد بعد فيما إذا كانت أمريكا وإسرائيل ستنجحان في دفع البرلمان الأوروبي إلى الموافقة على "الطموح الزائد" الموجود في معاهدة لشبونة، أم سوف يدرك البرلمان الأوروبي الأبعاد الحقيقية لمأساة الناتو في أفغانستان ويقوم برفض معاهدة لشبونة. إن مصادقة البرلمان الأوروبي على هذه المعاهدة سوف يكون معناه الواضح:
• تخصيص البلدان الأوروبية للمزيد من قواتها إلى حلف الناتو.
• تخصيص البلدان الأوروبية للمزيد من مواردها المالية لتمويل أنشطة حلف الناتو.
• انخراط حكومات البلدان الأوروبية في مشروع الحرب ضد الإرهاب.
• توريط القوات الأوروبية تحت غطاء حلف الناتو في مسارح الصراعات الإقليمية والدولية.
* الناتو والأسئلة الأفغانية الحرجة:
تشير المعطيات الميدانية الخاصة بمسرح الحرب الأفغانية إلى أن قوات الناتو أصبحت تواجه وضعاً حرجاً صعباً، وقد لخص ذلك تعليق كبار قادة الناتو الذين قالوا بأن قوات الناتو تكسب المعارك ولكنها عاجزة تماماً عن تحقيق السيطرة على الأوضاع:
• الوضع الحربي الميداني في أفغانستان: حيث تواجه مهمة الناتو العديد من التحديات الناتجة عن عدم القدرة على التنسيق بين الإستراتيجية العسكرية وإستراتيجية إعادة إعمار أفغانستان، وهذا التناقض سيؤدي إلى فشل مهمة حلف الناتو الذي سيحارب ويستمر في الحرب طالما أن الإمدادات مستمرة في مواجهة حركة طالبان وحلفاءها التي ستقاوم طالما أن الاحتلال موجود والدعم الشعبي الأفغاني مستمر لها.
• الموقف الأمريكي إزاء أداء حلف الناتو: انتقد وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز أداء قوات حلف الناتو الحربي الميداني وانتقد حلفاء أمريكا الأوروبيين منذراً بأنهم لا يبذلون قصارى جهودهم في دعم أمريكا، وتأسيساً على ذلك كلما فشل حلف الناتو كلما تزايدت الانتقادات الأمريكية لأوروبا. فهل ستبذل أوروبا المزيد من الجهود وخسارة العتاد والمال بما يؤدي إلى كسب رضا أمريكا أم أن الموقف الأوروبي سيتراجع عن دعم أمريكا بما يترتب عليه توجيه الأوروبيين للانتقادات بحق أمريكا؟
تشير التوقعات إلى أن حلف الناتو سوف تكون مهامه العسكرية والأمنية أكبر وأوسع إذا أجاز البرلمان الأوروبي معاهدة لشبونة. وحالياً توجد ضغوط أمريكية وإسرائيلية على البرلمان الأوروبي لإجازة هذه المعاهدة،وتقول المعلومات بوجود فرصة كبيرة لتمرير الاتفاقية لأن زعماء فرنسا وألمانيا وبريطانيا يؤيدونها. التمثيل في البرلمان الأوروبي يقوم على أساس اعتبارات الأوزان بحيث تملك كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا قوة تصويتية أكبر تفوق تلك التي للدول الأوروبية الصغيرة كالدنمرك وهولندا وبلجيكا. وتأسيساً على توازنات القوة التصويتية فإن فرصة نجاح المعاهدة سوف تكون أكبر ولكن لاحقاً سوف تبدأ المشاكل في الظهور لأن الرأي العام الأوروبي سوف لن يقبل بـ:
• إرسال أبناءه للحرب والقتال في المناطق البعيدة خارج القارة الأوروبية.
• تحمل نفقات تمويل الحرب الجديدة.
وتشير التكهنات إلى أن المخطط الأمريكي – الإسرائيلي المتعلق بتوظيف حلف الناتو سوف يركز على تطبيق نفس نموذج القوات الأمريكية في العراق (ضم الجيش الأمريكي في العراق آلاف المهاجرين المتواجدين في أمريكا من ذوي الأصول العربية)، وهو التركيز على استخدام المجندين العرب المهاجرين إلى أوروبا، وأيضاً التركيز على ابتزاز الأموال العربية في تمويل عمليات حلف الناتو. وحالياً هناك ترتيبات لعقد اتفاقيات شراكة بين حلف الناتو ودول الخليج، وسوف تكون هذه الشراكة معنوية بحصول الناتو على المزايا المالية الخليجية، وهناك اتفاقيات شراكة ين الناتو وتونس والأردن وربما لبنان. وسوف تكون هذه الاتفاقيات معنية بقيام هذه الدول بتوفير المزايا اللوجستية والميدانية وربما توفير العناصر البشرية طالما أنها شريكة للناتو في برنامج الحرب ضد الإرهاب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد