معطيات الصراع الجاري بين تل أبيب وواشنطن حول عملية السلام
الجمل: حدثت خلال الأشهر الخمسة الماضية العديد من الخلافات الأمريكية – الإسرائيلية حول ملف عملية سلام الشرق الأوسط وتضمن سيناريو الخلافات من جهة قيام حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا بالمضي قدماً في مشروع توسيع المستوطنات بينما من الجهة الأخرى تصر إدارة أوباما على ضرورة الوقف الفوري لمشروع توسيع المستوطنات.
* محور تل أبيب – واشنطن: معطيات الصراع الجاري:
من المعروف سلفاً في علاقات خط واشنطن – تل أبيب أن حكومات حزب الليكود تنسجم مع الإدارات الأمريكية الجمهورية وأن حكومات حزب العمل تنسجم مع الإدارات الديمقراطية، وعلى هذه الخلفية سبق أن نشأ خلاف بين حكومة الليكود السابقة وإدارة بيل كلينتون الديمقراطية، ومؤخراً بدا واضحاً من خلال حملات الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية أن تغييراً متعاكساً سيحدث في واشنطن وتل أبيب وبالفعل:
• صعدت حكومة أوباما الديمقراطية إلى السلطة في أمريكا.
• صعدت حكومة نتينياهو الليكودية إلى السلطة في إسرائيل.
سعت دوائر اللوبي الإسرائيلي إلى القيام بحملة استباقية لتخفيف حدة الصراع المحتملة على الأقل إن لم يكن من الممكن تفاديها وتضمنت ترتيبات اللوبي الإسرائيلي:
• تصعيد حلفاء إسرائيل مثل دنيس روس وفيلتمان وشابيرو وغيرهم من عناصر اللوبي إلى المناصب السياسية المعنية بعملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية.
• التنسيق مع بنيامين نتينياهو حول تفاصيل السيناريوهات الممكنة لدرء الخلافات مع الإدارة الأمريكية.
سعت حكومة نتينياهو بالتعاون مع عناصر اللوبي الإسرائيلي في بادئ الأمر محاولة دفع الإدارة الأمريكية باتجاه اعتماد استراتيجية تقوم على إعطاء الأولوية لأزمة الملف الإيراني ثم التفرغ بعد ذلك لأزمة الشرق الأوسط عن طريق إعداد الدراسات والتقارير التي تفيد لجهة ذلك ثم تدعيم الأمر بزيارة نتينياهو لواشنطن إضافة إلى دفع النظام المصري بحيث تطرح القاهرة الفكرة ذاتها على الإدارة الأمريكية عبر علاقات واشنطن – القاهرة.
عندما رفضت إدارة أوباما الفكرة سعت حكومة نتينياهو إلى تصعيد ملف توسيع المستوطنات بما أدى إلى نشوء أزمة في خط واشنطن – تل أبيب والتي ما زالت قائمة حتى الآن، إضافة لذلك سعت حكومة نتينياهو إلى استخدام ملف المستوطنات للحصول على صفقة تتضمن اتفاقاً مع العرب يقوم على مبدأ: التطبيع مع إسرائيل مقابل وقف إسرائيل لمشروع بناء المستوطنات.
* محور تل أبيب – واشنطن: معطيات التعاون المحتمل:
تقول التسريبات الأمريكية أن عناصر اللوبي الإسرائيلي التابعة لمنظمة الإيباك والناشطة داخل الكونغرس الأمريكي استطاعت أن تحصل بنجاح على تأييد 77 سيناتوراً من جملة أعضاء المجلس البالغين 100 سيناتور، وأكدت التسريبات أن الـ77 سيناتوراً وقعوا على خطاب تم إرساله بواسطة مجلس الشيوخ إلى الرئيس أوباما بتضمن الآتي:
• عدم التمادي في تشديد الضغوط على إسرائيل.
• الضغط على الأطراف العربية بما يجعلها تقدم التنازلات لإسرائيل.
وتقول المعلومات أن عناصر اللوبي الإسرائيلي كانت ناشطة خلال الفترة القليلة الماضية للتأثير على توازن القوى داخل الكونغرس وتحديداً مجلس الشيوخ المسؤول عن متابعة ومراقبة أداء الإدارة الأمريكية وبحصول اللوبي الإسرائيلي على توقيع 77 سيناتوراً فقد انتقلت باتجاه استخدام ذلك من أجل التأثير على توازن علاقات إدارة أوباما مع إسرائيل وتوازن علاقات إدارة أوباما مع الأطراف العربية.
أكدت التسريبات أن إدارة أوباما باشرت بالفعل ممارسة الضغوط على الأطراف العربية من خلال قيام المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل بمطالبة العرب وإن كان بشكل غير مباشر بضرورة الدخول فيما أطلق عليه تسمية ترتيبات وإجراءات بناء الثقة مع إسرائيل بافتراض أن هذه الترتيبات ستحفز إسرائيل على تقديم التنازلات في ملف عملية السلام.
* الصدمة الأولى: رد الفعل السعودي:
على خلفية مسعى ميتشل ورهانه على الترتيبات والإجراءات جاء رد الفعل العربي الأول على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي دعته الإدارة الأمريكية لطرح فكرة بناء الثقة والتفاهم حولها، وتضمنت تصريحات الوزير السعودي النقاط الآتية:
• إن ترتيبات وإجراءات بناء الثقة لا يمكن أن تحقق السلام.
• المطلوب لتحقيق السلام هو المقاربة الشاملة باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتحديد ماهية النتائج النهائية.
• يجب إطلاق المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي.
أضافت التسريبات أن خلفيات الموقف السعودي لا تقوم هذه المرة على اعتبارات المنطلقات الدينية أو العربية وإنما على أساس اعتبارات بنود القانون الدولي المنصوص عليها في معاهدة جنيف الرابعة 1949 التي نصت بشكل واضح على إلزام الدول التي تحتل أراضي الغير بعدم توطين مواطنيها في هذه الأراضي وما كان لافتاً للنظر إن الموقف السعودي الذي جاء على لسان وزير الخارجية أن إسرائيل ارتكبت جريمة وبأن هذه الجريمة تستحق العقاب وليس تقديم التنازلات وبالتالي فإن قيام الأطراف العربية بتقديم التنازلات معناه أن إسرائيل ستحصل على مكافأة عربية مقابل الجريمة الدولية التي ارتكبتها.
* الصدمة الثانية: رد الفعل على تصريحات السفير شاس فريمان:
سعى السفير الأمريكي السابق في السعودية (1989-1992) شاس فريمان إلى استغلال علاقاته الوثيقة بالدبلوماسيين السعوديين وعلى وجه الخصوص وزير الخارجية سعود الفيصل وكانت الحجة التي اعتمد عليها السفير تقول أن الأطراف العربية لو قامت بتقديم شيء لإسرائيل في الوقت الحالي فإن هذا الشيء سيدفع إسرائيل لتقديم شيء بالمقابل والذي سيتمثل في موافقة إسرائيل الاستمرار في عملية السلام،ولكن بالمقابل تلقى السفير فريمان صفعة قوية من خلال الرد السعودي القائل أن:
• كل ما تم تقديمه من أشياء بواسطة العرب لإسرائيل في الماضي لم يفلح في دفعهم إلى تقديم المقابل وإنما إلى طلب المزيد.
• قدمت الجامعة العربية إعلان بيروت عام 2002 الذي تضمن مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية وحتى الآن لم ترد إسرائيل أو تحرك ساكناً إزاء المبادرة.
تشير التقارير والتسريبات أن خلافات الرياض – واشنطن بدأت تظهر منذ نيسان الماضي وتحديداً عندما قام المبعوث الأمريكي للخليج وإيران دنيس روس بزيارة السعودية ومقابلة الملك عبد الله الذي استمع إلى "محاضرة" روس حول الخطر الإيراني، فإنه فاجأ روس بطرح العديد من الأسئلة التي لم يتبين أن روس كان عاجزاً عن الرد عليها فحسب، وإنما كذلك جعلت منه مثاراً للسخرية من قبل مرافقيه الدبلوماسيين الأمريكيين.
عموماً، برغم الخلافات السعودية – الأمريكية والخلافات الإسرائيلية – الأمريكية فإن احتمالات أن تتفاهم هذه الأطراف عبر قنوات الإدارة الأمريكية بما يؤدي إلى ظهور ما بدأت التقارير تطلق عليه تسمية "خطة سلام أوباما" هو أمر وارد ومحتمل ومن أبرز التلميحات التي تشير إلى ذلك المقال الذي كتبه ولي عهد البحرين ونشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية الذي تضمن بعض الاقتراحات والتصورات الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي وقد علق الخبراء على مضمون المقال بأنه لم يكن ليقول ما قاله في المقال لولا وجود الضوء الأخضر السعودي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد