«النصرة» لمؤتمر الرياض: لا نريد بوسنة جديدة
قبل ساعات من انعقاد مؤتمر المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، شهدت مناطق في ريف إدلب حملة شعواء من قبل بعض الفصائل بهدف فرض ارتداء النقاب الشرعي على النساء، ما بدا كأنه رسالة متعمدة مفادها أن من يسيطر على الأرض هو من يقرر مصيرها ومصير قاطنيها، لا اجتماعات تعقد هنا أو هناك.
وأصدر «مجلس إدارة إدلب»، بموافقة غالبية الفصائل وعلى رأسها «أحرار الشام» و «فيلق الشام» الممثَّلان في مؤتمر الرياض، قراراً بفرض النقاب على نساء المدينة وريفها، وهو القرار الذي حثّ عليه الشيخ السعودي عبدالله المحيسني بعدما لاحظ، بحسب قوله في أحد مقاطع الفيديو المنشورة، أن «النساء في الشام غير ملتزمات».
وبناءً على القرار انتشرت، أمس، مجموعات من «شرطة الحسبة» في كل من معرة النعمان وسرمين لإجبار النساء على «ترك التبرج» والالتزام بالنقاب الشرعي. وقد أثار القرار سخط الأهالي وغضب الناشطين الذين أكدوا أن نساء هاتين المنطقتين «محتشمات، ولا يعرفن التبرج، قبل دخول جيش الفتح أو بعده».
ولكن هذا التوافق بين الفصائل على تطبيق فهمها للشريعة الإسلامية في مناطق سيطرتها في إدلب وريفها، لا يكفي لإلغاء مخاوف «جبهة النصرة» مما يجري خلف كواليس الفنادق والقصور السعودية، التي يتجول فيها عدد من أبرز حلفائها، ضمن مشاركتهم في اجتماعات المعارضة السورية. كما لا يكفي لذلك صدور تصريحات غاضبة من بعض مسؤولي «أحرار الشام» على مواقع التواصل الاجتماعي يعلنون فيها رفضهم لـ «العلمانية»، وتأكيدهم أن «الشريعة وحدها ما سيحكم أرض الشام شاء من شاء وأبى من أبى». ومن أبرز هؤلاء أبو البراء معرشمارين قائد القوة المركزية السابق في «أحرار الشام» وممثلها في قيادة «جيش الفتح».
ويسري في أوساط «جبهة النصرة»، وهي الفصيل الوحيد المتّفق على تصنيفه إرهابياً بعد تنظيم «داعش»، مخاوف حقيقية من أن يكون «مؤتمر السعودية» خطوة على طريق طويل لن ينتهي إلا بإعلان الحرب عليها، من قبل من كانت تعتبرهم حتى الأمس القريب حلفاء لها.
وما يعزز مخاوف «النصرة» أنها، خلافاً لمرات سابقة، لم يستشرها أصدقاؤها في مجريات المؤتمر وتفاصيله ومشاريع القرارات التي ينبغي أن تناقش فيه، وذلك بعكس ما جرى على سبيل المثال قبل إعلان تحالف «الجبهة الإسلامية» العام الماضي، حيث كان قادة الفصائل حريصين على وضعها في أجواء النقاشات المحلية والإقليمية، وإعلامها بمستجدات تشكيل «الجبهة» وأبعادها وأهدافها الحقيقية. والأهم من ذلك أن المؤتمر يأتي في سياق تحولات كبيرة طرأت على «حركة أحرار الشام»، صبغتها بصبغة سياسية واضحة بعدما كانت «رفيقة الجهاد» منشأً ومساراً.
ومع ذلك فإن الموقف الرسمي في «جبهة النصرة» هو لزوم الصمت، وانتظار انتهاء أعمال المؤتمر والاطلاع على القرارات والوثائق التي تصدر عنه، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
إلا أن بعض القيادات المنتمية إلى «التيار المقدسي» ضمن «جبهة النصرة»، والمعروفة بخصومتها مع «أحرار الشام» منذ توقيع «ميثاق الشرف الثوري»، لم تستطع الانتظار، أو ربما أوعِز لها بإعلان موقفها من باب التحذير والإنذار قبل أن يقع المحظور، ويصبح تدارك الأمر غير ممكن. وعليه اتّهم شيخ هذا التيار ومرجعه الأعلى الشيخ الأردني أبو محمد المقدسي اجتماعات فيينا وما تمخض عنها من قرارات ونشاطات بأنها «تنفيذ للمشروع الأميركي في المنطقة». واعتبر في تغريدات على حسابه الرسمي على «تويتر» أن «المؤتمرات والتصنيفات والسعي للالتفاف على المجاهدين الصادقين، وتهميشهم ما هي إلا مقدمات لتهيئة الساحة لتصفية كل رافض للمشروع الأميركي القادم». وبحسب قوله فإن «هذه المؤامرات ستكشف الفصائل التي ما زالت تحاول إمساك العصا من منتصفه، وستجلو الغبش المتراكم في الميدان».
أما تلميذ المقدسي، الذي يشغل منصب «المسؤول الشرعي العام» في «جبهة النصرة» ويحمل الجنسية الأردنية والأصول الفلسطينية، سامي العريدي (أبو معاذ)، فقد استذكر في سياق ردّه على مؤتمر الرياض، حواراً جرى بينه وبين أمير «أحرار الشام» السابق أبو عبدالله الحموي. حيث كان الحموي ينتقد التجربة العراقية وأنه لا يريد للشام مصيراً مشابهاً للعراق، في إشارة إلى بروز تنظيم «داعش» وهيمنته على الساحة، وما سببه ذلك من أضرار على «الجهاد». وقال العريدي له، في مقارنة لا تخلو من دلائل، «تقولون لا تريدونها عراقاً آخر وكذلك نقول لا نريدها بوسنة أخرى» في إشارة منه إلى ما انتهت إليه الأزمة البوسنية في منتصف تسعينيات القرن الماضي من توقيع اتفاق «دايتون»، الذي كان من أبرز بنوده خروج المقاتلين الأجانب من البلاد، والذي اعتبره العديد من قادة «الجهاد» أنه شكل نكسة كبيرة وحرم «المجاهدين» من قطف ثمار جهودهم وتضحياتهم.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد