ما الهدف من حكاية محاولة اغتيال السفير السعودي بواشنطن
الجمل: تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية الغربية بدءاً من مساء أمس الأول الثلاثاء 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2011م، بكثافة غير مسبوقة عن ما أطلقت عليه السلطات الأمريكية مخطط إيراني يهدف لاغتيال السفير السعودي في أمريكا، وفي هذا الخصوص فقد تباينت ردود الأفعال حول مدى مصداقية أو عدم مصداقية السردية الأمريكية، ولكن، ما هو أكثر أهمية ولفتاً للنظر برز على لسان بعض التحليلات التي تواتر ظهورها في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فما هي حقيقة ما يجري تحت سطح الحدث في الداخل الأمريكي، وما علاقة ذلك بفعاليات حملة بناء الذرائع الرامية إلى إعادة توجيه مسارات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط، وما هي طبيعة السيناريو الذي تسعى بعض الأطراف لإسقاط فعالياته على المنطقة بالاستناد على هذا الحدث؟
* محاولة اغتيال السفير السعودي في أمريكا: ماذا تقول السردية الأمريكية؟
عقدت السلطات الأمريكية أول أمس الثلاثاء، مؤتمراً صحفياً تحدث فيه وزير العدل الأمريكي وبعض المسؤولين الأمريكيين، عن ما أطلق عليه نجاح الأجهزة الأمريكية في إحباط محاولة اغتيال إيرانية تستهدف السفير السعودي في أمريكا عادل الجبير خلال تواجده في أحد المطاعم في وسط العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي. وإضافة لذلك أشارت المعلومات الأمريكية إلى النقاط الآتية:
• نجاح الأجهزة الأمريكية في اعتراض مكالمات هاتفية ورسائل الكترونية تشير إلى التورط الإيراني.
• تم ترتيب العملية بحيث تتم عبر الأراضي المكسيكية.
• قيام السلطات الأمريكية باتهام منصور أربابشير، وغلام شاكوري باعتبارهما المسؤولين عن محاولة الاغتيال.
• أكدت المصادر الأمريكية بأن منصور أربابشير هو مواطن أمريكي من أصل إيراني، ويحمل جواز السفر الأمريكي وأيضاً الإيراني. أما غلام شاكوري فهو إيراني يعمل في فيلق القدس التاسع لقوات حرس الثورة الإسلامية الإيرانية.
تقول السردية الأمريكية، بأن منصور أربابشير قد سافر عدة مرات إلى المكسيك، وظل يعقد اللقاءات والتفاهمات مع بعض عناصر أحد عصابات المخدرات المكسيكية، وتوصل معهم إلى اتفاق يفضي بقيام هذه العصابة باغتيال السفير السعودي عادل الجبير مقابل مبلغ 1.5 مليون دولار، وفي هذا الخصوص فقد جاء دور منصور أربابشير الذي قام بتحويل مبلغ 100 ألف دولار على دفعتين كمقدم تحت الحساب إلى حين اكتمال العملية، وأضافت المعلومات بأن منصور أربابشير قد حاول السفر إلى المكسيك يوم 28 أيلول (سبتمبر) 2011م الماضي، ولكن هذه المرة لم يحصل على موافقة السلطات المكسيكية.
* أبرز ردود الأفعال الأمريكية
سعت العديد من مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية إلى إعداد ونشر التحليلات التي حاولت التدقيق أكثر فأكثر في مصداقية المعلومات التي قدمها وزير العدل الأمريكي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• مركز ستراتفور الاستخباري الأمريكي: نشر ثلاثة تحليلات، سعى من خلالها إلى سرد الحقائق التي أوردها مؤتمر وزير العدل الأمريكي، ولكن المركز استبعد احتمالات أن تكون طهران متورطة بالفعل في هذه المحاولة.
• مؤسسة بروكينغز الأمريكية: سعى مركز سابان لشؤون الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينغز الرسمية لجهة القيام بنشر العديد من التحليلات التي رصدت كافة الاحتمالات بغض النظر عن صحة السردية الأمريكية.
• معهد المسعى الأمريكي: سعى إلى اعتماد سردية وزارة العدل الأمريكية باعتبارها صحيحة وذات مصداقية حقيقية، وتأسيساً على ذلك، تحدثت تقارير وتحليلات المعهد عن ضرورة قيام الإدارة الأمريكية بوضع حد للتوجهات الإيرانية، وأضاف خبراء المعهد، بأن التوجهات الإيرانية سوف تصبح أكثر خطورة إذا تباطأت واشنطن في الرد، خاصة وأن إيران قد أصبحت على وشك الحصول على القدرات العسكرية النووية.
التدقيق الفاحص في ردود الأفعال الأمريكية إزاء الكشف عن محاولة الاغتيال الإيرانية المفترضة، يشير إلى وجود احتمالات كبيرة بأن تكون الأيادي التي سعت إلى وضع مخطط محاولة اغتيال السفير السعودي في أمريكا عادل الجبير هي نفس الأيادي التي رسمت وخططت ونفذت أيضاً عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق المغدور رفيق الحريري. وبالتالي فإن نتائج العملية تهدف إلى تصعيد حملة بناء الذرائع داخل وخارج الإدارة الأمريكية، وبكلمات أخرى، تهدف هذه العملية إلى الآتي:
• الضغط على الأطراف الأمريكية الرافضة لقيام واشنطن بأي عمل عسكري ضد طهران.
• الضغط على حلفاء واشنطن الخليجيين لجهة القبول الكامل بدعم أي عمل أمريكي ضد إيران.
• الضغط على المزيد من الأطراف الدولية الحليفة لأمريكا من أجل الانخراط والمشاركة في مسلسل العقوبات الدولية المتعددة الأطراف ضد طهران.
هذا، ومن الملاحظ، أنه برغم تزايد التحليلات والتقارير الأمريكية وغير الأمريكية التي وصفت هذه العملية بأنها كاذبة ومفبركة، من المتوقع أن تمضي "الأيادي الخفية" الأمريكية في مسار تصعيد تداعيات هذه الحادثة، على أمل أن تنجح الضغوط الإعلامية في كسر شوكة وجهات النظر المعارضة. وتدفع باتجاه بناء المصداقية الافتراضية بما يوفر لواشنطن المبررات لجهة المضي قدماً في تصعيد شدة توجهاتها المعادية لطهران.
* التطورات الجديدة في مرحلة ما بعد مؤتمر وزير العدل الأمريكي
جاءت أبرز المداخلات بواسطة مجموعة من رموز جماعة المحافظين الجدد، وتحديداً مايكل روبين، وخبراء اللوبي الإسرائيلي، وتحديداً كينيث بولاك، ويمكن تلخيص ما ورد في هذه المداخلات على النحو الآتي:
• زعم الخبير كينيث بولاك، بأن طهران درجت على القيام بشن حرب سرية مرتفعة الشدة ضد واشنطن. وبالتالي يتوجب على الإدارة الأمريكية القيام بالرد على هذه الحرب. والتي لم تعد حصراً في منطقة الشرق الأوسط وحسب، وإنما تجاوزت المنطقة إلى داخل الأراضي السيادية الأمريكية، وتحديداً العاصمة واشنطن دي سي.
• وجهة نظر مايكل روبين: ركزت على توجيه الانتقادات الحادة ضد الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما باعتباره المسؤول عن دفع السياسة الخارجية الأمريكية في الاتجاه الخاطئ، وأكد مايكل روبين بأن تورط طهران في مخطط محاولة اغتيال السفير السعودي هو أمر يستوجب ليس مجرد الرد الفوري على طهران وحسب، وإنما تغيير توجهات السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية بالكامل.
هذا، وأضافت المواقع الالكترونية والصحف الأمريكية ذات التوجهات المرتبطة بالجمهوريين والجناح اليميني في الحزب الديمقراطي المزيد من التقارير والتحليلات السياسية، التي تحدثت عن العمليات السرية التي درجت قوات فيلق القدس الإيراني على القيام بها في شرق أفريقيا وجنوب لبنان واليمن، إضافة إلى العراق. وبكلمات أخرى، يبدو الهدف المطلوب واضحاً: حملة بناء الذرائع اللازمة بحيث تقوم الإدارة الأمريكية على الأقل بتأجيل أمر الانسحاب الأمريكي من العراق، خاصة أن بغداد رفضت زيادة القوات الأمريكية المطلوب بقاءها في العراق لأكثر من 5 آلاف. مع رفض منح عناصر هذه القوات الحصانة، أما المطلوب ضمن الحد الأقصى، فهو الدفع باتجاه عمل مرتفع الشدة ضد طهران، بما يمكن أن يشمل قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد جنوب لبنان.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
ومن جهتنا نقول ....؟
هذا وقد...
هذا وقد...
و من الطبيعي....
إضافة تعليق جديد