«طوق حلب» لم ينكسر
المغالاة في تضخيم معركة كسر طوق حلب، لم تبدد وقائع الميدان، بأن الطوق لم ينكسر، وأن دعوة المحرض السعودي عبدالله المحيسني لمسلحي «جيش الفتح» للفوز بالحوريات، لم تسهم سوى في شحذ همم المقاتلين قبل الاصطدام بتحصينات الجيش السوري والحلفاء في الجبهة الجنوبية الغربية لحلب، وانجاز تقدم ميداني محدود، لا يبدل في مشهد المعركة وبلائحة قتلى المهاجمين التي كانت تكبر مع مرور الساعات.
ولم يعكر صفو نجاح الجيش السوري والحلفاء باجهاض هجوم تحالف جبهة النصرة وحركة «احرار الشام» و»نور الدين الزنكي» ومن معهم، سوى اسقاط مسلحي المعارضة طوافة عسكرية روسية فوق ادلب ومقتل خمسة من الجنود الروس جرى التنكيل بجثثهم كما اظهرت مشاهد جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحتى ساعة متأخرة من ليل امس، لم يظهر تحول في اداء سلاح الجو الروسي بعد اسقاط الطوافة الروسية، ومارس الطيران الروسي مهماته الاعتيادية في تغطية قوات الحلفاء على الجبهة الحلبية، ما يعني ان امر عمليات جديداً لم يصدر من موسكو للرد بقوة على فصائل المسلحين في ادلب حتى الان، وهو احتمال يبدو حتميا في ظل الاندفاعة الروسية الحالية لتعديل المشهد السوري واستباق اللقاءات مع الاميركيين، بعد شهور الهدنة التي اتاحت للفصائل المسلحة التقاط انفاسها واعادة تسلحها في ظل الرمادية الاميركية بشأن «الفصائل المعتدلة» التي وفرت في الواقع الميداني، مساحة آمنة لفصائل كـ «جبهة النصرة» وغيرها من عصابات الارهاب.
وبينما اعلن «الاعلام الحربي» ليلا لائحة بأسماء نحو 60 قتيلا من المهاجمين تداولتها تنسيقيات الفصائل، الى جانب عشرات الجرحى، كانت التقارير الواردة تشير الى ان التقدم المحدود بالسيطرة على «المشروع 1070»، لم يدم طويلا اذ استردها الجيش السوري بعدما اوقع المهاجمين تحت وطأة نيران مدافعه والغارات الجوية.
وطرح الهجوم الذي جندت له حملات اعلامية واسعة روجت لمشاركة عشرة الاف مسلح فيه، تساؤلات اكثر الحاحا عن طبيعة الدور التركي في العملية، خصوصا ان الفصائل المشاركة، وغالبيتها من متلقي الدعم العسكري التركي المفتوح، جندت وعبأت وحركت قوافلها الهجومية من محافظة ادلب، المعقل الاساسي لجماعة ابو محمد الجولاني وحركة «احرار الشام»، نحو الجبهة الجنوبية الغربية لحلب.
وكان من الواضح بحسب تطورات المعارك ان الخطة لم تكن تقتضي كسر «الطوق الحلبي» للجيش والحلفاء فحسب، وانما السيطرة على منطقة حلب - الراموسة الحيوية، لتحويل «الطوق» الحكومي الى حصار لصالح المسلحين والدول التي تدعمهم، وقطع خطوط إمداد الجيش بين مدينتي حماة وحلب، أي تقويض المشهد الحلبي الجديد الذي نشأ بعد نجاحات الجيش والحلفاء في معركة الكاستيلو في الشمال.
ولا تبدو معركة المسلحين سهلة، اذ يتحتم على قوافل المهاجمين لتحقيق اهدافهم هذه، السعي للسيطرة على عدة نقاط حيوية من بينها، كلية المدفعية، والكلية الجوية، وأكاديمية الأسد للهندسة العسكرية، وهو ما لا يبدو متاحا في ظل الحضور الجوي السوري - الروسي الطاغي على ساحة المعركة.
واستعاد الجيش وحلفاؤه السيطرة على نقطتين في «سد الشقيدلي» وعند اطراف قرية السابقية في ريف حلب الجنوبي، بينما نفذ سلاح الجو سلسلة غارات مستهدفاً تحركات وتجمعات مسلحي «جيش الفتح» على محاور ريف حلب الجنوبي وفي غرب المدينة ومحيط مدرسة الحكمة، وكتيبة الدفاع الجوي وتلة بازو وترافق ذلك مع قصف بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ.
وفي محاولة لشحذ الهمم بعد انكسار موجة الهجوم الكبرى، سعت الفصائل المعارضة الى الترويج الى قطع طريق أثريا - خناصر من قبل مسلحي «داعش» و»جند الأقصى»، وهو ما نفته مصادر ميدانية موثوقة.
وفي المقابل، احرز الجيش والحلفاء تقدماً ملحوظاً في مخيم حندرات في ريف حلب الشمالي. واعلن التلفزيون السوري ان عدد الشهداء خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية بقصف احياء حلب من قبل المسلحين بلغ 30 شهيدا و210 جرحى.
الطوافة الروسية
وفي ما وصفه الإعلام الروسي بـ «أول اختبار قاتل لجبهة فتح الشام»، الاسم الجديد لـ «جبهة النصرة»، قتل خمسة جنود روس، أمس، اثر اسقاط مروحيتهم في محافظة ادلب، في حادث هو الاكثر دموية لموسكو منذ انطلاق «عاصفة السوخوي» في الخريف الماضي، ويرفع إلى 18 عدد العسكريين الروس الذين قتلوا منذ بدء تدخل موسكو في الحرب.
واعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيان إن المروحية اسقطت بينما كانت تشارك في العملية الانسانية الجارية في مدينة حلب، ما ادى الى مقتل ركابها الخمسة، وهم ضابطان وطاقم من ثلاثة افراد.
وأكد رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية، سيرغي رودسكوي، أن المروحية «مي – 8» الروسية أسقطت في سوريا بضربة أرضية فوق منطقة خاضعة لسيطرة «جبهة النصرة» وفصائل ما يعرف بـ «المعارضة المعتدلة».
وذكر «المرصد السوري» المعارض أن «الطائرة المروحية سقطت في ريف سراقب الشمالي الشرقي بالقرب من الحدود الإدارية مع ريف حلب»، حيث يبسط «جيش الفتح» المكون من تحالف فصائل اسلامية على رأسها «النصرة» سيطرته.
بدوره، تطرق رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية سيرغي رودسكوي إلى هجوم حلب، موضحاً أن مجموعة من المسلحين بقيادة «النصرة»، يصل عددهم إلى خمسة آلاف حاولوا القيام بهجوم واسع في بلدة أنصار جنوب غرب حلب.
وأكد رودسكوي أن « الهجوم بدأ بقيام الانتحاريين بتفجير أربع مدرعات بي أم بي مفخخة في مواقع القوات الحكومية، وكان الهجوم يتم بقيادة جبهة النصرة»، مضيفاً «أنه تم صد الهجوم».
وحول اقتراح الأمم المتحدة بشأن الممرات الإنسانية في حلب، قال رودسكوي إن وزارة الدفاع الروسية درست بتمعن مقترحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حول صيغة العملية الإنسانية الروسية ـ السورية في حلب، وأكدت أنها تدعمها بشكل كامل.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد