منغصات الحياة السكنية في سورية

29-09-2006

منغصات الحياة السكنية في سورية

الجمل-مصطفى علوش:  نشرت إحدى صحفنا المحلية خبراً طريفاً نقلاً عن إحدى وكالات الأنباء يتعلق بمحاولة المجلس البلدي الاسكتلندي الذي يسعى عبر المحكمة لإسكات ديك مزعج درج على الصياح في ساعة مبكرة كل صباح تتجاوز قوة صوته /30/ ديسيبل، وهو الحد المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية، ونعتقد أن مجالس المدن والبلدات في سورية، ومعها المحافظات ومكاتبها التنفيذية قد سُعدوا بقراءة هذا الخبر، لأنه فعلاً طريف بالقياس لما يحدث في حياتنا الاجتماعية من ضجيج وإقلاق راحة دائم. وقبل الدخول في المشهد المطلوب التحقيق فيه «منغصات الحياة السكنية في سورية» تصفحت عدداً من الشكاوى المنشورة في الصحافة المحلية المتعلقة بالراحة العامة.. فماذا وجدت؟
1- معاناة أهالي تل حجر في الحسكة لا يعرفون طعم الراحة والهدوء جراء الضجيج والأصوات الصاخبة التي تخلفها معامل البلوك، وعددها ثلاثة معامل في الحي المذكور تعمل منذ الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من الليل.(الثورة- العدد رقم 13113)
2- وتعكّرت الحياة في بحيرة زرزر في الزبداني بسبب إقلاق الراحة نتيجة وجود الدراجات النارية التي يقودها شبان مراهقون وبسرعات جنونية مسببة حوادث عديدة. (الثورة- عدد 13100)
3- وتحدثت شكوى منشورة في تشرين عدد 9653 عن ممارسات مزعجة تصدر عن عمال مستودع الألمنيوم تحت بناء الحارة المجاورة لمحكمة اليرموك وسلمت الشكوى الى مدير الصيانة ببلدية اليرموك.
4- وصدمت سيارة طفلين في نهاية شارع عين الكرش، باتجاه مشفى العربي نتيجة إشغال الأرصفة المخصصة للمشاة. وأهالي المنطقة يناشدون المحافظة لقمع هذه المخالفات.(الثورة- 13114)
5- ومن حلب، أهالي سكان شارع الشيخ طه يعانون من مشكلة باتت تقلقهم وتقض مضاجعهم جراء توقف القطارات المارة أمام بيوتهم ومنازلهم الكائنة قرب الجامع.(الثورة- 13114)
6- وإذا أردنا إكمال سرد الأمثلة يمكننا التوقف عند معاناة القاطنين بجوار جامع الاشمر في منطقة الزاهرة الذين أشاروا إلى الإزعاجات التي يسببها لهم سوق الجمعة حيث يبدأ أصحاب البسطات والعربات منذ الصباح الباكر بالتحضير لافتراش الأرصفة والشوارع، ليأخذ كل بائع مكانه وهذا يعني أن الأصوات المرتفعة والإزعاجات تبدأ مع مجيء الباعة الى المنطقة مع أن هذا اليوم هو يوم راحة للموظفين. (الثورة- 13099).
ويمكننا التعميم وبكثير من الاطمئنان على جميع مناطق سورية بخصوص أمثلة مشابهة عن إقلاق الراحة العامة. لذلك يمكن لذلك الديك الاسكتلندي أن يقدم طلب لجوء إلى سورية ليعيش بأمان واطمئنان وليتمكن من الصياح إلى أقصى ما تسمح به حنجرته الذهبية، ونطمئنه بأن أحداً لن يشتكي عليه، وإذا فعلها أحد المواطنين فإن البلديات مشغولة بقضايا أكبر من مجرد إقلاق راحة الناس، ولن ترد على أي شكوى لأن الأمر يمكن أن يكون شخصياً، أي قد يتقصد أحد المواطنين لأسبابه الخاصة إقلاق راحة الديك بالشكوى عليه.
الأمر ليس نكتة ولا طرفة نرويها فقد حدثنا المهندس فادي رزق رئيس مجلس بلدة صحنايا في ريف دمشق عن الأصول القانونية المعمول بها لإعطاء التراخيص حسب القانون 2680 الخاص بالصناعات الخطرة التي تضم ثلاثة أشكال والبلديات مختصة بالنوع الثالث مثل ورش الخياطة أو ورش الألمنيوم، فبعد شرحه للشروط الكهربائية الواجب توفرها في هذه الورش مثل الاستطاعات (5)أحصنة فما دون قال: «المطلوب قانوناً لإحداث الترخيص الحصول على موافقة الجوار، عندما نريد إعطاء ترخيص نضع إعلاناً قبل شهر من إعطاء الترخيص، ومن كان لديه اعتراض من الجوار يجب تقديمه قبل هذه المدة الزمنية».
وأسألة: وإذا سكت معظم الجوار واعتراض واحد فقط؟
أجاب: قد يكون الأمر شخصياً بين الساكن وصاحب الورشة.
- ومن يحكّم في هذه المسألة؟
المكتب التنفيذي في مجلس البلدة.
وهنا يكمن اللغم الذي تمر عبره عشرات التراخيص غير القانونية والتي اعترض عليها الجوار ولكن المجلس المذكور أو غيره اعتبر أنه قد تكون هناك قضية شخصية في المسالة المعروضة أمامه.
وإذا تورط مواطن ما واشترى منزلاً في صحنايا، ثم اكتشف أن منشرة خشبية تسكن تحت بيته أو منشرة ألمنيوم، فإن اعتراضه لن يلق رداً أو جواباً إذا كانت المنشرة قد حصلت على ترخيص، والجواب الذي يقوله رئيس مجلس بلدة صحنايا أن الأخ اشترى منزله ويعرف أن هناك منشرة في البناء.. أي «ليبلّط البحر ذلك المواطن».
وحتى لا يعتقد المهندس فادي رزق أن المسألة تخص بلدة صحنايا، نقول له: إن هذه المشاكل تخص مناطق سورية كلها.
والطريف أن البلديات (حسب كلام المهندس رزق) تحصل على تعهد من الورش والمحلات بالموافقة على الانتقال إلى المناطق الحرفية مستقبلاً ويتضمن هذا التعهد عدم مطالبة صاحب الورشة بتعويض عن الضرر الذي لحق به، وهذا السند موثّق بالمحكمة عند كاتب العدل وطبعاً حتى الآن لم يفكر أحد بإقامة مناطق حرفية أو حتى أسواق لتجميع هذه الورش ليس في صحنايا فقط وإنما في معظم مناطق سورية.
ويمكننا القول: انه لا توجد معالجات جذرية تخص هذه القضايا فرؤساء مجالس البلدات والمدن يكتفون بتقديم الأجوبة رداً على  أسئلة أعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات.
حاولنا توسيع الحوار أكثر مع السيد رزق حول الأعراس والأفراح،لاسيما بعد انتشار ظاهرة إغلاق الشوارع بالخيم في صحنايا وغيرها، فجاءنا جواب المهندس أحمد الشيخ محمد ليزيدنا تشاؤماً «كل شيء في القانون ممنوع، وعلى أرض الواقع كل شيء مسموح» وطالب السيد محمد بقوانين شاملة لإحداث صالات أفراح، فثلاث صالات في صحنايا قد تحل المشكلة.
وحول المسألة ذاتها وضّح رئيس مجلس البلدة أن هناك صعوبة في تطبق القانون في مسألة إقلاق الراحة بسبب الاعراس التي قد تستمر حتى الصباح بسبب الامتدادات الاجتماعية والعائلية للمسألة.
وكان السيد رزق قد وضّح لنا قبل ذلك أن ضعف الكادر هو أحد أسباب ضعف تطبيق القانون فتخيلوا هناك شرطي بلدية واحد في كل صحنايا، التي بلغ عدد سكانها (ثلاثون ألف نسمة).. كما اعترف السيد رزق بوجود تقصير في تطبيق القانون. وأقول له ولكثيرين غيره من رؤساء مجالس المدن: التقصير موجود ويرافقه في أغلب الأحيان غياب تام للقانون. فمثلاً تنتشر في صحنايا كما جرمانا وجوبر والحجر الأسود وغيرها عشرات، بل مئات الورش الصناعية التي لم تكتف بغياب التراخيص وإنما تقوم بسرقة الكهرباء المنزلية، وأقول للسيد رئيس مجلس البلدة انه يعلم ومعه أعضاء مكتبه بالكثير من المخالفات العلنية الخاصة بهذا الموضوع.. ولو أراد تطبيق القانون من خلال شرطي واحد لأمكنه التأسيس لمرحلة جديدة في واقع الخدمات في صحنايا وإذا تركنا مجالس المدن والبلدات وقاربنا القانون السوري حول المشكلة ذاتها «منغصات الحياة السكنية» لوجدنا العجب العجاب، وليطمئن السيد رئيس مجلس الشعب السوري لا أحد يطالبه حتى الآن بتطوير هذه القوانين؟ أو إلغاء بعضها وإحداث قوانين جديدة.
يقول نص القانون حسب ما أفادتنا به الحامية نسرين خوري:
«المادة 743- 744 عن المخالفات ضد الآداب والراحة العامة.
المخالفات:
أ- يعاقب بالغرامة من 25 إلى 100ل.س من أحدث ضوضاء أو لغطاً على صورة تسلب راحة الأهلين وكذا من حرّض على هذا العمل أو اشترك به.
ب- من رمى قصداً بحجارة أو نحوها من الأجسام الصلبة أو بالأقذار العجلات والأبنية ومساكن الغير أو أسواره والجنائن والأحواش.
ج- من أفلت حيواناً مؤذياً أو أطلق مجنوناً كاناً في حراسته.
د- من حثّ كلبه على مهاجمة المارة أو اللحاق بهم أو من لم يمسكه عن ذلك ولو لم يحدث أذى أو ضرر».
وشخصياً لا أملك كلباً لأحثه على مهاجمة المارة أو اللحاق بهم، وإذا فعلتها فالأكيد أن مئة ليرة ثمن الغرامة لن تكسر ظهري.
وأكاد أجزم أن المكان الوحيد في سورية الخالي من مخالفات إقلاق الراحة هو منزل السيد الرئيس.
ونحن لم نتحدث عن إشغالات الأرصفة في سورية حيث سيادة عقل اجتماعي متخلف لا يحترم قيمة الرصيف فقط إنما يعتقد عبره أصحاب المحلات أن الرصيف جزء من ملكيتهم.
ولم نتحدث أيضاً عن تشفيط السيارات من قبل أبناء المسؤولين والأثرياء في سورية الحديثة والمحدثة، ولم نتحدث بعد عن إقلاق الراحة الذي يسببه محدث نعمة تضخم كرشة وعرشه وثروته إلى درجة لم تعد شوارعنا قادرة على استيعابه.
وأيضاً لم نتحدث عن جاري الذي يفترش الرصيف ويبدأ سهرته من المساء برفقة النارجيلة، وعليَّ أنا وغيري النزول للشارع إكمالاً لسيرنا حتى لا ينزعج هذا المواطن، الناقم على كل شيء والناقد لكل شيء ولكن تنقصه فقط مرآة فعلية تشبه في جانب منها مرايا ياسر العظمة.
ونحن أيضاً لم نتحدث عن كشاشي الحمام أو عن الضجيج الذي يسببه الأشقاء العراقيون أثناء عيشهم معنا في الأحياء والشقق، وذلك احتراماً للقومية  العربية ومتطلباتها.
ولكي لا ننسى أيضاً نحن لم نتحدث عن خمسين ألف دراجة نارية تنهب الأرض ليل نهار في مدينة سلمية في سمفونية ضجيج وأرق لم تنته منذ سنوات طويلة وعجزت معها كل القوانين وأعداد الشرطة المتزايدة عن المعالجة أو الحد منها.
وبين ضعف القوانين أو غيابها وسيادة التخلف الاجتماعي ستبقى حياتنا الاجتماعية السكنية عرضة للانتهاك والاغتصاب الدائم.
وحتى لا أبقى متفائلاً أتحدى الحكومة الحالية ومن سيأتي بعدها إن كان لديها معالجة جذرية لموضوع إقلاق الراحة العامة.
مع خيوط الصباح الأولى من ليلة الأربعاء 27/9/2006 أنهيت كتابة هذه المادة وكان صياح ديك جارنا قد وصل إلى ذروته لذلك أكتب له رسالة حب تتضمن عشقي لصوته وحرصي على عدم إقلاق راحته بأي شكوى شبيهة بتلك الشكوى المغرضة المقامة ضد ذلك الديك الاسكتلندي.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...