الجيش السوري يتوعد منتهكي الهدنة بـ«أبواب جهنم»
دخلت الهدنة السورية في نفق مظلم بعد أيام من ترنّحها على وقع الهجمات المتزامنة التي قامت بها مجموعة من الفصائل المسلّحة بقيادة «جبهة النصرة» على بعض أرياف المنطقة الشمالية.
ويبدو أن الحرب السورية تتهيأ للدخول في منعطف جديد سيغلب فيه صوت السلاح على أي صوت آخر. إذ هناك العديد من المؤشرات على ذلك، منها: استعار التنافس على ميراث تنظيم «داعش» الذي هاجم في القلمون الشرقي لإثبات قوته بعد خسارته المهينة في كل من تدمر والقريتين. وتساقط رؤوس كبيرة في التنظيمات «الجهادية» بعمليات دقيقة من شأنها خلط أوراق هذه الجماعات والتأثير على علاقاتها مع الفصائل الأخرى. كذلك تصاعد الحديث عن إمكانات «داعش» الكيميائية وطموحاته النووية في الوقت الذي بدأت تظهر فيه بوادر الضعف على التنظيم المتشدد.
وردّاً على القرار السياسي والعسكري لأهم الفصائل المسلحة المشاركة في «وفد الرياض»، من بينها «جيش الإسلام» و«فيلق الشام» و«أحرار الشام»، بإسقاط الهدنة، عبر قيامها بهجمات غير محسوبة على ريفي حلب واللاذقية الأسبوع الماضي، قررت قيادة الجيش السوري وقف العمل بسياسة الاقتصار على الرد الجزئي على خروقات الهدنة، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة مع حلفائه الروس والإيرانيين و»حزب الله»، هدفها «تحرير حلب وريفيها الغربي والجنوبي»، بعد أن تبين أن الفصائل المسلحة لا تحترم الهدنة ولا تفهم إلا لغة القوة، وذلك نتيجة الخرق الجسيم للهدنة الذي لا يمكن السكوت عليه، لأنه يهدد بقلب المعادلة الميدانية في بعض المناطق الحساسة مثل ريف حلب الجنوبي.
وهدد البيان الأول الصادر عن غرفة العمليات المشتركة بـ «فتح أبواب جهنم على الجماعات المسلحة في الجبهات كافة»، مشدداً على أنه «لن يقف أي عائق أمام استمرار القتال هذه المرة». وفي خطوة غير مسبوقة حول الإعلان عن مشاركة قوات الحلفاء إلى جانب الجيش السوري في عملياته العسكرية، أكد البيان «وصول القوات الروسية وقوات حزب الله والإيرانيين إلى حلب»، لافتاً إلى أن «المعارك ستكون عبرة لجبهة النصرة ومن معها». كما دعا الأهالي للابتعاد عن مناطق تواجد المسلحين، لأنها مرشحة لتكون جبهات قتال، لأن الساعات والأيام المقبلة ستحمل في طياتها معارك مدمّرة لكل من بنى آماله وتواطأ مع الخارج وخرق الهدنة»، متوعداً بأن «هؤلاء سيشهدون معارك ستكون مدمّرة لهم بقيادة الجيش السوري ومن خلفه الأصدقاء».
وفي تطور عسكري خطير، أعلن الجيش السوري أن «جبهة النصرة» أسقطت طائرة حربية بصاروخ أرض جو أثناء قيامها بمهمة استطلاعية في ريف حلب.
ومن شأن هذه التطورات أن تضع محادثات «جنيف 3» على حافة الهاوية، إذ أن فشل الهدنة سيؤدي تلقائياً إلى توقف هذه المحادثات التي تعاني أساساً من صعوبات كبيرة في الاستمرار، لاسيما بعد رفض الفصائل لما سمي «وثيقة دي ميستورا».
كما لا يزال مصير الرئيس بشار الأسد مثار خلاف بين واشنطن وموسكو. وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن مفاوضات جنيف المرتقبة في 11 نيسان الحالي ستختبر ما إذا كان الأسد يمكنه التفاوض بنيّة حسنة أم لا، مضيفاً إنه لا يوجد طريقة لإنهاء الأزمة السورية في ظل بقاء الأسد في السلطة، فيما كرر الكرملين أن مصير الأسد ينبغي أن يقرره الشعب السوري ويجب تهيئة الظروف الملائمة لهذا القرار.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو، إن «مخرجات الجولة الأخيرة من المفاوضات السورية في جنيف لم يرفضها أي طرف». وأضاف «روسيا والولايات المتحدة ملتزمتان بدعم المفاوضات».
وقد كان لافتاً في البيان الصادر عن «غرفة العمليات المشتركة» أنه تعمد عدم الإشارة إلى ريف حلب الشمالي من بين الأهداف التي تسعى الغرفة إلى تحريرها، واقتصر على حلب المدينة وريفيها الغربي والجنوبي. وقد يكون هذا الصمت عن الريف الشمالي مجرد تعبير عن رغبة الجيش السوري في ترك هذا الريف الذي له حساسية تركية معروفة، ليكون ميداناً لصراع مركّب بين «داعش» وبين بعض الفصائل من جهة، وبين المنتصر بينهما مع «قوات سوريا الديموقراطية» من جهة ثانية. كما أن الخوض في معركة الريف الشمالي قد تؤدي إلى انعكاسات إقليمية ودولية قد تسبب ضغوطاً لا يرغب الجيش في التعرض لها في هذه المرحلة.
ومن المرجح أن التقدم الإستراتيجي الذي أحرزه الجيش السوري في كل من تدمر والقريتين، قد أطلق حرباً تنافسية مع الفصائل المدعومة من قبل واشنطن وتركيا ودول الخليج، هدفها التسابق على السيطرة على «تركة داعش»، بعد أن أيقنت الدول الداعمة أن الجيش السوري بدعم حلفائه قادر على قضم هذه الأراضي بأسرع مما كان متوقعاً.
وقد لوحظ أن عمليات الفصائل المسلحة ضد «داعش» في ريف حلب الشمالي تصاعدت بشكل كبير منذ الأسبوع الماضي، حيث تمكنت من السيطرة على شريط يبلغ طوله 10 كيلومترات من الحدود مع تركيا، وأصبحت هذه الفصائل تهدد اثنين من معاقل «داعش» المهمة في المنطقة، وهما بلدة دابق ذات الرمزية الدينية، وبلدة راعي الإستراتيجية بحكم موقعها الجغرافي.
وجاءت هذه التطورات على وقع تسريبات بأن الدول الداعمة كثّفت من توريد السلاح والعتاد إلى فصائلها في سوريا، نتيجة القلق الذي اعتراها من تقدم الجيش السوري ورغبتها بقطع الطريق عليه. لكن من شأن ذلك أن يثير مخاوف «قوات سوريا الديموقراطية» التي تعتبر المنطقة التي تتقدم بها الفصائل جزءاً من منطقة «الحكم الذاتي» التابعة لها، كما سبق لهذه القوات أن سرّبت معلومات حول نيتها إطلاق معركة منبج الكبرى.
وقد لا يكون التصعيد الذي يشهده حي الشيخ المقصود الذي تعرض لمجزرة نتيجة قصف الفصائل له سقط جراءها حوالي 20 شهيداً، بعيداً عن هذه التناقضات التي تحكم الصراع في المنطقة. من هنا يمكن القول إن ريف حلب الشمالي قد يكون من أكثر البؤر المهددة باندلاع صراعات مركبة فيها، ذات طابع إقليمي ودولي. وقد اتهم تنظيم «داعش» الجيش التركي بقصف قرية احتيملات القريبة من منطقة الاشتباك مع الفصائل بالمدفعية، وتحدث عن سقوط قتلى بين الأهالي.
