نوبات القتال في سوريا تستهدف المطارات وأهداف متفاوتة للمسلحين بين السيطرة والتعطيل
فتحت الشهية العسكرية للمعارضة مجددا على المطارات السورية، ولا سيما العسكرية منها، بشكل ينذر بمستويات جديدة من المعارك، تتولى التهديد فيها مختلف الفصائل العسكرية المتواجدة على الأرض السورية، من "جيش الإسلام" إلى "جبهة النصرة" وصولا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش"، وذلك في وجه عدو واحد هو الجيش السوري، لاستهداف أبرز سلاح يمتلكه، وهو الطيران الحربي.
وفي اليومين الماضيين تزامنت تصريحات وأخبار متشابهة، عن نيات المهاجمين تنفيذ عمليات قرب مطارات عسكرية ومدنية سورية، بغاية الاستيلاء عليها أو تعطيلها كحد أدنى. وتأتي الحملة الأخيرة متناسقة مع الاستنتاج الظاهر بأن الحركة الفوضوية، للفصائل المتشعبة، لا يمكن أن يعيقها فعليا سوى سلاح واحد، هو الطيران. وذلك بعد أن تمثلت التجربة العملية في بلدان كثيرة، منها العراق ولبنان مؤخرا.
وهكذا يحضر "داعش" لمعركته الكبرى الثالثة في ريف الرقة مستهدفا مطار الطبقة. وهو ثالث نقطة عسكرية كبرى في الرقة، بعد مباني قيادات الفرقة 17 وفوج الميلبية، مرورا باللواء 93 الذي انسحب جنوده ليلا باتجاه المطار أمس الأول.
ويعتبر مطار الطبقة عنصر إمداد رئيسيا لقوات الجيش في منطقتي الحسكة والرقة، ويشكل نقطة ارتكاز بالنسبة لقوات "الفرقة 17"، التي يصل تعداد عناصرها إلى عشرة آلاف مقاتل، تتوزع على مساحة جغرافية كبيرة بين مدينتي الرقة والحسكة.
واعتمد الجيش، بعد معارك الرقة الأخيرة، على المطار بشكل رئيسي لنقل عناصره من الجرحى والناجين من معركة قيادات "الفرقة 17" وتأمين إمدادات للأفواج والألوية الموجودة هناك. وبعيدا نسبيا عن مطار الطبقة، على مسافة عشرات الكيلومترات، يقع مطار دير الزور العسكري، والذي يعاني انعدام حالة أمن للطيران، رغم أن رحلات بالطوافات تخاطر بين الوقت والآخر بغرض تأمين إمدادات أو نقل جرحى أو جثامين.
ويفترض أمن المطارات تأمين المنطقة المحيطة بالمدرجات على مسافة لا تقل عن 35 كيلومترا من مختلف الاتجاهات، وهو أمر بات الحفاظ على استقراره شديد الصعوبة. وأمس الأول أعلن قائد المجلس العسكري في حماه العميد أحمد برّي، في تسجيل فيديو، أن "كتائب المعارضة تسعى إلى التقدم من مطار حماه العسكري بشكل أكبر، كي يصبح في متناول المدفعية والهاون، وفي حال تم تعطيل المطار بشكل كامل، فإنه سيخفف كثيراً من عمليات القصف الجوي على معظم المناطق السورية".
ووفقا لبري قلصت المعارضة عمل المطار بمعدل خمسين في المئة، مشيرا إلى قدرتها على استهدافه بالمدفعية الثقيلة والهاون. كما ذكر بيان سابق لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن كتائب "النصرة" باتت على مسافة تسعة كيلومترات من المطار.
ويشكل مطار حماه حجر زاوية في عمل سلاح الجو السوري، بسبب قربه من معامل تصنيع العتاد الحربي والذخيرة الجوية، وفقا لما يصرح به بري أيضا. وتجري معارك حماه، التي لم تنخفض وتيرتها منذ أشهر، بالقرب من المطار والطريق الدولي، الذي تقول المعارضة انها تمكنت من قطعه بين مدينة حماه وبلدة محردة، ولا سيما بعد استيلائها على بلدة حطاب التي تضم مستودعات ذخيرة كبيرة للجيش. ويضاف إلى أهمية المنطقة أيضا، أنها تشكل قلب المنطقة الوسطى بين حمص وحلب، كما أنها لا تزال بعيدة عن تأثير "داعش"، وينظر المعارضون إليها نظرة رمزية بعد انهيار مجالسهم وكتائبهم العسكرية في مختلف مناطق الشمال الشرقي وريف حلب أمام اندفاع "الدولة الإسلامية".
و"داعش" بدورها تحاصر مطارا مهما آخر، هو مطار كويرس، والذي تحاصره منذ مدة، غير قصيرة، بينما تحاصر كتائب "الجبهة الإسلامية" مطار النيرب بالقرب من حلب، وتستهدف مروحياته، وفقا لوسائل نشر الكتائب المعارضة.
ووفقا لوسائل النشر ذاتها، توعدت "القيادة العامة لجيش الإسلام" بإطلاق معركة تطويق مطار دمشق الدولي "الذي يعد المصدر الأساسي لوفود المقاتلين الأجانب والمساعدات الإيرانية لنظام الرئيس بشار الأسد" وفقا للبيان الذي أذيع على الانترنت أمس الأول.
وحذر من أن "المعركة انطلقت مع غروب شمس يوم الأربعاء الماضي، ولن تتوقف قبل السيطرة على مطار دمشق الدولي مرورا بالغزلانية وحتيتة تركمان" وهما بلدتان لا تبعدان سوى بضعة كيلومترات عن حرم المطار الدولي. ووفقا للبيان تمكن المقاتلون من السيطرة على عدة نقاط "قرب مطاحن الغزلانية وعطب دبابة وقتل العشرات من الجنود السوريين، فضلا عن محاصرة المطاحن تمهيدا لاقتحامها ".
كما شكل اقتحام "داعش" منذ أسبوعين لحقل "الشاعر" للغاز إنذارا حادا لمطارين عسكريين قريبين، هما الشعيرات ومطار تدمر العسكري أو ما يعرف بـ"التي فور". والأخير يحتل مساحة كبيرة، ويقوم بمهمات ضخمة في المنطقة الشرقية، ولا سيما ضد مواقع التنظيم. وسبق لأسوار المطار أن تعرضت لهجمات وقصف صاروخي من البادية حيث تتمركز فصائل مختلفة متعددة الولاءات، أبرزها كما هو متوقع تلك التي تولي "داعش" عليها.
إلا ان ما يجدر ذكره أيضا، هو أن سوريا التي تمتلك ما يقارب 23 مطارا، غالبيتها عسكرية، لا زالت تنسق عمل قواتها الجوية رغم الظروف المحيطة بتلك المطارات. كما أن تعرض المطارات لتضييق الخناق، تعترضه صعوبات، من بينها تعقيدات إمكانية الحفاظ على مواقع الحصار، ولا سيما في المناطق التي تميل موازين القوى للجيش. وسبق أن أعلن عن حصار مطار دمشق الدولي، كما سبق استهداف المطار. ومنذ عام تماما، أعلنت المعارضة عن محاصرة مطار حماه تماما، لكنها لم تتمكن من الاحتفاظ بمواقعها.
كما أن مطارات في عمق مناطق نفوذ المعارضة كما في الرقة (الطبقة) وريف حلب (كويرس والنيرب) ما زالت تعمل رغم المخاطر، وهو عمل في حال تمت إعاقته بشكل أوسع، يمكن أن يغير موازين القوى بشكل جذري في سوريا، فاتحا أفق مستويات الصراع إلى ما هو أسوأ من حالها الراهن.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد