هل ستعيد هيفا صياغتنا
الجمل ـ بشار بشير: الحرب التي تجري في سورية هي قمة جبل الجليد لما يجري في العالم أجمع , تغيرات سياسية وربما بنيوية عميقة هي في طور التشكل لتُنتج عالماً مختلفاً عن الذي ألِفناه خلال الثمانية وستون عاماً الماضية , أبرز التغيرات التي بدأنا نلاحظها هي إضمحلال وإنتهاء صلاحية الكثير من المفاهيم بحيث أصبح من الضروري إجراء مراجعة لها مع إعادة شرح وتعريف .. هذه بعض المفاهيم التي أصبحت بحاجة لمراجعة :
الدولة المدنية : (والمقصود بها عكس الدولة الأمنية) هل هي الدولة التي نحلم بالوصول لها ؟ وهل يمكن أصلاً الوصول لها؟ التجربة أثبتت أن أعرق الدول المدنية لا تتوانى عن خلع قناعها المدني والعودة للدولة الأمنية عند مجابهة أي مشكلة حقيقية , هذا ما رأيناه في أميركا وبريطانيا وفرنسا .أما في سورية فلم نعد في وارد إنتظار الدولة للتكشير عن أنيابها الأمنية بل أصبح هذا مطلب شعبي , وفي الحقيقة فإن مقولة د. شعيبي أن الدولة الأمنية هي ممر إجباري نحو الدولة المدنية صحيحة مع تعديل بسيط هو أن الدولة الأمنية هي الدولة الحقيقية الراسخة وهي ليست معبَرا نحو نظام دولة آخر . المشاكل الكبيرة التي واجهت سورية ودول أخرى أكثر تجذراً في النظام المدني أثبتت أن قيام الدولة وبقائها وإمكانية العيش بها لا يمكن أن تتم إلا على اساس النظام الأمني و أقصى ما يمكن فعله لكي لا يطغى النظام الأمني ويتحول لنظام قمعي هو إيجاد سلطة تشريعية وسلطة قضائية نزيهتين وفاعلتين , بالإضافة للسلطة الرئاسية المناسبة وهنا يمكن القول أن سورية محظوظة بوجود سلطة رئاسية قادرة على االسيطرة على النظام الأمني وواعية كفاية للمقدار اللازم أستخدامه من هذا النظام . المؤكد أن الأزمة السورية قد فرضت إعادة مراجعة لمفهوم الدولة المدنية ليس على صعيد القطر السوري فقط وإنما على صعيد المنطقة وربما على صعيد العالم .
الشرعية الدولية : وعلاقة الحرب السورية بهذا المفهوم هي أن هذه الحرب أعلنت سقوط أمبراطوريات عظمى وسقوط هيمنتها مما فتح المجال لإنتقاد و تغيير المفاهيم التي رسختها وعلى رأسها مفهوم الشرعية الدولية التي صاغتهُ أميركا وفرضته على العالم وهو في الحقيقة ليس شرعية ولا دولية بل هو المزاجية الأميركية وهي مزاجية من نتاج عقلية عنصرية مجرمة فرضت مفاهيمها وبطشها على العالم باسم الشرعية الدولية التي أصبح من الضروري أن تعود لمعناها الحقيقي ولأصحابها الحقيقيين أي المجتمع الدولي فرغبات أميركا المريضة والمتوحشة ليست رغبات دولية ولايمكن إعطاءخا بعد اليوم صفة الشرعية .
الأمة العربية الواحدة : وهي أمة لم يصدف أن وجدت في أي لحظة من الزمن فحتى في أوج الأمبراطورية الإسلامية لم يكن هناك أمة عربية واحدة, ومع التقدم في التاريخ زاد التمايز بين الشعوب المتجاورة في المنطقة الجغرافية التي يطلق عليها اسم الوطن العربي .والأزمة السورية بينت أن هذا التمايز وصل بين بعض الأقطار لمرحلة العداوة . بإختصار الشعوب الحضارية المتمدنة يوجد حد أدنى من الروابط الإنسانية (التفهم والتعاطف) بينها , مثلاً سورية (لبنان والأردن وفلسطين ضمناً) العراق الجزائر مصر اليمن تونس المغرب السودان ليبيا موريتانيا عمان هذه الدول من الطبيعي وجود وإيجاد الكثير من الروابط و الصلات بينها ليس بالضرورة لتشكيل أمة (أوروبا أتحدت دون تشكيل أمة أوروبية) ويبقى خارج هذه المصفوفة كما حزرتم دول البداوة التي بالتأكيد لن نُصبح أمة واحدة معها و من الصعب كما بينت الحرب السورية إيجاد روابط وصلات معها ضمن الشكل المدني الحضاري وذلك لإصرار هذه الدول كما اتضح على تغليب شكلها البدوي المنغلق على أي علاقة بينها وبين دول جوارها . إذاً كنتيجة للحرب السورية ولما سمي الربيع العربي ولمجمل تاريخ الأربعين سنة الماضية أصبح من الضروري إعادة صياغة مفوم الأمة العربية الواحدة على الأقل على صعيد تحديد أي الأقطارهي الصالحة لتكون ضمن هذا المفهوم .
الإسلام والمسلمين : هذان المفهومان هما صاحبي الحظ الأكبر بتعريفهما بشكل دقيق ... هذا ما كنا نتوهمه إذ يبدوا أن كل مجموعة من المسلمين وضعت تعريفها الخاص للإسلام وللمسلمين وصدف أنه لزمن طويل لم تحاول أي مجموعة مقارنة تعريفها بتعاريف المجموعات الأخرى وإنما جرى الإكتفاء بالحديث عن المفهوم المجرد دون تعريفه وهكذا ظنت كل مجموعة أن تعريفها هو نفس تعاريف المجموعات الأخرى أو أن تعريفها هو السائد الذي تأخذ به المجموعات الأخرى . لكن في لحظة ما (وهي لحظة تأتي كل فترة من التاريخ) عندما أعلنت واحدة من المجموعات تعريفها تفاجأ الآخرون (أو تظاهروا بالمفاجأة) وأعلنوا هم ايضاً تعاريفهم لنكتشف أن لكل ملة ولكل نحلة ولكل طائفة ولكل مذهب ولكل مجموعة تعريفها الخاص للإسلام والمسلمين ولنكتشف أننا لانملك في الحقيقة تعريفاً لا للإسلام ولا للمسلمين فما تظنه أنت إسلاماً يعتبره هو بدعة ومن تعتبره أنت مسلماً يجده هو كافراً . هل من سبيل لتصحيح مشكلة عمرها ألف وأربعمئة سنة وإيجاد تعريف جامع ومُجمَع عليه للمفهومين المذكورين .
أثبت التاريخ أن الحروب هي الصانع الأكبر للهوية الشخصية والقومية أو أنها المدمر لهما وبين الصنع والتدمير تقبع المفاهيم التي نعتنقها أثناء وبعد الحرب وبقدر ما تكون مفاهيمنا محددة ومعرَّفة بشكل واضح بقدر ما تكون هويتنا ووجودنا مثلها .
أخيرا لاعلاقة لهيفا بما تقدم.. ولكنها زعبرة لاصطيادكم.. بكل محبة واحترام..
الجمل
التعليقات
زعبرة حلوة
إضافة تعليق جديد