واشنطن تطوّق المغامرات المنفردة في سوريا بقوات خاصة لـ «التحالف»
المخفي من التفاهمات الأميركية - الروسية يؤرق حلفاء واشنطن المناوئين للنظام السوري، خصوصاً أن ما يُطل منها على السطح لا يتركهم إلا أكثر إحباطاً. لا يغيّر في ذلك ما تكشفه مصادر مطلعة من إرسال الأوروبيين قوات عمليات خاصة إلى سوريا، ولا تأكيدات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عزمها تسريع وتيرة عمليات التحالف ضد «داعش» في سوريا. بعض من يراقبون هذه التطورات من المرصد الخليجي يؤكدون أن هناك ما هو أسوأ، مع ترويج غرف التفاوض الأميركية والروسية أن هناك مظلة تفاهم مشتركة الآن، فحواها أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بقيادته شخصياً، يشكل «ضمانة» لا يمكن التخلي عنها للحرب على الإرهاب.
الحملة على «داعش» تشهد مرحلة جديدة، عنوانها الانخراط الأوروبي بإرسال قوات خاصة إلى سوريا. هذا ما يكشفه مصدر أوروبي رفيع المستوى، مطلع اطلاعاً واسعاً على التحركات الأوروبية العسكرية. المصدر قال إن «هناك قوات عمليات خاصة أرسلتها بعض الدول الأوروبية إلى سوريا»، قبل أن يستطرد «إنهم على الأرض في سوريا منذ فترة، لكن القضية حساسة لذلك يفضلون عدم الإعلان عنها».
المصدر تحفظ على ذكر الدول التي قامت بتلك الخطوة، لكنه أشار ضمنياً إلى فرنسا وبريطانيا، متحدثاً عن الدول التي «تتقدم عادة التحركات العسكرية في الاتحاد الأوروبي». لفت أيضاً إلى أن هذا الانخراط «سيتزايد في الفترة المقبلة»، موضحاً أن «الدول المنخرطة تجد في زيادة حجم القوات الخاصة فرصةً لتأكيد وتبرير هذه الخطوة أمام الرأي العام».
منذ بداية عمليات «التحالف»، شاركت العديد من الدول الأوروبية في عملياته ضد «داعش» في العراق، رافضةً توسيع نطاق تحركها العسكري لمحاربته في سوريا. لكن في الأشهر الماضية، أعلنت تلك الدول تباعاً تجاوز تحفظاتها، دامجة الدولتين في ميدان واحد للمعركة ضد التنظيم الإرهابي. هناك دول أوروبية أخرى تسير على الطريق ذاته، لكن بكل الأحوال لم تتجرأ أي دولة على القول علناً إنها سترسل أي نوع من القوات البرية إلى سوريا.
الدول الأوروبية لا تزال مصرّة على إبقاء طبيعة التحركات العسكرية محاطة بهوامش الغموض. ينطبق ذلك، مثلاً، على الدنمارك التي تلقت مؤخراً ثناءً من واشنطن لإعادة مقاتلاتها الـ «إف 16» للعمل فوق سوريا. خلال الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية الأوروبيين، دافع وزير خارجيتها كريستيان يانسن عما اعتبرها «نتائج إيجابية ملموسة» للتحرك العسكري. حينما سألناه عن القضية، قال إن «علينا العمل أكثر للتأكد من أن داعش يستمر في التراجع، ولإخراجه في النهاية من المناطق (التي يسيطر عليها)»، قبل أن يضيف «لذا فكل دولة يمكنها فعل المزيد عليها القيام بذلك لمساعدة الشعب في العراق وسوريا للتخلص من داعش».
لكن الوزير الدنماركي لم يعط إجابةً حاسمة حينما سألناه إن كان «فعل المزيد» يشمل إرسال القوات البرية، مواصلاً التفريق بينها وبين مهام القوات الأجنبية الخاصة. قال إن القوات الخاصة «هي شيء آخر غير القوات البرية»، مشدداً على أن «هناك مجموعات عديدة (كافية) في العراق وسوريا، فهناك قوات الأمن العراقية التي تساعد الدنمارك في تدريبها، وسنقوم بالمزيد في الأشهر المقبلة، هناك البشمركة في الشمال، وهناك ميليشيات مختلفة في كل من العراق وسوريا يمكن العمل معها»، قبل أن يستطرد «لذا فمسألة الحصول على قوات أجنبية على الأرض، في العراق وسوريا، ليست أمراً علينا فعله، (لكن) يمكننا دعم قوات محلية عبر مساعدتهم وتدريبهم».
اللافت أن ما يتجنب الأوروبيون الحديث عنه، بدا جلياً، ولو في جمل اعتراضية تخللت التصريحات الأميركية. جاء ذلك خلال شهادة أمام الكونغرس، الأسبوع الماضي، برر فيها وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر مضاعفة بلاده عدد قواتها الخاصة في سوريا، مضيفة 250 عسكرياً جديداً لقوة من 50 عسكرياً تعمل هناك مسبقاً.
قال كارتر إن الهدف من تلك الخطوة «ثنائي»: تدريب وتجهيز المزيد من الميليشيات السورية «من بين العرب السنّة»، فالقوات الأميركية تعمل مسبقاً مع قوات كردية، لكن أيضاً لقيادة عمل مجمل القوات الخاصة الأخرى من دول أوروبية وخليجية. مفصلاً في المسألة الأخيرة، أوضح كارتر أن القوات الاميركية الاضافية «ستعمل أيضاً بوصفها مركزاً لدمج قوات العمليات الخاصة الشريكة - من الشركاء الأوروبيين ومن الخليج - ما من شأنه زيادة جهود تحالفنا لمحاربة داعش».
كارتر يواصل جولة أوروبية أحد أبرز عناوينها رفع وتيرة الحملة على «داعش» في سوريا، ولذلك يلتقي نظراءه من الدول «الأكثر نشاطاً» في الحملة العسكرية. خلال هذه الجولة، مضى كارتر خطوة أخرى في تأكيد وجود خطط عملاتية تخص قوات خاصة غير أميركية، لكن دائماً في جمل اعتراضية وبين السطور.
القوات الخاصة المتعددة لم تعد مجرد مخططات متقدمة، بل هي أمر واقع وجار. برر كارتر مجدداً، من ألمانيا هذه المرة، أهمية إرسال قوات خاصة، بالحاجة إليها أيضا كفرق استطلاع متقدمة، تجمع خريطة أهداف جديدة للطلعات الجوية، لكنه في هذا السياق أكد وجود قوات خاصة أخرى على الأرض السورية تقوم «تماماً بالشيء نفسه» الذي تقوم به نظيرتها الأميركية.
يبقى من غير الواضح الحد الذي يمكن أن تبلغه حملة «التحالف» الغربي في سوريا. لكن مسؤولاً خليجياً، من دولة في الجبهة الأمامية لمخاصمة دمشق، قلل من أهمية أي تحولات مهمة يمكن انتظارها، مبدياً خيبة أمل من الأرضية السياسية لتحركات واشنطن والأوروبيين.
المسؤول الخليجي عكس شعوراً بخيبة كبيرة من سياسة واشنطن في سوريا، متحدثاً عن خلافات جوهرية معها رغم تطمينات واشنطن سابقاً بأنها خلافات في النهج وليس الأهداف الاستراتيجية. المصدر قال معلقاً على مجمل الخلاف: «لا نعرف تفاصيل تلك المفاوضات (بين واشنطن وموسكو)، لكن الخلاصة التي تصلنا مزعجة، يريدون تكريس أمر واقع أن الأسد يشكل الآن صمام الأمان في وجه داعش»، قبل أن يستطرد قائلاً إن «الأميركيين يتجنبون قول ذلك مباشرة، لكن شروحاتهم تدور في هذا الفلك. هذا مرفوض تماماً بالنسبة لنا، الأسد ليس صمام أمان، بل السبب الجوهري في توسع داعش».
القادة العسكريون الأميركيون كانوا قد حذروا سابقاً، علناً، من مخاطر سقوط مفاجئ للنظام السوري، مرجحين أن القوى «الأكثر تطرفاً» هي الأقدر على تسلّم السلطة في تلك الحالة.
طبيعة هذا الخلاف يؤكدها مصدر سوري معارض. يقول إن الأوروبيين «سبقوا واشنطن للترويج لحل عبر حكومة موسعة بوجود الأسد»، قبل أن يعلق «قلنا لأحد كبار مسؤوليهم: إذا كان ذلك رأيكم منذ البداية فلماذا تريدون منا المشاركة في مسرحية المفاوضات». أما عن التحول في موقف واشنطن، فيقول المعارض السوري «يروجون الآن لفكرة الانتظار، ويقولون إن مصير الأسد سينتهي في محكمة الجنايات الدولية».
على كل حال، تلك الطروحات لا تعجب الرياض إطلاقا. الخلافات تحملها التصريحات العلنية، وإن لم يكن بصراحة الحديث عن تقييم «صمام الأمان». الرئيس الأميركي عارض أي تحرك عسكري لإسقاط الأسد، مبقياً الإشارة الحمراء أمام أي تحرك مشابه يمكن لتركيا والسعودية القيام به. مع ذلك، يكرر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن مغادرة الأسد «محتومة»، وأنها ستكون «نتيجة إما لعملية سياسية، وإن لم يكن، فعبر عملية عسكرية».
مسؤول خليجي آخر، من دولة تأخذ مسافة من معاداة دمشق، قال إن الهدف الأميركي هو «تطويق أي إمكانية لتحركات منفردة في سوريا خارج خطتهم». قال المصدر إنه «حالما أحست واشنطن أن السعودية مستعدة لتدخل عسكري عبر قوات إقليمية، قامت مباشرة بمحاصرة هذه المبادرة، وحددت السقف بإرسال قوات خاصة»، قبل أن يشدد على أن «الأميركيين متلكئون جداً، إنهم لا يفرضون فقط الأهداف، ولكن أيضا إيقاع التحرك بالكامل».
المصدر يخلص للقول إن تلك الخلافات «تعيق إنجاز شيء مهم على الصعيدين، سواء بالنسبة لهزيمة داعش أو التغيير السياسي، وهذا ما يجعل الحل في سوريا أكثر تعقيدا»، موضحا أن «التحالف ضد داعش ليس لديه وجهة نظر واحدة بالنسبة للأولويات، لذلك لا يملك النهج ذاته، لكونه لا يصوب أصلاً الأهداف ذاتها».
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد