وثيقة الأزهر: على قوى الثورة الابتعاد عن الاستقواء بالخارج وإراقة الدماء
قدم شيخ الأزهر أحمد الطيب أمس، وثيقة خاصة بتطورات الاوضاع في الشؤون العربية والدولية، بعنوان «بيان المثقفين وعلماء الازهر»، خلال مؤتمر صحافي أكد فيه أن علماء الأزهر والمفكرين والمثقفين في مصر «يؤيدون إرادة الشعوب العربية في التجديد والإصلاح والتطوير وحق الشعوب في تغيير مجتمعاتها إلى الأفضل بعيدا عن النزاعات الطائفية والعرقية ووفقا للمبادئ الدستورية والشريعة الإسلامية».
وشددت الوثيقة وهي الثانية من نوعها بعد وثيقة حول الوضع في مصر صدرت في حزيران الماضي على «أهمية أن تعتمد السلطة في الدول العربية على رضا الشعوب وتوزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقانونية وضبط وسائل المحاسبة لتكون الأمة هي مصدر السلطات وإقامة الحكم وفق العدل ومواجهة الظلم والاستبداد وإقرار حق المعارضة الوطنية الشعبية والحركات السلمية وفق ما أقره الشرع الإسلامي والقوانين الدولية لاصلاح المجتمع».
واعتبرت وثيقة الأزهر أن «مواجهة أيّ احتجاج وطني سِلميّ بالقوّة والعُنفِ المسلَّح، وإراقة دماء المواطنين المسالمين، تعد نقضًا لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، ويُسقِطُ شرعيّةَ السُّلطة، ويهدر حقَّها في الاستمرار بالتَّراضِي، فإذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، وركبت مركب الظلم والبغي والعدوان واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظًا على بقائها غير المشروع - وعلى الرغم من إرادة شعوبها - أصبحت السلطة مدانة بجرائم تُلَوِّثُ صفحاتها، وأصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير من حرص على الاستقرار أو مواجهة الفِتَنِ والمؤامرات، فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان. وعلى الجيوش المنظّمة – في أوطاننا كلِّها - في هذه الأحوال أن تلتزم بواجباتها الدّستورية في حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل إلى أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك دمائهم».
ودعا البيان إلى «ضرورة ان تحترم السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية، إرادة الشعوب واختيارها الحر من خلال اقتراع علني يتم في نزاهة وشفافية ديموقراطية باعتباره البديل العصري المنظم لتقاليد البيعة الإسلامية الرشيدة وطبقا لتطور نظم الحكم العصري وما استقر عليه العرف الدستوري من توتر مع السلطات الشرعية والتنفيذية والقضائية والفصل الحاسم بينها». وأضاف الطيب أن البيان تضمن احترام «المعارضة الوطنية الشعبية والاحتجاج السلمي كحق أصيل للشعوب لتقويم الحكام وترشيدهم وأهمية استجابة الشعوب لهم والاستجابة للاصلاحات وعدم تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التي تنادي بالحرية وعدم مواجهة الاحتجاج الوطني السلمي بالقوة والعنف».
وأوضح الطيب أن «بيان المثقفين وعلماء الأزهر يأتي بعد نجاح وثيقة الأزهر التي سبق وأطلقها في الشأن المحلي ولاقت قبولا على مختلف الأصعدة داخليا وخارجيا مما دفع بالأزهر إلى إصدار بيانه بالتعاون مع المثقفين لدعم إرادة الشعوب العربية».
وأوضح بيان الأزهر والمثقفين أنه «يتعين على قوى الثورة والتجديد والإصلاح أن تبتعد كليا عن كل ما يؤدي لإراقة الدماء وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيا كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع والتعديلات التي تتدخل بها في شؤون دولهم وأوطانهم، وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم، ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات».
وطالب البيان «قوى الثورة والتجديد بأن تتحد فى سبيل تحقيق حلمها فى العدل والحرية، وأن تتفادى النزاعات الطائفية أوالعرقية أو المذهبية أو الدينية، حفاظا على نسيجها الوطني واحتراما لحقوق المواطنة وحشدا لجميع الطاقات من أجل تحول ديموقراطي يتم لصالح الجميع فى إطار من التوافق والانسجام الوطني ويهدف لبناء المستقبل على أساس من المساواة والعدل، وبحيث لا تتحول الثورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية، أو إثارة للحساسيات الدينية بل يتعين على الثوار والمجددين والمصلحين الحفاظ على مؤسسات دولهم، وعدم إهدار ثرواتها أو التفريط لصالح المتربصين وتفادي الوقوع في شرك الخلافات والمنافسات والاستقواء بالقوى الطامعة في أوطانهم أو استنزاف خيراتهم».
وأكد البيان أنه «بناء على هذه المبادئ الإسلامية والدستورية المعبرة عن جوهر الوعي الحضاري فإن علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة يعلنون مناصرتهم التامة لإرادة الشعوب العربية في التجديد والإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية والتي انتصرت في تونس ومصر وليبيا ولا تزال محتدمة فى سوريا واليمن، ويدينون آلات القمع الوحشية التى تحاول إطفاء جذوتها ويهيبون بالمجتمع العربي والإسلامي أن يتخذ مبادرات حاسمة وفعالة لتأمين نجاحها بأقل قدر من الخسائر تأكيدا لحل الشعوب المطلق فى اختيار الحكام وواجبها في تقويمهم منعا للطغيان والفساد والاستغلال، فشرعية أية سلطة مرهونة بإرادة الشعب وحق المعارضة الوطنية السلمية غير المسلحة مكفول في التشريع الإسلامي في وجوب رفع الضرر فضلا عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدولية جميعا».
وناشد البيان علماء الأزهر والمثقفين المشاركين لهم «النظم العربية والإسلامية الحاكمة الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طوعا والبدء في خطوات التحول الديموقراطي، فصحوة الشعوب المضطهدة قادمة لا محالة، وليس بوسع حاكم الآن أن يحجب عن شعبه شمس الحرية، ومن العار أن تظل المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية قابعة من دون سائر بلاد العالم في دائرة التخلف والقهر والطغيان، وأن ينسب ذلك ظلما وزورا إلى الإسلام وثقافته البريئين من هذا البهتان».
وأضاف «كما يتعين على هذه الدول أن تشرع على الفور في الأخذ بأسباب النهضة العلمية والتقدم التكنولوجي والإنتاج المعرفي، واستثمار طاقاتها البشرية وثرواتها الطبيعية خدمة لمواطنيها وتحقيقا لسعادة البشرية كلها». وحذر البيان من أن «أي أحد من رعاة الاستبداد والطغيان ليس بمنجاة من مصير الظالمين أو أن بوسعه تضليل الشعوب فعصر الاتصالات المفتوحة والانفجار المعرفي، وسيادة المبادئ الدينية والحضارية النيرة، ونماذج التضحية والنضال المشهودة في دنيا العرب كل ذلك جعل من صحوة الناس شعلة متوهجة، ومن الحرية راية مرفوعة ومن أمل الشعوب المقهورة باعثا يحدوها للنضال المستميت حتى النصر».
المصدر: أ ش أ
إضافة تعليق جديد