حماس تستهجن مسرحية الاعترافات في التلفزيون الأردني
مساء أمس الخميس، بثَّ التلفزيون الأردني وفي جميع نشراته الإخبارية المسائية اعترافات ثلاثة ممن اعتبرهم (عناصر من أحد خلايا حماس في الأردن) كان أُعلِن سابقاً القبضُ عليهم، كما بث صوراً لأسلحة قال إن عناصر من حركة حماس هربتها الى الأردن وخزنتها في مناطق مختلفة ضمن مخطط لاستهداف مواقع حيوية ومسؤولين أردنيين بأمر من قياديين في حماس موجودين في سورية.
وكان الأردن وحركة حماس وقعا اتفاقية في التسعينيات تمتنع الحركة بموجبها عن استعمال الأراضي الأردنية في أية عمليات سواء نقل أسلحة أو تخزينها أو تنفيذ عمليات فيها.
وقامت الحكومة الأردنية في العام 1999 بإغلاق مكاتب حماس على أراضيها واعتقلت عدداً من قادتها ثم أبعدتهم إلى قطر على خلفية اتهام الحركة بممارسة نشاطات سياسية غير قانونية واتهام قادتها بالانتماء إلى جماعة محظورة.
وبينما تكلم المتهمون أمس عن دورهم في تهريب وشراء وتخزين الأسلحة داخل الأردن، وكيفية تجنيدهم في حركة حماس...... أظهرت الصور المئات من قطع السلاح التي تنوعت بين اسلحة اتوماتيكية/كلاشينكوف، ورشاشات، وصواريخ غراد متوسطة المدى، وصواريخ لاو تستعمل ضد المنشآت والسيارات، وصواريخ كاتيوشا بعضها صناعة إيرانية، وذخائر، وقنابل يدوية، وألغام، ومتفجرات من أنواع مختلفة.
وتحدث المتهمون عن سفرهم إلى سورية واجتماعهم فيها مع عناصر قالوا أنهم أعضاء في حركة حماس دربوهم عسكرياً وأمنياً، وعلى كيفية التحقيق ومقاومته، وزودوهم بتعليمات حول أمن الاتصالات، وأمن المواصلات، والأمن الشخصي وغيرها، كما زودوهم بخرائط لاماكن أسلحة خزنت في الأردن.
إشارة إلى أن الأردن أعلن أول أمس الأربعاء عدد الذين تمَّ اعتقالهم الشهر الماضي بتهمة تهريب الأسلحة للأردن من سورية والتخطيط للقيام بعمليات من شأنها زعزعة الاستقرار في المملكة الأردنية، وقال الناطق باسم الحكومة إنهم حوالي عشرين فلسطينياً ينتمون لحركة "حماس".
وأضاف إن قوات الأمن عثرت على كميات من الأسلحة بينها قذائف صاروخية، قام أعضاء حماس بإخفائها في أنحاء متفرقة من البلاد.
رد الحكومة الفلسطينية
ومن جانبها ردت الحكومة الفلسطينية على ما أثاره التلفزيون الأردني، فنفى رئيسها إسماعيل هنية الاتهامات وأكد أن (لا صحة مطلقا لكل ما يتم الحديث عنه، وتلقينا تأكيدات من قيادة حركة حماس في الخارج بأنه لا صحة للموضوع).
وانتقد هنية ما أسماه التصعيد الإعلامي وقال: لا داعِ لاستحضار المسألة في الإعلام بين الحين والآخر وخصوصاً في وقت يتعرض الشعب الفلسطيني لحصار من الخارج.
أما الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية فقد أعتبر أنه (نظراً لعدم مشاركة أعضاء من الحكومة الفلسطينية بالاجتماعات التي عقدت في عمان " بين مسؤولي المخابرات في البلدين" وانطلاقا من حرص الحكومة على حق المواطن الأردني أن يطلع وبكل شفافية على الحقائق والأدلة .... تكتفي الأجهزة الأمنية اليوم بكشف بعض اعترافات ونشاطات مجموعة واحدة فقط من عناصر حماس المعتقلة لديها والذين يزيد عددهم عن عشرين شخصا من المتورطين في هذه النشاطات.
وأوضح الناطق أن (الأردن طلب من السلطة الوطنية الفلسطينية إرسال وفد سياسي امني يضم أعضاء من الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس حرصا على تطويق تداعيات القضية بعيدا عن الأضواء ووسائل الإعلام)، معربا عن الأسف (لعدم قيام الحكومة الفلسطينية بإرسال أعضاء مع الوفد واختيارها عدم المشاركة).
إلا أن ممثل حركة حماس في لبنان أسامة حمدان نفى هذا الكلام وأكد أن الحركة لم تتلقَ أي دعوى للتباحث في الموضوع وقال: إن الأردن اتهم حركة حماس ثم وجه الدعوة لـ "أبو مازن /الرئيس الفلسطيني محمود عباس/ "، وكان الأولى أن يوجه الدعوة لحركة حماس.
واعتبر حمدان أن الحديث مع الرئيس عباس في هذه المسألة (حمل في طياته إشارة واضحة أن الجهات المعنية في الأردن تحاول الحصول على شرعية لروايتها من طرف فلسطيني)، متهماً هذه الجهات بلعب دور (لإحداث شرخ في العلاقة بين حركة حماس وأبو مازن ).
وفي السياق نفسه، شدد سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس على عدم وجود مبرر لإرسال وفد فلسطيني إلى العاصمة عمان، واستهجن تدخل السلطة الفلسطينية في هذا الموضوع باعتبار أن الاتهامات موجهة إلى الحركة مباشرة، معتبراً أنه لا يوجد أي مبرر لإرسال أي وفد باسم السلطة إلى عمان للتدخل في هذا الموضوع، خاصة في وجود ما أسماه "وجود أحكام مسبقة بهذا الخصوص".
واتفق مع ما ذهب إليه حمدان وأبو زهري الشيخ نايف الرجوب وزير الأوقاف الفلسطينيّ، الذي أكد أنّ الحكومة لن تكون طرفاً في مسرحية الأسلحة التي تدّعيها الأردن، لذلك لم تشتركْ في الوفد الأمني إلى الأردن الذي اتهمه باستجابته للضغوط الأمريكية والأوروبية في عدم التعامل مع الحكومة الفلسطينية، وقال: إن الأردن أراد ذريعة لذلك، فابتدع مسرحية الأسلحة التي لا تقوم على أساس.
بدوره، طالب الدكتور صلاح البردويل المتحدث باسم كتلة حركة "حماس" البرلمانية الحكومة الأردنية بالتوقف عن مثل هذه الاتهامات للحركة والتي لا أساس لها من الصحة، معتبراً أن (اعتقال أعضاء من حماس في الأردن لا يعني صحة الرواية، وإنما جاء من أجل استكمال المسلسل الأردني).
وقال البردويل: لا يمكن أن يكون لحماس علاقة بمثل هذه العملية لا من قريب ولا من بعيد فهي خارجة عن قيم ومعايير الحركة، منوهاً أن (الرواية الجديدة جاءت من أجل الضغط على الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس).
موقف حماس
ورغم كل التوتر السائد في العلاقة بين الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس، والأردن، وما رافقها من مشادات كلامية وتصريحات من كل طرف يتهم فيها الآخر، ويدافع بها عن نفسه، فقد بدا جلياً أن الحركة تسير في طريق التهدئة، ونزع فتيل الأزمة، والإبقاء على علاقة حسنة مع الأردن.
فنائب رئيس المكتب السياسي للحركة الدكتور موسى أبو مرزوق أكد لـ (الجمل) أن الحركة (معنية بتجاوز الأزمة، وتتمنى أن لا تتجه الأمور نحو التصعيد).
وبينما أوضح رئيس الحكومة إسماعيل هنية أن (ما يعنينا هو العلاقة الثابتة والمحترمة مع الأردن الشقيق، ملكاً وحكومة وشعباً ).....عمل ممثل الحركة في لبنان أسامة حمدان على التفريق بين علاقة حماس مع الشعب الأردني من جهة، وعلاقتها مع القيادة الأردنية من جهة أخرى، وشدد على أن الحركة (ستظل تُقدّرُ للشعب الأردني مواقفه الداعمة لفلسطين وقضيتها وللمقاومة ولحركة حماس)، قبل أن يؤكد أن ( محاولة إحداث شرخ بين الحركة والشعب الأردني لن تنجح مهما بذلت الحكومة بذلك من أسباب ).
أما النائب وأحد قادة حماس يحيى موسى الذي وصف الموضوع بـ (سحابة صيف ستنتهي والمشكلة في طريقها للحل) فنوه أن الحركة غير معنية بخلق مشاحنات وتوترات مع أي جهة كانت خاصة الأردن الذي وصفه بـ (عمق استراتيجي يحوى الملايين من الفلسطينيين).
علاقة ملتبسة
تأسست حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بُعيد انطلاقة الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة، ووزعت الحركة أول بيان لها في الخامس عشر من كانون الأول 1987.
أقام بعض قادة حماس في الأردن الذي انتقل إليه خالد مشعل من الكويت بعد احتلالها من النظام العراقي السابق عام 1990، وبعدها بسنتين عاد المهندس موسى أبو مرزوق إلى الأردن من الولايات المتحدة مُنهياً دراسته العليا، أما القيادي إبراهيم غوشه فقد كان مقيماً في عمان منذ الستينات.
1992 عينت حركة حماس القيادي محمد نزال ممثلاً لها في الأردن.
1995 طرد الأردن الدكتور موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي للحركة، فغادر إلى الولايات المتحدة حيث اعتقلته السلطات الأميركية من دون تهمة، ليخلُفَه مشعل في رئاسة المكتب السياسي للحركة.
أبو مرزوق ظل محتجزاً حتى تقدمت إسرائيل بطلب تسلمه من واشنطن لاتهامه بإصدار أوامر وتحويل أموال إلى مقاتلي الجناح العسكري للحركة.
1996 أصدرت محكمة فدرالية أميركية حكماً بتسليم أبو مرزوق إلى السلطات الإسرائيلية، لكن أبو مرزوق قرر عدم استئناف الحكم بعد أن أمضى 18 شهراً في زنزانة انفرادية في سجن نيويورك الفدرالي.
إسرائيل عدلت عن طلبها، ورفضت تسلم أبو مرزوق خشية تنفيذ الجناح العسكري لحماس هجمات عسكرية انتقامية، فاستقبله الأردن عام 1997 وهو نفس العام الذي تعرض فيه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لمحاولة اغتيال فاشلة في عمان على يد عملاء جهاز "الموساد" الإسرائيلي الذين لاحقهم مرافقو مشعل وقبضوا عليهم وسلموهم للسلطات الأردنية.
طلبت إسرائيل من الأردن استعادة عملائها، فاشترطت الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة "حماس" والمحكوم بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية وهو ما حدث.
1999 أغلقت السلطات الأردنية مكاتب حركة "حماس" على أراضيها، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق ستة من قادتها بتهمة الانتماء إلى تنظيم "غير أردني" هم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي، وموسى أبو مرزوق، وإبراهيم غوشة، وعزت الرشق، وسامي خاطر، ومحمد نزال.
حين صدر القرار كان مشعل وأبو مرزوق وغوشة في إيران لكنهم عادوا إلى البلاد، فأبعدت السلطات أبو مرزوق الذي لا يحمل الجنسية الأردنية، واعتقلت مشعل وغوشة، وكانت قبل ذلك قد اعتقلت الرشق وخاطر، بينما اختفى محمد نزال (ممثل "حماس" في الأردن) .
لم يشفع للأربعة المعتقلين أنهم يحملون الجنسية الأردنية، فأبعدوا إلى قطر.
أما نزال المتخفي فعاود الظهور بداية عام 2001 في عمان بعد نحو سنة من اختفائه، دون أن تُقدِم السلطات الأردنية على اعتقاله.
الجمل - وكالات
إضافة تعليق جديد