ليس هذا وحسب، بل إن «داعش» الذي يتلقى الهزيمة تلو الأخرى من أكثر من جهة، قام، أمس، بخطوة عسكرية تهدف إلى وقف تدهوره من جهة ولإثبات احتفاظه بقوته رغم الهزائم من جهة ثانية. وفي هذا السياق شنّ التنظيم هجمات متزامنة على أهداف عدة، أهمها مطاري السين والضمير في القلمون الشرقي. وقد تقدم التنظيم في بعض النقاط المحيطة بمطار الضمير وسيطر على تلة الرينبي والمعمل الصيني ومعمل أسمنت البادية، وثمة أنباء عن قيامه بخطف العشرات من عمال المعامل واقتيادهم إلى جهة مجهولة، الأمر الذي ينذر بإمكان ارتكابه مجزرة كبيرة انتقاماً لهزائمه. كما هاجم في وقت متأخر، أمس، استراحة الصفا شمال غرب مطار السين.
وبالرغم من الهزائم التي تلحق بالتنظيم في كل من سوريا والعراق، حيث خسر الكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها، فقد كان لافتاً تصاعد الحديث من قبل بعض الدول الكبرى حول امتلاك «داعش» أسلحة كيميائية أو حول وجود طموحات نووية لديه. إذ بعد تحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما من وصول «داعش» إلى أسلحة نووية، أكدت موسكو ما ذكرته بعض التقارير الإعلامية الغربية حول امتلاك التنظيم إمكانية لشن هجمات كيميائية، حيث قال رئيس قسم شؤون عدم الانتشار والرقابة على الأسلحة في وزارة الخارجية الروسية ميخائيل أوليانوف إن موسكو لا تستبعد احتمال قيام إرهابيي «داعش» بهجمات كيميائية جديدة في سوريا والعراق بعد الخسائر العسكرية التي تكبدها التنظيم. وهذا يعني أمرين، الأول أن خسارة التنظيم جغرافياً لا تعني التقليل من خطورته، والثاني أن مواجهته على مستوى العالم قد تشهد تصعيداً جديداً.
ويبدو أن «جبهة النصرة» لن تكون خارج إطار هذا التصعيد. وقد يكون قصف أحد معاقلها في كفر جالس بريف إدلب، ما أدى إلى مقتل 20 مسلحاً في صفوفها، من بينهم قيادات كبيرة، الخطوة الأولى نحو هذا التصعيد، بعد أن ثبت دورها التخريبي للعملية السياسية.
وقد سقط جراء القصف الذي تبناه التحالف الدولي، وعارضه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بنسبة القصف للجيش السوري، إلى مقتل قيادات بارزة في «جبهة النصرة»، تداول الإعلام من بينها اسم المتحدث الرسمي السابق باسمها وعضو مجلس الشورى أبو فراس السوري واسمه الحقيقي رضوان نموس. لكن تبين أن قيادات كبيرة أخرى قتلت، أهمها أبو جعفر العراقي وعزام الأزدي ونجل نموس. لكن ما كان لافتاً هو الإعلان عن مقتل أبو همام السوري (سمير حجازي) القائد العسكري العام لـ «جبهة النصرة» في هذا القصف، إذ أن مقتل الحجازي كان قد أعلن قبل حوالي عام، وإثر هذا الإعلان تقدم زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري بالتعزية إلى قيادة «جبهة النصرة» بمقتله. إلا أن المعلومات الجديدة أن الحجازي لم يقتل في قصف الهبيط قبل عام بل أصيب فقط، ليقتل في قصف كفر جالس قبل أيام عدة. وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها «النصرة» عن مقتل قادتها للتمويه عليهم، إذ سبق لها إعلان مقتل سنافي النصر (عبد المحسن الشارخ) سعودي الجنسية، في معارك ريف اللاذقية قبل حوالي عامين، ليتبين أنه حي ولم يقتل إلا منذ أشهر عدة في قصف استهدف سيارته في ريف إدلب أيضاً.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد